الأربعاء 8 مايو 2024

المخزون الاستراتيجى.. ضربة معلم ضد مخطط تعطيش الأسواق

الكاتب الصحفي عبد اللطيف حامد

1-4-2024 | 01:05

بقلم: عبد اللطيف حامد
القرار الجريء يستحق التحفيز، والخطوة المدروسة تستوجب المدح، والتحرك السليم يقتضى التأييد، كما تتطلب اللعبة الحلوة التشجيع بلغة جماهير الساحرة المستديرة كرة القدم، ومن الإنصاف أن نشد على أيدى د. مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء لسرعة ترجمة التوجيه الرئاسى خلال احتفالية يوم المرأة المصرية بأن تعود الدولة لدورها السابق فى ضبط الأسواق من بوابة توفير السلع الأساسية بتخصيص من 2 إلى 3 مليارات جنيه لمواجهة الاحتكار، وبالفعل التقطت الحكومة الإشارة سريعا، وفى غضون 3 أيام فقط تحول القول إلى فعل، والمقترح إلى خطة، وبدأت الإجراءات التنفيذية تسير على قدم وساق لضمان ادخار مخزون استراتيجي، والاحتفاظ باحتياطى كافٍ لتوظيفه وقت الضرورة، لإفساد مخطط تعطيش الأسواق من غالبية التجار والمنتجين من علب الكبريت إلى حديد التسليح، وليس السلع الأساسية فقط، بغرض فرض الغلاء الجبرى على المصريين، ولا عزاء للضمير، ولا مراعاة لظروف الناس. صحيح، مافيا الأسواق، وأباطرة الاحتكارات لن يعدموا الوسائل الخبيثة، ولن يتخلوا عن الحيل الوضيعة للإلتفاف على هذا المسار، ومحاصرة تلك المنظومة، تارة بشائعات التبشير بالغلاء القادم، وتارة بإخفاء السلع، مع التلويح فى العلن والخفاء بالمنافسة الحكومية غير العادلة للقطاع الخاص، وكأنه قميص عثمان لتكبيل هذه المبادرة الضرورية، إلا أنه فى الوقت نفسه الجهات المعنية مدركة لهذه الألاعيب المكشوفة، ولديها العزم على أن تكون سابقة بخطوة، بداية من حسن التنسيق بين مختلف المسئولين من التموين إلى الزراعة وصولا إلى المحافظين، ثم وضع تصور كامل للاحتياجات المطلوبة من السلع الاستراتيجية، وهى بالطبع السكر والأرز والفول وزيت الطعام، واللبن، والمكرونة، والجبنة، ثم تاتى خطوة الاستيراد تحقيقا للاتاحة فى الأسواق بشكل يضمن توزان الأسعار، ولتذهب مؤامرة التعطيش وشح المنتجات بهدف المبالغة فى الأرباح، ومضاعفة المكاسب إلى الجحيم، وإن غدا لناظره قريب. وهنا يحضرنى اللفتة الذكية من رئيس مجلس الوزراء، وتلميحه غير المباشر إلى مكيدة مافيا الأسواق، وكل لبيب بالإشارة يفهم، عندما تحدث عن «مواصلة الارتفاع في أسعار عدد من السلع، رغم الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة مؤخرا لتوفير الدولار بالجهاز المصرفي، وهو الأمر الذي أزال عبء تدبيره من على كاهل التجار من السوق الموازية»، وما استحى د.مدبولى أن يقوله صراحة أن الوضع بقى على حاله، ولم يتغير شيء فى مؤشر الأسعار رغم انتهاء حجة وجود سعرين للعملة الخضراء، وانتفاء المبالغات من المستوردين والتجار على السواء من وراء قصص ألف ليلة وليلة عن رحلة المعاناة فى البحث عن العملة الأمريكاني لزوم شراء الصفقات الجديدة، وتنفيذ الاتفاقات الآجلة، وإنكشاف كذبة دوامة التحوط عمال على بطال، وطبعا واضح أنها كانت مجرد حلقة من حلقات على بابا والأربعين حرامي، وهناك إصرار عميق، وتصميم سحيق على الاستمرار في هذه الخدعة الجهنمية، وبالتالى لم يكن هناك مفرا من التدخل الحكومى لضرب مخططات انفلات الأسعار، وفوضى الأسواق، وخصوصا وقت الأزمات، ولا مكان لأباطيل منافسة القطاع الخاص، فى ظل الهجمة الشرسة لصناعها والعاملين على تأجيجها فى كل القطاعات، وجميع المجالات، فلا مصلحة عامة تعلو على المكسب الشخصي، ولا قيمة اخلاقية تسبق الرصيد البنكى بغض النظر عن الطريقة، فالغاية تبرر الوسيلة، وإذا تطلب الموقف إيقاظ الفتنة النائمة لحصد الأموال لا تردد ولا تحير، رغم أنه ملعون شرعيا ومجتمعيا من أيقظها، إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور. بصراحة شديدة، وبدون تهويل أو تهوين، منظومة البزنس فى عموم البلاد من أسوان إلى الاسكندرية، ومن أقل سلعة استهلاكا إلى أعلى منتج عليه طلب، تعانى من الفلتان البين، والعصيان الجامح بلا أسباب منطقية أو مبررات واقعية أو عوامل ميدانية، ولا يحكمها إلا رغبات أهل حرفة البيع والشراء، وأغراض القائمين على أمور التجارة، مع تجاهل الضوابط القانونية، والمعايير الاخلاقية، وكما يقول المثل «العينة بينة»، على مدى العام ونصف الماضي، كانت العبارة المحفوظة، واللافتة المرفوعة من محل إلى الثاني، ومن بائع إلى أخر عند السئوال عن سبب تغير الأسعار بالساعة وليس فى الأسبوع أو الشهر هى قصة سعر الدولار فى السوق السوداء، وإدعاء المظلومية، والزعم بأن الالتزام بسعر موحد حتى نفاذ الكمية مخاطرة لا قبل لتاجر به طالما أن الجنيه فى النازل، وماركة أيزنهاور فى الطالع، لأن الشراء للكميات التالية بالسعر الجديد، مع قائمة طويلة من الوعود الكاذبة والتعهدات الباطلة بمغادرة محطة تعديل الأسعار فور نجاح الحكومة فى مسألة استقرار سوق العملة، ونهاية السعر الموازى، وما أن أنكشفت الغمة، وزالت الكربة، وحدث تحرير سعر الصرف، وأصيبت السوق السوداء بالسكتة القلبية من هول المفأجاة، ودقة التخطيط، تنكر جموع التجار لما سبق أن قطعوه على أنفسهم، وعادت ريمة لعادتها القديمة، مرة بزعم تصريف المنتجات، وأخرى بحجة دخول دورة انتاجية جديدة، مع تناسى أن هذه السلع أصلا كانت مكدسة فى المخازن من عدة سنوات ولا أقول شهور. ومن المعلوم بالممارسة، والمعروف بحكم العادة، العاملين فى حقل التجارة يدمنون استخدام الشماعات المتلاحقة لتعليق النوايا السيئة عليها لمنع تصحيح أوضاع الأسواق أو حدوث الانخفاض كما تم مؤخرا مع قرار لجنة تسعير الوقود بتحريكها، تسابق الغالبية وكأنهم على قلب رجل واحد فى زيادة الأسعار بلا تفرقة بين سلعة وأخرى سواء استهلاكية أو معمرة، ولا انتظار لبعض الوقت لتهيئة الزبائن لمستجدات الموقف، قرار الرفع جماعي وفورى بينما قضية التخفيض بطيئ وفردي، وأزيدكم من الشعر بيتنا حزينا يوضح خيوط التواطؤ للتكيف مع المبالغة فى الأثمان، والحيلولة دون تراجع الأسعار، هناك شلل من التجار والمستوردين يقدمون رجل ويؤخرون أخرى فى قرار إدخال السلع المستوردة المتواجدة فى الموانئ رغم إمكانية الحصول توافر العملة الصعبة فى البنوك حتى لا يزيد المعروض منها فى الأسواق مما يترتب عليه انخفاض قيمتها، وبالتالي تتأثر أرباحهم الخيالية، ومكاسبهم الهائلة، فعلا لا يملأ جوف بن أدم إلا التراب. ولا يفوتنى أيضا أن أهمس فى أذن كل مسئول عن خطة زيادة الاحتياطى الاستراتيجى من السلع الأساسية بمقدار 20 بالمئة لتقوية قدرات الدولة على التدخل لإحداث التوازن المرغوب ألا يغفل عن بعد غاية فى الأهمية، وهو الرقابة المستمرة، والمتابعة الدائمة للأسواق، والضرب بيد من حديد على أيدى التجار المخالفين، وتسليط سيف القانون على رقابهم لحماية المصريين من مخططات التعطيش، ومؤامرات فرض الغلاء، فمن أمن العقاب أساء الأدب.حمى الله مصر وشعبها وقيادتها ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.