يوافق اليوم الـ26 من رمضان، ذكرى ميلاد شيخ الإسلام، العلامة، الفقيه، المفسر، الفيلسوف، المتكلم، المناظر، المؤرخ، عالم اللغة، الطبيب والشاعر، مجدد القرن السادس الهجري، الإمام فخر الدين الرازي.
فخر الدين الرازي
ولد الإمام فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي القرشي التيمي البكري، في مدينة الري في الـ26 رمضان 544 هـ.
قال عنه الصفدي:"اجتمع له خمسة أشياء ما جمعها الله لغيره فيما علمته من أمثاله، وهي: سعة العبارة في القدرة على الكلام، وصحة الذهن، والإطلاع الذي ما عليه مزيد، والحافظة المستوعبة، والذاكرة التي تعينه على تقرير ما يريده في تقرير الأدلة والبراهين".
نشأ الرازي نشأة علمية في أحضان والده ضياء الدين عمر الخطيب، وبعد وفاة والده تتلمذ الرازي على الكمال السمعاني، والمجد الجيلي، وغيرهم من العلماء الذي عاصرهم.
جمع كثيراً من العلوم ونبغ فيها، فكان إماماً في علم التفسير، علم الكلام، العلوم العقلية، علوم اللغة العربية، المنطق والفلسفة، الفقه والأصول، التاريخ والفلك، الرياضة والهندسة، الطب والكيمياء وغيرها من العلوم والاختصاصات مما يشير إلى سعة دائرة معلوماته وثقافته.
وكان عارفاً بالأدب، له شعر بالعربي وشعر بالفارسي، كذلك له تصانيف ومؤلفات كثيرة مما جعله من علماء الإسلام القلة ذوي الإنتاج العلمي الضخم.
وتذكر له كتب التراجم مؤلفات عديدة، أشهرها تفسيره الكبير، وكتاب المطالب العالية من العلم الإلهي، تأسيس التقديس، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين، المحصول في علم أصول الفقه، المسائل الخمسون في أصول الدين، معالم أصول الدين، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين، ونهاية الإيجاز في دراية الإعجاز.
غير أن كتبه لم تصل إلينا كلها، فلقد فُقد عدد منها ضمن ما فقد من كتب التراث الإسلامي؛ وقد اختلف المهتمون بالتراجم وجمع التراث الإسلامي في تعداد كتبه؛ فقد جعلها البعض 76 كتاباً، في حين جعلها البعض الآخر تصل إلى مائتي كتاب.
تفسير مفاتيح الغيب
ويعد كتاب مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للقرآن الكريم، أبرز كتب الرازي وأشهرها على الإطلاق، إذ يعد هذا التفسير موسوعة علمية متخصصة في مجال الدين الإسلامي عامة، وعلم التفسير على وجه الخصوص.
بالإضافة إلى ذلك، أنه عمدة التفاسير العقلية للقرآن الذي يمثل ذروة المحاولة العقلية لفهم القرآن، بل هو مستودع ضخم للتوجيهات العقلية والأقوال النظرية في التفسير.
والكتاب تفسيراً شاملاً لكونه اشتمل على الجمع بين التفسير بالعقل السليم والنقل الصحيح، فضلاً عن شموله لأبحاث فياضة تضم أنواعاً شتى من مسائل العلوم المختلفة، كما يعد من أطول التفاسير القديمة والحديثة، وأكثرها تفصيلاً وعرضاً للآراء، ومناقشة للمعتقدات والمذاهب المختلفة.
ويذكر المناسبات بين الآيات، ويستطرد في العلوم الكونية، ويتوسع بها، كما يذكر المسائل الأصولية والنحوية والبلاغية، والاستنباطات العقلية.
ويبين في تفسيره معاني القرآن الكريم، وإشاراته، وفيه أبحاث مطولة في شتى العلوم الإسلامية، كعلم الكلام، وأقوال الحكماء، ويذكر فيه مذاهب الفقهاء وأدلتهم في آيات الأحكام، وينتصر لمذهب أهل السنة في العقيدة، ويرد على المعتزلة، وأقوال الفرق الضالة، ويفند مذاهبهم، كما يرد على الفلاسفة. ويعتبر هذا الكتاب من أجل كتب التفسير وأعظمها، وأوسعها، وأغزرها مادة.
وبدأ الإمام الرازي كتابة تفسيره في آخر حياته، بعد أن جاوز الخمسين من عمره، وبعد أن حصل من العلوم المختلفة على ما يؤهله للقيام بهذا العمل، وبعدما نضج عقله وكوّن فكره، وأكتملت أدواته، فأعطى عصارة جهده لهذا التفسير الضخم الكبير.
ومما يدل على ذلك قول الرازي عند تفسيره سورة يوسف سنة 601 هـ: "وإذا عوّل العبد على الله لم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن وجه. فهذه التجربة قد استمرت لي في أول عمري إلى هذا الوقت الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين".
جدير بالذكر، أن الرازي لم يتبع في تفسيره أسلوباً واحداً ولم يلتزم بطريقة ثابتة، ومما يدل على ذلك أنه أحياناً شرع في تفسير الآية مباشرة، وأحياناً بدأ بشرح علم من علوم التفسير مثل أسباب النزول، وأحياناً أخرى انطلق نحو المباحث البلاغية. وعن منهج الرازي في تفسيره.
يقول مفتي تونس محمد الفاضل بن عاشور: "كانت الطريقة المثلى في نظره لإدراك ما في القرآن من أسرار حكيمة، وبث ما تضمنه من مطالب فلسفية وعلوم طبيعية إنما هي طريقته الكلامية المختارة، المتبعة لمنهج الغزالي، وإمام الحرمين، وأبي إسحاق الإسفراييني، والإمام أبي الحسن الأشعري...".
ويعاب على الرازي في تفسيره، قلة اعتماده على علم الحديث، وإيراده أحاديث ضعيفة أو موضوعة، ونقله عن غير محدثين مثل الزمخشري والثعلبي اللذان ليسا من علماء الحديث.
وكذلك يعاب عليه كونه ركز على كثير من الأبحاث والمناقشات والآراء التي لا ترتبط بالتفسير، بل هي من قبيل الأبحاث الكلامية والفلسفية واللغوية والمسائل الكونية والنظرية التي تعتبر غريبة على السياق العام لتفسير الآية القرآنية.
قال الإمام السيوطي في الإتقان: "وصاحب العلوم العقلية خصوصاً الإمام فخر الدين قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وشبهها، وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب من عدم مطابقة المورد للآية".
وقال أبو حيان في البحر: :جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير".