الجمعة 3 مايو 2024

الدعم الغربى لإسرائيل

سناء السعيد

3-4-2024 | 23:08

بقلـم: سناء السعيد
رغم ظهور إسرائيل كوحش كاسر إلا أن الغرب وتتصدره أمريكا بادر فاحتضنها وشملها برعايته، وهو ما شجعها على السطو وارتكاب الجرائم والمذابح ضد الفلسطينيين أمام العالم كله دون أن تُساءل أو تُحاسب أو تُعاقب، واليوم وبعد دخول حربها فى غزة الشهر السادس تستمر فى ارتكاب القتل الممنهج ضد أبناء الشعب الفلسطينى الأبرياء من أطفال ونساء؛ ليصل أعداد الشهداء إلى نحو 32 ألفا، ويتجاوز أعداد المصابين والمفقودين المائة ألف. هذا فضلا عن حملة التدمير وهدم البيوت على رءوس سكانها ومهاجمة المستشفيات، وفرضها حصارا تجويعيا على الفلسطينيين. ورغم كل هذا لم يُحرك المجتمع الدولى ساكنا إزاءها. ولعل أحد الأسباب وراء حمايتها هو وقوف الولايات المتحدة الأمريكية وراءها، وتشجيعها على كل ممارساتها من خلال دعمها ماليا وعسكريا ومعنويا، والتمويه على ما ترتكبه من جرائم، بل والعمل على مدّ طوق النجاة لها فى المسرح الدولى، يجرى هذا دون أن يتم كبح جماحها. لقد اعتاد الغرب منذ 1957، ــ وهو العام الذى دشن بداية الصعود الأمريكي، وتراجع الإمبراطورية البريطانية والفرنسية ــ أن يكون تابعا للموقف الأمريكى حيال الأحداث الجارية فى الشرق الأوسط، ولهذا ساير الغرب أمريكا فى دعمها لإسرائيل. وتعد أمريكا هنا هى الأكبر بامتلاكها حق النقض ( الفيتو)، والذى يرفع عن إسرائيل عباءة الوقوع فى مجال المحاسبة والمساءلة، فضلا عن كونه يبرئها من أى عقاب. وفضلا عن هذا، هناك الدعم المالى الذى تحصل عليه إسرائيل والذى تجاوز المائة وثمانية وستين مليار دولار، ويظفر الدعم العسكرى بالجزء الأكبر إذ تبلغ نسبته نحو 78 فى المائة، كما يتم مد إسرائيل بأسلحة متطورة لا تُمنح لغيرها من دول المنطقة، بخلاف الدعم الاقتصادى الذى يبلغ نحو 35 مليار دولار على مدار التاريخ الأمريكى لإسرائيل. منذ عملية السابع من أكتوبر جرى تخصيص أكثر من 14 مليار دولار كدعم عسكرى للكيان الصهيونى، وتم تحريك مجموعتين من حاملات الطائرات مزودة بـ 150 طائرة حربية، كما تم تحريك غواصة نووية، وبالإضافة لذلك جرى دعم سياسى كبير وصل إلى حد أن رأينا الرئيس الفرنسى «ماكرون» يبادر فيعلن عن استعداده لتشكيل تحالف دولى ضد «حماس» على غرار التحالف الذى تم تشكيله من قبل ضد تنظيم «داعش» الإرهابى، وسارع رئيس وزراء بريطانيا «ريش سوناك» فأعلن تأييده ودعمه للإسرائيليين. ونتساءل علام هذا الدعم الكبير لإسرائيل؟ وما هى الأسباب وراءه؟ لا سيما أن إسرائيل من خلاله تبدو بوصفها الدولة الاستثناء التى يغمرها الغرب بكل ما تحتاجه، ويضفى عليها نوعا مبالغا فيه من الولاء والذى قد يصل إلى درجة القداسة. اليوم نقول فى معرض الرد على التساؤل: إذا عُرف السبب بطل العجب، وسيكون الجواب حاضرا، بل وسيكون التكالب على إرضاء إسرائيل مبررا عندئذ؛ إذ إن المحرك وراء ذلك هو مصلحة الغرب فى المنطقة، فإسرائيل هى النبتة الخبيثة التى تم زرعها فى المنطقة قسرا؛ كى تكون أداة لتحقيق هذه المصلحة، وعليه فإن الحب والوله بالكيان الصهيونى لم ينبع من فراغ، وإنما تحركه المصالح المادية الكبيرة للغرب فى منطقة الشرق الأوسط. حيث يرتكز عصب هذه المصالح على الممرات المائية التى تصل الخليج العربى ببحر العرب بالبحر الأحمر عن طريق مضيق باب المندب بقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط، ومن ثم بالمحيط الأطلسي. لقد بدأ الصراع بين الدول العظمى على هذه الممرات المائية والموانئ ما قبل الميلاد، ومع الثورة الصناعية ازداد التنافس على هذه الممرات ضمانا لتدفق الطاقة المتمثلة فى النفط من دول الخليج، وفى تدفق البضائع من وإلى منطقة الشرق الأوسط والقارة الهندية. ويومها أدرك الغرب أن إقامة دولة إسرائيل فى المنطقة من شأنه أن يحقق له هذا الهدف، ومن ثم ظهرت دولة إسرائيل وكأنها قاعدة غربية فى المنطقة تحقق لهذه الدول الحماية بأقل تكلفة مالية وبشرية. ساعد على كون إسرائيل مجرد كيان غريب يفصل إفريقيا عن غرب آسيا. فضلاً عن أن وجودها يحول دون أى تكتل لتحالف فيدرالى أو كونفدرالى، كما يحول دون وجود دولة قوية بالمنطقة تشكل مشروعا ينافس المشروع الغربى فى المنطقة. ولا شك أن هناك الباعث الدينى، المرتبط بفكرة المسيحية الصهيونية التى تعمل على عودة الشعب اليهودى إلى فلسطين وسيادة اليهود على الأرض المقدسة فى فلسطين. وبالإضافة إلى الباعث الدينى فإن الدعم الأمريكى الوافر لإسرائيل مبعثه اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ يشكل اليهود ما يقدر بثمانية ملايين نسمة، وهو أكبر تجمع لليهود فى العالم بعد إسرائيل، وهم يمثلون ما نسبته واحدا وسبعة بالمائة من العدد الإجمالى لسكان الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتشكل اللوبى اليهودى ــ الذى يحاول توجيه السياسة الخارجية الأمريكية بما يدعم العمل لصالح دولة إسرائيل ــ من أربع وثلاثين منظمة تنشط داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وهناك أيضاً الشعور الغربى بعقدة الذنب التى لعبت عليها إسرائيل، ولهذا كانت فكرة إنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين سابقة بمئات السنين على وعد بلفور. وظهر نابليون كأول سياسى أوربى ينادى علانية بإنشاء وطن قومى لليهود على أرض فلسطين؛ حتى إن لم تكن فى الأساس بمثابة دعوة لإنشاء دولة ذات سيادة. بل كان ينظر لها على أنها محاولة لكسب تأييد اليهود فى حملته ضد العثمانيين. وجاء وعد بلفور ليكون الخطوة العملية والتنفيذية لكل الدعوات التى سبقت وكرست بدعواتها وجود إسرائيل فى المنطقة.