السبت 27 ابريل 2024

حكايات «كليلة ودمنة».. قصة «المحتال والمغفل» (1ــ30)

كليلة ودمنة

ثقافة11-3-2024 | 15:01

أروى أحمد

«كليلة ودمنة» هو من أشهر الكتب بالعالم التي تقدم عالما كبيرا من  الحكايات والكتاب يضم  مجموعة من القصص المتنوعة، التي ترجمها عبد الله بن المقفع من الفارسية إلى اللغة العربية في العصر العباسي وتحديدا في القرن الثاني الهجري، وكتبه بأسلوبه الأدبي، وقد أجمع عدد كبير من الباحثين على أن الكتاب يعود للتراث الهندي، وتمت ترجمته في البداية إلى اللغة الفارسية ثم إلى اللغة العربية، وسبب نشأته جاءت من رغبة ملك هندي يدعى دبشليم بتعلم خلاصة الحكم بأسلوب مسلي فطلب من حكيمه بيدبا أن يؤلف له هذا الكتاب.

 

وكان للنسخة العربية من «كليلة ودمنة»  دورًا رئيسيًا ومهما في انتشاره ونقله إلى لغات العالم، ويصنفه النقاد العرب القدامى في الطبقة الأولى من کتب العرب، ويرون أنه أحد الكتب الأربعة المميزة إلى جانب كتب أخرى، وهو يحتوي على  خمسة فصول تضم خمسة عشر بابًا رئيسيًا يتناول قصص تراثية للإنسان على لسان الحيوانات.

 

وتقدم  بوابة «دار الهلال» لقرائها طوال شهر رمضان المبارك 1445 هجريا، من كتاب «كليلة ودمنة» كل يوم قصة،و أول القصص التي سنبدأ  اليوم  بعنوان  «المحتال والمغفل».

 

وجاء بالقصة «زعموا  في أحد الأزمان أن مغفلا قد اشترك في تجارة مع مخادع وقد اتفق الاثنان على السفر معا، وجهزا البضاعة سويا، وفي اليوم التالي انطلق الرجلان وهما يحلمان بالذهب والفضة، وبعد أن مشيا طويلا  قال المحتال دعنا نسترح الليلة هنا بجانب البركة وغدا نكمل الطريق، فقال مغفل حسنا، فقال المحتال: إذا فالننزل البضاعة لتسترح البغال، فأجابه المغفل: بهيا بنا لنفعل ذلك فنحن لم نحمل شيء ونشعر بالتعب فما بالك بالبغال،فقال المغفل :«سأذهب أنا إلى إحضار بعض الأخشاب من الواحة هناك، حتّى نتمكن من التدفئة ليلاً»، وقال المحتال: «وأنا سأقومُ بإشعال النيران لنتمكّن من تحضير الطعام».

 

وبينما كان المغفل يجمع بعض الأخشاب وتقطيعها إذ به يجد كيسا ثقيلا وما إن قام بفتحه حتى أصابته صدمة مما رآه، إذا عثر المغفل على كيس به 1000 دينار بعد أن قام بعده، فأصابه الفرح وقام على الفور بتخبئة الكيس بين طيات ملابسه، وعاد سريعاً إلى صديقه المحتال وهو يحملُ الخشب على ظهره.

 

وما أن شاهده المحتال حتى شك في أمره، وقرر أن يعرف ما يخبئه المغفل وراء ارتباكه الشديد فقال له: «لقد تأخرت يا صديقي في إحضار الأخشاب، فهيا بنا سويا نشعل النيران من أجل تحضير الطعام"، وأشعل الإثنين النار وتناولا معاً ألذ طعام قد صنعته أيديهم، وقرّر المُحتالُ أن يخدع صديقه المغفل ببعض الكلام المعسول عن مدى ما سيكسبانه من وراء التجارة، وعن كمية الذهب والدنانير التي سيحصلان عليها جرّاء تجارتهما وذلك ليطمئن له المغفل، فردّ المُغفّل قائلاً : «إذاً ياصديقي فلننم باكراً، وذلك لنستيقظ في الصباح ونذهب سريعًا إلى سوق البلدة».

 

ونام الرجلان في ليلتهما حتى بزوغ الفجر، وفي صباح اليوم التالي قاما لاستكمال رحلتهما الى سوق البلدة، وحينما وصلا السوق وحان وقت العمل، أظهر المحتالُ براعةً في التجارة وباع أغلب البضاعة بسعرٍ رائع، وهو ما زاد إعجابُ المغفل به، وأثناء عودتهما بعد يومٍ طويل، أراد المُغفّلُ أن يقتسم ربح ذلك اليوم مع المحتال الذي باع كثيراً، فنظر المحتالُ المخادعُ إليه وهو يقول : «ألسنا شريكين في رحلتنا الطويلة هذه ياصديقي؟ وكلُّ ما يحدثُ لنا نتقاسمهُ سويّاً في السراء والضراء».

 

وزاد هذا الكلام من إعجاب المغفل بالمحتال مرةً أُخرى وهو يقولُ له : «أنا أتفقُ معك تماماً ياصديقي، ولكن ما سببُ كلامك هذا؟» فقال المحتال : «أليس هنالك ما تُخبرني به؟» فأحس المُغفّلُ بالإحراج وهو يقولُ للمحتال : «إليك ياصديقي ما حدث..» وشرع المُغفل بإخبار المحتال بشأن الكيس المليء بالدنانير وأنّه عثر على 1000 دينار، وأخبر المغفل صديقه المحتال بأنّه سيتقاسمها معهُ كما اتّفقا.

 

ولكن بالطبع لا يُريدُ المحتال أن يحصل على نصف المبلغ، بل يُريدُ الألف دينارٍ كاملةً غير ناقصة، ففكّر قليلاً ثم قال للمحتال : «لا ياصديقي، لن نتقاسم المبلغ، فنحنُ لا زلنا في البداية، وكلُّ ما سنفعلهُ هو أن نضع الكيس تحت تلك الشجرة هناك، ونتركه لوقت الشدّة، فإذا ما احتاج أحدنا المال ذهب إلى الآخر وأخبره، ثُمّ نقومُ بإخراجه سويّاً، ولكن سيكونُ هذا سرّنا يا صديقي فلا تُخبر به أحد».

 

وبعد أن اتّفق الاثنين، عاد كلٌّ منهما للقرية وقد فاضت جيوبَهما من كثيرة المال والربح من التجارة، ولم يمضِ سوى يومٌ حتى ذهب المحتالُ إلى الشجرةِ وأخذَ الكيسَ الذي يحتوي على الدنانير، ومرّت الأيامُ والشهور حتى احتاج المُغفّل إلى المال، فأتى صديقه المحتال وأخبرهُ بحاجته للمال وأنّهُ بحاجةٍ لإستخراج المالِ من تحتِ الشجرة.

 

وما أن وصلا الشجرة، حتّى بدآ بالحفر سويّاً وعندها لم يجد المُغفّل أيّ مال، فصاح بالمحتال وهو يقول :«هل يُعقلُ بأنّك قد خُنتني وأخذت المال من دون علمي" فأخذ المحتالُ هو الآخر يصرخُ بوجه المغفل وهو يقول : «ماذا تقول أيُّها الرجل؟» فقال المُغفّلُ : «إذاً أخبرني أين المال؟ لقد أعطيتُك الأمان ووثقتُ بك، ولا أحد سوانا يعلمُ بهذا المكان« فردّ المغفّلُ وهو يُدافع عن نفسه: «لستُ الفاعل» وأخذا يتشاجران حتى قرّرا أن يذهبا للقاضي.

 

وما أن وصلا القاضي، حتّى بدآ بالشّجار وظلّا يشرحان للقاضي قصتهما مع الكيس ويُلقي كلٌّ منهما اللوم على الآخر ويتّهم كلٌّ منهما الآخر بسرقته، وهنا قال المُخادعُ المحتالُ للقاضي : «هذا الرجلُ قد أخذ مالي ياسيدي» فقال المُغفّل : «وكيف ذلك والمالُ لي أيُّها الرجل، ولو كنتُ أريدهُ كاملاً ما أُكنت أخبرتك بقصّتهِ منذ البداية» وهنا نطق القاضي قائلاً للمخادع : «هل لك من شاهدٍ على كلامك؟« فردّ المحتالُ قائلاً : «نعم ياسيدي، إنّ الشجرة التي وضعنا تحتها المال هي الشاهد على ما أقول.

 

فاستعجب القاضي من كلام المحتال وهو يقول : «وكيف تشهدُ الشجرةُ على كلامك" فقال المحتالُ: «دعنا نأتي الشجرةَ ياسيدي لترى بنفسك» وكان المحتالُ قد أخبر والده بأن يدخل الشجرة حتى إذا ما حضر القاضي وسألها من السارق يتكلّم وكأنّه الشجرة.

 

وأراد القاضي أن يُسايرهُما ليرى كيف ستكون النهاية وذهبوا جميعًا إلى الشجرة، وهناك قال القاضي مُوجّهاً كلامهُ للشجرة: «إذا إنّه المغفل ياسيادة القاضي» وفي تلك اللحظة فطِنَ القاضي إلى ما يحدث وأمر على الفور بإحراق تلك الشجرة.

 

وما أن سمع والد المحتال بكملة «حرق الشجرة» حتى خرجَ منها وهو يصرخ ويقول : «لا أُريد أن أُحرق، ساعدوني» فأمر القاضي على الفور باقتياد الجميع إلى المحكمة وهناك أمر المخادع بأن يردّ المال للمُغفّل مع الغرامة والحبس له ولوالده ليصير عبرةً لكُلّ محتال

Dr.Randa
Dr.Radwa