فاز الرئيس بوتين بأكثر من 87% من أصوات الناخبين
الشعب الروسي يتحدى الغرب
بهذا الفوز الساحق يأمل الشعب في إنهاء النزاع مع أوكرانيا
نسبة الفوز تشير إلى أن بوتين الوحيد القادر على حل إنهاء مع أوكرانيا
المراقبون يتوقعون تشدد الرئيس بوتين واحتمال التصعيد
مما لا شك فيه أن الانتخابات الروسية التي جرت مؤخراً لم تكن مثل سابقتها، فهي أتت نتيجة تعديل دستوري اقترحته السيدة فالينتينا كريتشكوفا رائدة الفضاء السوفيتية وأول سيدة رائدة فضاء في العالم، عندما طالبت ببقاء الرئيس بوتين في السلطة مع تصفير مدد الرئاسة السابقة بعد تعديلات دستورية شملت أن يكون تعيين رئيس الوزراء بموافقة البرلمان وكانت وجهة نظرها أننا أمام دستور جديد تقريباً من ثم يحق للرئيس بوتين الترشح للرئاسة، أى اعتبار أنه لم يمكث ولا يوم واحد في منصب الرئيس، هكذا سيبقى الرئيس بوتين في الحكم لمدة 12 عام قادمة مع نجاحه في هذه الانتخابات، ويحق له الترشح لمدة جديدة.
من ناحية أخرى لأول مرة تجرى الانتخابات الرئاسية على مدى ثلاثة أيام، وتم إلغاء يوم الصمت الإنتخابي وهو يعني عدم القيام بأي دعاية ليلة التصويت أو قبل ميعاد بدء العملية الانتخابية بيوم، وبررت السيدة إللا بنفيلوفا رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات ذلك بأنه لا داعي للصمت الإنتخابي لأن وسائل التواصل الإجتماعي لا تعطي فرصة للصمت الإنتخابي. وجاءت الانتخابات أثناء قيام القوات الروسية بعملية عسكرية في أوكرانيا تهدف إلى نزع سلاح أوكرانيا ونزع جذور الفاشية منها وفي نفس الوقت التصدي لحلف الناتو الذى توسع شرقاً وأصبح يشكل تهديداً لروسيا، وهو ما عبر الرئيس بوتين أكثر مرة. كما جاءت الانتخابات وبعض العناصر المسلحة اقتحمت الحدود الدولية لروسيا (بيلجورود وكورسك) تحت أسماء عدة منها "فيلق سيبيريا" وأخر فيلق "حرية روسيا" أو فيلق "متطوعي روسيا" الذين وفق ما أعلنوا عن هدفهم تخليص البلاد من من نظام الرئيس بوتين، بل أن هذه الهجمات أثرت على سير التصويت الإنتخابي في بيلجورود على سبيل المثال كانت تتوقف، لكنها كان يستأنف من جديد بعد انتهاء الهجمات.
كما جاءت الانتخابات وسط اتهامات للسلطات الروسية باغتيال السياسي الروسي أليكسي نافالني، الذى طلب من أنصاره التجمع في صفوف أمام لجان الانتخابات في اليوم الثالث من أيام التصويت في الإنتخابات وهو ما حدث وهو ما فسره الرئيس بوتين في مؤتمره الصحفي بعد إعلان نتيجة الإنتخابات بأنه ظاهرة تستحق المدح، أما أنهم أبطلوا أصواتهم فهذا غير جيد، بينما فسره المعارضون على أنه يعكس أن فئات كثيرة تعارض العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا وتظهر مدى قوة المعارضة للرئيس. ورغم ذلك جرت الإنتخابات في أجواء هادئة وبلغ عدد المصوتين فيها حوالي 76 مليون مواطن وهو رقم قياسي بالنسبة للإنتخابات الرئاسية الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
جرت الإنتخابات وحصل الرئيس بوتين على أكثر من 87% من أصوات الناخبين، بينما لم يحصل حتى على 5%، كلهم في إطار 4% وكسور، ورغم ذلك لم يوجه أي منهم انتقادات للعملية الإنتخابية، واجتمع بهم الرئيس بوتين وهم فلاديسلاف دافينكوف ممثل حزب المواطن الجديد، وممثل الحزب الشيوعي نيكولاى خاريتونوف وليونيد سولتسكي رئيس الحزب الليبرالي الديموقراطي، وأقر الثلاثة بفوز الرئيس بوتين بل أن السيد دافينكوف أشار إلى أن الرئيس بوتين هو الوحيد الذي يستطيع الانتصار في الصراع الحالي وهو أهل للقة، المهم جرى الاجتماع في أجواء ودية، ثم اصطحبهم الرئيس إلى احتفال بمناسبة 10 سنوات على استعادة روسيا للقرم، هتف فيه المرشحون الثلاثة هتافات وطنية مشيدين بالرئيس بوتين قيادته للبلاد.
تباينت ردود الأفعال العالمية على فوز الرئيس بوتين في الإنتخابات الرئاسية والأهم بهذه النسبة المرتفعة رغم العقوبات الإقتصادية التي كان من الممكن أن تؤثر على مستوى المعيشة وبالتالى مزاج الناخب الروسي، ففي حين هنأته بعض الدول الحليفة مثل إيران والصين وكوريا الجنوبية وبعض دول أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا ونيكاراجوا، رفضت بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا ودول الناتو بصفة عامة التهنئة، أما الولايات المتحدة فقد جاء رد فعلها على نتائج الإنتخابات على لسان مستشار الرئيس بايدن لشئون الأمن القومي جاك سوليفان، الذى تحدث بدبلوماسية وقال بوتين هو رئيس روسيا المنتخب وسنتعامل معه، لكن المؤكد أن دول الغرب بدأت تشعر بثقل مهمتها بعد انتخاب الرئيس بوتين وبهذه النسبة المرتفعة، لأن الأمور والخلافات مع روسيا من المتوقع أن تتصاعد، واعتبرت كثير من الدول أن ما قامت به من عقوبات أحدثت خسائر اقتصادية ضخمة لأوروبا راحت هباء، فهاهو بوتين يكتسح الإنتخابات بل ومنافسيه يؤيدونه، وأن الحصول على تنازلات في الملف الأوكراني أصبح أكثر صعوبة لهم، وليس أمام الغرب إلا دعم أوكرانيا لأقصى درجة وفرض المزيد من العقوبات الإقتصادية والتجارية رغم ما قد تفضي إليه من خسائر عليهم، ومما لا شك فيه أن أي حل سياسي سيصبح غاية في الصعوبة. بينما يتفاءل البعض بانتخاب الرئيس بوتين وبهذه النسبة المرتفعة باعتبار أن هذه الثقة من الممكن أن يستغلها الرئيس في تقديم تنازلات في الملف الأوكراني وينهي نزاع بين شعبين شقيقين ويقي روسيا ارتماء أوكرانيا أكثر في أحضان الناتو والغرب. وربما يكون إنهاء النزاع هو الذي سيعطي فرصة للرئيس الروسي لتحقيق وعوده لناخبيه لتحقيق التنمية عندما يتخفف من النفقات العسكرية.
على الصعيد الداخلي، وكما وعد الرئيس بوتين في أخر حديث صحفي بأنه قد يقوم بفرض ضرائب تصاعدية على الأثرياء لتحقيق نوع من التوازن الإجتماعي، وعلى حد قوله لابد أن تكون منظومة الضرائب أكثر عدلاً، وذلك بهدف حل المشكلات القومية ومكافحة الفقر، لكن في نفس الوقت هناك خشية بين الشباب الروسي من إعلان تعبئة شاملة لإرسال المزيد منهم إلى عملية روسيا العسكرية في أوكرانيا، يذكر أن الرئيس أصدر مرسوم بتعبئة جزئية، ولم يصدر مرسوم بإنهائها حتى الآن ما يعني أنه حتى لن يصدر قرار بتعبئة جديد حيث المرسوم السابق مازال ساري المفعول، كما يخشى المواطنون الروس استمرار النزاع الروسي ـ الأوكراني، خاصة وأن الطائرات المسيرة بدأت تصل مدى أبعد داخل الأراضي الروسية وربما كان الإقبال الشديد والقياسي على الإنتخابات وانتخاب الرئيس بوتين وتجديد الثقة فيه هو نوع من الإيمان بقدرته على حل النزاع بشكل إيجابي لصالح روسيا وإنقاذ البلاد من مصير مجهول. في كل الأحوال سيكون على الرئيس بوتين أن يحافظ على الأقل على مستوى المعيشة الحالي رغم العقوبات وهي مسألة ليست سهلة في ظل العقوبات الإقتصادية، إن لم يكن تحسينه للأفضل، عملية عسكرية مكلفة، مع غلق سوق الطاقة الأوروبي تقريباً أمام المحروقات الروسية.
في كل الأحوال ستكون الست أعوام القادمة للرئيس الروسي ليست سهلة كما كان فوزه في الإنتخابات، خاصة بعد الثقة المطلقة التي منحه أياها الشعب الروسي، وسيكون عليه تحقيق وعوده مثلاً بأن يسبق الإقتصاد الروسي نظيره الياباني في هكذا ظروف من العقوبات القاسية، ونقص الكوادر المؤهلة، على حد قوله، الناتج عن ذهاب الشباب للجيش بأوكرانيا وهروب البعض منهم خوفاً من التعبئة والتجنيد، ومطالبته لرجال الأعمال والشركات بتحديث الصناعة بحيث تنتج أكثر بأفراد أقل، مهمة ليست سهلة.
د/ نبيل رشوان