الأحد 28 ابريل 2024

الصفقة الأكبر.. واستراتيجية التنمية

صورة أرشيفية

3-3-2024 | 20:36

بقلم: هبة زين
تقع مدينة رأس الحكمة، على رأس الساحل الشمالى، وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة فى الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالى الغربى وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التى تبعد عنها 85 كم، وتشتهر رأس الحكمة بالاستراحة التى أنشأها الملك فاروق فى المنطقة، وتحولت بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 إلى استراحة رئاسية. إلا أن المدينة كجزء من منطقة الساحل الشمالى الغربي- كانت بعيدة عن مجريات التطوير لعقود، ما أدى لتدهور العديد من الخدمات المقدمة لأهالى المدينة، وهو ما انعكس على حياة أهالى المدينة. إلا أنه فى الآونة الأخيرة أولت الدولة مزيدًا من الاهتمام بمنطقة الساحل الشمالى الغربى بوجه عام، ومحافظة مطروح بشكل خاص. للعمل على تعظيم الاستفادة من الإمكانيات الهائلة التى تتمتع بها المدن الجديدة بمطروح، سواء على المستويات الاستثمارية أو السياحية والتنموية، بما يحقق نقلة نوعية فى مستوى المعيشة لأبناء المحافظة والمنطقة عمومًا. تعتبر منطقة الساحل الشمالى الغربى، بما تمتلكه من موارد مختلفة، أمل مصر لاستيعاب الزيادة السكانية خلال الأربعين عامًا المقبلة، وتُقدَّر بحوالى 34 مليون نسمة. وعلاوة على ذلك، ستولد المشروعات المزمع تنفيذها بالمخطط نحو 11 مليون فرصة عمل حتى سنة الهدف 2052. فمن أهم الأهداف الاستراتيجية للتنمية الإقليمية للساحل الشمالى الغربى تحقيق معدل نمو اقتصادى مرتفع لا يقل عن 12فى المائة فى السنة، وتوطين ما لا يقل عن 5 ملايين نسمة، بالإضافة إلى دمج المنطقة فى الاقتصاد القومى والعالمى عن طريق زيادة مساهمتها فى الناتج المحلى الإجمالى من أقل 5فى المائة حاليًا إلى 7 فى المائة. ويهدف المشروع أيضًا إلى الارتقاء بالأوضاع الاجتماعية وتحسين الأحوال المعيشية للمجتمعات المحلية، بحيث لا يقل مؤشر التنمية البشرية عن 7.7 فى المائة، وكذلك تطوير شبكات البنية الأساسية وتعزيز علاقات التبادل بين المنطقة وباقى الأقاليم المحيطة. ويعتمد الفكر التنموى المقترح لهذا المشروع وفق مخطط التنمية العمرانية المتكاملة لمصر لعام 2052، على إنشاء العديد من المدن الجديدة المستدامة والذكية من الجيل الرابع؛ لاستقطاب ملايين من السكان، وتحقيق التنمية العمرانية المتكاملة للساحل الشمالى الغربى باعتباره من أكثر المناطق القادرة على استيعاب الزيادة السكانية، من خلال خلق أنشطة اقتصادية متميزة توفر فرص عمل لأعداد كبيرة من الشباب خلال العقود القادمة. وذلك كله يقوم على الاستخدام الأمثل لكافة الموارد والمقومات فى هذا النطاق، ويتمثل ذلك فى استغلال المناطق جنوب الشريط الساحلى بدءًا من العلمين إلى السلوم فى استصلاح الأراضى بالاعتماد على مياه الأمطار والمياه الجوفية، وإمكانية استصلاح ملايين الأفدنة على تحلية مياه البحر ومياه الصرف الزراعى المعالجة؛ لاستزراع نباتات الوقود الحيوى والأعلاف، بجانب استغلال منخفض القطارة فى التنمية المتكاملة. وتنمية المدن الساحلية القائمة كمراكز تنمية رئيسة؛ فقد شهدت محافظة ومدينة مطروح موجة تنموية كبرى، فبلغت قيمة الاستثمارات العامة الموجهة لمحافظة مطروح بخطة عام 2020/2021 حوالى 13.3 مليار جنيه، موجهة لمشروعات بقطاعات (الطرق والنقل، والكهرباء، الإسكان، والكبارى والأنفاق، تحسين البيئة، وتدعيم احتياجات الوحدات المحلية، الأمن والإطفاء). كذلك إنشاء مراكز سياحية عالمية، إضافة إلى استغلال ظهير الاستصلاح الزراعى فى إنشاء تجمعات عمرانية جديدة (العلمين الجديدة، رأس الحكمة، جرجوب، سيدى براني) قائمة على الأنشطة السياحية والسكنية، وأنشطة التصنيع الزراعى والتعدين، فضلًا عن إنشاء عدد من التجمعات البيئية الجديدة لخدمة أنشطة سياحة السفارى. ولعل مدينة العلمين الجديدة كانت باكورة مدن الجيل الرابع بالمنطقة، وأحد أهم أقطاب التنمية المتكاملة للساحل الشمالى الغربي، وتقع المدينة على ساحل البحر المتوسط شرق مطار العلمين بحوالى 35 كم على مساحة 48 ألف فدان. ومن المستهدف أن تتحول مدينة رأس الحكمة– على غرار العلمين الجديدة- لواحدة من أهم الوجهات السياحية حول العالم. الصفقة الأكبر مع مطلع فبراير الجارى، تواترت الأحاديث واللغط والمزاعم حول مدينة رأس الحكمة لكن دون أية تفاصيل رسمية. لكن فى يوم 23 فبراير، تم الإعلان عن أكبر صفقة استثمار مباشر لتطوير مدينة وإنشاء مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالى الغربي، من خلال شراكة استثمارية، بين وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ممثلة فى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، و«شركة أبوظبى التنموية القابضة» بدولة الإمارات العربية المتحدة. حيث يوصف المشروع بأنه الأضخم على الإطلاق، إذ يتم إقامة مدينة متكاملة «مدينة رأس الحكمة الجديدة» على مساحة تصل إلى 170.8 مليون متر مربع أى أكثر من 40 ألفًا و600 فدان. باستثمار مباشر يقدر بـ35 مليار دولار، بخلاف حصة من أرباح المشروع طوال فترة تشغيله تخصص للدولة. إذ ينقسم العقد المالى للصفقة إلى شقين؛ جزء مالى يتم سداده كمقدم، فى غضون شهرين تقريبًا بإجمالى 35 مليار دولار، تقسم على دفعتين، الأولى خلال أسبوع بإجمالى 15 مليار دولار، ستكون مقسمة إلى 10 مليارات دولار تأتى سيولة من الخارج مباشرة، بالإضافة إلى تنازل دولة الإمارات أو الحكومة الممثلة فى شركة أبوظبى القابضة، عن جزء من الودائع الموجودة بالبنك المركزى المصري، والتى تمثل 11 مليار دولار، بحيث سيتم استخدام 5 مليارات منها فى الدفعة الأولى. والدفعة الثانية بعد شهرين من الدفعة الأولى بإجمالى 20 مليار دولار، عبارة عن 14 مليار دولار تأتى سيولة مباشرة، بالإضافة إلى الجزء المتبقى من الودائع الذى يمثل 6 مليارات دولار، وبهذا يكون هناك 24 مليار دولار سيولة مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع سيتم تحويلها بالجنيه المصري، لاستخدامها فى تنمية المشروع. بالإضافة إلى ذلك سيكون للدولة المصرية 35 فى المائة من أرباح المشروع طوال فترة تشغيله تخصص للدولة، ويتوقع الجانب الإماراتى استثمار ما لا يقل عن 150 مليار دولار، سيتم ضخها طوال مدة تنفيذ المشروع لتنمية مدينة رأس الحكمة. ومشروع تنمية وتطوير مدينة رأس الحكمة ليس الرابط الأول للعلاقات المصرية الإماراتية على الصعيد الاقتصادى، فالإمارات تُعد أكبر دولة مستثمرة فى السوق المصرية، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية المصرية الإماراتية تطورًا نوعيًا خلال 50 عاما من التعاون الثنائي. وسجلت قيمة الاستثمارات الإماراتية فى مصر 5.7 مليار دولار خلال العام المالى 2021/2022 مقابل 1.4 مليار دولار خلال العام المالى 2020/2021 بنسبة ارتفاع قدرها 300.8فى المائة. وأكد الاتفاق بين البلدين حول المشروع على أن تقوم المصانع المصرية بتوفير المواد الخام، ومدخلات الإنتاج، كذلك ستقوم شركات المقاولات والتطوير العقارى واللوجيستيات المصرية بإنشاء وتطوير المدينة بأيادٍ مصرية، وهو ما يخلق ملايين فرص العمل للشباب أثناء إنشاء المدينة، وحتى مع تشغيل المدينة والتى يتوقع أن تكون مدينة متكاملة متعددة الأنشطة الاقتصادية. مدينة متكاملة ومن المقرر أن تكون المدينة إحدى المدن الذكية الرقمية والتكنولوجية المتكاملة وليس مدينة سياحية صيفية فقط، تتألف بشكل رئيسى من المرافق السياحية ومنطقة حرة ومنطقة استثمارية، إلى جانب توفر المساحات السكنية والتجارية والترفيهية بالإضافة إلى سهولة الاتصال المحلى والدولى من المنطقة، فالمشروع سيتضمن أحياء سكنية لكل المستويات، وفنادق عالمية على أعلى مستوى، ومنتجعات سياحية، ومشروعات ترفيهية عملاقة، بالإضافة إلى جميع الخدمات العمرانية، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات والمبانى الإدارية والخدمية، وكذا منطقة حرة خدمية خاصة تحتوى على صناعات تكنولوجية وصناعات خفيفة وخدمات لوجستية لخدمة المدينة، فضلًا عن إنشاء حى مركزى للمال والأعمال من أجل استقطاب الشركات العالمية لتكون موجودة فى هذه المدينة، بالإضافة إلى ما تقدم، ستحتوى المدينة على مارينا دولية كبيرة لليخوت والسفن السياحية الموجودة فى البحر المتوسط، كى تستفيد منها. وخارج أرض المشروع، تم الاتفاق على أنه سيتم تطوير وإنشاء مطار دولى جنوب المدينة، حيث سيتم تخصيص قطعة أرض لوزارة الطيران المصرية، ومن خلال استخدام قانون التزام المرافق العامة الذى يتم التعامل به فى الدولة المصرية سيتم التعاقد مع شركة أبوظبى التنموية لتطوير وتنمية المطار، ويكون للدولة المصرية حصة من عوائد هذا المطار. حصاد الجهود ويُعد نجاح مدينة رأس الحكمة فى استقطاب واحدة من كبرى الشركات العربية لإقامة مشروع استثمارى بمثل هذه الضخامة ما هو إلا بلورة لعدة عوامل مجتمعة، منها العوامل الطبيعية، إذ تتميز المنطقة بخصائص طبوغرافية، وبيئية وساحلية وتراثية فريدة؛ كمقابر الكومنولث والمقبرة الإيطالية والألمانية. إلى جانب خطط واستراتيجيات الدولة التى شرعت فى تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية، والتى جعلتها واحدة من الوجهات الواعدة للاستثمار الخاص المحلى أو الأجنبي. وقد نجحت الدولة فى تنفيذ المرحلة الأولى من البرنامج الوطنى للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى فى نوفمبر 2016، الذى شمل اعتماد العديد من الإصلاحات واتخاذ تدابير حافزة لتهيئة بيئة عمل مناسبة، كما سنت الدولة العديد من الإصلاحات التشريعية والمؤسسية التى تدعم بيئة الاستثمار، لتبسيط إجراءات إنشاء المشروعات، بالإضافة إلى العمل على إعداد البنية التحتية وتحسين جودتها كإحدى الركائز الرئيسية لتمهيد الطريق لمشاركة القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال المصرية. فمن أبرز هذه الجهود، ما تم تنفيذه بمنطقة الساحل الشمالى الغربى، وكانت من أهم العوامل الجاذبة للاستثمار وتنمية قناة السويس، التى تعد مركزًا لوجستيًا وصناعيًا عالميًا، ومشروعات شبكة طرق وكبارى عملاقة منها ما يربط منطقة الساحل الشمالى الغربى بالعاصمة وباقى المحافظات، من خلال طريق فوكا (140 كم من القاهرة لمدخل العلمين)، وطريق سيوه مطروح، كذلك المشروع القومى لتطوير وإنشاء الموانئ البحرية والجافة والمناطق اللوجيستية، ومنها ما أسهم فى ربط المنطقة بالأقاليم المحيطة من خلال إنشاء أكبر ميناء تجارى غرب البلاد بمدينة النجيلة، ميناء السلوم البرى الذى تبلغ مساحته 286 فدانًا. ومشروعات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، ولعل أبرزها محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء وإنشاء مدن ذكية جديدة (23 مدينة)، منها مدينة العلمين الجديدة، كما تم مد وتحسين جودة شبكة المرافق والخدمات المقدمة للمواطنين، وتم بمحافظة مطروح إنشاء 8 محطات لتحلية مياه البحر. على الجانب الآخر، تم إصدار قانون ضمانات وحوافز الاستثمار رقم 72 لسنة 2017 وقوانین أخرى مثل قانون الضرائب الموحد وقانون الجمارك وتعدیل قانون المحاكم الاقتصادیة وغیرها من القوانین التى تساعد فى جذب الاستثمار، هذا بخلاف المجلس الأعلى للاستثمار وقراراته المتعلقة بمعالجة العقبات التى تواجه إنشاء الشركات الجديدة، بالإضافة إلى وثيقة سياسة ملكية الدولة التى توضح للمستثمرين دور الدولة فى مختلف القطاعات، وأيضًا الرخصة الذهبية التى تمنحها الدولة لإقامة المشروعات وتشغيلها وإداراتها فى مدة لا تتعدى 20 يومًا عمل. هذه الاستراتيجيات والخطط أسهمت فى تسجيل صافى الاستثمار الأجنبى المباشر نتيجة زيادة رأسمال الشركات الحالية حوالى 1.2 مليار دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 مقارنة بالهدف البالغ 875 مليون دولار، كما أن صافى الاستثمار الأجنبى المباشر نتيجة تأسيس شركات جديدة سجل 90.4 مليون دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022 مقارنة بالهدف البالغ 66.25 مليون دولار، كما وصلت طلبات الاستثمار للفرص المتاحة إلى 42 طلبًا خلال الفترة من يناير إلى مارس 2023 مقارنة بالهدف البالغ 40 طلبًا، وتم تسجيل نمو ملحوظ فى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر الصافى بنسبة 451.3 فى المائة فى الربع الثانى من العام المالى 2022/2023. ختامًا، وفق ملاحظة الأداء الحكومى خلال الآونة الأخيرة، يمكن التأكيد على أنه رغم التحديات والتغيرات الدولية الاقتصادية والجيوسياسية غير المسبوقة، إلا أن الحكومة المصرية بكل مؤسساتها ركزت كافة جهودها على جذب الاستثمار وخلق فرص للشراكات الاستثمارية التى تحقق المصلحة المشتركة لجميع الأطراف، خاصة بالقطاعات التى تعمل على تنويع الهيكل الإنتاجي، لإعطاء قوة دفع للاقتصاد المحلى بتحسین قدرته على التفاعل مع الاقتصاد العالمى والمشاركة فى العملیة الإنتاجیة الدولیة، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية.