حيز النبي - صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، وهي سمة اختصه الله جل وعلا بها، دون سائر خلقه، فكان أفصح الناس وأعذبهم كلاماً، وأحلاهم منطقا، حتى إن كلامه ليأخذ بمجامع القلوب ويأسر الأرواح.
وخير الدعاء هو ماورد عنه -صلى الله عليه وسلم- وأحرى بكل مسلم أن يهتدي بهدي النبي، وأن يقتدي به، حيث يقول المولى عز وجل:"وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ".
وفي غضون شهر رمضان المبارك، الذي يبتهل فيه المسلمون إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء والرجاء، تستعرض بوابة -دار الهلال- جملة من جوامع الأدعية التي وردت عن النبي الكريم.
ومن جوامع الأدعية التي وردت عنه -صلى الله عليه وسلم- قوله:"اللَّهمَّ أنتَ الصَّاحبُ في السَّفرِ والخليفةُ في الأَهلِ اللَّهمَّ اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أَهلنا اللَّهمَّ إني أعوذُ بِكَ من وعثاءِ السَّفرِ وَكآبةِ المنقَلَبِ ومنَ الحوْرِ بعدَ الْكورِ ومن دعوةِ المظلومِ ومن سوءِ المنظرِ في الأَهلِ والمالِ".
وروى ابن ابن ماجه في "سننه" عن عبدالله بن سرجس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الحَور بعد الكَور».
والحور بعد الكور يعنى فساد الأمور بعد صالحها، وفسَّر الإمام الترمذي ذلك، بالرجوع من الإيمان إلى الكفر، أو من الطاعة إلى المعصية؛ وقال المباركفوري: "أي: النقصان بعد الزيادة، وفساد الأمور بعد صلاحها".
ومن مستحبات الصيام، الدعاء عند وقت الفطر، حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد" رواه ابن ماجه.
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص إذا أفطر، يقول: "اللهم إني أسألك - برحمتك التي وسعت كل شئ - أن تغفر لي"، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:"اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت".
وروى الترمذي أن النبي قال:"ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، والمظلوم".
فضل الدعاء
والدعاء عبادة مشروعة ومستحبة؛ لِما فيه من التضرع والتذلّل والافتقار إلى الله تعالى، وقد حثَّنا الله تعالى عليه وأوصانا به؛ حيث قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
وقد ورد في السنة النبوية المطهرة فضل الدُّعاء؛ فجاء عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ»، ثم قرأ: «﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
هل يصح رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء؟
ورفع اليدين إلى السماء في الدعاء وأثناءه، من آداب الدعاء لما فيه من التَّضرُّع والابتهال إلى الله تعالى؛ روى الإمام مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِىَ بِالْحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟».
قال القرطبي، «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ»؛ أي: عند الدعاء، وهذا يدلُّ على مشروعية مدِّ اليدين عنده إلى السماء[دار الإفتاء].