يوافق اليوم 12 رمضان، ذكرى رحيل الشيخ محمد محمود الطبلاوي، أحد أعلام قراء القرآن والكريم في مصر والعالم الإسلامي.
وفي السطور التالية تستعرض بوابة -دار الهلال- سيرة نقيب القراء المصريين الذي رحل عالمنا منذ أربعة أعوام، بعد مسيرة عطاء في خدمة كتاب الله دامت قرابة الخمسين عام.
الشيخ الطبلاوي
ولد الشيخ محمد الطبلاوي، في 14 نوفمبر 1934م بحي ميت عقبة بمحافظة الجيزة، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة، وواصل رحلته في درب علم القراءات والتجويد متخذاً من تلاوات الشيخ محمد رفعت نبراساً له.
ذاع صيته كقارئ للقرآن الكريم منذ طفولته، حيث انفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشر من عمره، وقرأ بجوار مشاهير القراء الإذاعيين وهو لم يبلغ الخامسة عشر، تم قبوله كقارئ معتمد في الإذاعة المصرية في 1970، وسجّْل القرآن الكريم كاملاً بالتجويد والتلاوة.
جاء قبول الطبلاوي في الإذاعة بعد أن رسب تسع مرات، في امتحان التلاوة بالإذاعة، وفي العاشرة دعا ضاحكاً "يا بركة دعاء الوالدين، يا رب اكفني شر هذه اللجنة"، فسمعه أعضاء لجنة الامتحان من خلال المكبر المفتوح دون قصد، فضحكوا وأدخلوه للامتحان ليفاجأ بنجاحه في المرة العاشرة.
كان صاحب الأسلوب الفريد الذي ميّزه عن غيره طوال عقود، يرسب في الامتحانات لعدم إلمامه بالمقامات الصوتية والموسيقية، لكنه ظل مُصِراً على أن يحقق حلم أبيه محمود الطبلاوي الذي رأى في المنام مَن يبشره بطفل وحيد سيكون له شأن بالقرآن.
ذاع صيت الطبلاوي في شتى أرجاء العالم حتى قرأ القرآن في جوف الكعبة، وعن ذلك يقول:"لقد شممت ريح الجنة حينها وأنا أقرأ القرآن في جوف الكعبة في رمضان".
حدثت هذه الواقعة فترة السبعينيات حينما كان جالسا مع الملك السعودي الراحل خالد بن عبد العزيز آل سعود فاصطحبه معه لغسل الكعبة، ثم طلب منه القراءة بداية من قوله تعالى "۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا" (سورة النساء: الآية 58).
تسجيل المصحف
بعد أن اعتمد الطبلاوي قارئاً في الإذاعة عام 1970، شرع في تسجيل المصحف المرتل والمجود والمعلم، وفي تلك الفترة اختير قارئاً للجامع الأزهر، ليحقق حلم لطالما كان يرواده.
كان طبلاوي نقيباً لـ12 ألف قارئ، وخلال حقبته ناشد أجهزة الدولة بالنظر إليهم لإنقاذ نقابتهم في ظل انعدام المعاشات القراء التي كان 40 جنيهاً شهرياً.
سافر نقيب القراء إلى قرابة 100 دولة حول العالم، بعضها تلبية لدعوات إحياء الليالي الدينية وبعضها كمبعوث عن الأزهر الشريف والأوقاف المصرية، وكان الطبلاوي يرى أنه ليس هناك أروع من أن تصدح بالقرآن الكريم وسط جمع من الناس، وتحس بأن نور القرآن وقدسيته يشعان في أرواحهم وأبدانهم، ويسعد حين يطالبه المستمعين بالمزيد من إعادة التلاوة، حيث يشعر أنك تحلق في جو روحاني يفوق طاقة الخيال والحواس.
وفي سنواته الأخيرة اعتزل -رحمه الله عليه- قراءة القرآن الكريم بعد نحو 50 عاماً في خدمة كتاب الله عزوجل.
وفاة الطبلاوي
وفي 5 مايو 2020 الموافق 12 رمضان 1441، ودَّعت مصر صاحب الحنجرة الاستثنائية، وآخر عنقود "العصر الذهبي" للقراء المصريين عن عمر ناهز 86 عاماً.
وقد نعاه الأزهر الشيخ بالقول: "سيظل يحتل مكانة كبيرة في قلوب وعقول المسلمين، وسيظل صوته العذب يقصده المسلمون للتدبر في آيات الذكر الحكيم، ويبقى الشيخ الطبلاوي علامة بارزة في تاريخ الترتيل والتلاوة في التاريخ الحديث".