"إذاعة القرآن الكريم من القاهرة"، تلك الجملة التي يعرفها المصريون وتميز إذاعتهم التي تحتفل اليوم بمرور 60 عاما على بدء إرسالها، هي الإذاعة الأعرق في الإذاعات الدينية حول العالم، والتي دخلت قلوب مستميعها بأصوات كبار قراء القرآن الكريم عبر أثيرها طوال العقود، ولا تزال تشغل مكانة في قلوب المصريين حتى اليوم، كما لعبت دورا فعالا في تصحيح المفاهيم الدينية وتقديم تسجيلات دقيقة ومتميزة للقرآن الكريم.
إذاعة القرآن الكريم
في 25 مارس 1964 بدأ إرسال إذاعة القرآن الكريم، في خطوة سباقة وكانت هي الأولى من نوعها في العالم، حيث جاء قرار بدء إرسالها لحماية القرآن الكريم بعد صدور نسخ محرفة من القرآن، ففي أوائل الستينيات من القرن الماضي، صدرت نسخة محرفة من المصحف الشريف، وحينها قررت وزارة الأوقاف والشؤون الاجتماعية، ممثلة في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والأزهر الشريف ممثلًا في هيئة كبار العلماء، حينها التصدي لتلك المحاولات.
وبعد التشاور، تقرر أن يتم عمل تسجيل صوتي للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، وتم التسجيل على أسطوانات ووزعت نسخا منه على المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي وكافة المراكز الإسلامية في العالم، لتكون هذه الخطوة هي أول خطوة للجمع الصوتي للقرآن الكريم، بعد أول جمع كتابي له في عهد خليفة رسول الله - ﷺ - أبي بكر الصديق.
لكن مع مرور السنوات ثبت أنه هذه الخطوة غير كافية، لأنها لم تصل لكل الدول الإسلامية، قررت وزارة الثقافة والإرشاد القومي المسئولة عن الإعلام في ذلك الوقت، وعلى رأسها الإعلامي الفاضل الدكتور عبد القادر حاتم تخصيص موجة قصيرة، وأخرى متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
ووافق الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، على بد إرسال إذاعة القرآن الكريم، لتبدأ تصدح بالقرآن الكريم في الساعة السادسة من صبيحة الأربعاء 11 من ذي القعدة لسنة 1383هـ الموافق 25 مارس لسنة 1964م، وكانت مدة إرسال قدرها 14 ساعة يوميًّا من السادسة حتى الحادية عشرة صباحًا، ومن الثانية حتى الحادية عشرة مساءً.
وكانت تبث حينها على موجتين: إحداهما قصيرة وطولها 30.75 ك.هـ والأخرى متوسطة طولها 259.8 ك.هـ؛ وأصبحت أول صوت يقدم القرآن كاملًا بتسلسل السور والآيات كما نزلت على نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.
ومع مرور السنوات، حققت هدفها وأصبحت أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات المكتوبة لتحريفه؛ ووصل إرسالها إلى الملايين من المسلمين في الدول العربية والإسلامية في آسيا وشمال أفريقيا، بعد أن كان الراديو الترانزيستور وسيلة لالتقاط إرسالها بسهولة.
قراء إذاعة القرآن الكريم
وطوال السنوات لمعت الإذاعة بكبار قراء القرآن الكريم، ومنهم الشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ محمود علي البنا والشيخ الحصري والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ محمود صديق المنشاوي، وغيرهم الكثير من القراء الذين تميزوا بعذوبة الصوت والخشوع في التلاوة.
كما قدمت ابتهالات كبار المبتهلين منهم نصر الدين طوبار والشيخ سيد النقشبندي وغيرهما، من المبتهلين، كما قدمت التفسير الميسر للقرآن الكريم والأحاديث النبوية، بجانب الأمسيات الدينية والإذاعات الخارجية وبث الشعائر الدينية، فلم يقتصر دورها على بثّ تسجيلاتِ القرآن الكريم دقيقةِ الأحكام، متميزةِ الأداء؛ بل كان لها دور فعال مؤثر في ترسيخ الثقافة الإسلامية، وتصحيح المفاهيم الدينية.
وقال عنها مركز الأزهر للفتوى للإلكترونية إنه بالإضافة إلى إسهامها في إبراز الدور الحضاري والثقافي لمصر في محيطها العربي والإسلامي؛ فكانت أهم ركائز قوة مصر النَّاعمة، وارتبط وجدان المسلمين في مصر والعالم بصوت هذه الإذاعة المباركة العريقة؛ حتى صار ما تقدمه من تلاوات وأصوات وبرامج وفقرات جزءًا من حياتهم في حِلِّهم وترحالهم.