الخميس 21 نوفمبر 2024

المصور

«المصور» تتجول فى«بقيع مصر»وتتبع«حكايات التاريخ» و«خطط التطوير»شارع الأشراف..موطن«آل البيت»الأكرمين والصالحين

  • 3-4-2024 | 14:40

صورة أرشيفية

طباعة
  • تحقيق : منار عصام
«شارع الأشراف»، الذى يتبع حى الخليفة بالقاهرة، ويبلغ طوله ٢ كيلو متر، واحد من الأماكن التى تحظى بمكانة خاصة فى قلوب «أهل مصر»، فعلى امتداد الشارع تنتشر أضرحة «آل البيت» ومساجدهم، ومقامات أولياء الله الصالحين. مشاعر مختلطة تنتاب زائر المكان الذى يكتشف فور دخوله شارع الأشراف أنه أمام «متحف مفتوح» وشاهد على عصور وحقب تاريخية انتهت ولكن آثارها لا تزال حاضرة وباقية ومحفوظة، لتروى قصص أصحابها وحكاياتهم وعندما تتقدم لخطوات أخرى وتقرأ أسماء أصحاب الشواهد والأضرحة والمساجد الموجودة ينبض قلبك حبا وشوقًا للبقاء إلى جوارهم. ويضم شارع الأشراف العديد من الأضرحة والشواهد التى يعتقد أنها لعدد من آل البيت الكرام الذين عاشوا فى مصر ، حيث يضم الشارع مقام ابن سيرين صاحب كتاب «تفاسير الأحلام» الذى يرجع نسبه إلى آل البيت وضريح محمد الأنور وقبة شجر الدر وقبة فاطمة خاتون ومسجد السيدة نفيسة ومسجد السيدة رقية بنت على بن أبى طالب ومقام السيدة عاتكة عمة الرسول عليه الصلاة والسلام وسيدى على الجعفرى بن جعفر الصادق، مسجد وضريح السيدة سكينة بنت الحسين ومسجد أحمد بن طولون ، لذا أطلق عليه المصريون «بقيع مصر»، نظرًا لما يضمه من أضرحة «آل البيت». مسجد السيدة نفيسة بوابة خشبية ضخمة مشغولة بـ«الأرابيسك»، توحى بعظمة المكان، أول ما يستقبل به شارع الأشراف زواره، مثبت أعلاها اسم الشارع الذى تزين مدخله «زينة رمضان»، والتى تضفى مزيدًا من الروحانية على المكان وتأخذ الزائر فى رحلة رمضانية مدهشة، وما أنا يخطو الزائر خطوات عدة إلى داخل الشارع، إلا ويخطفه مقام السيدة نفيسة، «نفيسة العلم» التى عاشت بمصر وارتبطت بأهلها وارتبط أهلها بها كثيرا ، والتى عاشت زاهدة فى الحياة والدنيا فقد حفرت قبرها أثناء حياتها وكانت تختم فيه القرآن عدة مرات، و يقال إنه وصل عدد الختمات التى ختمتها فى قبرها الى أكثر من 100 ختمة كاملة. وبحسب «المقريزى»، يرجع تاريخ بناء مسجد السيدة نفيسة، إلى فترة حكم والى مصر عبيد الله بن السرى خلال الدولة العباسية الذى شيد أول مقام للسيدة نفيسة فوق قبرها، بينما أقيمت أول قبة فوق مقام السيدة نفيسة فى عهد الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، ثم نفذت تطويرات وتجديدات فى عهد الخليفة الفاطمى الحافظ لدين الله الذى قام بتوسعة المسجد وقام بتكسيته بالرخام، ثم مر المسجد بأزهى فترات الاهتمام به خلال فترة حكم الناصر محمد بن قلاوون، حيث قرر أن يكون مشهد السيدة نفيسة تحت إشراف مباشر للخلفاء أنفسهم. وقد شهد مسجد السيدة نفيسة فى أعمال التطوير الأخيرة الكثير من الأعمال الإنشائية التوسعية وكذا أعمال الترميم للمسجد والمقام نفسه، ليخرج مسجد وضريح السيدة نفيسة بشكل يليق بعظمة صاحبة المقام وكذا مكانة وتقدير المصريين ومصر لوجود آل بيت رسول الله على أرضها بل وتؤكد على مدى حرص القيادة السياسية على تطوير مساجد وأضرحة آل البيت. وتقع خلف المسجد «خلوة السيدة نفيسة»، حيث تعتبر محل جلوسها للعبادة. ضريح «ابن سيرين» رغم الجدل المثار حول وجود رفاته فى مصر أم فى العراق، غير أن مقام «ابن سيرين» فى شارع الأشراف، يحظى بمكانة كبيرة فى نفوس الكثير من المصريين الذين يأتون لزيارته من كل حدب وصوب، فتفسير الأحلام مرتبط داخل ذاكرة المصريين بـ«ابن سيرين» وفى رمضان يحرص الكثيرون على زيارة الضريح وقراءة الفاتحة والتبرك باسم صاحب المقام فهو قبلة الراغبين للبحث عن معان ودلالات لأحلامهم ورؤاهم فيجتمع أمامه الشيوخ والشباب والنساء والرجال وحتى الأطفال، ظنًا منهم بأن زيارة الضريح تمنح المباركة وتجلب التفسيرات للأحلام، وتبعد الكوابيس والأحلام السيئة من زيارتهم. اكتسب «ابن سيرين» شهرته فى تفسير الأحلام خلال حياته، حيث ولد محمد بن سيرين، عام 33 هجرية 653 ميلادية إبان فترة خلافة عثمان بن عفان، وقد كانت والدته أمة لدى أبى بكر الصديق، قبل أن يعتقها، ووالده كان مملوكا لأنس ابن مالك الصحابى الجليل، والذى أعتقه أيضا، ونشأ «ابن سيرين» فى كنف أسرة عرف عنها الالتزام وحسن السيرة، ولـ«ابن سيرين» العديد من المواقف التى ارتبطت بتفسير الأحلام منها على سبيل المثال أن وفاته عن عمر يناهز 77 عاما جاءت بعد وفاة الحسن البصرى بـ 100 يوم وهو ما أعلنه كتفسير لرؤية قد رآها. أما الضريح، فهو عبارة عن بيت صغير يتكون من طابقين الطابق الأرضى منه عبارة عن ضريح بسيط لا يشتمل على أى مظاهر للترف أو الزهو العمرانى كغيره من الأضرحة الأخرى، فهو لا يدل على شهرة صاحبه، ويتكون الضريح من باب صغير مكتوب عليه خادم سيدى محمد بن سيرين ونافذتين مفتوحتين مخصصتين لمن يريد النظر على الضريح من الداخل ويوجد بالضريح أيضا مقام آخر لأحد تابعي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عبدالغنى عبد الله البلاسي، ومن الداخل فقد طلى الضريح بلونين أساسيين الأبيض والأخضر، ويتوسط الضريح قبة صغيرة تم كسوتها بقماش أخضر، وفى الأعلى نجد أن سقف المقام قد صنع من الخشب كما كتبت على جدرانه بعض من آيات من القرآن الكريم. وبمجرد الاقتراب من الضريح يمكن للزائر أن يتنسم رائحة المسك والعنبر التى تفوح من المكان، ويرى زائرى الضريح يقرأون الفاتحة أمام الضريح لابن سيرين ويدعون الله ليلهمهم تفسير أحلامهم. وكشف «خالد » المسئول عن الضريح منذ أكثر من ١٠ سنوات والمقيم بمسكنه الواقع فى الدور العلوى من المقام، أن الكثير من زائرى الضريح على اعتقاد بأن الوقوف أمام الضريح وسرد الأحلام سيأتى التفسير «نبأ الرؤية» فى الليلة المقبلة لتلك الزيارة، مما يجعل التردد على زيارة الضريح بصورة يومية من مختلف الأعمار والفئات يأتون لزيارة الضريح من مختلف المحافظات بالجمهورية. وأضاف: المقام من الداخل يضم مجموعة من الملابس الخاصة «الكسوة» بـ«ابن سيرين»، فضلًا عن مجموعة من كتاباته التى تضم أسماء للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد خضع الضريح إلى الترميم عدة مرات كان آخرها فى مطلع العام الجارى. وأوضح «خالد»، أن الأيام التى يزداد فيها الإقبال على زيارة ضريح ابن سيرين هى الجمعة من كل أسبوع، حيث يحرص الكثيرون على تأدية صلاة الجمعة بمسجد السيدة نفيسة، فضلًا عن حرص البعض على زيارة الضريح خلال موالد السيدة نفيسة والسيدة رقية والسيدة سكينة، وذلك لقرب أضرحتهم من ضريح ابن سيرين. جدير بالذكر.. أنه هناك ضريح ثان لابن سيرين فى العراق، وتحديدا فى مدينة البصرة، فى مبنى مرقد الحسن البصرى، ويدور الجدل حول حقيقة وجود جثمان «ابن سيرين» بأى من الضريحين، حيث كان معروفًا عنه أنه كان كثير الترحال، إلا أن زائرى المقام لا يهتمون بذلك فهم على ثقة من وجوده مدفونا بضريحه بمصر. مسجد السيدة سكينة هى سكينة بنت الحسين رضى الله عنهما زهرة الروضة المحمدية فقد ولدت فى رجب لعام 47 هجرية وقد سميت بسكينة نسبة لهدوئها وسكونها وكانت قدوة للمرأة المسلمة فى الظاهر والباطن وقد عاصرت أباها الحسين رضى الله عنه فى فترات الجهاد والشدائد فى فترة الفتن والمحن فكانت له نعم العون والسند ،وكانت محبة للعلم فكان لها فى ميادين العلم والفقه والأدب شأن كبير وتوفيت عام 117 هجرية واختلف فى وفاتها هل دفنت فى مصر أم فى المدينة المنورة. شيد مسجد السيدة سكينة فى عهد الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1173 هجرية خلال فترة العصر العثمانى، وحظى الجامع بالعديد من التجديدات خلال العصور المختلفة ، ولمسجد السيدة سكينة نصيب من اسم صاحبته، حيث تسود حالة من السكينة والهدوء والرضا فور أن تطأ أقدامك داخل المسجد. مشهد السيدة رقية بحلول المغرب.. أضأت مآذن مشهد السيدة رقية الشارع باللون الأخضر الذى يمنح النفس شعورًا بالخشوع والإجلال، وصاحبة المشهد هى السيدة رقية بنت على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على بن زين العابدين ابن الإمام الحسين رضى الله عنه، ولا يفصل المشهد عن مشهد السيدة سكينة سوى بضعة أمتار، ويسود اعتقاد خاطئ بين الكثير من الناس أن هذا المشهد للسيدة رقية ابنة الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنهما التى يوجد ضريحها بدمشق، وقد جدد قبر السيدة رقية عام 527 هجرية فى عهد الخليفة الفاطمى المستعلى بالله ثم جدده بعد ذلك الأمير عبد الرحمن كتخدا ثم عمره بعد ذلك الخديو عباس الأول وزوجته، ويضم مسجد السيدة رقية أيضا ضريح السيدة عاتكة عمة رسول الله، والتى يختلف فى حقيقة زيارتها لمصر ، إلا أن ضريحها يتميز بقبة مميزة مزودة بعدد من التضليعات من الخارج والداخل يتوسط أرضيتها تركيبة خشبية ويضم شارع الأشراف مسجدًا كبيرا وهو مسجد أحمد بن طولون الذى يقع فى نهاية الشارع من ناحية مسجد السيدة زينب رضى الله عنها، وهو معلم مميز من معالم العمارة الإسلامية، فقد صمم بتصميم مميز لعل أبرز ما يميزه هو المئذنة الملتفة التى تشبه فى تصميمها المسجد العباسى بالعراق، بالإضافة إلى مسجد صغير يضم مقام سيدى محمد الأنور حفيد الحسن رضى الله عنه، وسليل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عم السيدة نفيسة، ولقد أنشئت قبة المسجد فى العصر الفاطمي، أما مقام سيدى محمد الأنور حفيد الحسن رضى الله عنه على بُعد خطوات من مقام السيدة عاتكة. «شجر الدر» إلى جوار «آل البيت»، هناك آثار أخرى تحظى باهتمام زوار «الأشراف»، ومن أبرزها قبة وحمام وضريح «شجر الدر»، الشخصية التاريخية التى حكمت مصر فى بداية الدولة المملوكية، وكانت مشهورة بالجمال والذكاء الشديد وكذلك الشخصية القوية التى مكنتها من إدارة شئون البلاد خلال فترة من أصعب الفترات التاريخية التى مرت بها مصر. وتعتبر قبة شجر الدر أحد المعالم الهامة ضمن مزارات شارع الأشراف، حيث كانت تلك القبة جزءا من بناء كبير كان يضم دارا ومدرسة ومحاطة بحديقة، وتحتفظ القبة شجر الدر بطرازها (الفاطمى – الأيوبى)، بحسب أطلس العمارة الإسلامية والقبطية بالقاهرة، للدكتور رزق عاصم محمد، و«الخطط التوفيقية» الذى يشير إلى أن المبنى عبارة عن «غرفة مقببة صغيرة ذات ثلاثة مداخل فى ثلاث جهات مختلفة، المدخل الشمالى الغربى يتقدمه رواق الدار وحمام كانوا بالمنطقة الواقعة بين هذا الضريح وضريح السيدة سكينة، تعد الفسيفساء الزجاجية التى تتوج المحراب من أبرز عناصر الضريح، تصور نقوش الفسيفساء شجرة تزهر لؤلؤًاعلى خلفية ذهبية، تفسيره على أنه تمثيل تصويرى لشجر الدر». ملامح التطوير ومن جانبها تحدثت المهندسة جيهان عبد المنعم، نائب محافظ القاهرة للمنطقة الجنوبية، عن تفاصيل عمليات التطوير التى شهدها الشارع خلال الفترة الماضية، وقالت: كان فى مقدمة الأعمال التى شملتها خطة التطوير، وبشكل عاجل، مشكلة الصرف الصحى التى كانت تهدد الآثار الإسلامية الموجودة بالشارع، لذا نفذت شركة المياه والصرف الصحى أعمال «الدفع النفقى» لشبكة الصرف الصحى أسفل الشارع، وذلك بتكلفة وصلت لما يقرب من 70 مليون جنيه، وحرصنا خلال تنفيذ بقية خطط التطوير فى الشارع، على المحافظة على الطرز المعمارية الفريدة التى يحظى بها الشارع الذى يغلب عليه الطابع الأيوبى والفاطمى فى فنون العمارة، فضلا عن تزويد المناطق الأثرية بنظم إضاءة جديدة تبرز تفاصيل وملامح تلك المبانى الأثرية التاريخية. وأضافت: لم تغفل أعمال التطوير قاطنى الشارع من السكان فقد شملت أعمال التطوير رفع كفاءة العمارات السكنية الموجودة بالشارع وطلاءها بلون موحد يتماشى مع التراث الذى يميز الشارع، وكذا تركيب الأحجار الهاشمية التى تتميز بالفخامة فى التصميم وكذلك الصلابة والقوة، وثبتت لوحة على مدخل الشارع توضح مراحل وأبرز أعمال التطوير التى تمت بالشارع. شاهد على التطوير وكعادة الشوارع التاريخية فى مصر، فإن «الأشراف» يضم بين جنباته العديد من المقاهى ومحال بيع الهدايا التذكارية من فنون الغزل اليدوى إلى أقمشة الخيامية والأرابيسك والخوص والفخار، والذين استفادوا بشكل كبير من أعمال التطوير التى شهدها الشارع، ومن بينهم فاطمة علي، التى تمتلك «بازار» فى الشارع، والتى أكدت أن عمليات التطوير أتاحت لها الفرصة لعرض منتجاتها من الأعمال اليدوية على السائحين ورواد الشارع بعيدًا عن الزحام الشديد الذى تشهده بقية أحياء القاهرة التاريخية الأخرى كالحسين وخان الخليلى وشارع المعز لدين الله الفاطمى. «فاطمة»، التى تعتبر «وافدة جديدة» للشارع، فمدة عملها فى «الأشراف» لم تتجاوز الثلاثة أشهر، كشفت أن «معدلات الإقبال على شراء منتجاتها تتزايد يومًا بعد يوم، كما أن وزارة التضامن الاجتماعى تسعى لزيادة أعداد المعارض عبر الشارع خلال فترات شهر رمضان وذلك لاستيعاب أعداد زائرى الشارع خلال الشهر المبارك». وأوضحت «فاطمة»، أن «جميع المنتجات المعروضة فى البازار أعمال يدوية خالصة، وهو ما يضفى عليها سحرًا وبريقًا يجعلها تجذب أنظار العاشقين والمحبين لهذا النوع من الفنون، كما أن الشارع أصبح يتمتع بأقصى درجات الاهتمام حيث أضحى مؤمنا عبر إحدى شركات الأمن الخاصة، وكذا يتم تنظيفه يوميا من خلال إحدى شركات النظافة وذلك للمحافظة على المستوى الذى وصل إليه الشارع بعد الانتهاء من أعمال التطوير».

أخبار الساعة

الاكثر قراءة