الأربعاء 15 مايو 2024

المقاهي بين التاريخ والأثر| «ريش» ملتقى ثوار 1919 وأعرق مقاهي وسط البلد (4-30)

مقهى ريش

ثقافة14-3-2024 | 11:28

بيمن خليل

يُعدّ المقهى جزءًا مهمًا من تاريخ مصر الحديث، فهو أكثر من مجرد مكان لقضاء أوقات الفراغ كما يُظن، تزخر مصر بالعديد من المقاهي العريقة ذات التأثير التاريخي البارز، التي شهدت نهضة فكرية وثقافية هامة على مر العصور، مما أسهم في تغيير مجرى التاريخ، فقد احتضنت المقاهي شرائح مجتمعية متعددة تحت سقف واحد، واكتسبت شهرتها من كبار الشخصيات المؤثرة في ميادين مختلفة سياسية وفنية وأدبية.

 ونستعرض خلال أيام شهر رمضان المبارك بعام 1445 هجرية أشهر المقاهي بمصر والوطن العربي  مما لهم من تاريخ وأثر ونبدأ اليوم برحلة مع مقهى «ريش» ملتقى ثوار 1919 وأعرق مقاهي وسط البلد .

يعتبر مقهى ريش من أعرق المقاهي المصرية في وسط البلد ذات التاريخ الشاهد عليها، وكان مقهى الطبقات الأرستقراطية منذ تاريخ مضى، ومكان تجمُّع نخبة المثقفين والسياسيين، كما شهد أعظم الأحداث المصيرية التي مرت على تاريخ مصر.

وكان المقهى ملتقى لـ زعماء ثورة 1919م، حتى أنه احتوى على وثائق تاريخية عثر عليها الورثة أثناء ترميمه عقب زلزال 92 وكانت الوثائق شاهدة على عراقة هذا المقهى كأنه أثرٌ تاريخيّ، وهو يعدّ كذلك بالفعل، حيث عثروا على آلة لطبع المنشورات عقب شرخ في الجدران بعد الزلزال.

وفي العام 1972 انطلقت منه ثورة الأدباء، احتجاجًا على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنعاني.. كما أنه في ديسمبر عام 1919 شهد محاولة اغتيال رئيس الوزراء وقتها يوسف باشا وهبة.

تأسس مقهى ريش الوقع بمنطقة وسط البلد بالقرب من ميدان التحرير عام 1908م، ونشأ على أنقاض قصر محمد علي بك بالقاهرة، ومَن شيده كان ألمانيّ الجنسية، ولكنه باعه بعد سنوات قليلة إلى أحد الرعايا الفرنسيين، الذي قام بتسميته ريش على اسم أشهر مقاهي باريس بـ فرنسا، وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى قام الفرنسي ببيعه إلى أحد أصدقائه وهو تاجر يوناني مشهور، قام بتحسينه وتجديده، حتى امتلكه أول مصري وهو مجدي ميخائيل.

وكان مقهى ريش ملتقى لأعظم أدباء وشعراء مصر في القرن الماضي، أمثال، نجيب محفوظ وأمل دنقل، ويوسف إدريس، وصلاح جاهين، وثروت أباظة، ونجيب سرور، ويحيى الطاهر عبدالله، وكمال الملاخ، والعديد غيرهم سواء من مصر أو خارجها...

ومقهى ريش كان يستضيف ندوات نجيب محفوظ الأسبوعية والتي كانت تعقد عصر يوم الجمعة منذ عام 1963م، بعد وقف ندواته بالأوبرا، حيث كان يقدم المقهى تخفيضات خاصة للاحتفاء بضيوف نجيب محفوظ، وكان يحرص على حضور الندوة بخلاف الأدباء المصريين، لاجئين سوريين وعراقيين ويمنيين، كالشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي وحسين الحلاق السوري والشاعر معين بسيسو الفلسطيني والشاعر السوداني محمد الفيتوري ومحمد أحمد نعمان السياسي اليمني والأمير علي عبد الكريم سلطان الحج المخلوع.

ويتميز مقهى ريش عن غيره من المقاهي لتاريخه النضالي الكبير، ويعتبر همزة وصل بين أجيال متتالية حتى الآن، وأنه أبرز المعالم الأدبية والثقافية والسياسية، وليس فقط مجرد مقهى لتقديم المشروبات.