الخميس 20 يونيو 2024

«قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب». هوامش على متون الدكتور شوقى علام مفتى المقاصد الوطنية

الكاتب الصحفي حمدى رزق

1-4-2024 | 00:50

بقلـم: حمدى رزق
كلُّ ما قلتُ لكم، فلم تشهد عليه عقولكم وتقبله وتراه حقًّا، فلا تقبلوه؛ فإن العقولَ مضطرَّة إلى قبول الحق». أعلاه قاعدة استنها الإمام الشافعي، كان رضى الله عنه ينبذ التعصب فى الرأي، وعلى القاعدة تسير دار الإفتاء المصرية تحت جناح مفتى الجمهورية العلامة الدكتور شوقى علام.. رجال الدين نوعان، رجل ينبعث من حديثه ريح الجنة، فيطيب قلبك ويرق، ورجل مثل نافخ الكير، حديثه يصليك نارًا، يحيل حياتك جحيمًا لا يُطاق. رجلان، رجل يبشر بالجنة التى توعدون، ورجل ينذركم بالنار وبئس القرار، رجال الجنة ندرة، ورجال النار يجولون فى الأسواق ببضاعة تبعث على القنوط. من رجال الطيب والمسك وريح الجنة، العلامة فضيلة الدكتور «شوقى علام» مفتى الجمهورية، تأنس لطلته العادية، تواضع العلماء بلا بهرجة ظاهرية بألوان فاقعة، لا افتعال ولا تقعر، تألف حديثه البسيط النابض بالمحبة، يقدم الإنسانية على ما سواها، وييسر على الناس شئون دنياهم دون تفريط فى أوامر أو إفراط فى نواهٍ.. ما يبعث على البِشر والاستبشار والسرور. الدكتور شوقى بهدوء محبب، يُعمِل العقل مصطحبًا النص فى تجليه وتنزيله على الواقع، دون انغلاق، أو تفريط، أو إفراط، وعنوانه الدين يسر لا عسر، اتساقًا مع قول الحبيب (صلى الله عليه وسلم) «إن الدين يسر، ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه». تلقى اجتهادات الدكتور شوقى، قبولًا طيبًا، وشيوعًا محببًا، بنبرة هادئة دون زعيق لافت أو تمثيل ممجوج، الرجل يستحيى من الله، ولا يفتى إلا بما يمليه الضمير وفق قواعد شرعية حاكمة، لا يغادرها ولكن يفتح باب الاجتهاد بروية، الباب الذى غلق طويلًا فى وجوه المجتهدين.. الدكتور شوقى لا يتجاوز دوره كمفتٍ، ليس لديه خلط فى الأدوار، قانع بإسهامه الشرعى والفقهى والعدلي، وقبلها وبعدها متقبل تمامًا الخلاف فى الاجتهاد، متمثلًا القاعدة، اختلافهم رحمة، وقول الإمام الشافعى، «قولى صواب يحتمل الخطأ، وقول المخالف خطأ يحتمل الصواب». من فضائل فضيلته تعلية المتفق عليه على المختلف فيه، ولا يضيق حتى بالعلمانيين، ولا يبتدرهم العداء، وقاعدته المتبعة، نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، وأصل القاعدة منسوب للسيد رشيد رضا، صاحب مجلة «المنار». ومحرم لديه (فضيلة المفتى علام) ابتداء وانتهاء، التفسيق والتكفير، ذاهبًا إلى التفكير والحوار، والبحث عن المشتركات الإنسانية.. لسان حاله وبيانه، المفتى الجليل نذر علمه لتأسيس ما يسمى بـ«فقه الدولة الوطنية»، واجتهاداته الفقهية جميعًا تصب فى هذا المقصد الشرعى الوطنى المعتبر، علمًا بأن «فقه الدولة الوطنية» فقه حديث، جديد على الأسماع رغم كونه من عمر دولة الرسول صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة، وندرة هى الاجتهادات فى السياق. ورغم أن الدولة أقدم كثيرًا من الجماعات جميعًا، تحديدا الدولة المصرية فى تجليها تاريخيًا، من عمر الحضارة، ولكن لم تفطن المؤسسة الدينية الرسمية (منذ فتح مصر) لتأصيل فقه الدولة الوطنية، وغفلت المرجعيات المعتمدة أو تكاسلت أو تشاغلت عن تأصيله واستنباطه واستزراعه، وطنًا وعلمًا ونشيدًا، رغم أن اجتهادات مقدرة ومبكرة فى هذا الباب قال بها شَيْخُ الإسلام الإِمَامُ الحَافِظُ العَالِمُ أَبُوالحَارِثِ اللَّيْثُ بنُ سَعْدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ الفَهْمِى القَلْقَشَنْدَى (94 هـ/713 م - 175 هـ/791 م) فقيه ومحدث وإمام أهل مصر فى زمانه، وصاحب أحد المذاهب الإسلامية المندثرة.. واندثرت مع مذهبه تباشير فقه المقاصد الوطنية إلا فيما ندر وثبت عنه بالرواية. فقه المقاصد الوطنية مناهض لفقه الجماعات، واستقتلت الجماعات المتطرفة حينًا من الدهر فى مقاومة فقه الدولة، وتشويه فكرة الدولة فى أذهان العوام، فنزعت القدسية عن الحدود، وتجاوزت الجماعات الحدود، كل الحدود، وصار الانتماء للوطن محل شك كبير. الدكتور شوقى علام باجتهاداته المؤصلة من القرآن والسنة وسيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، يعوض غيبة الاجتهادات الفقهية المؤسسة لفقه الدولة الوطنية، ويرفع فى وجه الجماعات فقهًا مواجهًا لا يخشى فى حق الله لومة لائم. فقهيًا وعلميًا، مفتى قوى الشكيمة لا يلين لهم موالسة، ولا يلقى بالاً لتخرصاتهم، ولا يتولى يوم الزحف، ويأنف القعود، وينفر إلى تأصيل وتأسيس فقه الدولة الوطنية فى المواجهة على الخطوط الأمامية. للأسف القعود كلفنا خسارة الغالى والنفيس، قعودًا عقودًا تشكل قرونًا، سمح لفقه الجماعة أن يسود ويستشرى ويتمدد فى الأرض الخلاء، وفى الفضاء الإلكترونى فقهًا يستهدف الدول تكفيرًا، ويوطِّئ للخروج على الحكام، ويكفر المحكومين، ويصمهم بالجاهلية، جاهلية المجتمعات المكون الرئيس لفقه الجماعات تمددًا فى البراح الذى كان!. ¿¿¿ الدكتور شوقي، لا تنقصه روح وأمانة الفقيه، وبالسوابق وطوال فترة حمله للأمانة نذر علمه وجهده ووقته لمأسسة الدار العريقة، وتوطيد أركانها، وتمكينها، واستقلاليتها فتويًا، ودمجها مجتمعيا، تفاعلاً مع هموم الوطن والمواطن. ما رشح عن الدار العريقة من فتاوى طوال سنوات عقد مضى خليق بالاعتبار، ويقن أن فى الدار عقلاً تنويريًا فاهمًا وواعيًا لفقه الحياة، ولا يعانى انغلاقا، ما صدر من نفحات فقهية عن عقول امتحنت فاعتبرت وتدبرت وحكمت عقلاً فى النصوص، فلم تجافها، بل استخرجت من بطونها ما يجلى المقاصد الإنسانية فى تجديد الفقه الإسلامي. أقول قولى هذا بعد تمعن عميق فيما صدر عن الدار من فتاوى تحت وطأة ظرف مصرى عصيب طوال سنوات خلت، تؤسس لباب مستحدث من «فقه المقاصد» ستحفظه مجلدات الدار لأجيال ستأتى لتطالع اجتهاد فقهاء لم تلفهم الأحداث بظلامها الثقيل، بل كشف عنهم الغطاء، فأبصروا منافع للناس. لله دره، المفتى الدكتور «شوقى علام» صاحب الذهنية التى عملت بجد واجتهاد مؤسس على فقه متجدد، عقلية جبلت على الخيرية، وفهمت النص فهمًا عقلانيًا لم يجافِ مقصدًا ولا جرح نصًا، بل أضاف إلى ما سبق وبنى عليه من فهم عاقل لفقه المقاصد الوطنية كما سيعرف بـ»فقه الدولة الوطنية»، واجتهاداته الفقهية جميعًا تصب فى هذا الاتجاه الوطنى المعتبر. يناصبونه (الإخوان والسلفية والجهادية) العداء، ويشنون عليه غارات همجية عبر منابرهم الإلكترونية، ولكنه يتجاهلهم، والتجاهل كما قال طيب الذكر جبران خليل جبران، انتقام راقٍ، صدقة جارية على فقراء الأدب.. الدكتور علام كما خبرته لسنوات، مفتى قوى الشكيمة لا يلين، ولا يلقى بالاً لتخرصاتهم، ولا يتولى يوم الزحف، وينفر إلى تأصيل وتأسيس فقه الدولة الوطنية، غير عابئ بتخرصاتهم، ولا مبالٍ بتقولاتهم، ويستحث الخطى نحو فتوى عصرية مؤسسة على علوم الدين والدنيا، لا يخاصم قديمًا أصيلاً، ولا يقاطع حديثًا مستحدثًا، وقاعدته المرعية قرآنية، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النحل / ٤٣) ¿¿¿ على خطى الدكتور علام، ووفق منهجيته التى استقاها من مناهج فقهية فتوية مستقرة فى مدارس علمية سبقت، ومدارس علمية لحقت، ولا تزال حاضرة بجلالها، مستوجب نفرة المؤسسة الدينية الوطنية بمدارسها ومؤسساتها على خطى مفتى الجمهورية لملء الفراغ الفقهى الذى احتلته الجماعات بـ«فقه الجماعة» الذى استشرى بين الناس سمًا زعافًا أصاب الوطن بالشلل الرعاش.