الأحد 5 مايو 2024

بشارة واكيم يكشف عن ذكرياته في مقال نادر لـ«الكواكب»

بشارة واكيم

كنوزنا5-3-2024 | 17:10

لؤلؤة النجمي

تحل اليوم ذكرى ميلاد أحد الرعيل الأول للسينما المصرية الفنان بشارة واكيم والذي قدم عشرات من الاعمال التي أثرت الحياة الفنية في مصر و العالم العربي واحتفت به مجلة الكواكب في مقال نادر نشر عام 1955 جاء فيه:

احتفل في الأسبوع الماضي بالذكرى الخامسة لوفاة المرحوم بشارة واكيم ، ولا يعنينا هنا ان نشير الى ان احياء ذكراه اقتصرت على افراد اسرته ولم تفكر احدى الهيئات الفنية أو احد زملائه بالاحتفاء بذكرى هذا الرجل . فقد اصبح من المألوف ان ينسى الوسط الفني الذين ساهموا بجهودهم في خلق النهضة الفنية بمجرد ان يواری التراب اجسادهم ، ولكن يهمنا ان نحتفل نحن والقراء بذكرى هذا الفقيد الذي ترك فراغا كبيرا في السينما والمسرح.

ولعل من طريف مايذكر في هذه المناسبة مارواه بشارة واكيم عن ذكرياته الفنية الاولى ... كان بشارة يتردد على مسرح دار التمثيل العربي عام ۱۹۰۸ لبشاهد المرحوم الشيخ سلامه حجازی ، ولم يكن تجاوز العشرين من عمره في ذلك الوقت، وعرفه الشيخ سلامة من كثرة تردده على المسرح وعلى الحلقات الفنية التي كان يتوسطها الشيخ ويجتمع حوله فيها. تلاميذه ومريدوه،وكانوا كلهم من الشباب المثقف الذي رأى في المسرح فنا جديدا يبشر بمستقبل زاهر. وحدث ذات مرة ان صحب بشارة احد اقاربه الى اجتماع الشيخ سلامة ، وجلس قريبه هذا يستمع إلى مناقشات بشارة مع الشيخ سلامة ، ولاحظ ان بشارة يتكلم باهتمام كبير عن المسرح ويدافع عن نظريات فنية ... ورأی قریبه ان في مثل هذه المناقشات خطرا يهدد اخلاق بشارة ، كما ان تردده على اجتماعات الفنانين سوف يجره الى نتائج أكثر خطرا من الثقافة الفنية ، فتطوع بنقل ماحدث الى أسرة بشارة التي هالها الامر ، واجتمعت اجتماعا عائليا ، واستدعت بشارة للتحقيق معه في التهم المنسوبة اليه ولم ينكر بشارة حرفا واحدا مما نسب اليه نما كان من افراد الاسرة الا ان انهالوا على بشارة ضربا ... ولم يكتفوا بهذا بل قرروا فسخ خطبته من احدى قريبته جزاء له على انه فكر في الاجتماع بالفنانين ، وكان بشارة يحب قريبته هذه حبا كبيرا ، ولما فسخت خطبتها واعلن والدها خطبتها لشاب آخر ظل بشارة طول حياته مضربا عن الزواج!

اديب ممتاز

وكان بشارة واكيم اديبا يطالع كل ماتنتجه المكتبة الغربية ، وقد ترجم للمسرح عدة روايات من الأدب الغربي ، كما اقتبس ومصر عددا كبيرا من هذه الروايات ، وكان يوسف وهبى يعتمد عليه اعتمادا كبيرا في نقل الروايات الاجنبية إلى اللغة العربية ، وكان بشارة يؤمن ايمانا كبيرا بأن المسرح المصري لن يصل الى المكانة الممتازة مالم يجتز فترة يطعم بها أدبه بالآداب الغربية ، وكان يدافع عن هذا الرأي دفاعا كبيرا الى حد أنه اشترك في محاضرة نظمت بقاعة يورت التذكارية واشترك فيها عدد من الأدباء الشبان الذين يكتبون الروايات ، ووقف بشارة يدافع عن رأيه ، ولكن احد هؤلاء الشبان قاطعه بشكل وقح، فخلع بشارة جاكتته وحاول ان يهجم على الشاب ليسكته وضجت القاعة بالضحك فهدا بشارة ... وسکت
ذاكرة قوية

وكان بشارة احد قلائل لايعتمدون في تمثيلهم على الملقن او ينتظرون مدير المسرح لينبههم الى وقت دخولهم الى المسرح الى المسرح ... فقد كان يحفظ دوره عن ظهر قلب وقلما كان يسهو أو يخطىء وهو على المسرح ، ولما كان ذلك معروفا عنه فقد كان الملقنون لا يهتمون بتلقينه « مفتاح الجملة » كما يقولون في المسرح ، ولكن حدث ذات مرة ان نسى بشارة كلمة في احدى روايات الريحاني ، وانتظر ان يذكره بها الملقن بغير جدوى والتفت بشارة اليه فاذا به غارق في تعسيله ... والطريف أن بشارة ذهب بعد هذا الحادث الى جميع دور الصحف لينشر بيانا يقول فيه ان ذاكرته اصبحت ضعيفة وانه يرجو من حضرات الملقنين ان لا يعتمدوا ابتداء من اليوم والايام التالية ـ على ذاكرته!
جائزة الدراما 

وبدأ بشارة واكيم حياته الفنية في فرقة جورج ابيض يمثل أدوار الدراما واستطاع في فترة قصيرة ان يكون من ابرع ممثلی هدا اللون من المسرح ، وكان ايضا يمثل باللغة الفرنسية في الفرقة التي انشأها جورج ابيض ، وظل بشارة يزاول هذا اللون من التمثيل الى ان حصل على جائزة الدراما في المسابقة التي نظمتها وزارة المعارف عام ١٩٢٦ ولما اتجه بشارة ناحية التمثيل الفكاهي طبع بطاقة باسمه وكتب تحت الاسم : « حاصل على جائزة الدراما من وزارة المعارف وممثل فکاهی حاليا »
 احترامه لفنه

وكان اشد مايغضب بشارة واكيم ان يزوره صديق او قريب اثناء عمله الفني ، وكان من اقواله المأثورة ان كل شيء بشغل الفنان عن عمله أو يتسبب في تعطله جريمة لا تغتفر.

وقد حدث ذات مرة ان مرضت السيده شقيقته وكانت اقرب انسانة الى قلبه ، واشتد عليها المرض ، ورأی احد اقاربه ان يذهب الى المسرح ليبلغ بشارة نبا اشتداد المرض عليهـا وليسأله عما يجب أن يعمله ، ولخطورة الامر واهميته صعد قريبه الى كواليس المسرح لمقابلته ، وكان بشارة مندمجا في دوره ، ولما هم قريبه بالتحدث اليه ثار وغضب وهجم عليه وهو يشبعه لكما وضربا حتى انقده عمال المسرح واخرجوه خارج المسرح...

وكانت أحب هواية الى نفس بشارة هي « صيد السمك » ، وكان يحرص كل أسبوع في اخريات ايامه على السفر الى السويس لاشباع هوايته ، وقد كلفته هذه الهواية مبالغ كبيرة ، وكان من أبرع الصيادين الهواة، وكان أيضا خبيرا في اصول هذه الهواية حتى انه فكر في وضع كتاب عن هواية صيد السمك.

 وكان السير على الاقدام من هوايات بشارة ايضا ، وكان يستطيع ان يسير مسافات طويلة دون ان نكل او يتعب ، وعندما اشتد عليه المرض في أيامه الاخيرة منعه الاطباء من الحركة ، ولكنه لم يحتمل الامر وهدد بالانتحار مالم يسمح الاطباء بالسير كل يوم ساعة على الاقل.

وكان من ابرز خصاله الحميدة انه لاينسى صديقا قديما وقد حدث ذات مرة ان كان بشارة يركب سيارة فاخرة لاحد المنتجين ، وعند تقاطع شارعين لمح احد أصدقائه القدامي ، وكان ذات يوم فنانا مسرحيا ولكن المرض حطم قواه وأصابه الفقر ، رآه بشارة يستجدي في الشوارع ، فطلب من السائق ان يقف ونزل بشارة الى صديقه القديم يذكره بنفسه وركب بشارة مع صديقه القديم وصحبه الى بيته حيث أكرم وفادته ، وطلب اليه ان يزوره في مواعيد منتظمة ليمده بالاعانة التي تقبه ذل السؤال.