قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية الروسية، التي تجرى خلال الفترة 15 ـ 17 من مارس الجاري، أدلى الرئيس بوتين بحديث صحفي للصحفي دميتري كيسيليوف المقرب من السلطة والذي يقدم برنامج سياسي يعد الأهم على قناة روسيا الحكومية الأولى، تناول الرئيس بوتين النزاع الروسي الأوكراني وشروط التفاوض والعلاقات مع الغرب واحتمال تدخل حلف الناتو في النزاع ورد الفعل الروسي على ذلك وتأثيره على أوكرانيا ذاتها وتحدث من جديد عن احتمال استخدام السلاح النووي في حال تعرض بلاده للخطر، بل وتحدث عن هجمات من وصفهم بالمرتزقة على المناطق الحدودية للبلاد وتناول الوضع الداخلي وكأنه يقدم برنامجه الانتخابي للفترة المقبلة.
في الحديث الذي أدلى به الرئيس بوتين يوم 10 مارس وأذيع يوم 13 من نفس الشهر قال إن روسيا مستعدة للتفاوض مع أوكرانيا، لكن عليها الأخيرة أن تأخذ في الاعتبار الواقع على الأرض، ما يعني أن روسيا لا تريد التخلي عن الأراضي الأوكرانية التى سيطرت عليها بعد العملية العسكرية، كما طالب بمنح بلاده ضمانات أمنية، وكشرط هام أنها يجب أن تحظى بموافقة موسكو عليها وتكون مكتوبة بوضوح. تحدث الرئيس بوتين عن خطط ومطامع بولندا في أراض أوكرانيا عندما قال إن وارسو طامعة في أراض أوكرانية تعتقد أنها جزء منها، وحذر من أنه "إذا دخلت وحدات عسكرية بولندية رسمية لأراضي أوكرانيا فإنها لن تخرج منها"، وقال إن البولنديين يحلمون باستعادة الأراضي التي منحها ستالين لأوكرانيا (مناطق في غرب أوكرانيا).
وحول احتمال أن ترسل الولايات المتحدة قوات إلى أوكرانيا قال الرئيس الروسي "هذا يعتبر تدخل، والولايات المتحدة تدرك ذلك"، لكنه عاد وقال إن وجود قوات أجنبية في أوكرانيا لا فائدة منه، وقلل من أهمية إرسال السلاح لأوكرانيا قائلًا: "إنه لن يغير من الوضع على الأرض في شئ".
وتطرق الرئيس بوتين إلى الأوضاع الداخلية في بلاده، وأشار إلى أنه سيغير من منظومة الضرائب في البلاد، وقال إن النظام الضريبي في البلاد لابد من أن يكون أكثر عدلًا. الرئيس الروسي حدد الأشخاص والشركات من ذوي الدخل المرتفع وقال إنهم "يجب أن يدفعوا للموازنة العامة أكثر، لحل المشاكل القومية وعلى وجه الخصوص مكافحة الفقر" من الواضح أن الرئيس الروسي يريد فرض ضرائب تصاعدية بهدف القضاء على الفقر في بلاده، على غرار الطريقة السويدية. وعن مستقبل الاقتصاد الروسي قال الرئيس بوتين إنه على روسيا فعل الكثير في هذا الجانب أي الاقتصاد، ووفق رأي الرئيس اقتصاد روسيا سيتفوق على الاقتصاد الياباني خلال الفترة القريبة القادمة، لكنه استدرك وقال إلا أننا يجب أن نعمل بجد فيما يتعلق بالتأثير والاختراعات.
في نفس السياق تحدث الرئيس بوتين عن مشاكل قد تواجه الاقتصاد الروسي في المرحلة القادمة وعلى رأسها وفق رأيه قلة الكوادر المؤهلة، وأشار إلى أن رجال الأعمال والاقتصاديين يجب أن يكونوا مدركين أن مشكلة نقص الكوادر لن تتغير إلى الأفضل في الأعوام القليلة القادمة، وقال إنه لحل هذه المشكلة يجب أن نرفع إنتاجية العمل وخفض القوى العاملة التى تعمل في هذه الأقسام المنتجة التي من الممكن أن نزيد فيها الإنتاج.
وعاد الرئيس بوتين للحديث عن النزاع مع الأوكراني وتناول مشكلة كانت تؤرق وسائل الإعلام من حيث إمكانية حدوثها من عدمه وهي تسلل عناصر من المرتزقة إلى الأراضي الروسية عبر الحدود مع أوكرانيا وفي المناطق الحدودية لبلاده وقال إن العدو حاول في البداية الهجوم بالدرجة الأولى بمجموعات تخريب. الرئيس بوتين أرجع محاولات هجوم الإرهابيين الأوكران على منطقتي بيلجورود وكورسك بأنه ناتج عن فشل القوات الأوكرانية على أرض المعركة، واعتبر هذه العمليات استعراض لرفع معنويات القوات الأوكرانية ولفت أنظار وسائل الإعلام أكثر من أن تكون عمليات مؤثرة، وأضاف الرئيس بوتين إن الهدف الرئيس للهجمات على الأراضي الروسية إن لم يكن إفشال الانتخابات الرئاسية فإنها تسعى لأن يتم إجراؤها في ظروف عادية.
وتناول الرئيس الروسي مشكلة منطقى الدونباس في شرق أوكرانيا وقال إذا كانت روسيا تتخلى عن مواطنيها فإن الخسائر البشرية ستكون أكبر بكثير، وأشار إلى أن روسيا ذهبت لمساعدة مواطني الدونباس الذين إذا تخلينا عنهم اليوم فإنه غدًا ستكون الخسائر أكبر، وأكد الرئيس بوتين أنه قرر مساعدة هؤلاء المواطنين معتبرًا بأن التخلي عنهم "لن يجعل لأطفالنا مستقبل" لأن روسيا حينها لن تشعر بالثقة في نفسها وستتحول إلى دولة من الدرجة الثالثة أو الرابعة. واختتم الرئيس هذه الفقرة بأن قال إذا لم ندافع عن أنفسنا سيتحول الأمر إلى كارثة لدولتنا.
وعن سير المعارك في منطقة العملية العسكرية الروسية (أوكرانيا) وقال إن زمام المبادرة على الأرض انتقل الآن إلى القوات الروسية بشكل تام، وأكد على أن هذا يعرفه الجميع ويعترف به، والقوات الأوكرانية على خلفية فشلها تهاجم منطقتي بيلجورود وكورسك، وتحدث الرئيس بوتين عن صمود الشعب الروسي أمام محاولات الغرب تفكيك الجبهة الداخلية وقال إنه عند بدء العملية العسكرية في منطقة الدونباس حاولت الدول الغربية القضاء على روسيا لكنهم صدموا بضعفهم أمام وحدة الشعب الروسي ومتانة المنظومة المالية الاقتصادية الروسية. وأشار الرئيس بوتين إلى أن جزء من النخب الغربية لا يريد أن يكون إلى جواره هكذا دولة كبيرة وقوية مثل روسيا، معتقدين أنه من الأفضل تقسيمها كما قال الرئيس بوتين. وكان الغرب يأمل في التخلص من روسيا عن طريق العقوبات الاقتصادية والسلاح الذي أمد به أوكرانيا وبأيدي القوميين الأوكران، لكن مع الوقت تبين لهم أن هذا غير ممكن.
في هذا الحديث كان الرئيس بوتين أكثر وضوحًا وفي اعتقادي لم يترك أي فرصة أو منفذ من الممكن أن يحدث من خلاله تفاوض. في العام الثالث من العملية العسكرية مازال الرئيس الروسي مصممًا عل تحقيق أهدافه من العملية العسكرية، حيث أن كل التصريحات والمبادرات التي تخرج من المسئولين الروس لا تنطوي سوى على أن تستسلم أوكرانيا. وهو ما عبر عنه تصريح للبابا فرنسيس كوسيلة لإنهاء النزاع.