الجمعة 17 مايو 2024

قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم "سلمان منا آل البيت" الفارسى.. الباحث عن الحقيقة

صورة أرشيفية

1-4-2024 | 02:36

بقلـم: محمد يونس
لقد حفلت سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنماذج رائعة من المهتدين، الذين ارتفعت همتهم فى البحث عن الدين الحق الذى يستحق الاتباع والاعتناق وبذلوا فى سبيل ذلك النفس والنفيس، فصاروا مضرب الأمثال، وحجة الله على خلقه، وأكدوا على أن من انطلق باحثًا عن الحق مخلصًا وجهه لله تعالى، فإن الله يهديه إليه، ويمن عليه بأعظم نعمة فى الوجود ألا وهى نعمة الإسلام. ومن هذه النماذج المشرفة فى البحث عن الحقيقة الصحابى سلمان الفارسى رضى الله عنه وأرضاه. وترجع أهمية قصة إسلام سلمان إلى كونها دليلاً يشهد بصدق نبوة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ظل سلمان يبحث عن النبى الحق والذى عرف صفاته ومناقبه من أحد الرهبان فى عمورية، والذى وصف له نبى آخر هذا الزمان قائلًا: «ولكن قد أظلك زمان نبى، هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين بينهما نخل «المدينة المنورة»، وبه علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل»، ومن هنا أصبح سلمان مشغولاً كل الشغل بهذا الأمر وأصبح منشغلاً بهذه المدينة التى وصفها له الراهب ووقعت فى قلبه بمكان، وبذل كل ما فى استطاعته لينتقل إلى هذه البلدة التى ستشهد مقدم نبى هذا الزمان. فلنستعرض قصة هذا الرجل الباحث عن الحقيقة، وكما وردت فى صحيح الإمام البخارى، وكما رواها هو عن نفسه. سلمان الفارسى رجل «من أصبهان يكنى أبا عبدالله، عايش ديانات مختلفة أولها المجوسية دين أهله وعشيرته، ثم النصرانية واليهودية قبل الإسلام، إلى أن هداه الله للإسلام، وكان صاحب فكرة حفر الخندق فى غزوة الخندق الشهيرة. قال عنه الإمام الذهبى فى سير أعلام النبلاء «كان لبيبًا، من عقلاء الرجال وعبادهم ونبلائهم». وقال عنه ابن عساكر «هو سلمان ابن الإسلام، أبو عبدالله الفارسى، سابق الفرس إلى الإسلام. وها هى قصة إسلامه نسردها وتوضح لنا مدى انتشار الضلال الذى ساد العالم كله قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم. عن عبدالله بن عباس رضى الله عنهما – قال حدثنى سلمان عن نفسه فقال: كنت رجلاً فارسيًا من أهل أصبهان، من أهل قرية يقال لها: «جى» وكان أبى دهقان (رئيس) قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياى حتى حبسنى فى بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت فى المجوسية حتى كنت قاطن (خادم) النار الذى يوقدها، لا يتركها تخبو ساعة، قال: وكان لأبى ضيعة (بستان) عظيمة، قال: فشغل فى بنيان له يومًا، فقال لى: يا بنى إنى قد شغلت فى بنيان هذا اليوم عن ضيعتى، فأذهب فأطلعها، وأمرنى فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فممرت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها يصلون، وكنت لا أدرى ما أمر الناس وذلك بسبب حبس أبى إياى فى بيته، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبتنى صلاتهم، ورغبت فى أمرهم، وقلت هذا والله خير من الدين الذى نحن عليه، فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبى ولم آتها، فقلت لهم أين أصل هذا الدين؟! قالوا: بالشام، قال ثم رجعت إلى أبى، وقد بعث فى طلبى وشغلته عن عمله كله لتأخرى عليه، فلما جئته قال: أى بنى أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت يا أبت.. مررت بناس يصلون فى كنيسة لهم، فأعجبنى ما رأيت من دينهم، فوالله مازلت عندهم حتى غربت الشمس، قال أى بنى ليس فى ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، قال قلت كلا والله إنه خير من ديننا، قال فخافنى فجعل فى رجلى قيدًا ثم حبسنى فى بيته قال وبعثت إلى النصارى فقلت لهم إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبرونى بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى قال فأخبرونى بهم فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبرونى بهم، فألقيت الحديد من رجلى ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا الأسقف الذى فى الكنيسة قال فجئته، فقلت إنى قد رغبت فى هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك فى كنيستك، وأتعلم منك وأصلى معك قال فادخل فدخلت معه، قال فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزها لنفسه ولم يعطها المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورِق (فضة) قال وأبغضته بغضاَ شديدًا لما رأيته يصنع ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا قالوا وما علمك بهذا قال قلت أنا أدلكم على كنزه قالوا فدلنا عليه قال فأريتهم موضعه، قال فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورِقًا قال فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدًا، فصلبوه ثم رجموه بالحجارة ثم جاءوا برجل آخر فجعلوه بمكانه قال يقول سلمان فما رأيت رجلًا لا يصلى الخمس أرى أنه أفضل منه، أزهد فى الدنيا ولا أرغب فى الآخرة، ولا أدأب ليلًا ونهارًا منه، فأحببته حبًا لم أحبه من قبله، وأقمت معه زمانًا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له يا فلان إنى كنت معك وأحببتك حبًا لم أحبه أحدًا من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله فإلى من توصى بى وما تأمرنى قال أى بنى والله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلًا بالموصل وهو فلان، فهو على ما كنت عليه فالحق به قال فلما مات وغيب، لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلانًا أوصانى عند موته أن ألحق بك، وأخبرنى أنك على أمره قال فقال لى أقم عندى فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له يا فلان.. إن فلانًا أوصى بى إليك، وأمرنى باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصى بي؟ وما تأمرنى قال أى بني.. والله ما أعلم رجلًا على مثل ما كنا عليه إلا رجلًا بنصيبين، وهو فلان فالحق به قال فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته بخبرى وما أمرنى به صاحبى فقال لى أقم عندى فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبثت أن نزل به الموت، فلما حضر قلت له يا فلان.. إن فلانًا كان أوصى بى إلى فلان، ثم أوصى بى فلان إليك فإلى من توصى بي، وما تأمرني؟ قال أى بنى والله ما نعلم أحدًا بقى على ما أمرنا أمرك أن تأتيه إلا رجلًا بعمورية، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته فإنه على أمرنا. قال فلما مات وغيب، لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال أقم عندى فأقمت مع رجل على هدى أصحابه وأمرهم، قال واكتسبت حتى كان لى بقيرات وغنيمة قال ثم نزل به أمر الله، فلما حضر قلت له يا فلان إنى كنت مع فلان، فأوصى بى فلان إلى فلان، وأوصى بى فلان إلى فلان، ثم أوصى بى فلان إليك، فإلى من توصى بي؟ وما تأمرني؟ قال أى بنى ما أعلم على ما كنا عليه أحد من الناس أمرك أن تأتيه، ولكن قد أظلك زمان نبي، هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجرًا إلى أرض بين حرتين (أرض ذات الحجارة السود) بينهما نخل، وبه علامات لا تخفى، يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال ثم مات وغيب فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مربى نفر من كلب تجار، فقلت لهم تحملونى إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتى هذه وغنيمتى هذه؟ قالوا نعم فأعطيتموها، وحملونى حتى إذا قدموا بى وادى القرى ظلمونى فباعونى من رجل من اليهود عبدًا، فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن تكون البلد الذى وصف صاحبى وبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بنى قريظة، فابتاعنى منه، فاحتملنى إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبى فأقمت بها. وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام، لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة فوالله إنى لفى رأس عذق لسيدى أعمل فيه بعض العمل (كان أعلى نخلة) وسيدى جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال قاتل الله بنى قيلة (الأوس والخزرج) والله إنهم لمجتمعون بقباء، على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتنى العرواء (برد الحمى) حتى ظننت أنى سأسقط على سيدى، قال: ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال فغضب سيدى فلكمنى لكمة شديدة، ثم قال مالك ولهذا؟ أقبل على عملك، قال قلت لا شيء إنما أردت أن استثبت عما قال: وقد كان عندى شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بقباء فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغنى أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندى للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل، فقلت فى نفسى هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئًا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئت به فقلت له إنى رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت فى نفسى هاتان اثنتان، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد، وقد تبع جنازة من أصحابه، وعليه شملتان له، وهو جالس فى أصحابه، فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذى وصف لى صاحبى، فلما رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته، عرف أنى استثبت فى شيء وصف لى، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحول فتحولت، فقصصت عليه حديثى- كما حدثتك يا ابن عباس. وقال فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد. قال: ثم قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبى على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالفقير (أى أغرسها له) وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- أعينوا أخاكم، فأعونونى بالنخل فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أذهب يا سلمان ففقر لها (أى احفر لها موضع غرسها) فإذا فرغت فأتنى أكون أنا أضعها بيدى، ففقرت لها، وأعاننى أصحابى، حتى فرغت منها، جئته فأخبرته، فخرج معى إليها وأخذ يضعها ووالله ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقى على المال. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازى، فقال ما فعل الفارسى المكاتب؟ قال فدعيت له، فقال خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان، فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما على؟ قال خذها فإن الله سيؤدى بها عنك، قال فأخذتها، فوزنت لهم منها والذى نفس سلمان بيده- أربعين أوقيه، فأوفيتهم حقهم، وعتقت وشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم – الخندق ثم لم يفتنى معه مشهد، رواه أحمد. فهذه هى قصة الصحابى الجليل سلمان الفارسى الشاب المنعم الذى كان يعيش حياة رغدة، ولكن هناك شيء أقوى من النعيم والترف ألا وهو معرفة الحقيقة، فإذا ألحت النفس البشرية على صاحبها لمعرفة كنه شيء ما أو حقيقة تتطلع إلى معرفتها، فلا يهدأ صاحبها حتى يصل إلى القول الفصل، وهذا ما مر به سلمان الفارسى رضى الله عنه وأرضاه فترك وخلف كل شيء وراء ظهره، وكان الهدف أن ترتاح نفسه الحائرة ويصل إلى حقيقة الإله الحق والدين الحق، ولقد اشتاقت نفسه إلى المدينة التى وصفها له راهب عمورية الصالح، ولصدقه وإخلاصه يسر الله له الأمور حتى استقر به الحال فى المدينة لينتظر مقدم النبى الذى أمر باتباعه وكان له ما أراد، وارتاحت نفسه واطمأنت بدين الإسلام وبرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهنيئا لصاحبنا النقى التقى الورع سيدنا سلمان الفارسى رضى الله عنه وأرضاه ويكفيه فخرًا وشرفًا عندما تنازع عليه المهاجرون والأنصار وكل منهما يقول سلمان منا.. سلمان منا.. فيخرج صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا.. «سلمان منا آل البيت»