اللامنطق فى بعض مسلسلات رمضان
نجوان عبداللطيف
بحكم العادة وما ألفناه على مدى سنوات عمرنا، أصبحت الفرجة على المسلسلات من بين الطقوس التى نمارسها فى شهر رمضان الكريم، اعتدنا أنا وأصحابى فى بداية الشهر، تقسيم المسلسلات على بعضنا بعضًا؛ كى نتخير من هذا الكم الهائل ما يستحق المشاهدة فى هذا الشهر الكريم، وما يحتاج إلى تركيز نرجئ مشاهدته لما بعد عيد الفطر، ومنها ما يجب علينا تحويل الريموت كونترول فور ظهورها على الشاشة، حتى لا تصيبنا بالملل والزهق، وأحيانًا يصل الأمر للضجر.
فى حدود مشاهداتى حتى الآن من الصعب أن أعطى تقدير «ممتاز» لأى من مسلسلات رمضان، ولكن هذا لا ينفى وجود مسلسلات جيدة تستحق المشاهدة والإشادة من حيث تناولها قضايا مجتمعية مهمة، مثل تأجير الأرحام. فمن حيث صياغة الأحداث وتطور الشخصيات مثل مسلسل «صلة رحم» المكتوب باحترافية شديدة من خلال الكاتب المبدع محمد هشام عبية، والمخرج تامر نادى، وساهم فى نجاحه اكتمال عناصره من ممثلين مبدعين أتقنوا أدوارهم باقتدار، إياد نصار وأسماء أبواليزيد ومحمد جمعة ويسرا اللوزى، مع بروز لممثلين أدوا أدوارًا ثانوية مثل صفاء جلال الكوافيرة الجدعة بنت البلد، وهبة عبد الغنى الممرضة «سهام»، التى تضطرها ضغوط الحياة المادية على مساعدة الطبيب (جمعة أو خالد) على إجراء عمليات إجهاض، وتتلقى نقودًا من المرضى، وأبدعت الفنانة «هبة» فى إظهار التناقض الذى تعيشه «سهام» وهى زوجة لشيخ سلفى تعيش فى رعب من يوم يفتضح ما تخفيه أمامه، أما الممثلة الشابة نورا عبدالرحمن فقدمت دور الفتاة الصغيرة العاملة بالكوافير قليلة الحيلة والخبرة والمعرفة ببساطة وسلاسة فى الأداء، ومحمد دسوقى الذى قدم دور شاكر الشاب البلطجى، ولكن بداخله طيبة.
أكثر ما أزعجنى فى العديد من المسلسلات اللامنطق.. فبعض الأحداث يصعب أن تتم على النحو الذى قدمته تلك المسلسلات، مما يفقد العمل المصداقية ويشعر جمهور المتفرجين بأن صانعى العمل يستخفون بعقولهم.
مسلسل «لحظة غضب» إخراج عبدالعزيز النجار.. تقوم بطلة المسلسل صبا مبارك «يمنى» بقتل زوجها الفنان محمد فراج «شريف» فى لحظة غضب نتيجة استفزازه المتكرر لها، ولكنها فى هذه المرة انفعلت، ومن دون تخطيط تناولت عصا فرد العجين الخشبية التى كانت أمامها، وسددت لرأسه ضربة قاضية.
قامت «يمنى» السيدة النحيفة بمفردها، بحمل محمد فراج فارع الطول ووضعته فى خزانة المطبخ السفلية، بل وأخرجته وأعادته مرة أخرى عندما دق جرس الباب، ثم ذهبت للسوبر ماركت واشترت أكياس زبالة وبكرة شريط لاصق، وثقلين من الحديد مما يستخدمان فى ألعاب القوى، وعادت إلى المنزل لتحضر شنطة سفر متوسطة الحجم، وبعد ما قامت بلف جثمان «شريف» بحالته كاملًا كما هو، بالأكياس وربطها بالشريط اللاصق، وضعته فى الشنطة! وأضافت الثقلين من الحديد، وحملت الشنطة إلى السيارة! ثم قامت بإلقائها فى النيل!، كل هذا بمفردها.
كيف لسيدة ضعيفة أن تحمل رجلا ميتا بحجم «فراج»، كأنه لعبة وتطبقه وتضعه فى الشنطة، بينما أجساد المتوفين تفتقد ليونتها وتصبح متيبسة.
الغريب أن الجميع - ماعدا مَن شاركوا فى المسلسل - سمع وقرأ حوادث قتل الأزواج على أيدى زوجاتهم، وكلهن تخلصن من الجثامين بتقطيعها بالساطور وتقسيمها فى أكياس ليتمكن من حملها وإخفائها، لكن العاملين فى المسلسل أغفلوا المنطق واختاروا أسلوبًا لا منطقى على مبدأ (كله بيعدى)، والجمهور (مش هياخد باله).
مسلسل «نعمة الأفوكاتو» كتابة وإخراج محمد سامى، صاحب المسلسلات الناجحة جماهيريًا، بطولة زوجته مى عمر وأحمد زاهر وأروى جودة، يذهب أحد رجال الأعمال الكبار إلى المحامية نعمة «مى عمر» التى تدير مكتبها من قهوة بلدى فى المنطقة الشعبية التى تسكن فيها، فى منزل متواضع، ويطلب منها أن تترافع عن ابنه الذى حكم عليه بالسجن لعشر سنوات، ولم تستطِع مجموعة من كبار المحامين تبرئته من التهمة الملفقة له، ولكن الجلسة كان موعدها فى اليوم التالى، أى على المحامية نعمة أن تقرأ ملف القضية وتعد مرافعتها فى أقل من 24 ساعة! مقابل عشرة ملايين من الجنيهات، واستطاعت المحامية النابهة أو الخارقة عما عجز عنه الكبار فى وقت قياسى، وحصلت على البراءة والملايين العشرة (اللهم لا حسد)!
لم يكتفِ المسلسل بهذا الموقف غير المنطقى، بل قامت نعمة بتقسيم 2 مليون جنيه على والدها وصاحبة المقهى، وادعت لزوجها أنه كسب قضية الوقف التى رفعها منذ زمن وأعطته كل الملايين الثمانية دون أن تحتفظ بأى مبلغ حتى ولو من أجل تغيير سيارتها التى تعطل باستمرار، حتى لو تغاضينا عن ذلك، كيف وصلت الملايين لأيدى الزوج دون أن يوقع أوراقًا أو يطلع على الحكم!
لقطة أخرى فى ذات المسلسل، عندما رأى التربى «أروى وزاهر» وهما يدفنان جثمان فى ساعة متأخرة من الليل، ودون شهادة وفاة، وكذبا عليه وادعيا أنهما جاءا لقراءة الفاتحة، ولم يبادر لإبلاغ الشرطة، بل ذهب وفتح المدفن.
أما اكتشاف مقتل المحامى الشاب مساعد نعمة الممثل محمد دسوقى أمام باب منزله دون الإفصاح عن أين ومتى تمت عملية إجباره على الانتحار، فهذا من باب الاستسهال، لكن لا تفوتنى تحية الفنان الشاب محمد دسوقى على أدائه لدور الشاب البسيط عامل الكافيتريا فى شركة رجل الأعمال رغم حصوله على ليسانس حقوق، وهو دور مختلف تمامًا عن دور «شاكر» الشاب الصايع فى «صلة رحم».
مسلسل «صدفة» بطولة ريهام حجاج وإخراج سامح عبد العزيز.. صدفة مدرسة تاريخ فى مدرسة خاصة، تعيش مع أختها وزوجها، ويبدو من ديكور الشقة والعمارة والشارع أنها ابنة طبقة متوسطة بسيطة، والمؤكد أنها متعلمة وحصلت على شهادة جامعية، ولكن «صدفة» قررت أن تتحدث بلغة لفظية وجسدية عجيبة ظنًا منها أنها طريقة الشعبيين، بينما شقيقتها وزوجها وزملاؤها فى المدرسة يتحدثون بلغة عادية، «صدفة» لا تكف عن عوج الفم واستخدام التشويح بالأيدى، والتشدق باللبان بل وعمل بالونة، ولا أعتقد أن هناك مدرسة يمكن أن تفعل ذلك وسط التلاميذ، لماذا هذا الأداء غير المنطقى؟ وعلى فكرة حتى الشعبيين لا يتحدثون بتلك الطريقة.
كان من الممكن لمَن قاموا بهذه المسلسلات بالتدقيق فى الأحداث، واستبعاد كل ما هو غير منطقى، لا ألوم المخرجين وحدهم فقط، باعتبارهم المسئولين عن العمل، لكنى ألوم كل مَن شاركوا فى العمل من الكاتب إلى الممثل.