الإثنين 29 ابريل 2024

من ذكريات الطفولة في رمضان 1


د بهاء درويش

مقالات27-3-2024 | 02:32

د.بهاء درويش
لا يتذكر صاحب هذه السطور متى بدأ يحب القراءة ولا سر تعلقه بها وانبهاره بكل أشكال المطبوعات من مجلات وصحف وكتب. كل ما يتذكره أن شغفًا بالقراءة قد تعلق به منذ وقت لا يستطيع تحديد بدايته. لعله بداية تكون الوعي بذاته وبما حوله. عندما أتم السادسة من عمره، أراد والداه تدريبه على صيام شهر رمضان وهو ما فعلوه مع أختيه اللتين تكبرانه. كان في الفرقة الأولى من المرحلة الابتدائية. لم يشق عليه الصيام قدر ما شق عليه تناول أقرانه صنوف الأكل والحلوى والمشروبات الغازية والماء أثناء اليوم الدراسي. يلعب الجميع ويهرولون ولا يجدون غضاضة في هذا، لآنهم في النهاية سيشربون من الماء والمشروبات الأخرى ما يروي ظمأهم. أما هو فلم يقدر على منع نفسه من اللعب ولكن قواه سرعان ما تخور من الجوع والعطش. لا يتذكر أن عزيمته قد ضعفت أو أنه شرب أو اكل في نهار رمضان متظاهرًا بالصوم. فكان يظل صائما حتى وقت الغروب ولكنه يجب أن يعترف أن هذا كان يشكل له عذابًا أيما عذاب. لذلك لا يحسب أن أحدًا كان يفرح فرحه عند إعلان أن الغد هو أول ايام عيد الفطر، لا للعيدية التي كان يأخذها أو للملابس الجديدة التي كان يعلقها على الكرسي ليلة العيد في انتظار طلوع النهار ليرتديها ولكن لأنه سيعود يأكل ويشرب متى يحب. يتذكر إحدى ليالي رمضان- كان في الفرقة الثانية من المرحلة الابتدائية- أن مصحفًا للوالد من القطيفة ذات اللون الأزرق الداكن والحروف الذهبية اللون كان يبهره انبهارًا غير عادي ولم يكن مسموحًا له ولا لإخوته لمس ماليس ملكًا له. لاحظ والده انبهار الطفل بهذا المصحف، فسأله: هل تريده لك؟ تهلل وجه الطفل ليربط عدم التصديق لسانه، وهز رأسه بالإيجاب. قال الأب: أنا نازل دلوقتي، احفظ سورة العلق حاجي بالليل أسمعها لك. لو لقيتك حفظتها حديك المصحف. عكف الطفل على السورة يقرأها لنفسه، في زمن لا يجد فيه لا "يوتيوب" يتحقق به من النطق ولا قناة خاصة بالقرآن في التلفاز . كان يستعين بأمه معلمة اللغة العربية. أضاف الحفظ إلى استيقاظه المبكر واللعب في المدرسة إرهاقا على ارهاقه، ولكن الإصرار مكنه من الحفظ وجلس يقاوم النوم انتظارًا للوالد حتى يحظى بالمصحف. جاء الأب الذي يبدو أنه كان قد نسي الأمر بجملته. بادره الطفل، لقد حفظت السورة. سورة ايه؟ آه طب يالله قول. استعاذ الطفل من الشيطان الرجيم ثم تلا البسملة ولم يكد ينتهي من تسميع آيتين حتى تلعثم. نظر الى أبيه، قال له لحظة لحظة والله حافظها كلها. ابتسم الأب. اغرورقت عينا الطفل عندما تأكد أن الخوف من الخطأ وخسارة المكافأة هو ما أنساه. ربت الأب على كتفي الطفل وأعطاه المصحف الذي احتضنه الطفل ونام به وهو يبكي. (2) كان متميزًا في دراسته منذ صغره. لم تسعه الدنيا من الفرحة وهو في الفرقة الثالثة من المرحلة الابتدائية عندما اختارته معلمة اللغة العربية ليلقي كلمة في الإذاعة المدرسية بمناسبة حلول شهر رمضان. ما إن وصل إلى المنزل حتى ألح على والدته- مُدرِّسة اللغة العربية- أن تساعده في كتابة كلمته التي سيلقيها. انبهر بالآية القرآنية التي كتبتها له والدته " يآيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" إذ لم يكن قد سمعها أو قرأها من قبل. ذهب اليوم التالي مبكرًا الى المدرسة وطوال الطريق كان يتحسس الورقة التي سيلقي منها الكلمة. إذ كان قد وضعها في جيبه ولم يضعها في حقيبة المدرسة، وان كان في حقيقة الأمر لم يعد في حاجة إليها لأنه راجع الكلمة عشرات المرات حتى حفظها عن ظهر قلب. كانت الآية الكريمة هي أكثر ما أعجبه في الكلمة وكان يعتقد أنه لا أحد يعرفها سواه وأنها ستبهر الجميع عندما يسمعونها منه كما أبهرته عندما سمعها من أمه. وقف مع الطلاب والطالبات الذين كانوا سيتحدثون في الإذاعة هذا اليوم ينتظر دوره بفارغ الصبر. بدأت ناظرة المرحلة الابتدائية كلمتها مهنئة الجميع بحلول شهر رمضان، ولا يمكن وصف كم الإحباط الذي أصاب الطفل عندما وجد الناظرة وقد استهلت حديثها بهذه الآية. ما الذي تبقى - إذًا- في ورقته ليبهر به المستمعين؟ طفولة بريئة وأيامًا لا تعوض وذكرى ترسم ابتسامة على وجهه كلما أمسك المصحف ليقرأ القرآن وصادفته هذه الآية.
Dr.Randa
Dr.Radwa