السبت 4 مايو 2024

حادث موسكو الإرهابى ينذر بالخطر صدام عــــــــــــــــالمى على الأبـــــــــــــــــواب

صورة أرشيفية

1-4-2024 | 01:20

بقلـم: د. أحمد فاروق
جاءت العملية الإرهابية فى موسكو مساء الجمعة الماضى والتى وصل عدد ضحاياها إلى 150 قتيلا تقريبا - كضربة كبيرة تعيد تذكير الجميع بأن العالم يقترب أكثر من أى وقت مضى من احتمالات الصدام بين القوى الكبرى. لا أحد يصدق أن «داعش» - التى أعلنت مسئوليتها فورًا عن العملية الإرهابية فى موسكو - هى المسئولة فعلا، فما هى قدرات «داعش» فى العراق والشام للوصول إلى قلب الدولة الروسية وتنفيذ ضربتها؟! ثم إن فلسطين وغزة تتعرض من ستة أشهر لعدوان إسرائيلى رهيب، ووراء إسرائيل - بالمال والسلاح والدعم السياسى - الولايات المتحدة ودول أوربا الكبيرة، فكيف تترك «داعش» كل هؤلاء وتضرب روسيا، وهى من أكثر القوى الدولية تعاطفا مع القضية الفلسطينية؟! إن يدًا قوية وقادرة هى مَن خططت ونفذت للعملية الكبيرة فى موسكو، وهى تريد من ورائها رسائل محددة للروس. أجهزة الأمن الروسية قالت فى اليوم الثانى للحادث إن المشتبه بهم فى الهجوم على صالة للحفلات الموسيقية فى ضاحية موسكو كانت لديهم «جهات اتصال» فى أوكرانيا إلى حيث كانوا يعتزمون الفرار. السلطات الروسية لديها شكوك قوية فى دول الغرب الكبرى، وتستغرب من التحذير الذى أطلقته السفارتان الأمريكية والبريطانية قبل أسبوعين من الحادث للأجانب المقيمين فى موسكو بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة، تحسبا من عمليات إرهابية متوقعة، ورفضت الدولتان تقديم المعلومات التى تملكها للروس! وفرع تنظيم داعش الذى أعلن - إعلاميا - مسئوليته عن حوادث موسكو يسمى «تنظيم داعش - ولاية خراسان» وقد ظهر هذا الفرع لـ«داعش» فى شرق أفغانستان أواخر 2014، وسرعان ما ذاع صيته بسبب وحشيته الشديدة، واستمد اسم «خراسان» من كلمة قديمة أطلقت على منطقة شملت أجزاء من إيران وتركمانستان وأفغانستان. والتنظيم يضم بين أعضائه عددًا من المسلحين القادمين من آسيا الوسطى الذين لديهم مظالمهم الخاصة حيال موسكو. وطبقا لبعض المراقبين ركز تنظيم «داعش - ولاية خراسان» اهتمامه على روسيا على مدى العامين الماضيين وتضمنت دعايته انتقادًا شديدًا لبوتين. ومن ناحية أخرى تقترب الحرب فى أوكرانيا بصورة خطيرة لكى تتحول من حرب إقليمية قاصرة على شرق أوربا إلى حرب عالمية مدمرة. وتبدو فرنسا أكثر الدول الأوربية حماسة للحرب ضد روسيا، وقد طالب رئيسها فى فبراير الماضى بإرسال قوات أوربية نظامية إلى ميادين القتال فى أوكرانيا، ففى المؤتمر الذى عُقد لدعم أوكرانيا يوم 26 فبراير الماضى فى باريس، قال الرئيس الفرنسى: إنه لا يستبعد إمكانية إرسال قوات برية من الدول الغربية إلى أوكرانيا، وأضاف أن دول الغرب تعتزم القيام بكل ما هو ضرورى لمنع روسيا من الانتصار فى أوكرانيا. وعندما تم تذكيره أن روسيا دولة كبرى فى العالم، قال ماكرون: «يجب ألا نستسلم للترهيب، نحن لا نواجه دولة عظمى، روسيا قوة متوسطة تمتلك أسلحة نووية، لكن ناتجها المحلى الإجمالى أقل بكثير من الناتج المحلى الإجمالى للأوربيين، وأقل من الناتج المحلى الإجمالى لألمانيا وفرنسا». وفى مقابلة مع صحيفة «لوباريزيان»، أكد ماكرون: «ربما فى مرحلة ما يجب أن تكون هناك عمليات على الأرض أيا كان شكلها لمواجهة القوات الروسية، وأن قوة فرنسا تتمثل فى أنها تستطيع أن تفعل ذلك». وفى الأسبوع الماضى قال مدير جهاز المخابرات الخارجية فى روسيا سيرجى ناريشكين: إنه لدى روسيا معلومات تفيد بأن فرنسا تقوم بإعداد وحدة عسكرية لإرسالها إلى أوكرانيا، وأنه سوف يصل عددها فى المرحلة الأولى إلى 2000 مقاتل، وبعدها هدد نائب رئيس مجلس الأمن الروسى ديمترى ميدفيديف المقاتلين الفرنسيين بمقصلة تقطعهم إلى أشلاء، قاصدا استخدام كلمة «مقصلة» لما لها من ذكريات أليمة ترجع إلى أيام الثورة الفرنسية أواخر القرن 18. ووفقا للتصريحات التى أدلى بها «ناريشكين»، فإن عسكريين فرنسيين موجودون بالفعل بشكل غير رسمى فى أوكرانيا، وقد تكبدوا خسائر على يد الجيش الروسى، وقال مدير المخابرات الروسية إنه على وزارة الدفاع الفرنسية أن تعترف بمقتل جنودها، وأن الجيش الفرنسى لم يواجه بهذا المستوى من الخسائر منذ حرب الجزائر». فما هو معنى كل ذلك؟ وما هى آثار ونتائج حوادث موسكو والخطوة الفرنسية غير المتوقعة؟ يكمن أن نضع على طاولة البحث والتفكير المحددات التالية: إن الحرب فى أوكرانيا توشك أن تصبح حربًا عالمية. لقد بدأت الحرب حربًا إقليمية فى شرق أوربا، نعم ساعد حلف الأطلنطى أوكرانيا بالمال وبالسلاح بالمعلومات وبالتخطيط وبالمرتزقة، ولكن كان جهدا من وراء ستار على الرغم من أنه كان شبه علنى. والمتغير الجديد أن جيوشًا رسمية - وليس مرتزقة - سوف تدخل الحرب، ووراءها دولها وسمعتها وهيبتها، وقبلهم طاقاتها ومواردها. إن أمريكا نجحت تماما توريط أوربا فى حرب مع روسيا، تستنزف روسيا وتنهك أوربا! وبكل معايير العقل كانت الحرب الروسية - الأوكرانية ضد المصالح الأوربية المباشرة، ولكن أوربا الضعيفة، وشبه المحتلة لأمريكا سمعت الكلام باستسلام غريب. لقد كانت أوربا تشترى الغاز الطبيعى الروسى بأسعار منخفضة، وبعد فرض العقوبات الأمريكية على روسيا تحولت أوربا إلى شراء الغاز من أمريكا، وهو أعلى سعرًا بكثير، وكانت النتيجة أن تكاليف الإنتاج زادت على الاقتصادات الأوربية، وكانت ألمانيا أكثر الدول معاناة، وهو ما ترك آثاره على الاقتصاد الألمانى بصورة مؤثرة. وقد جاء هذا التصعيد على أكثر من جهة بعد أيام من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية فى روسيا وفوز فلاديمير بوتين بها باكتساح، وحصل على أكثر من 87 فى المائة من الأصوات. والغرب وصحافته ووسائل إعلامه تجاهلوا الموضوع كله، وحاولوا التقليل من شأنه، ولم تعترف دول رئيسية فى الغرب بالنتائج! لم تعجب الانتخابات الروسية وفوز بوتين بها أمريكا، لذا عدتها انتخابات غير ديمقراطية! وكان أمام «بوتين» فى الانتخابات مرشح الحزب الشيوعى الروسى ومرشح الحزب الليبرالى ومرشح آخر. لقد أممت الولايات المتحدة الأمريكية الديمقراطية حول العالم لمصلحتها هى فقط، فالانتخابات التى يفوز بها من تريده تصفها فورا بالانتخابات الديمقراطية، فى حين أن الانتخابات التى تسفر عن رجال أو اتجاهات لا تتوافق بنسبة كاملة مع السياسة الأمريكية تصفها فورا بالانتخابات غير الديمقراطية. لا يهم الولايات المتحدة وجود ديمقراطية أو عدم وجودها فى أى منطقة فى العالم، ما يهمها حقيقة عدم وجود رجال مستقلى الرأى فى مواقع السلطة فى أى دولة. ولا ترضى أمريكا - الديمقراطية - بأى مظهر من مظاهر الاستقلال لتابعيها، والذين تصفهم عندئذ - وعندما يسمعون الكلام - بالديمقراطيين. مع أن الديمقراطية فى أمريكا ذاتها عليها ألف ملاحظة، وهناك مَن يراها لعبة كراسى موسيقية أكبر من أن تكون تعبيرا عن الاتجاهات العميقة فى الشعب الأمريكى. وفلاديمير بوتين حاكم وطنى، وهو رجل عاقل، ويعرف حدود قوة بلاده، ويفهم جيدا أن أمريكا - برغم كل شيء - مازالت أقوى دولة فى العالم، وهو يريد التفاهم معها ولا يريد التصادم، وهذا الحاكم الوطنى العاقل لا يعجب أمريكا، فـ«بوتين» رجل مستقل الرأى، وهمه الأول مصالح روسيا بلاده، ومن هنا استحق غضب أمريكا عليه، ووضع الشوك فى طريقه، فدبرت له حربا مع جارته أوكرانيا، وفرضت عليه وعلى بلاده عقوبات - بالآلاف - اقتصادية وسياسية وعلمية وتكنولوجية، بل ورياضية! لم يخضع فلاديمير بوتين للغضب الأمريكى وبطشه، وما زال فى ساحة التحدى، يقاتل ويناور، ويتصرف بذكاء معتاد ومشهور عنه. ومازالت أمريكا غاضبة عليه، مثلما كانت دائما غاضبة على أى حاكم وطنى يضع مصالح بلاده فى المقدمة، ومثلما ستظل غاضبة على أى حاكم فى أى مكان لا يسمع كلامها وينفذ أوامرها بنسبة مائة فى المائة. إن النخب التى تحكم الغرب، وأقصد نخب المال والأعمال وليس الرؤساء أو رؤساء الحكومات، فهؤلاء فى يدهم مظهر السلطة، ولكن جوهر السلطة وحقيقتها فى يد الطبقة الرأسمالية التى تحكم فعليا على ضفتى الأطلنطى، أقول إن النخب التى تحكم الغرب تضع رجالها فى المواقع التى تنتظر فيها منهم أن يتصرفوا كما تأمرهم. الصدام بين الصين وأمريكا ينتظر مجرد فتيل ويشتعل ويشعل آسيا كلها معه. وبتحول الصراع فى أوربا إلى مرحلة الحرب العالمية بدخول الجيش الفرنسى رسميا الحرب، وباقتراب الصراع الأمريكى - الصينى أكثر فأكثر إلى مرحلة الصدام مع وجود إدارة عدائية للصين فى تايوان يقترب العالم من مرحلة الحرب العالمية الثالثة. وهنا يبرز السؤال: لماذا الحرب أى لماذا يشعل الغرب الحروب فى كل مكان؟ هل وصلت النخب القائدة فى الغرب إلى قناعة أنه دون حرب فإن الصين ووراءها روسيا ستتمكنان من اعتلاء قمة العالم اقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا، وإنهاء خمسة قرون من سيطرة الغرب المطلقة على الشئون العالمية؟! يبدو أن ذلك هو التفسير الوحيد المقبول لفهم هذا الجنون غير المفهوم. لقد حاول الغرب فى العشر سنوات الأخيرة بعدة وسائل إيقاف تقدم الصين وروسيا حاول أولا صنع تناقض بين العالم الإسلامى وكل من روسيا والصين، وكان ذلك هو ملخص كل ما جرى فى الشرق الأوسط فى العشرين سنة الماضية. إيصال الإسلاميين للحكم فى دول تقع إلى جوار روسيا، ثم عودة أفكار «الخلافة الإسلامية»، ثم ترتيب مجموعة من الثورات تأتى بتيارات الإسلام السياسى إلى السلطة فى العالم العربى، ومن ثم فإن صدامًا بين العالم الإسلامى والصين وروسيا يمكن أن يستغرق أغلب القرن 21 ويترك كل الأطراف فى حالة إعياء شديدة، ويتخلص الغرب - دون أى تكاليف تقريبا - من أكبر وأقوى خصومه. وعندما تعثرت تلك الخطة على ضفاف وادى النيل وبما حدث فى مصر - أكبر وأهم الدول العربية - فى صيف 2013، ثم تعثرها على هضاب ووديان الشام مع صمود الحكم فى سوريا بعد المساندة القوية من روسيا عام 2015، وبعد أن فهمت روسيا اللعبة وغرض الغرب الحقيقى من كل ما يحدث فى الشرق الأوسط لجأ الغرب - وجرابه لا ينفد أبدا - إلى خطط أخرى. لجأ فى البداية إلى إطلاق الحرب الاقتصادية والتجارية مع الصين فبمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض فى يناير 2017 تم إطلاق حرب أمريكية تجارية هائلة ضد الصين، ووضعت قيود جمركية كبيرة للغاية أمام مئات المنتجات والسلع الصينية، وتم إيقاف تصدير التكنولوجيا إلى الصين، وتم تقييد عدد المبعوثين الصينيين فى الجامعات الأمريكية وخاصة فى مجالات التكنولوجيا المتقدمة، وقصر فترة البعثات العلمية للصينيين على سنة واحدة! وردت الصين بالطبع على أمريكا، وخلال ثلاثة أعوام كانت حرب الاقتصاد بين الصين وأمريكا هى حديث العالم. الحرب البيولوجية تم عام 2020 إيقاف حركة التجارة والاقتصاد فى العالم كله بعد نشر فيروس كورونا، واتهمت الصين - رسميا - الولايات المتحدة بأنها وراء هذه القصة الغريبة، فالمخابرات الأمريكية - طبقا للصينيين - هى مَن رتبت وضع الفيروس فى مدينة ووهان الصينية، وهى مَن عملت على نشره حول العالم. والنتيجة أن توقفت الحياة حول العالم لمدة سنتين تقريبا، وتأثرت الصين اقتصاديا وتراجع معدل نموها. وزاد من تصديق الرواية الصينية ما كشفته الحرب الروسية - الأوكرانية من وجود عشرات المعامل البيولوجية الأمريكية فى دول شرق أوربا تخلِّق وتصنِّع مئات الفيروسات القاتلة وتنتظر الفرصة لنشرها. دخول العالم عصر الحروب بعد فشل كل الوسائل السابقة فى إيقاف تقدم التنين الصينى والدب الروسى كان اللجوء إلى آخر الدواء الكىّ أو الحرب. وكان يتم إعداد كل من أوكرانيا وتايوان كمستنقعين تغوص فى أوحالهما روسيا والصين، فتم ترتيب حرب تستهلك القوة الروسية فى أوكرانيا، وقد دخلت فى فبراير الماضى عامها الثالث. وإعداد وترتيب حرب تستهلك وتستنفد القوة الصينية تجرى على قدم وساق.. هل نجح الغرب فى خطته تلك؟! حتى الآن لا تلوح فى الأفق أى علامات على نجاح الغرب فى مسعاه، فروسيا مازالت صامدة فى أوكرانيا بل وتتقدم، فبعد فشل الهجوم الأوكرانى المضاد فى الصيف الماضى أضحت المبادرة فى يد الروس، الذين تتقدم قواتهم بثقة. والعقوبات الاقتصادية لم تؤثر فى الاقتصاد الروسى بالصورة التى كانت الغرب يتوقعها، على العكس، فقد أصبح الاقتصاد الروسى هو الاقتصاد الأكبر فى أوربا، مزيحًا الاقتصاد الألمانى من مكانته التقليدية. وبالنسبة للصين. فالصين حضارة قديمة وعريقة، وقدرتها على ممارسة ضبط النفس والصبر الاستراتيجى عالية، وهى تفهم جيدا خطط الغرب ومراميه، وليس من المتوقع أن يحقق الصينيون للغرب ما يتمناه. ومع كل ذلك فإن الغرب لا يسكت أو يهدأ، والنزعة العدوانية أصبحت متحكمة فى دوله الكبيرة، وهو إحساس قاسٍ بأن زمن التحكم والسيطرة على وشك الغروب، وأن زمنًا آخر لا يعرفون ملامحه - ويبدو أنهم غير مستعدين حتى الآن للاعتراف به - على وشك الشروق..