الثلاثاء 30 ابريل 2024

رجال دولة المدينة (3) الفاروق عمر.. لسان وحى الله

صورة أرشيفية

1-4-2024 | 02:08

بقلـم: د. محمد عبدالرحيم البيومى
فى وسط مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتحديد فى مجلس النبوة سنعيش مع خريج من معهد إعداد القادة المحمدى، والعظمة تكمن أننا سنكون بين يدى هذا الرجل القوى الأمين والعدل العظيم، الذى ليس له بين أهل العدل على ظهر هذه الأرض نظير، إنه الرجل القوى فى بساطة، البسيط فى قوة، الشديد فى رحمة وعدل تعيش معه فى مزيج عجيب لن تجده فى أحد من البشر، إنه التقى النقى الزاهد الورع الناسك الذى يتفجر نسكه حركة وعلما، وعملًا وبناء، إنه الملهم الذى غير وجه التاريخ، فالعظمة تكمن فى أنه ترك الدنيا بكل ما فيها ومن فيها على عتبة داره، فسرحها سراحًا جميلًا، وطلقها طلاقا بائنا وساقها إلى الناس سوقًا كريمًا، وقام ينثر على الناس من خيراتها، ويحذر الناس من شرورها، حتى إذا ما نفض يديه من علائق هذا المتاع الزائل، وهذا السوى عن الله، قام مستأنفًا سيره إلى الله ليبدع أيما إبداع فى إثبات بصمته التى لا شبيه لها بين الحكام والملوك والأباطرة والقياصرة فتجده تحت حرارة الشمس المحرقة، فى يوم شديد الحرارة، مهرولًا وراء بعير من إبل الصدقة، يخشى عليه الضياع، ويخشى أن يسأل عنه بين يدى الله عز وجل أو تراه منحنيًا على قدر فوق نار مشتعلة، لينضج طعمة طيبة لامرأة فريدة غريبة أدركها المخاض فى المدينة المنورة، أو لأطفال صغار يتضورون جوعًا فى ليلة شديدة الظلام شديدة البرد. إنه الرجل الذى حارت البلاغة فى وصف أعماله وسيرته وفى رحمته وفى عدله وفى سموه، بل ووقف التاريخ وسيقف عنده وقفة إجلال وإعزاز وإكبار، إنه الرجل الذى كان إسلامه فتحًا، وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمارته رحمة وعدلًا، إنه فاروق هذه الأمة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه. والله إن الاقتراب من هذا الرجل التقى النقى أمر تستشعر فيه الرهبة والعظمة بقدر ما هو حبيب إلى كل نفس مؤمنة تقية، فهو من الطراز الذى تغمرك الهيبة وأنت تقرأ تاريخه المكتوب، كما تغمرك الهيبة وأنت تجالس شخصه المتواضع، فالمشهد المذكور من تاريخه لا يكاد يختلف عن المشهد الحى إلا فى غياب البطل عن حاسة البصر فقط أما الأفئدة، أما البصيرة والأرواح وحال أهل الله فإنها إذا ما طالعت سيرة عمر بن الخطاب كأنها تجالسه، وكأنها تسمعه، وكأنها تحدثه ويحدثها، وكأنها ترى رأى العين جمال الأخلاق، وجلال الأعمال، ومناسك البطولات، وأروع الانتصارات التى نقشها عمر بن الخطاب بيمينه المبارك على جبين الدنيا، وخطها بيمينه الأنور على صفحة الأيام فهى بنا نرى كيف كان إسلامه دعوة هدى ونصر لهذا الدين. أحب العمرين: لجأ النبى صلى الله عليه وسلم يومًا إلى الله وقال: (اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: بـعمر بن الخطاب أو بـعمرو بن هشام) والحديث رواه الترمذى وهو حديث حسن، وربح الإسلام أحب الرجلين إلى الله وإلى حضرته صلى الله عليه وسلم، وهو عمر بن الخطاب لما عرف النبى صلى الله عليه وسلم من هذه الطبيعة الفذة، وهذه الأصالة فى عمر، صاحب الفطرة السوية النقية التى سرعان ما استجابت للحق فى لمح البصر، ليتحول بعدها عمر تحولًا هائلًا فى حياته إلى أقصى رحاب النور والهدى والإيمان بعد أن كان بالأمس القريب فى أقصى مجاهل الوثنية والجاهلية، ويكون الفاروق الذى فرق الله به بين الحق والباطل فيخرج الصحابة بعد طول انتظار ولأول مرة بعد أن كانوا يستخفون من أهل الشرك فى مكة، يخرجون بعزة واستعلاء؛ ليرجّوا أنحاء مكة بتكبيرهم لله جل وعلا فى واقع سعادة وهناء فقد أسلم عمر. القرآن الكريم يوافق رأيه: ومن جوانب العظمة إنه الرجل الذى تنزل القرآن أكثر من مرة موافقًا لقوله ورأيه، ففى الحديث الذى رواه الترمذى بسند حسن من حديث ولده عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه) وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (لقد كان فيمن كان قبلكم محدثون- أي: ملهمون- فإن يكن فى أمتى منهم أحد فإنه عمر. فتنزل الآيات القرآنية موافقة لرأيه ومنها: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبراهيم مُصَلًّى) سورة البقرة.. (مَا كَانَ لِنَبِى أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَا لدُّنْيَا وَاللَّه يُرِيدُ الْآخِرَةَ) سورة الأنفال.. (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) سورة التحريم. الشيطان يخاف من عمر: انظر إلى هذا المشهد العجيب عن سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه، قال: استأذن عمرُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساءٌ من قريش يُكَلِّمْنَه ويَسْتَكْثِرْنَه، عاليةً أصواتهن، فلما استأذن عمر قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحجابَ، فأذِنَ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضْحَك، فقال عمر: أضْحَكَ اللهُ سِنَّك يا رسولَ الله، قال: «عَجِبتُ من هؤلاء اللَّاتى كُنَّ عندي، فلمَّا سَمِعْنَ صوتَك ابْتَدَرْنَ الحجابَ» قال عمر: فأنت يا رسولَ الله كنتَ أحقَّ أنْ يَهَبْنَ، ثم قال: أى عَدُوَّاتِ أنفسِهن، أَتَهَبْنَنى ولا تَهَبْنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أَفَظُّ وأغلظُ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذى نفسى بيدِه، ما لَقِيَكَ الشيطانُ قَطُّ سالكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ». عظمة ما بعدها عظمة تعبر عن قوة إيمان صاحبها بشكل يجعل الشيطان يفر منه لأنه يعلم أنه كلما اقترب منه كلما زاد إيمانا فتلك هى طبيعة سيدنا عمر الخاصة. قوة الدين والعلم: كان له حال عجيب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكثرت الرؤى المنامية له أكثر من غيره لتأتى إليه البشارات النبوية فيتهلل وجهه ويفرح وجدانه ومنها الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا نائم عرض على الناس، وعليهم قمص -جمع قميص- فمنها ما يبلغ الثدى، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض على عمر وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين). نعم كان هذا هو التعبير الحقيقى عن قوة إيمان سيدنا عمر دين الإسلام يسرى فيه كما يسرى الماء فى الورد فيأتى يوم القيامة وهو يجر دينه معه ثم هى إلى رؤيا أخرى فى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (بينما أنا نائم أتيت بقدح من اللبن، فشربت منه حتى أنى أرى الرى يخرج من بين أظفاري، ثم أعطيت فضلة شربتى لـعمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم). نعم إنه العلم العمرى الذى تجلى فيه الفقه والبصيرة والإلهام والكشف أما عن الفقه والبصيرة والإلهام فالمشاهد كثر، أما عن الكشف فيكفيه وقوفه على منبر رسول الله مناديا أحد قواد الجيش الإسلامى فى الشام (يا سارية الجبل)، وكل ذلك من فضلة شراب رسول الله. دستور الأمة الخالد: ويقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليستهل عهد خلافته المبارك بهذه الخطبة الجامعة المانعة التى توزن بميزان الذهب فيقول (بلغنى أن الناس خافوا شدتى وهابوا غلظتي، وقالوا: لقد اشتد عمر ورسول الله بين أظهرنا، واشتد علينا وأبو بكر والينا دونه، فكيف وقد صارت الأمور إليه ألا فاعلموا أيها الناس أن هذه الشدة قد أضعفت- أي: تضاعفت- ولكنها إنما تكون على أهل الظلم والتعدى على المسلمين، أما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين إليهم من بعضهم لبعض، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا أو يعتدى عليه، حتى أضع خده على الأرض وأضع قدمى على خده الآخر؛ حتى يذعن للحق، وإنى بعد شدتى تلك لأضع خدى أنا على الأرض لأهل الكفاف).. ما أروعك وما أطهرك أى دستور فى عالم الدساتير هذا؟ أى قانون فى عالم القوانين؟ أى عظمة وأى طراز من البشر كان عمر رضى الله عنه وأرضاه؟ أنه طراز وعملة العدل فى أبهى صورة مصبوغا بصبغة التواضع. عظمة الخليفة: من مشاهد العظمة مشهد عام الرمادة العام السابع عشر، وكان عام مجاعة قاتلة فى المدينة المنورة، حرم عمر على نفسه اللحم وغيره من أنواع الطعام الشهي، وأبى إلا أن يأكل الزيت، وأمر فى يوم من أيام هذا العام القاتل بذبح جزور وتوزيعه على الناس فى المدينة، وعند وقت الغداء دخل ليتناول طعامه، فوجد أشهى ما فى الجزور من لحم، فقال: من أين هذا؟! فقالوا: إنه من الجزور الذى ذبح اليوم يا أمير المؤمنين! فقال- وهو يزيح الطعام عن مائدته بيده المباركة-: بخ بخ! بئس الوالى أنا إن أكلت طيبها وتركت للناس كراديسها، يا أسلم! ارفع عنى هذا الطعام، وائتنى بخبزى وزيتي! فوالله إن طعامكم هذا على حرام حتى يشبع منه أطفال المسلمين. يا خالق عمر سبحانك.. جمال فوق جمال.. جمال الراعى حين يتحمل مسئولياته حول رعيته. الزاهد الورع: يخرج سيدنا عمر بن الخطاب يومًا إلى السوق، فيرى إبلًا سمانًا، فيسأل عمر: إبل من هذه؟ فيقول الناس: إبل عبد الله بن عمر، فينتفض عمر وكأن القيامة قد قامت! ويقول: عبد الله بن عمر بخ بخ يا ابن أمير المؤمنين ائتونى به.. ويأتى عبد الله على الفور ليقف بين يدى عمر رضى الله عنه، فيقول عمر بن الخطاب لولده عبد الله: ما هذه الإبل يا عبد الله؟! فيقول: يا أمير المؤمنين! إنها إبلى اشتريتها بخالص مالي، وكانت إبلًا هزيلة، فأرسلت بها إلى الحمى - أى: إلى المرعى- أبتغى ما يبتغيه المسلمون: أتاجر فيها، فقال عمر بن الخطاب فى تهكم لاذع مرير قاس على إمام من أئمة الورع والزهد عبد الله، قال عمر: نعم وإذا رآها الناس قالوا: ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين، واسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، فتسمن إبلك ويربو ربحك يا ابن أمير المؤمنين! قال عبد الله: نعم يا أبتِ، قال: اذهب وبع هذه الإبل كلها، وخذ رأس مالك فقط، ورد الربح إلى بيت مال المسلمين. ألا رأيت حسابه الشديد لابنه التقى النقى الزاهد الورع عبد الله بن عمر، الذى كان إمامًا فى الورع والزهد، لقد أعييت من جاء بعدك. حسن الخاتمة: كان لعمر رضى الله عنه دعوة (اللهم ارزقنى شهادة فى سبيلك ووفاة فى بلد حبيبك)، وكان الصحب الكرام يتعجب من تحقق الدعوة وسيدنا عمر لا يخرج للغزو فكيف تتحقق له تلك الدعوة وتستجاب، ولكن الله قدر له أن تتحقق أمنيته، فيتقدم عمر الفاروق ليؤم المسلمين فى صلاة الفجر، ويتقدم أبو لؤلؤة المجوسى عليه من الله ما يستحقه؛ ليطعن الأسد فى عرينه ليطعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه، ولم تشغل عمر الطعنات عن أن يواصل المسلمون عبادتهم، وعن أن يتم المسلمون صلاتهم، فيجذب عمر بن الخطاب عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه وأرضاه؛ ليقدمه مكانه ويصلى بالمسلمين صلاة الفجر، وينتهى المسلمون من صلاة الفجر، ويحمل الأسد إلى بيته يحمل العملاق التقى النقى الطاهر يحمل عمر إلى داره. ويزداد ألمه، ويقول لولده عبد الله: يا عبد الله! اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب ولا تقل: يستأذن أمير المؤمنين، فإنى لست اليوم للمؤمنين بأمير، وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، هذا هو همه، وهذا هو شغله، عاش فى الدنيا مع حبيبيه وصاحبه، مع حبيبه المصطفى ومع خليفته أبى بكر رضى الله عنه، ولا هم له بعد الموت إلا أن يواصل بقية ما بقى له فى عالم الملكوت مع هذين الجليلين الكريمين حتى يلتقى بهما، ويبعث معهما فى يوم القيامة. يا عبد الله: اذهب إلى عائشة أم المؤمنين وقل لها: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، مع الحبيب المصطفى ومع أبى بكر رضى الله عنه، فذهب عبد الله فوجد عائشة تبكى لما وصلها خبر مقتل عمر رضى الله عنه وأرضاه، وقالت السيدة عائشة التقية النقية الذكية: والله لقد كنت أريد هذا المكان لنفسي، ولكنى أوثر اليوم عمر على نفسى. ويرجع عبد الله بأسعد خبر لأبيه عمر، فلم يكن هناك شىء يشغل عمر إلا هذا، فقالوا: عبد الله قد أقبل يا أمير المؤمنين، قال: أجلسونى، فأجلسوه، فنظر إليه قال: ما وراءك يا عبد الله؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين، لقد وافقت عائشة رضى الله عنها أن تدفن مع صاحبيك، فسعد عمر سعادة غامرة وقال: والله ما كان هناك شيء يشغلنى غير هذا. نعم حقق الله أمنيته شهادة فى مدينة رسول الله، وفى مسجد رسول الله، وفى روض رسول الله وفى محراب رسول الله. أعطاه الله فوق المزيد مزيدا وفوق ذلك دفن بجوار صاحبيه فى المقام الشريف أطهر وأغلى قطعة فى الكون كله وكيف لا تكون المكافأة وهو الذى كان شعاره مخاطبا حبيبه حينما يلتفت عنه للحظة، وما خير الحياة، وأنت معرض عنى يا رسول الله ولا أملك إلا أن أردد قول حافظ إبراهيم جوع الخليفة والدنيا بقبضته فى الزهد منزلة سبحان موليها فمن يبارى أبا حفص وسيرته أو من يحاول للفاروق تشبيها يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لى ثمن الحلوى فأشريها لا تمتطى شهوات النفس جامحة فكسرة الخبز عن حلواك تجزيها وهل يفى بيت مال المسلمين بما توحى إليك إذا طاوعت موحيها قالت لك الله إنى لست أرزؤه مالا لحاجة نفـس كنـت أبغـيها لكن أجنب شيئا من وظيفتنا فى كل يوم على حـال أسويـها حتى إذا ما ملكنا ما يكافئـها شـريتـها ثـم إنـى لا أثنـيها قال اذهبى واعلمى إن كنت جاهلة أن القناعة تغنى نفس كاسيها وأقبلت بعد خمس وهى حاملة دريهمات لتقضى من تشهيها فقال نبهت منى غافلا فدعى هذى الدراهم إذ لا حق لى فيها ويلى على عمر يرضى بموفية على الكفاف وينهى مستزيدها ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومى لبيت المال رديها كذاك أخلاقه كانت وما عهدت بعـد النبـوة أخلاق تحـاكيها سبحانك ربنا: إلهى من ذا الذى أملك فحرمته ومن ذا الذى تعلق بك فصرمته ومن ذا الذى تردد إليك فرددته ومن ذا الذى نزل بك فطردته ومن ذا الذى استنصر بك فخذلته، ومن ذا الذى تعزز بك فأذللته ومن ذا الذى تستر بك ففضحته ومن ذا الذى تطارح عليك فطرحته يا من احتجب عن الأبصار ولم يحتجب عن حاجة أهل الاضطرار يا من غالبت رحمته القواطع وتنزه بابه عن الموانع ضربت الملوك حجابها، وأنت عن المضطرين غير محجوب وسدت الأغنياء أبوابها وبابك عن الفقراء غير مسدود ووقتت الأجواد نوالها ونوالك فى سائر اللحظات معهود ومقتت الكرام من يكثر سؤالها وأنت لا تمقت من يعود وفقد المحسنون من لا يحسن طلبهم وأنت كيفما طلبك السائل موجود وأجمعت الأسخياء على منع عصاتها وأنت دائما على العصاة تجود وصرفت الوجوه عن المتملقين ووجهك عمن يتملق إليك غير مصروف وعرف المتصدقين بمنع غير المستحقين وأنت برحمة من لا يستحقها معروف وكرهت الرحماء من يدل عليها وأنت تحب من يدل عليك وأبعدت العظماء من يوصل إليها وأنت تقرب من يوصل إليك فكيف أجزع وقد فتحت لى بابك إذ غلقت الأبواب ويسرت لى جنابك إذ تعذر كل جناب وكلما أتيتك عبدا لئيما وجدتك ربا رحيما فما فارقت وصفى ولا فقدت جميل وصفى ولا غبنت فى شدتى من تدارك لطفك حتى محت محاسنك وهم خيالى واثبت جميلك شمسا على رغم الليالى فكيف أتخلى عنك وأنت الذى يستحى أن يخيب يدى العفاة وكيف أسيء بك الظن وأنت الذى يقبل التوبة من عباده ويعفو عن السيئات وكيف أجيب داعى اليائس منك وقد تكفلت بالإجابة للمضطرين وكيف تقطعنى عنك الذنوب وقد دللت على نفسك المتحيرين يا من قال وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعان إلهى كل من استشرته يدلنى عليك وكل من قصدته يدفعنى إليك وقد آيستني التجاريب من سواك ودفعنى الاضطرار إلى غناك ورددنى لبابك حسن ظنى فيك وألجأنى حر تلافى إلى ظل تلافيك إن تقصنى فما لى من بعدك حبيب وإن تدننى فما ضرنى أن لا يكون لى من غيرك نصيب فكيف أغتر بسواك وهو سراب وكيف أسلو به وما على التراب تراب وكيف أعتمد على غيرك وهو زائل وكيف أميل إلى سواك وهو مائل إلهى ما لشدتى من بعدك انفراج ولا لى من أسر الذنوب إن لم تمن إخراج ولا يرجى لعلتى غير دواك ولا يبرد حرقتى شيء سواك فاقبلنا وتب علينا فى رمضان واجعلنا من المرحومين. د. محمد عبدالرحيم البيومى