الإثنين 29 ابريل 2024

النجاح الاقتصادى الذى ينكره المتربصون بمصر

الكاتب الصحفي أحمد أيوب

31-3-2024 | 17:17

بقلم: أحمد أيوب
«المُضحكات المُبكيات»، هو ما نعيشه هذه الأيام بفضل أشخاص حالهم يدعو للبكاء، لكن تصرفاتهم تثير الضحك؛ لأنهم لا ينظرون إلى أنفسهم ولا يرون حقيقتهم ولا يعترفون بعيوبهم، أعينهم ترى ما يريدون وليس ما يجب أن تراه، ومن هؤلاء منْ صدعونا لسنوات طويلة بتنظير وكتابات ومقالات يقدمون فيها أنفسهم كمفكرين، بل ويتجرأ نفر منهم ليصفوا أنفسهم بالمبدعين، منهم الاقتصادى ومنهم السياسي ومنهم الدينى، يطرحون الأفكار ويحللون الأرقام والأحداث ويسْدون النصائح ويجلدون المسئولين على ما يرونه أخطأ وكأنهم حكماء الزمان. يهاجمون الجميع، ويلقون التهم يميناً ويساراً ويقذفون المختلفين معهم بأوصاف كالحجارة دون مراعاة لمشاعر أو أخلاق، ولا يقبلون حتى أن يجادلهم أحد أو يصحح لهم خطأ، يرون أنفسهم الأنسب لكل موقع والأفضل للمشورة والأحق بالمناصب الكبرى، رغم أنه وعندما شاءت الأقدار أن يتولى بعضهم أو أغلبهم مواقع تنفيذية، سواء فى وزارات أو مؤسسات كبرى، لم نرَ منهم غير المبكيات فى التعامل السيئ مع الملفات المختلفة التى تولوها، انكشفوا تمامًا، واتضح أنهم مجرد «منظراتية» من أهل الحفظ والتلقين الأجوف، لا علاقة لهم بالواقع، تعاملوا مع المواقع التى شغلوها وهى رفيعة بطرق لا تصلح أن تدار بها تكايا أو محلات بقالة قديمة، أحدهم كان يتباهى أنه عُرض عليه منصب وزارى فيما بعد ثورة 2013 ورفض، لأنه أقل من إمكاناته العبقرية، وعندما تولى مسئولية مؤسسة كبرى ضج الأغلبية فى تلك المؤسسة العريقة من إدارته الفاشلة المتسلطة التى وصلت إلى حد الديكتاتورية الصريحة، وعمت الفرحة الجميع عندما غادر موقعه، وكانت الفائدة الوحيدة لتوليه هذه المؤسسة - على حد قول أبناء هذه المؤسسة أنفسهم- أنها كشفت قدراته الإدارية على حقيقتها، وقضت على الأكذوبة المنتفخة التى خدعتنا لسنوات. أحد هؤلاء أيضًا تعوّد على الكتابة الانتقامية، واصفا نفسه بالمفكر الذى لم يجد الزمان بمثله، والذى يستحق مكانة عالية، لكنه ظُلم وتم تجاهل قدراته ومواهبه باعتباره مصلح العصر، وكل منْ يعرفه يدرك حجم ما فى شخصيته من تضخم بلا داعٍ، وما فى نفسه من حقد لا مبرر له، لدرجة أنه يلعن المجتمع الذى يراه ظالما، وتسيطر عليه حالة الانتقامية من كل شيء وضد كل شىء، والغريب أن هذا المفكر المتضخم ينتقد أمورًا فى بلده ومواقف سياسية بكل بجاحة، بينما لا يجرؤ على الاقتراب من نفس المواقف فى دولة أخرى لأنها مصدر الرزق الذى يتحصل منه على دخل شبه ثابت، كما لا يجرؤ على المساس بشخص من يستكتبه فى مطبوعته.. النماذج المنتفخة والمدعية كثيرة، وحكاياتهم ومواقفهم لا تنتهى، وهى فى مجملها ليست معارضة على أسس موضوعية، لو كانت كذلك لرحبنا بها جميعاً، ولكنها للأسف ترصد متعمد للدولة ومؤسساتها، واستهداف معلوم سببه وهم المظلومية التى يعيشها هؤلاء، مظنة أنهم يستحقون تقديرا ومكانة تليق بهم، وبسبب هذا الوهم المسيطر عليهم يتجاوزون ويتناسون حتى الحقائق، التى لا تنكرها عين ولا تغيب عن عقل مدرك، وهل هناك أكثر من أن يتجاهل هؤلاء عمدًا، كيف كان حال الدولة المصرية خلال فترة حكم الإخوان الإرهابية، وما تركوها عليه كدولة على شفا الانهيار فى كل القطاعات، لا أمن لا استقرار ولا اقتصاد ولا تنمية ولا طاقة، ولا فرص عمل، يتناسون كل ذلك ويدعون أنها كانت دولة قوية وثابتة ويلومون من يتحدث عن إعادة بناء الدولة من جديد وكأنه يرتكب جريمة. هؤلاء كتاباتهم تنافى المنطق وتتجاوز الواقع بمراحل، الأزمة الاقتصادية على سبيل المثال، الكل يعلم مسبباتها العالمية الواضحة، لا ينكر أحد طبعاً أن جزءا من الأسباب التى أدت إلى تفاقم المشكلة داخلية، من سوء إدارة لبعض المسئولين عن الملفات الاقتصادية، وسوء تقدير للحكومة، وقرارات بعضها متسرع أدت إلى ضعف فى تدفق السيولة الدولارية وتراجع فى الاستثمار وظهور السوق السوداء. لكن هؤلاء المنتفخون اختصروا كل الأزمة فى مصر وأحالوها إلى سبب واحد من وجهة نظرهم، هو الفشل الحكومى كما يدّعون، لم ينظروا إلى أى أسباب أخرى، ولم يفكروا حتى فى الاعتراف بأن السبب الأهم والأخطر هو للوضع العالمى وما نتج عنه من نقص السيولة الدولارية، وأنه عندما توافرت السيولة تراجعت الأزمة سريعًا، بل وتغيرت التصنيفات الدولية لمصر فى أيام معدودة، وتحولت المؤشرات إلى الأفضل، كل هذا عندهم وكأنه لم يحدث، لا يرون أن هناك تغييراً حدث، بشكل إيجابى ويصرون على الصورة القاتمة، وتشكيك الناس فى كل إنجاز أو خطوة نقطعها للأمام، بل والتحريض ضد الاستثمار الذى نجحت مصر فى جذبه فى وقت صعب بدعوى أنه بيع لأرض الوطن، وكأنهم هم وحدهم منْ امتلكوا صكوك الوطنية وهم فقط منْ يخافون على تراب هذا الوطن، ويدافعون عنه، والآخرون خائنون مفرطون، ولم يقنعهم أبدًا إجماع كل الخبراء والوطنيين على أن ما حدث هو استثمار ضخم، ومهم، وكانت مصر فى حاجة إليه، وأنه لا يمس السيادة المصرية ولا الأرض الوطنية، بل إنه حدث كثيرًا قبل ذلك فى مصر وخارج مصر ولم يتحدث أحد عن بيع أو تفريط، لأن هذا هو الاستثمار، فهم لا يرون خبراء غيرهم. المنطق يجعلنا نفسر ما يفعله هؤلاء المتربصون بالدولة بأنهم لم يكونوا يريدون للأزمة الاقتصادية أن تنتهى، كانوا يريدونها أن تزداد تعقيدًا وينهار الاقتصاد المصرى ليصل إلى حد السقوط، ويتحقق لهم ما كانوا يخططون له، الفوضى التى تفتح لهم باب العودة لتصدر المشهد من جديد، ولكن استعادة الاقتصاد لعافيته أربكت حساباتهم وترتيباتهم التى لم تكن تخفى على أحد. ¿ ¿ ¿ فى ملف الدين العام يتحدث هؤلاء بمنطق لا يريدون التنازل عنه، وهو أن الدين وصل إلى حد مخيف، وأن مصر غارقة فى ديونها، ومن جديد عادت نغمة تقسيم حجم الدين على عدد المصريين ليظهر نصيب كل مواطن من الدين، رغم أنها حسبة كاذبة وخادعة ولا تحدث فى أى مكان فى العالم، الديون لها نسب عالمية تقاس بها ولا تقاس بنصيب كل فرد كما يفعل هولاء لغرض فى أنفسهم، الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ديونها وصلت إلى حد الخطر الحقيقى بنحو 32 تريليون دولار، ومع ذلك لم يقل أحد إنها تغرق، بل يتعاملون معها بهدوء وأفكار اقتصادية، الكل يسعى للحل وليس للشماتة أو زيادة الأزمة. أما عندنا فالدين العام عند المتربصين ورقة يستخدمونها لتحريض الناس وتشويه الدولة وإظهارها فى صورة الفاشلة، رغم علمهم التام بأن هذا معناه ببساطة ضرب لمصداقية دولتهم وتخويف واضح للمستثمر، ولكل المؤسسات الدولية من مستقبل الاقتصاد المصري، لكنهم لا يهتمون بذلك ولا بتقارير دولية ترى مستقبل الاقتصاد المصرى واعدا وإيجابياً يهتمون فقط بالتعبير عن الحالة الانتقامية المسيطرة عليهم. ¿ ¿ ¿ فى القضية الفلسطينية تشيد دول العالم بالموقف المصرى ويثمن الأمين العام للأمم المتحدة جهود الدولة المصرية وموقفها المحترم فى دعم أهل غزة، ويعترف الجميع أن مصر هى بوابة الطريق الوحيد لوصول المساعدات وإنقاذ أبناء القطاع. كما أنها بوابة الحل السياسى الذى ينقذ القضية الفلسطينية، بل ويعترف الجميع وأولهم الأمريكان والغرب أن مصر هى المانع القوى ضد مخطط تصفية القضية وخروج الفلسطينيين من أرضهم. لكن هؤلاء لا يرون كل هذا ويصرون على مناصرة وتأييد من يتهمون مصر بالتقصير، رغم أنها بلا جدال الدولة الأكثر وضوحًا فى موقفها والأكثر إصرارًا على دعم الفلسطينيين رغم كل التحديات. هؤلاء المنتفخون كذبا ينصبون أنفسهم مدافعين عن القومية العربية والقضية الفلسطينية، ويصرون على ترويج نفس الأكاذيب الإخوانية التى تستهدف الدولة والقيادة المصرية، دون أى شعور بالمسئولية أو إحساس بأن الدولة تحتاج لدعم ابنائها وليس عقوقهم. والسؤال: هل يمكن أن يعود هؤلاء إلى صوابهم ويعيدوا النظر فى انتهازيتهم ومواقفهم السلبية.. هل يمكن أن يفيقوا ويدركوا أنهم خنجر مسموم فى ظهر بلدهم؟! أعتقد أن هذا صعب، لأن الغرض مرض وهؤلاء مرضى، «الطمع السياسي الذى لن يتخلوا عنه»، فهم لا يختلفون عن الإخوان إلا فى التوجه لكن الأطماع والعقلية الانتقامية واحدة تقريبًا. ¿ ¿ ¿ عمومًا فى كل الأحوال وبعيدًا عن هؤلاء، فنحن أمام حقائق ظاهرة للعيان ولا ينكرها منصف، وكلها تؤكد أننا على الطريق الصحيح. أولها: أننا بالفعل عبرنا المرحلة الأخطر فى الأزمة الاقتصادية، وتجاوزنا محنة كانت غاية فى الصعوبة، وبدأنا بالفعل في التعافى، وهذا ليس كلاماً مرسلاً ولا مجرد تفاؤل بل حسابات دقيقة لخبراء حقيقيين وفق معايير واضحة وقراءة للواقع والفضل فى هذا التجاوز للمحنة الصعبة بعد الله يرجع إلى صلابة هذا الشعب الذى رفض - ومازال يرفض - أن يفرط فى بلده. ثانيها: إن الإشادات الجماعية من الخبراء والمستثمرين وأعضاء أمانة الحوار الوطنى على اختلاف توجهاتهم بالقرارات الاقتصادية الأخيرة ومنها قرار تحرير سعر الصرف تؤكد أن القرارات جاءت صائبة وفى الوقت المناسب، وليست عشوائية أو سيئة، كما يدعى هؤلاء المنتفخون، وحسب ما يتوقع كل الخبراء المعتبرين فخلال أسابيع سوف يمتص الاقتصاد المصري التداعيات السلبية المتوقعة لقرار تحرير سعر الصرف، وآخرها رفع أسعار الوقود لتبدأ مرحلة الاستقرار، الذى نراهن على أنها ستكون أفضل بكل المعايير، سواء فى أسعار السلع، أو معيشة المواطن. والمؤكد أن الإجراءات التى تتخذها الحكومة ومنها اتفاقات خفض أسعار السلع الاستراتيجية بالتنسيق مع التجار، يكشف أن هناك إدارة مختلفة سوف يكون تأثيرها واضح الفترة القادمة لصالح استقرار أكثر للأسواق وهدوء أكثر للأسعار بما يخفف عن المواطن. ثالثها: التغيير الذى شهدته مواقف مؤسسات التصنيف الدولية ونظرتها الإيجابية للاقتصاد المصري، وهى معلنة ولها مبرراتها تؤكد أن القادم أفضل، وأن الاقتصاد المصرى صلب، وأن المناخ المصرى الآن مؤهل لاستقبال مزيد من الاستثمارات الجديدة، خاصة مع الاختفاء التام للسوق السوداء، وما تبع ذلك من وجود سعر واحد للدولار، مما يشجع على قدوم المزيد من الاستثمارات، والبدايات مبشرة، فأحدهم النتائج العاجلة والمباشرة لقرار تحرير الصرف عودة ضخ تحويلات المصريين بالخارج فى مسارها الرسمى وهى البنوك وليس تجار السوق السوداء. رابعها: إن المؤشرات السياحية كلها تؤكد أننا مقدمون على موسم سياحى واعد، بما يعنى رفع حصيلة الدولة من عائدات السياحة، وهو ما سيسهم فى زيادة الحصيلة الدولارية، التى تغطى الاحتياجات المصرية. خامسها: إن المسار الذى تتجه إليه الدولة فى الصناعة تحت شعار التوطين، وبكل جدية، بدأ يؤتى ثماره، وخاصة فى خفض فاتورة الاستيراد، ومع تواصل هذا المسار سوف نصل إلى ما نسعى إليه وهو تصحيح الميزان التجارى وخفض الاستيراد الذى يستهلك النسبة الأكبر من العملة الصعبة. سادسها: إن صفقة رأس الحكمة فتحت الباب لصفقات استثمارية قادمة ستضيف، ليس فقط سيولة جديدة، وإنما ستضيف أيضاً مساحات أكبر لمشروعات وفرص عمل تتناسب مع قدرات الاقتصاد المصرى وثروات الدولة. وليواصل هؤلاء المنتفخون حقدهم الذى لن يحصدوا من ورائه غير المزيد من الفشل، لأنهم لا يريدون أن يتخلوا عن انتقاميتهم ولايريدون أن ويروا النجاح الذى يشهد به العالم، رغم التحديات الواضحة للجميع، بل يصرون أن يتحدثوا عن الفشل الذى يتوهمونه ويتمنونه في خيالاتهم المريضة، يقيناً سيندم هؤلاء وسيفشلون لأن مصر وإن مرضت لكنها لن تسقط، بل ستظل قوية صلبة وصامدة.