الجمعة 3 مايو 2024

حمدى رزق يكتب:«‏between a rock and a hard place»نذر معركة «الطرف الأغر»حكومة «سوناك» تلقى قفازاتها فى وجه الإخ

الكاتب الصحفي حمدى رزق

31-3-2024 | 17:25

بقلم: حمدى رزق
مقولة «أن تأتى متأخرًا خير من ألا تأتى أبدًا» ليست صحيحة فى مطلق الأحوال؛ أحيانًا يكون الموعد قد فات فعلًا، أخشى يكون الموعد قد فات «ريشى سوناك»، رئيس وزراء المملكة المتحدة، وتأخرت حكومة حزب المحافظين زمنًا طويلًا تجاه قرار حظر جماعة الإخوان الإرهابية على الأراضى البريطانية، وفى التحليل الأخير سوناك بالفعل جاء متأخرا، متأخرا جدا، وبعد خراب مالطا، مثل يُقال عندما تكون محاولات الإصلاح لا فائدة منها أو تكون محاولة الإصلاح جاءت متأخرة جدًا، وتترجم العبارة واقعيا اختراق الإخوان أوربا من باريس إلى برلين مرورا بلندن لتأسيس الخلافة الإخوانية (كما يخططون). حكومة سوناك المحافظة جدا على شعرة معاوية مع إخوان لندن، استيقظت من سباتها العميق على ضجيج مظاهرات التضامن مع غزة يصم الآذان، صحت متأخرا، لتبصر جماعة الإخوان وقد صادرت الشارع اللندنى لصالحها.. رهينة مشيئتها. الإخوان حاليا فى صدارة المشهد «اللندنى» بالكوفيات الفلسطينية الشهيرة فى عاصمة الضباب، الجماعة الإرهابية (المنحلة والمحظورة مصرياً) ركبت صهوة الجواد الغاضب فى الشوارع اللندنية، وبرزت وجوه إخوانية من غلاة المتشددين لتكوّر القبضات فى وجوه الإنجليز الذين شطرت وحدتهم حرب غزة بين موالٍ لإسرائيل، ومناهض لها، ومتعاطف مع غزة، وناقم على حماس تعاطفًا مع ضحايا السابع من أكتوبر فى غلاف غزة.. «‏between a rock and a hard place».. مثل إنجليزى بليغ وترجمته العربية حرفيا، بين شقى الرحى، هكذا وصف وضعية حكومة سوناك، بين مظاهرات الغضب العارمة ضد سياسات لندن الداعمة بلا حدود أخلاقية لحكومة مجرمى الحرب فى إسرائيل، وبين الصعود المقلق لليمين الإسلامى الإخوانى فى ميدان «الطرف الأغر». حتى صارت مقيدة اليدين فى مواجهة الصعود الإخوانى المثير للقلق، تخشى كبحه فى سياق دعمها اللامحدود لحكومة نتنياهو، فتسقط من حالق فى صدع الحالة الإنجليزية مشطورة من القلب تجاه غزة، وتخشى أيضا ترك الحبل للإخوان على الغارب، فيركبون ظهور جياد المملكة، ويسوقون السياسة البريطانية إلى انعطافة تجاه غزة ما يعنى ضمنيًا تأييدًا لحماس، الذراع السياسية لجماعة الإخوان فى غزة. اتكأت حكومة سوناك على اتهامات مستقاة من قاموس (شفهى) يحوى تهمًا شائعة، منها التحريض على الكراهية، العنصرية، والجرائم ذات الدوافع العنصرية، والعنف، والاعتداء على ضباط الشرطة، جميعها استُخدمت لكبح حالة الغضب بالقبض على عشرات من المتظاهرين الإسلاميين وغير الإسلاميين من اليمين المتطرف. المواجهة العلنية، وترهيب المتظاهرين، وقمع المتفلتين كلها أساليب معتمدة من قِبل حكومة سوناك التى لم تعد تأبه بقواعد الحراك الديمقراطى، كما جاء فى أدبيات الديمقراطية البريطانية العريقة. «وراء الأكمة ما وراءها» كما يقولون، معلومات متداولة تشى بسيناريو خفى لدى حكومة جلالة الملك، ما يجرى فى الظل، خلف الستار وتقوم عليه الاستخبارات البريطانية (جهاز الاستخبارات البريطانى أو الإس أى إس، بالإنجليزية: Secret Intelligence Service (SIS، تعرف بصورة عامة باسم إم أى 6، MI6 )، وهذا ما نستكشفه فى سطور لاحقة. ■■■ الخميس الماضى (15 مارس) فوجئت الأوساط البريطانية، تحديدا الأوساط الإسلامية (الإخوانية) بخبر صادم، وضع جمعيات تابعة لجماعة الإخوان المصنفة إرهابية (مصريًا) على رأس قائمة التطرف، وفق التعريف الحكومى الجديد للتطرف. الخبر كان له وقع الصاعقة على جبهة إخوان لندن (يترأس الجبهة حاليا الطبيب صلاح عبدالحق، المولود فى القاهرة عام 1945، القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان الإرهابية منذ مارس 2023 (بعد وفاة إبراهيم منير)، عبدالحق المسئول السابق للمنتدى الإسلامى العالمى للتربية، التحق بجماعة الإخوان عام 1962 متأثرًا بفكر حسن البنا مؤسس الجماعة). صدمة الجماعة (الجبهة) لسبب الانهيار المفاجئ فى العلاقات البريطانية/ الإخوانية، إيذانًا بانقضاء شهر العسل، وفى توقيت كان غرام الأفاعى لافتا، ولا سيما أن رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك قبلها بأيام خمسة، (يوم 10 مارس / 29 شعبان)، هنّأ المسلمين فى بريطانيا، بحلول شهر رمضان المبارك، متمنيًا «رمضان مبارك» للجميع، وتزيّن ميدان «بيكاديللي»، الذى يُعد واحدًا من أبرز الميادين فى قلب العاصمة البريطانية بأكثر من 30 ألف مصباح، تتخللها عبارة «رمضان سعيد». أنوار بيكاديللى تُرجمت إخوانيًا حفاوة بريطانية رسمية وشعبية بالمناسبات الدينية الإسلامية، ولكنها لم تُترجم إنجليزيا هكذا، ما تقضيه اللياقة المجتمعية، مباركة فى سياق احترام التعددية الدينية، ولكن كما يقولون: «اللى فى القلب فى القلب، وتبويس اللحى لا يترجم عناقا خالصا»... وزير المجتمعات المحلية «مايكل غوف» صدم الإخوان بقسوة، بلكمة فى الوجه دون سابق تحذير أو إنذار، صرح إعلاميا بأن «منظمات مثل الرابطة الإسلامية فى بريطانيا، وهى الفرع البريطانى لجماعة الإخوان، ومجموعات أخرى (يمينية متطرفة) مثل (كيج، وميند باتت) تثير التوجس من توجهاتها». حكومة سوناك عادة تأتى متأخرة، وحتى لا نتجنى عليها بالحكم المشدد، حكومة طالعها سيئ تحصد جملة متأخرات الحكومات البريطانية المتعاقبة التى هادنت - لا نقول تواطأت - مع جماعة إرهابية طويلًا، ولم تتوقف وتتبين وتحقق فى خطرها علانية، وحتى التحقيق العميق الذى تولاه السير «جون جنكيز» السفير البريطانى السابق فى المملكة العربية السعودية، فى العام (2015) لم تُعلن نتائجه علانية، حجبت عن الرأى العام وعن مجلس العموم، وظل التقرير تحت بند «سرى جدا»، وفيه أشار السفير جنكيز إلى نمو شبكة معقدة من الجمعيات الخيرية مرتبطة بالإخوان على الأراضى البريطانية، على مدى عدة سنوات. التقرير الخطير فتح أعين البريطانيين على خطورة وجود الإخوان على أراضيهم، ونُشرت مقولات جنكيز فى الصحافة اللندنية، ومنها أن الانتماء إلى الإخوان الإرهابية بداية الطريق نحو التطرف. التقرير تم إخفاؤه، والتعتيم عليه، والتغفيل حول محتواه، وخرجت أصوات بريطانية لا تبرئ الإخوان من تهمة الإرهاب فحسب، بل تمتدح مسلكهم، وتجلس إليهم، وتستضيفهم فى BBC ساعات طوال، وترفض حظرهم، وتنتقد محاكماتهم فى دول عربية لا سيما فى مصر وتونس والخليج.. فى ممالأة ومخاتلة سياسية مفضوحة. ■■■ للتعريف، وزير المجتمعات المحلية «مايكل غوف» كاتب وقاضٍ وصحفى وسياسي بريطاني، وُلد فى 26 أغسطس 1967 فى إدنبرة فى المملكة المتحدة، نشط حزبيًا فى حزب المحافظين. «غوف» مرشح بقوة الآن للقب «عدو الإخوان»، يتوعدهم بالحساب، «سنحاسب هذه المنظمات وغيرها لتقييم ما إذا كانت تلبى تعريفنا للتطرف، وسنتخذ الإجراء المناسب!» ويفصح عن سياسته ‎ أن «الانتشار الشامل للأيديولوجيات المتطرفة يتضح أكثر فأكثر بعد هجمات (7 أكتوبر/ هجمة حماس على غلاف غزة) ويشكل خطرًا حقيقيًّا على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا! ‏‎ بصدد تعريف جديد للتطرف صكه «غوف» واعتمدته حكومة سوناك، التعريف الجديد للتطرف مفترض أن يؤدى إجرائيا إلى إدراج المنظمات الإخوانية على «لائحة سوداء» وحرمانها من الأموال العامة. رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك دخل بثقله السياسى فى المعركة المحتدمة، ووصف ما يحدث من الجماعات الإخوانية واليمينية بأنه «سم» للديمقراطية، محذرا من «زيادة مروعة فى الاضطرابات المتطرفة والإجرام تهدد البلاد بالانتقال إلى «حكم الغوغاء». ‏‎وحذر من غائلة التطرف بألوانه ومنها الإسلاموى الغامق، أن «الانتشار الشامل للأيديولوجيات المتطرفة يتضح أكثر فأكثر بعد هجمات 7 أكتوبر ويشكل خطرا حقيقيا على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا». ■■■ جدل بريطانى عميق بسبب تعريف التطرف الذى سيسلب إخوان لندن حرياتهم فى الحركة السياسية اختراقا للأحزاب اللندنية، وقدراتهم على جمع الأموال لتمويل النشاطات، وتكوين اللوبيات المؤثرة على الانتخابات البريطانية. لندن كانت تعرف التطرف بأنه «معارضة صريحة أو فعلية لقيمنا الأساسية» مثل الاحترام المتبادل والتسامح، وهو التعريف الذى سمح لجماعة الإخوان بتجذير حضورها فى بريطانيا عبر أشكال مختلفة، منها النشاط السياسى الذى لا يتعارض مع توجهات الحكومة والأنشطة الشبابية والمنظمات الجامعية. وتحظر بريطانيا بالفعل جماعات تقول إنها متورطة فى الإرهاب، ويعد دعم هذه المنظمات أو الانضمام إليها جريمة جنائية، وتعتبر حركة حماس من بين 80 منظمة دولية محظورة. ‏‎ولن تخضع الجماعات التى سيتم تحديدها على أنها متطرفة بعد تقييم «صارم» خلال الأسابيع القليلة المقبلة لأى إجراء بموجب القوانين الجنائية وسيظل مسموحًا لها بتنظيم المظاهرات، لكن الحكومة لن تقدم لها أى تمويل أو أى شكل آخر من أشكال التعامل. حسب التعريف الجديد الذى وضعته الحكومة، فإن التطرف هو «الترويج أو الترافع لصالح أيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية، أو عدم التسامح، بهدف إبطال أو تدمير الحقوق الأساسية لبقية المواطنين. تقويض نظام المملكة المتحدة المبنى على الديمقراطية والليبرالية والحقوق الديمقراطية أو ازدراؤه أو السعى لقلبه. السعى لخلق بيئة تساعد الآخرين على تحقيق الأهداف السابق ذكرها». ويختلف هذا التعريف عن التعريف المعتمد فى بريطانيا منذ سنة 2011 الذى كان يقول: «إنه لا يمكن وسم شخص أو مجموعة بالتطرف، إلا فى حال التعبير صراحة أو عن طريق القيام بأفعال تخالف القيم البريطانية، المتعلقة بالديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل واحترام التنوع الدينى والثقافي». وحسب التعريف الجديد، فإن أى مؤسسة يتم وسمها بالتطرف لن يكون لها الحق فى استئناف هذا القرار، كما سيتم منع كل الموظفين الحكوميين والمؤسسات الحكومية من التعامل معها أو الانخراط فيها أو المشاركة فى أنشطتها. ■■■ وزير الدولة «مايكل غوف» أفصح عن قائمة أولية للمؤسسات التى سيتم وسمها بأنها متطرفة، من بينها منظمات نازية وأخرى تنتمى لليمين المتطرف، بينما قال إنه وضع على قائمة المراقبة مؤسسات كلها إسلامية، ويتعلق الأمر بمنظمة «كيج» (CAGE) التى تعمل فى مجال الدفاع عن ضحايا الإسلاموفوبيا وضحايا الحرب على الإرهاب، وكذلك جمعية مسلمى بريطانيا (MAB). قرار السلطات البريطانية يجدد مشروع الحظر الشامل لنشاطات الإخوان على الأراضى البريطانية، وسبقه فى سبتمبر 2020 حظر أنشطة جمعية «قافلة المساعدات» التى تعتنى بقضايا الشرق الأوسط. قرارات «غوف» ليست وليدة مظاهرات «الطرف الأغر»، خلفيات القرار خطيرة وملابساتها تسكن تقارير الاستخبارات البريطانية وتؤهل لاتخاذ قرارات أكثر صرامة مع الجماعة الحربائية، التقارير الصحفية المنشورة فى لندن تكشف أن السلطات البريطانية بعد متابعات لصيقة كشفت على سبيل المثال لا الحصر، أن موظفى هذه الجمعية (قافلة المساعدات) على صلة بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، فضلا عن تورطهم فى مخالفات إدارية ومالية. لجنة المؤسسات الخيرية البريطانية، وفق ما أوردته صحيفة «ذا ناشيونال» حذفت المؤسسة (قافلة المساعدات) بعد أن فشلت المؤسسة فى تقديم كشف حساب لشحنة مساعدات بقيمة 3 ملايين جنيه إسترلينى إلى سوريا. فى عام 2017 أيضًا شحنت المؤسسة الخيرية 48 حاوية يُزعم أنها تحتوى على مساعدات بقيمة 3 ملايين جنيه إسترلينى لم تُدرج فى الحسابات. جمعية قافلة المساعدات تعمل منذ ثمانى سنوات، انطلقت فى العام 2012 فى تنظيم قوافل مساعدات على الحدود بين تركيا وسوريا‪.‬ ولا يُعدّ الربط بين الجمعية والقاعدة الأوّل، ففى العام 2017 جرّدت السلطات البريطانية أحد عمالها، وهو توقير «شريف»، من جنسيته البريطانية، بعد أن أشارت تقارير إلى أنه سافر إلى سوريا وكان يعمل مع «القاعدة». «قافلة المساعدات»، ليست أول مؤسسة «خيرية» إخوانية تحقق معها الهيئات التنظيمية بشأن ملفات الإدارة والمحاسبة، قبلها صدر قرار بهيكلة جمعية «الإغاثة الإسلامية عبر العالم» بعد الكشف عن أن أمناءها أظهروا دعمهم لحركة «حماس» بفلسطين، وجماعة «الإخوان» فى مصر على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن جماعة الإخوان ليست مصنفة منظمة إرهابية على الأراضى البريطانية، ولكنها سياسة التوقى من الإرهاب المحتمل. مساعد مدير التحقيقات والتحرّيات فى لجنة المؤسسات الخيرية تيم هوبكنز قال: إن «الإجراء الذى اتخذناه باسم الصالح العام قد حمى قطاع الأعمال الخيرية من المزيد من الضرر»! ■■■ «لا بحبه ولا أقدر على بعده»، مثل شعبى حاكم للعلاقة بين الاستخبارات البريطانية والإخوان، يقينًا الإخوان ليسوا المفضلين بريطانيًّا، ولكن تدجينهم داخل حظيرة «MI6» ضرورية استخباراتية استراتيجية. محاولات الحادبين على الديمقراطية البريطانية، أعرق البيوتات الديمقراطية فى العالم، لتطبيق حظر رسمى على جماعة الإخوان وأذرعها المجتمعية والخيرية ونشاطاتها الإعلامية والسياسية على الأراضى البريطانية عادة تبوء بالفشل، لأسباب تاريخية وأخرى موضوعية.. تاريخياً المملكة المتحدة مثلت - ولا تزال - ملاذًا لتنظيم الإخوان الإرهابي، منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، كانت لندن ولا تزال مقرًا رئيسيًا للتنظيم وأذرعه، المختلفة فى الدول العربية، والأوربية.‎ وحسب تقرير لصحيفة «الجارديان» البريطانية يرتبط تنظيم الإخوان بمنظومة مهمة من المصالح تجمعها مظلة سياسية وأمنية واجتماعية، وتشمل عددًا من الجمعيات والمؤسسات والهيئات، وصلت إلى ما يقارب 60 منظمة داخل بريطانيا وتنامت استثماراتها المباشرة وغير المباشرة، وتشير التقديرات إلى أن تنظيم الإخوان بات يملك أصولًا مالية بعشرات مليارت الدولارات. على ذكر الحظر المطلوب، يذكر فى هذا السياق مطالبة النائب فى البرلمان البريطاني، «إيان باسلى»، بحظر أنشطة جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية فى عدد من الدول العربية، فى الوقت الذى تتمركز فيه أنشطة الجماعة وتنظيمها الدولى فى لندن، حيث تنطلق منها فى محاولة للتأثير على الرأى العام العالمي، مروجة لمظلومية الجماعة وادعاءات الاضطهاد فى الدول العربية. وانتقد النائب، بحسب ما أورده موقع «ميديا مونيتور»، رد وزير الشئون الداخلية البريطاني، «جيمس بروكينشاير»، الذى كشف غياب التواصل والتنسيق بين الوزارات حول الإخوان. وعلق باسلي، فى تصريحات صحفية: كان الجواب صادمًا، وتساءل مستنكرًا عن أسباب عدم تنسيق وزارة الداخلية مع الخارجية والدفاع والمجتمعات للتعامل مع تأثير الإخوان. وأوضح النائب البريطانى أن جماعة الإخوان هى الإطار الذى يسمح للشبكة المتطرفة بالنمو وإقامة شبكتها المالية ودفع الناس إلى التطرف، مؤكدًا أن الحكومة بحاجة لتصعيد لهجتها وإخبار الجميع المتورطين مع الإخوان بأنه تنظيم محظور وسيؤدى العمل معه إلى السجن. وكان النائب البريطانى قد عقد العديد من المناقشات رفيعة المستوى أثار فيها مخاوفه بشأن الإخوان، وضغط على وزراء الحكومة لحظر التنظيم، إذ التقى بوزيرة الداخلية البريطانية بريتى باتل وبوريس جونسون، أثناء توليه وزارة الخارجية، لمناقشة خطر الجماعة. ■■■ هل صحت الحكومة البريطانية من غفوتها السياسية فعلا، أم أنها تخاتل مواطنيها وتوالس سياسيا حتى مرور عاصفة غزة من القنال الإنجليزى؟ خبراء شئون الحركات الإسلامية، مثل أحمد سلطان، «لا يرى فى القرار البريطانى مؤشّرًا لكبح حقيقى لجماعة الإخوان، قائلا: إنه وفق مقاييس التعريف الحكومى الجديد للتطرّف، فإن القرار «خطوة براجماتية وغير جادة من الحكومة البريطانية». ويدلّل على ذلك بأن: فى نفس الوقت الذى يتم فيه اعتماد تعريف جديد لمكافحة التطرّف، فإن قيادات الإخوان بمن فيهم (نجل) أنس التكريتي، الذى كان واحدا من القيادات المؤسسة للرابطة الإسلامية، التقت مسئولين خلال الفترة الماضية؛ بمن فيهم قائد شرطة لندن، مارك رولي. إدراج الإخوان على قائمة التطرف خطوة من سلسلة خطوات مكررة تلجأ إليها الحكومة البريطانية من آن لآخر، أملا فى استيعاب زخم سياسى موجود، والزخم السياسى الآن مرتبط بالحرب على غزة، لكن الخطوة لن تؤثّر بشكل جوهرى على جماعة الإخوان. جماعة الإخوان فى بريطانيا لديها خبرة طويلة فى إخفاء الشبكات التنظيمية الخاصّة بها، وإجراء تغييرات على البنى الهيكلية للمنظمات التابعة لها؛ بحيث يصعب تعقّبها، ويصعب حظرها أيضا. بالنسبة إلى التعريف الجديد، فهو خطوة تهدف للترويج بأن الحكومة تتّخذ إجراءات من أجل الحد من «معاداة السامية» بعد تصاعد الكراهية، لكن هذا لن يؤدّى إلى اختراق حقيقى فيما يتعلّق بملف نشاط الإخوان؛ وبالتالى لن يكون لها صدى كبير فى أوربا. هناك دول أوربية بدأت فى اتخاذ خطوات ضد جماعات الإخوان، والجماعات التى يُشتبه فى أنها قريبة من حركة حماس، وهذه الخطوات أثّرت على شبكة حماس والجماعة، لكن الوصول إلى حظر كامل لجماعة الإخوان أو المنظمات المرتبطة بها لن يتحقّق، بل العكس، بعد موجة التصعيد الحالية سنشهد موجة تهدئة، وستكون هناك اتفاقات وتفاهمات مع الإخوان. ■■■ ولا تعد بريطانيا الوحيدة التى يتسم تعاملها مع جماعة الإخوان بالغموض، ففى الوقت الذى تدعى محاربة الإرهاب تحتضن الجماعة وترفض تصنيفها بالإرهابية. وتعد ألمانيا إحدى أبرز الدول التى يتسم تعاملها مع الإخوان بالازدواجية، فعلى الرغم من صدور تحذيرات عدة من المخابرات عن مخاطر الجماعة، فإنها ما زالت غير مصنفة إرهابية، وكان تقرير للمخابرات الداخلية الألمانية صدر فى ولاية بادن فورتمبيرغ، يصف الجماعة بالخطر الذى يهدد الولاية وأمنها، ويؤكد وجود نحو 190 شخصًا فى الولاية ينتمى للجماعة... يلفتنا أعلاه إلى ما يسمى اصطلاحا، استراتيجية جماعات الإسلام السياسى وبالأخص التنظيم الدولى للإخوان للتغلغل فى المجتمعات الغربية من خلال نسج شبكة هائلة من العلاقات داخل العديد من الدول الأوربية، عن طريق المساجد والمراكز الثقافية والجمعيات «الخيرية» التى تشترك جميعها فى كونها عبارة عن واجهات لتنفيذ أهداف المشروع الإخوانى فى أوربا. من جهة أخرى تتخفى جماعات الإسلام السياسي، تحت ستار الجمعيات والمؤسسات الخيرية، من أجل التغطية على تمويل العمليات الإرهابية التى ترتكبها فروعه المسلحة بها فى دول عدة، مستغلًا العمل الخيرى والمساعدات الإنسانية. ويلفتنا «المركز الأوربى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات»، إلى تحذيرات استخباراتية بريطانية لافتة فى هذا السياق، سبق أن أصدرت الهيئة المشرفة على أعمال الجمعيات الخيرية فى بريطانيا فى ديسمبر 2015 بيانا أعربت فيه عن قلقها البالغ من استغلال الجمعيات الخيرية المرتبطة بتنظيم الإخوان بالدعاية للتنظيمات المتطرفة. مستغلة عملها الخيرى كمنصة للترويج للإرهاب والأفكار المتطرفة، عبر إطلاق حملات تجنيد وتحويل أموال، المفترض أنها مخصصة للأعمال الخيرية لتمويل نشاطات إرهابية، أو لدعم تنظيمات تحوم الشكوك حولها مثل تنظيم الإخوان. صحيفة «صانداى تلغراف» البريطانية، أثبتت فى تحقيق صحفى فى فبراير 2015، أن المحاور الرئيسية لعمليات الإخوان فى أوربا هى وست جيت هاوس Westgate House تقع غرب لندن، فيها مبنيان يحتويان على ما لا يقل عن 25 منظمة مرتبطة بحركة الإخوان أو حماس. وهناك مبنى ثالث قريب جدًا، يسمى بيناكل هاوس Pinnacle House يضم إنتربال، وهى مؤسسة خيرية كبرى أخرى لها صلات وثيقة بالإخوان وحماس. وكانت الحكومة الأمريكية حظرت إنتربال Interpal كمنظمة إرهابية، لكنها لا تزال تعمل فى المملكة المتحدة زاعمة أنها قطعت علاقاتها مع حركة «حماس». تقريبا، هناك حوالى (60) منظمة داخل بريطانيا، ترتبط بجماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسى بينها منظمات خيرية ومؤسسات فكرية، بل وقنوات تليفزيونية، وذلك بحسب صحيفة «تلجراف» فى أكتوبر 2014 نقلًا عن تقرير حكومى غير منشور، ومن أبرز هذه المؤسسات: * الرابطة الإسلامية فى بريطانيا (MAB): تمثل أبرز كيانات الإخوان بالمملكة، وأسسها «كمال الهلباوى»، عضو سابق فى مكتب الإرشاد للإخوان المصرى، والمتحدث الرسمى السابق باسم جماعة الإخوان الإرهابية فى الغرب الذى انشق (قبل رحيله) فيما بعد عن الجماعة، وتضم قيادة حزب MAB قيادات إخوانية مثل عزام التميمى، الناشط السابق فى جبهة العمل الإسلامى (الحزب السياسى لجماعة الإخوان الأردنية)، ومحمد صوالحة، العضو السابق فى حماس، وأسامة التكريتى، نجل زعيم الفرع العراقى لجماعة الإخوان. ■ منظمة الإغاثة الإسلامية فى بريطانيا: مؤسسة إسلامية بارزة، مرتبطة بشكل وثيق بشبكة الإخوان، ولها فروع فى أكثر من (20) دولة، تمتعت بقدر كبير من الوصول إلى المسئولين الحكوميين البارزين؛ إذ تضمنت فعاليات الإغاثة الإسلامية خطابات للأمير تشارلز قبل تتويجه ملكاً ، كما أصبحت هيئة الإغاثة الإسلامية أول جمعية خيرية إسلامية متخصصة تحصل على تمويل من الحكومة البريطانية لمشاريع فى القارة الإفريقية عام 1994، وفى عام 2012 أغلق العملاق المصرفى السويسرى UBS حسابات الإغاثة الإسلامية و«منع التبرعات القادمة من عملائه إلى المؤسسة الخيرية»، حسبما ورد، بسبب مخاوف من تمويل الإرهاب، بعد أربع سنوات، فعل HSBC الشيء نفسه. ■ المجلس الإسلامى فى بريطانيا (MCB): أكبر منظمة دعم سياسى تعمل باسم المسلمين فى بريطانيا، تأسست عام 1997 على يد قيادات جماعة الإخوان، وهى منظمة جامعة لأكثر من (500) مؤسسة إسلامية منتشرة فى جميع أنحاء بريطانيا، وفى عام 2009 قررت بريطانيا وضعها تحت الرقابة على خلفية دعمها لعمليات العنف، (ذا تايمز - ديسمبر 2015). ■ الصندوق الفلسطينى للإغاثة والتنمية: أسسه عصام يوسف فى التسعينيات، يمتلك الصندوق (11) فرعًا فى بريطانيا. دخل الصندوق الفلسطينى للإغاثة والتنمية ضمن التصنيف الذى أطلقته الحكومة البريطانية فى 2017؛ حيث اعتُبر كجزء من البنية التحتية لفرع جماعة الإخوان وحركة حماس فى بريطانيا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ حيث وجهت وزارة الخزانة الأمريكية أصابع الاتهام إليه، واعتبرت أن الصندوق ما هو إلا كيان إرهابى أُنشئ لتقديم الدعم المالى لحركة حماس، كما ذكرت صحيفة (ذا تايمز فى 5 أغسطس 2019 )، فيما قرر بنك «HSBC» وقف التعامل بالحوالات البنكية المجدولة من المتبرعين لصالحه ابتداء من 17 مايو 2020. ■ مؤسسة قرطبة: (TCF) هى مؤسسة فكرية شرق أوسطية، ويديرها أنس التكريتى، المتحدث الرئيسى باسم لوبى جماعة الإخوان فى بريطانيا، رغم أنه يدعى أنه ليس عضوًا فيها. وفى شهر أغسطس 2014 أغلق بنك إتش إس بى سى (HSBC) الحساب المصرفى لأنس التكريتى، فضلا عن حسابات أقاربه ومؤسسة قرطبة (حسبما جاء فى الجارديان). ■■■ حرية حركة جماعات الإسلام السياسى فى بريطانيا بلغت حد خطب ود الجماعة من قِبل سياسيين وبرلمانيين، على رأسهم «جيريمى كوربين» زعيم حزب العمال، المتهم بالتقرب من الجماعة والظهور فى مؤسساتها فى أكثر من مشهد مختلف، ففى أغسطس 2018 ظهر فى مسجد «فينسبرى بارك» وهو يرفع علامة «رابعة» الشهيرة والمرتبطة بإخوان مصر. ونشرت «فورين بوليسى» أكتوبر 2018 تقريرًا يستنكر العلاقة بين «كوربين» والصندوق الفلسطينى للإغاثة والتنمية بعد دعوته للتبرع إلى المؤسسة بكثافة، فيما اعتُبر كدعم واضح للتيارات المتطرفة. تحت وطأة وباء كورونا التفتت الحكومة البريطانية إلى خطورة إخوان لندن، وعمدت إلى زيادة المراقبة على المتطرفين الذين يستغلون جائحة كورونا. وأكدت الحكومة فى مايو 2020 أنها ستراقب الجماعات المتطرفة عن كثب مثل الإخوان الذين كانوا يحاولون الاستفادة من الأزمة. يأتى هذا بعد أن شهدت بريطانيا حلقة جديدة فى سلسلة طويلة من الإجراءات والجهود المبذولة داخل أروقة البرلمان لدفع الحكومة إلى اتخاذ قرار بحظر جماعات الإسلام السياسى وتنظيم الإخوان والمنظمات الخيرية التابعة له فى البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التى تهدد البلاد من جراء هذا التنظيم الذى ينتهج أجندة سرية تخدم الإرهاب والتطرف. طالب البرلمان البريطانى وزيرة الداخلية «بريتى باتل» بتقييم سريع لنشاط جمعيات «الإخوان» الاقتصادي، للتأكد من عدم استخدامها فى تمويل التطرف، وفقًا لـتقرير بعنوان «تساؤلات برلمانية بشأن نشاط الإخوان فى ظل كورونا»- نشرته «سكاى نيوز عربية» فى 19 مارس 2020. وكانت السلطات البريطانية فى أغسسطس 2020 قد حظرت جمعية «خيرية» مؤسسة «قافلة المساعدات» بعد اكتشاف أن موظفيها على صلة بتنظيم «القاعدة» الإرهابي، وتورطهم فى مخالفات إدارية ومالية.