السبت 4 مايو 2024

اليهود فى دولة المدينة (3) نقض العهود

صورة أرشيفية

1-4-2024 | 01:58

بقلـم: د. محمود الصاوى
من يستقرئ نصوص الوحى الشريف فى كتاب الله تعالى وسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم يجد أن أكثر الأمم نقضا للعهود مع الله تعالى ورسله هم (أمة بنى إسرائيل) ولذا كثر إرسال الرسل إليهم دون غيرهم، لكثرة نقضهم العهود، فهم أهل عراقة فى نقض العهود والمواثيق والتمرد على شرع الله عز وجل ومما حكاه القرآن عن ذلك أن الله تعالى لما أنزل التوراة على نبى الله موسى عليه السلام رفضوا قبولها لما فيها من أحكام استثقلوها، فرفع الله تعالى الجبل فوق رؤوسهم تهديدا لهم، فقبلوا التوراة وما فيها من أحكام ولكنهم نقضوا عهدهم مع الله ولم يأخذوا بما فى التوراة (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين)، (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا)، ومن نقض اليهود للعهود مع الله عز وجل أنهم حرفوا كتبه وكذبوا رسله وقتلوا جملة منهم فكان ذلك سبب صدودهم عن الحق وعمى أعينهم عنه وصمم آذانهم عن سماع آياته، قال تعالى (لقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون). مسلسل نقض العهود فى المدينة المنورة: إذا ما يممنا وجهنا شطر المدينة المنورة نجد أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته المباركة إلى المدينة بدأ بوضع استراتيجية نبوية لإدارة وحكم المدينة المنورة ولم شمل سكانها وأبنائها بكل فئاتهم وطوائفهم بصفته حاكما لكل المدينيين، فبدأ بقطع مسلسل العداء التقليدى بين الأوس والخزرج والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكان من سياسته الحكيمة لتقوية الصف الداخلى والجبهة الداخلية للمدينة المنورة ولكل مواطنيها بمد يد الأخوة والتضامن والتعاون مع اليهود لتكون المدينة كلها صفا واحدا وقوة واحدة حتى لا يطمع فيها أحد أو ينال منها عدو متربص بالدولة الوليدة، فكتب صلى الله عليه وسلم معاهدة بيّن فيها حقوق المسلمين وواجباتهم وحقوق اليهود وواجباتهم وكان أساس هذه المعاهدة الأخوة فى السلم والدفاع عن المدينة(الوطن) وقت الحرب والتعاون التام بين الفريقين إذا نزلت شدة بأحدهما أو كليهما. وتظاهر اليهود بالالتزام بما جاء فى المعاهدة التى عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كافة فصائل المدينة من شروط تضمن لهم حقوقا بحرية العمل والعبادة والأمن والحماية وتقيم عليهم واجبات الدفاع المشترك عن المدينة فى مواجهة أى طرف آخر، ولكنهم بعد أن رأوا الإسلام بدأ يجعل من المسلمين أمة واحدة، وأيقنوا أنه يحارب الاستغلال والجشع ويحرم الربا والمنافع التى تأتى عن طريق الغش والخداع والفجور، وأن الإسلام أصبح خطرا على مصالحهم ووجودهم القائم أصلا على الغش والربا والتسلط واستغلال الآخرين، وأن هذا الاتجاه لا يتفق مع اليهود وصفاتهم السيئة لاسيما بعد أن تأكدوا أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يخدع ولا يستسلم لضغط من الضغوط، ووجدوا أن الإسلام ينتشر بسرعة مذهلة بين النفوس بالرغم من شراسة خصومه.. إزاء كل ذلك لم يعد أمامهم من سبيل حسب تقديرهم إلا الحذر واستغلال الفرصة السانحة للإيقاع بخصومهم ثم أعلنوا موقفهم من الدعوة وانحازوا بجانب المشركين بدسائسهم ومكرهم وغدرهم. وبدأ مسلسل الخيانة ونقض العهود خاصة بعد انتصار المسلمين على كفار قريش فى غزوة بدر فى السنة الثانية للهجرة، حيث شعر اليهود بقوة المسلمين وامتلأت قلوبهم غلا وحقدا وبدأوا المسلمين بالشر والعدوان، فعندما قدمت امرأة أنصارية إلى سوق اليهود من بنى قينقاع ومعها حلية تعرضها على صائغ منهم فاعتدى عليها أحد اليهود فانتصر لها رجل من المسلمين على اليهودى فقتله، فاجتمع اليهود عليه فقتلوه، وبذلك نقض اليهود عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحرك لمحاصرتهم خمسة عشر ليلة وأمرهم بالخروج من المدينة فخرجوا إلى الشام بعد أن أخذ أسلحتهم وبذلك تخلص الرسول من أول طائفة من اليهود بعد نقضهم العهود والمواثيق. وفى أوائل السنة الرابعة للهجرة كانت واقعة بنى النضير بعد أحد وقبل الأحزاب، حينما ذهب رسول الله مع عشرة من كبار أصحابه منهــم أبو بكر وعمر وعلى إلى محلة بنى النضير يطلب منهم المشاركة فى أداء دية قتيلين بحكم ما كان بينه وبينهم من عهد فى أول مقدمه على المدينة، فاستقبله يهود بنى النضير بالترحاب والبشر ووعدوا بأداء ما عليهم بينما كانوا يدبرون أمرا لاغتيال رسول الله ومن معه، وكان جالسا إلى جدار بيوتهم فقال بعضهم لبعض إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه فمن رجل منكم يعلوا هذا البيت فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب.. فصعد ليلقى صخرة كما قال: فألهم رسول الله ما يبيت اليهود من الغدر فقام كأنما يقضي أمرا.. فعلموا أنه دخل المدينة.. وأمر رسول الله بالتهيؤ لحرب بنى النضير وحاصر محلتهم وأمهلهم ثلاثة أيام وقيل عشرة ليفارقوا جواره ويجلوا عن المحلة على أن يأخذوا أموالهم.. ولما بلغ الحصار ستة وعشرين ليلة يئس اليهود، من صدق وعد المنافقين لهم وقذف الله فى قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح فأجابهم رسول الله فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل. وفى غزوة الأحزاب سنة 5 هجرية كانت خيانة بنى قريظة للعهد الذى كان بينهم وبين المسلمين بانضمامهم إلى المشركين فى حربهم ضد المسلمين واشتد الحصار على المسلمين من جهتين عدو من الداخل(يهود بنى قريظة) وعدو من الخارج ممثلا فى المشركين، واستمر الحصار شهرا كاملا حتى أرسل الله ريحا شديدة اقتلعت خيام المشركين وقذف الله فى قلوبهم الرعب فارتحلوا، وبعد أن انتصر المسلمون فى غزوة الخندق توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يهود بنى قريظة فقام بحصارهم وأمر بإخراجهم من المدينة بسبب غدرهم وخيانتهم.