الأحد 19 مايو 2024

انطلاقة جديدة للمسرح الجامعي

25-2-2017 | 19:15

د. عمرو دوارة - كاتب ومخرج مصري

سعادتى لا حدود لها بعودة تألق المسرح الجامعي وبعودة تنظيم مهرجاناته النوعية وتقديم عروضه المتميزة، لأنه يعد بحق خط الدفاع القوي عن مستقبل المسرح المصري، ويمكننا من خلال الرصد والدراسة والعودة للماضي أن نسجل دوره الريادي منذ النصف الأول من القرن العشرين، حيث كان له فضل تعريفنا بأهم الاتجاهات الحديثة بالمسرح العالمي، وبأهم إبداعات عدد كبير من أعلامه، وإمداده للحركة الفنية بعدد كبير من النجوم بمختلف المفردات الفنية.

   فعلى سبيل المثال قدم في مجال التمثيل وجوها جديدة أصبحت نجوما كبارا ومنهم: محمود مرسي، محسنة توفيق، فؤاد المهندس، محمود ياسين، سميرة عبد العزيز، مديحة حمدي، محمود عبد العزيز، عادل إمام، سعيد صالح، صلاح السعدني، الضيف أحمد، سمير غانم، جورج سيدهم، فاروق الفيشاوي، ومن بعدهم: محمود حميدة، توفيق عبد الحميد، عبلة كامل، خالد صالح، خالد الصاوي، محمد هنيدي، سامي مغاوري، أحمد عبد العزيز، أحمد صيام، ماجد الكدواني، بيومي فؤاد. حقا ما أجمل لحظات جني الثمار واستعادة الذكريات، حين يشعر المرء بلحظة حصاد حقيقية نضجت فيها الثمار بصورة بديعة ومدهشة وغير متوقعة، لقد مرت السنوات سريعا ونحن منهمكون في الدفاع عن أحلامنا وطموحاتنا والسعي لتحقيق غد أفضل، مضى الزمن مسرعا ونحن نحاول - كجيل طلاب السبعينيات - تحمل مسئولياتنا لتحقيق إضافة نوعية مؤثرة حتى لا نصبح مجرد أرقام بلا معنى وأشخاص بلا إنجاز أو ذكرى. لقد مضى بالفعل ما يقرب من أربعين عاما على بداية ممارستنا لهواية المسرح ومواجهتنا العنيفة لخفافيش الظلام بالجامعة، هؤلاء الذين تخفوا وراء الشعارات الدينية وحاولوا منعنا من ممارسة هواياتنا الفنية بدعوة التحريم! وللأسف كان النظام السياسي ـ وبالتحديد في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين ـ يدعمهم لمواجهة اليساريين والتقدميين الذين أطلق عليهم صفة الشيوعيين، كنا نتحدى كطلاب كلية الهندسة بجامعة القاهرة تلك الجماعات الدينية التي سيطرت على كثير من الكليات وفي مقدمتها الطب، ونتحدى الإدارة أيضا باستضافة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم بمدرج "د.الساوي" ونردد مع الآلاف من الطلاب خلفهم أغانيهم الوطنية في حب مصر، ومواجهة الفساد ومراكز القوى، وكنا نفخر بقدرتنا على الاستمرار في تقديم العروض المسرحية وعروض الفنون الشعبية، تلك الأنشطة التي تم وأدها للأسف بعد ذلك - ولعشرات السنين - حينما نجح التيار المتشدد باستغلال الظروف الاجتماعية الصعبة وإطلاقه لبعض دعوات الحق التي أريد بها التزييف والباطل، ومطالبته بضرورة توجيه جميع ميزانيات الأنشطة لدعم الخدمات الاجتماعية فقط!

   كان رد الفعل التنويري بالنسبة لنا هو امتلاك جرأة اتخاذ القرار والمبادرة بتكوين فرق وجماعات مسرحية لتقديم عروضها خارج أسوار الجامعة، فشهدت جامعة القاهرة تكوين فرقة "مجانين المسرح" (وقد ضمت: عمرو دوارة، هشام جمعة، ممدوح عبد العليم، ناصر سيف، أحمد مختار، مجدي شكري، عزة الحسيني)، وفرقة "مسرح الشارع" التابعة لحزب التجمع (وقد ضمت: ناصر عبد المنعم، أحمد كمال، عبلة كامل، ياسر علي ماهر)، وبالفعل نجحت كل فرقة منهما ومع فرق أخرى في تقديم عروض جادة ومتميزة بأماكن التجمعات للجمهور.

   واليوم وبعد مرور هذه السنوات وكثير من الأحداث وقيام ثورتين وتحملنا لمرارة ومأساة حكم الإخوان لمدة عام كامل يعود المسرح الجامعي بكامل قوته وحيويته نشيطا رائعا قادرا على المشاركة وتحقيق الإضافة بحياتنا المسرحية، ولعل أوضح الأمثلة على ذلك فوز عرض "القروش الثلاثة" لمنتخب "جامعة طنطا" بالجائزة الكبرى في مهرجان "المسرح القومي" (الدورة التاسعة 2016)، ومشاركته بمهرجان "المسرح التجريبي" (الدورة الثالثة والعشرين 2016).

   والأمثلة الأخرى على وجود كثير من الومضات المضيئة حاليا بالمسرح الجامعي كثيرة ومبشرة، وقد سعدت بمشاهداتي الأخيرة (بين 10 و17 ديسمبر 2016)، حيث أتيحت لي فرص المشاركة بعضوية لجنة التحكيم لتقييم عرض منتخب جامعة "المنوفية" (ضمن لجنة ضمت د.كمال عيد، ود.محمد عبد المنعم)، الذي قدم عرض "ثورة الفلاحين" لأمير المسرح الأسباني لوبي دي فيجا، وإخراج أحمد عباس، وهو بلا شك نص ذو خطاب درامي جيد يطالب برفض القهر والاستبداد والظلم، ويطالب بضرورة منح الحريات وتحقيق العدالة الاجتماعية. كذلك أتيحت فرصة المشاركة أيضا بعضوية لجنة تحكيم عروض المهرجان الطلابي لجامعة "المنصورة"، ضمن لجنة ضمت: مديحة حمدي، عبد الغني داود.

   نظم المهرجان المسرحي الطلابي التاسع لجامعة المنصورة برعاية د.  محمد حسن القناوي رئيس الجامعة، وريادة د.  أشرف محمد عبد الباسط نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، وبمشاركة أربع عشرة كلية (طب الاسنان، الصيدلة، الطب البيطري، السياحة والفنادق، التمريض، التربية، الآداب، العلوم، الزراعة، الهندسة، الطب، التربية النوعية، الحقوق، التجارة )، وطبقا للائحة المهرجان فإن على كل فريق مسرحي المشاركة بعشرين طالبا وطالبة كحد أقصى إلى جانب عدد من زملائهم الطلاب كمساعدين للإخراج وفنيين بمجال الإدارة المسرحية والديكور والملابس.

   ويمنح العرض الفائز بالمركز الأول فرصة تمثيل الجامعة في مسابقة "إبداع - 5" التي تنظمها وزارة الشباب والرياضية، بالإضافة إلى مشاركة فريق عرض كلية "التربية النوعية" بوصفه الفريق الوحيد الذي يمثل المتخصصين بمجال الفنون المسرحية. ونظرا لضيق المساحة المتاحة والتي لا تسمح بالتناول النقدي التفصيلي لكل عرض من العروض الأربعة عشر أكتفي بتسجيل بعض الملاحظات المهمة - من وجهة نظري - والتي أتمنى أن تنجح بتكاملها في تقديم صورة واضحة لأهم أنشطة المهرجان ومستوى عروضه فنيا مع إبراز أوضح السمات المشتركة فيما بينها:

   تتطلب جميع مسارح الكليات ضرورة تجهيزها بالتقنيات الفنية الأساسية، وللأسف فإن أفضلها كتقنية وهو مسرح "كلية الحقوق" لم يقدم على خشبته سوى عرض فريق الكلية فقط، لأنه يؤجر بمبالغ كبيرة لفرق الكليات الأخرى كمشروع استثماري! في حين قدمت أغلب العروض على مسرحي كلية الطب (مدرج "د. محمد حافظ")، وكلية التربية (مدرج د. سيد خير الله)، وكل منهما مجرد مدرج لإلقاء المحاضرات.

   برغم السعادة البالغة بدقة تنظيم المهرجان وارتقاء مستوى عروضه بصفة عامة وكذلك بالإقبال الطلابي لمتابعة جميع العروض إلا أنه يجب توجيه الجمهور بصفة دائمة إلى ضرورة الالتزام بجميع تقاليد الفرجة المسرحية ومنها عدم التدخين والامتناع عن تناول المشروبات والتسالي، وأيضا الالتزام بأساليب التشجيع والتعبير عن الإعجاب بصورة حضارية بعيدا عن إطلاق الصفارات أو الهتافات أو حمل المخرج وقذفه لأعلى أثناء تحيته للجمهور بنهاية العرض!

   أرى ضرورة الإشادة ببعض الومضات الإيجابية المضيئة بالمهرجان ومنها: حرص بعض الكليات على إذاعة السلام الجمهوري قبل بداية العرض، وهو تقليد يجب أن نحرص على الالتزام به لغرس روح الانتماء لدى جميع الطلاب، وكذلك مبادرة كلية العلوم بتأبين الفنان القدير الراحل أحمد راتب بالوقوف دقيقة حدادا يوم وفات،ه كرمز من رمزنا المسرحية، كما حرص جمهور كلية الهندسة على استكمال عرض كليتهم بإضاءة أكبر عدد من كشافات الهواتف المحمولة بمجرد حدوث عطل بالتيار الكهربائي على خشبة المسرح.

   تميزت المستويات الفنية لعروض الكليات العملية وبالتحديد كليات الهندسة والصيدلة والعلوم والطب مقارنة بمستوى عروض الكليات النظرية مثل الحقوق والسياحة والفنادق والزراعة والتربية النوعية.

   أثمر المهرجان نخبة من المخرجين أصحاب الرؤى الإخراجية المتميزة ومنهم: عبد الباري سعد (الهندسة)، محمد سليمان (تجارة)، محمد حيدر(الصيدلة)، محمد علي (الآداب)، كريم ضياء الدين (التربية)، محمد هلال (العلوم).

   برزت إمكانات ومهارات نخبة من المواهب الحقيقية وفي مقدمتها: محمد شحاتة (في دور "الوي" بعرض القصة الأخيرة)، أحمد عبد الرؤوف (في دور "درمند" بعرض ميراث الريح)، محمد حواس (في دور إبليس 2 بعرض إبليس)، محمود خلف (في دور "الملك فيرانيت" بعرض تاج على ميتة)، عبد الله عساكر (في دور "العجوز الأول" بعرض المرقمون)، كذلك برزت وجوه جديدة مبشرة وفي مقدمتها: إسلام اللورد (في دور "ياسين" بعرض آه يا ليل يا قمر)، أحمد عبد السلام (في دور "خمسون" بعرض المرقمون)، ممدوح أبو عوف (في دور "خوسيه" بعرض كارمن)، مصطفى شكري (في دور "بيبل" بعرض الحضيض)، عماد مدكور (في دور "الطفل 10" بعرض المرقمون).

   برزت أيضا إمكانات ومهارات مواهب حقيقية بالأدوار النسائية وفي مقدمتها: بسنت الديب (في دور "مارتا" بعرض القصة الأخيرة)، زينب سمير في دور "العروسة، بنت 2" بعرض نقطة ومن أول إمبارح)، أمل موسى (في دور "أنيس" بعرض تاج على ميتة)، همس حاتم (في دور "الصحفية يوجينا" بعرض ميراث الريح)، بسمة البهي (في دور "حسنية" بعرض العنبر)، شيرين طيرة (في دور "العجوز الثانية" بعرض المرقمون)، نور عصام (في دور "أم الشهيد أم العروسة" بعرض نقطة ومن أول إمبارح)، خلود سمارة (في دور "بهية" بعرض آه يا ليل يا قمر).

   تكررت أسماء بعض المبدعين ببعض المفردات الفنية ومنها: شادي قطامش في تصميم الديكور، وأحمد أصالة في تصميم الملابس. كذلك برزت أسماء كل من: عز حلمي، محمد سليمان، إسلام أبو عزب في مجال تصميم الإضاءة. وأسماء كل من: محمد عبد الجليل نصار، عبد الله رجال، عمرو عبد السلام، الجوكر في مجال الموسيقى المسرحية. ومنحت لجنة التحكيم جائزة لكل من: باسم القرموط (عرض إبليس)، كريم خليل (عرض آه يا ليل ياقمر) في مجال التشكيلات الحركية (كيروجراف).

   بصفة عامة يمكنني الإشادة بحسن اختيار النصوص، ومنها بعض روائع المسرح العالمي وكذلك بعض نصوص كبار المؤلفين المصريين، ولكنني أرى ضرورة تشجيع المخرجين على التوسع في تقديم روائع المؤلفين المصريين والعرب، وخاصة النصوص التي تتناول قضايا واقعنا المعاصر أو قضايا إنسانية عامة، كما أنصح بتجنب تكرار النصوص التي سبق تقديمها كثيرا.

   الظاهرة المؤسفة التي يجب التصدي لها بشدة هي التدخل بالإعداد والحذف لبعض الأجزاء من نصوص كبار المؤلفين أو القيام بدمج بعض المشاهد من أكثر من نص دون وجود أي مبرر درامي لذلك، وذلك كنتيجة للفهم الخاطئ لوظيفة "الدراماتورج"، فتكون النتيجة الحتمية هي تشويه الحبكة الدرامية محكمة الصنع والتشويش على بعض الأحداث مع ضياع الأبعاد والملامح لبعض الشخصيات الدرامية، وبالتالي قد تصبح كثير من تصرفاتها غير مبررة وغير منطقية، وبالتالي تصبح النتيجة النهائية هي عدم وصول الخطاب الدرامي للجمهور، ومن أوضح الأمثلة على ذلك عرض "القصة الأخيرة" الذي قام مخرجه بدمج نص "القصة المزدوجة لمحاكمة د.بالمي" مع مشاهد للفرقة المسرحية وتقديمها لشخصية "دون كيشوت" في معالجة درامية لنفس المؤلف باييرو باييخو دون أي مبرر درامي، فأضعف الحبكة الدرامية محكمة الصنع بكل من النصين.

   رغم إعجابي الشديد بشجاعة الإقدام على تقديم عروض باللغة العربية الفصحى أرى أهمية التأكيد على ضرورة الاستعانة بمصحح لغوي، ليس فقط لضبط التشكيل ولكن لضبط مخارج الألفاظ واتباع أساليب الإلقاء السليم.

   افتقدت أنشطة هذه الدورة إلى تنظيم ندوات تطبيقية عقب العروض مباشرة وكذلك إلى إصدار نشرة يومية مصاحبة للمهرجان، وأناشد إدارة رعاية الشباب باستكمال مجهوداتها بتنظيم ندوات تطبيقية لمناقشة وتحليل كل عرض بمشاركة نخبة من كبار النقاد للارتقاء بالمستوى الفكري والفني لكل من المشاركين والجمهور، وأيضا بإصدار نشرة يومية لتصبح الذاكرة التوثيقية للمهرجان ومصدرا من مصادر الثقافة الحقيقية، كما أوصي بأهمية تنظيم الورش الفنية طوال العام بإشراف نخبة من الفنانين المتخصصين لتدريب أعضاء الفرق على المفرادات المسرحية المختلفة.

   ونظرا لأن الهدف الحقيقي من النشاط المسرحي بخلاف تنمية مهارات وقدرات الطلاب هو نشر الوعي الثقافي والفني واكتساب جمهور جديد، فإنني أناشد إدارة الجامعة بالاستفادة من هذه الجهود المبذولة من قبل شباب الموهوبين وتوظيف حماسهم الصادق وطاقاتهم الخلاقة، وكذلك استغلال هذا الإقبال الطلابي الكبير بإتاحة الفرصة كاملة لإعادة تقديم العروض المتميزة الفائزة بالمراكز الأولى خلال بداية الموسم الدراسي الثاني (لمدة خمسة أيام لكل عرض على الأقل).

    وأخيرا أتقدم برجاء إلى إدارة الجامعة بضرورة الاستجابة إلى طلبات جميع أعضاء الفرق المسرحية والاهتمام بتحقيق رغبتهم في تكوين فريق منتخب الجامعة يكون ممثلا لجميع الكليات، ويفترض أن يضم أفضل العناصر الفنية بمختلف مفردات العرض المسرحي، حتى يكون نموذجا مشرفا بعروضه المتميزة، وقادرا على المنافسة مع فرق منتخبات الجامعات الأخرى.