السبت 4 مايو 2024

الجمهورية الجديدة.. الوطنية والمدنية والتنمية

6-4-2024 | 01:11

بقلـم: حلمى النمنم
تدخل الدولة المصرية هذا الأسبوع مرحلة جديدة من العمل السياسى، تمتد حتى 2030، وهى الفترة الرئاسية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسى، كانت الانتخابات الرئاسية جرت نهاية العام الماضى، وأُعلنت النتيجة يوم 18 ديسمبر بفوز السيسى، فى معركة شهدت تنافسًا انتخابيًا شديدًا وحضورًا بالتصويت فاق كثيرًا معظم التوقعات؛ إذ تجاوز 70 فى المائة من أعداد الذين يحق لهم التصويت، وهى بالمعايير العالمية نسبة مرتفعة. لم تأتِ الثقة التى نالها السيسى من فراغ ولا من باب المجاملة، ولكن جاءت عبر تجربة وخبرة، فى الانتخابات الرئاسية الأولى سنة 2014، كان خوض السيسى للانتخابات بناء على تكليف وطنى وشعبى، كان القائد بالنسبة لنا وعدًا وحلمًا، رأينا بشائره فى الموقف الصلب من ثورة 30 يونيو، حيث انحاز الجيش والقائد العام تحديدًا – الفريق أول عبدالفتاح السيسى - ومن اللحظة الأولى للشعب المصرى، ولكن فى انتخابات سنة 2023، كان وراء الرئيس تجربة رئاسية وإنجازات تحققت، تمس حياة المواطن الشخصية والاجتماعية بل والإنسانية، ويمكن أن نجملها على النحو الآتى: أولا: خاضت الدولة حربًا ضارية على الإرهاب، سواء فى عملية «حق الشهيد» بسيناء أو فى الداخل، حتى فى قلب العاصمة، فقدنا فى هذه الحرب أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وحوالى 23 ألف جريح، فضلا عن تأثير ذلك على السياحة والاقتصاد، تحملت الدولة فى هذه المعركة، أكثر من 84 مليار جنيه، ولولا هذه المواجهة لكانت هناك ولاية شمال سيناء، عند حدودنا مع فلسطين، ولنا أن نتخيل ماذا لو كانت تلك الولاية قائمة، فى ظل ما يجرى فى غزة. وقد أثبتت الوقائع أنه لا توجد دولة محصنة بالمطلق ضد الإرهاب والإرهابيين، ما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2001 يؤكد ذلك، وما جرى فى العاصمة الروسية موسكو الأسبوع الماضى يؤكده أيضا، ناهيك عن الحوادث المتكررة فى عواصم أوربية كبرى مثل باريس ولندن ومدريد وغيرها، ولكن ما كان عندنا لم يكن مجرد عملية هنا أو هناك، بل كان مشروعًا إرهابيًا بالكامل لإسقاط الدولة المصرية وابتلاعها، تمثل فى الإعلان عن قيام ولاية سيناء فضلا عن بؤر أخرى فى رابعة العدوية مثلًا، وكان ذلك أول التحديات أمام الدولة المصرية فى عهد الرئيس السيسى، وخاضت الدولة الاختبار، وفى النهاية تحقق الانتصار، صحيح أن الثمن كان غاليا وفادحًا، لكن يهون كل شيء فى سبيل مصر والمصريين. ثانيًا: تأمين حدودنا كلها، فى سنة 2014 كانت الحدود الغربية مع اشتعال الأمور فى ليبيا وقتها، تُرسل إلينا العربات المحملة بالسلاح والإرهابيين، ثم اتسع الأمر بتوافد عناصر أجنبية هناك، مما اضطر الرئيس السيسى أن يزور الحدود الغربية ومن هناك يعلن خطوط مصر الحمراء، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت الدولة بعملية دبلوماسية هادئة وناعمة، لإنهاء المشاكل مع الدول التى كانت تدعم تلك الجماعات، باختصار أمكن تأمين الحدود وتحييد الخصوم. ثالثًا: ما سبق يمكن أن يندرج فى باب الحفاظ على سيادة الدولة وسلامة أراضيها وكذلك وحدة تلك الأراضى، سوف نلاحظ أن الجملة الأخيرة أضيفت إلى اليمين الدستورية التى يؤديها كبار المسئولين بالدولة حين تولى مواقعهم بدءًا من رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء والسادة الوزراء جميعا وكذا المحافظون، ما قبل 2014 لم تكن اليمين الدستورية تضم تلك الجملة الخاصة بوحدة وسلامة أراضى البلاد، لأنه لم يكن هناك خطر يتعلق بها، لكن هذا الخطر اقترب منا كثيرا سنة 2012 ومطلع سنة 2013 فى عهد جماعة حسن البنا المشئوم، وبفضل يقظة مؤسسات الدولة، خاصة القوات المسلحة والوعى العام تصدينا لذلك الخطر. يرتبط بذلك أن الدولة على مدى عشر سنوات تبنت خطًا متوازنًا فى علاقاتها الخارجية، لعقود كانت سياستنا الخارجية تركز على محور بعينه، مع عدم إعطاء أهمية للمحاور الأخرى، بل وتجاهل بعضها أحيانا، لكننا الآن لدينا علاقة قوية مع الولايات المتحدة كما مع الصين وروسيا، وأيضا توثقت علاقتنا بالاتحاد الأوربى. ما جرى الأسبوع قبل الماضى فى القاهرة، حيث استضاف الرئيس مسئولى الاتحاد الأوربى وستة من رؤساء الحكومات الأوربية، وترتفع علاقاتنا إلى مستوى الشراكة الكاملة.. يضاف إلى ذلك عودة علاقاتنا مع تركيا وفتح خطوط تواصل مع إيران، هذا كله ليس من باب العلاقات العامة، لكن يصب فى سيادة الدولة ومصالحها القومية الكبرى، سياسيا واقتصاديا، دخول مصر منظمة «البريكس» يعنى الحد من أزمة الدولار وزيادة معدل الصادرات. رابعا: إلى جوار ذلك كان هناك مشروع تنموى ضخم يتم على أرض مصر، حدث ذلك بينما كنا نواجه الإرهاب، بناء مدن جديدة، أبرزها العاصمة الإدارية التى خففت الضغط كثيرا عن القاهرة، وبناء شبكة طرق ومواصلات وجسور هى الأضخم والأطول فى تاريخ هذا الوطن، صار معها التنقل داخل البلاد وحرية الحركة ونقل البضائع سهلًا وميسورًا، إلى جوار ذلك بناء عشرات الجامعات الجديدة التى أتاحت فرصًا أكثر للتعليم الجامعى. باختصار مشروع تنموى يركز على كل أراضى ومناطق مصر، لم يعد الريف متجاهلًا ولا الصعيد مهمشًا، ولم تعد الدولة دولة العاصمة وأهلها فقط، وارتكز مشروع التنمية على محاور كبرى، أهمها الخروج من الوادى إلى الصحراء، بتوسيع مساحة المزروع وبناء مدن وشبكة طرق، لقد ظللنا قرونًا نعيش على 6 فى المائة من مساحة مصر، الآن تقترب المساحة من 14 فى المائة، وهذه نسبة ليست هينة، والأهم من ذلك هو ربط شبه جزيرة سيناء بالوادى عبر ستة أنفاق، وإقامة مشاريع زراعية وصناعية واجتماعية داخل سيناء، مع استثمار موقعها سياسيا وثقافيا إلى أبعد حد. خامسا: اتخذت الدولة مظلة الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر فقرا، وذلك بمشروع «تكافل وكرامة» الذى مد يده بمرتب ومكافآت شهرية ثابتة ومناسبة لهؤلاء المواطنين، وقُدر عددهم بالملايين، ومازال المشروع يتوسع عامًا بعد عام، ثم ظهر مشروع آخر هو «حياة كريمة» الذى امتد إلى 58 مليون مواطن ومواطنة، خارج القاهرة، وهذا المشروع يعنى مدّ الخدمة الحضارية إلى كل نجوع وربوع مصر، من حيث الإنارة والحياة النظيفة، إلى القرى التى لم تكن قد وصلت إليها، ثم عملية رصف الطرق فى القرى، وغير ذلك كثير. فى العقود الأخيرة كان الريف المصرى طاردًا لأبنائه نحو العاصمة القاهرة والمدن الكبرى مثل الإسكندرية، هذا المشروع يهدف إلى وقف تلك العملية، وتحويل الريف إلى منطقة جذب سكانى لأبناء المدن، المشروع ضخم وتكلفته عالية، هو الأضخم فى تاريخ هذا الوطن. إلى جوار هذا المشروع، ثم مشروع آخر فى المدن، وهو إنهاء حالة وكارثة المناطق العشوائية، كانت المناطق العشوائية أقرب إلى ورم سرطانى يهدد المدن والمجتمع المصرى كله، مناطق سكنية بلا خدمات وكذلك بلا قوانين، لها قوانينها الخاصة، وتحولت إلى مادة للدراما السوداء، والتنكيت السياسى، والتبكيت الاجتماعى، لكن دون خطوة جذرية، والحق أن الرئيس السيسى كان هو الذى غامر وقرر إخلاء تلك المناطق وبناء أحياء جديدة لهؤلاء المواطنين، الغريب أن مسئولة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بغباء منقطع النظير اعتبرت ذلك تهجيرًا قسريًا، فنالت سخرية الجميع. ماذا تعنى كل هذه المشاريع الخدمية الطموحة؟ هذه الخطوات تمثل نقلة حضارية وإنسانية واسعة، يكفى - مثلا - أننا تخلصنا من وباء فيروس «سى»، الذى كان ينهش أكباد ملايين المواطنين، وكان التصور أننا بحاجة إلى سبعين عاما متصلة من الجهد كى يتراجع ذلك الوباء، لكنه فى أقل من عشر سنوات اختفى باعتراف منظمة الصحة العالمية، هذا كله لم يحدث بالمجان، لكن بعمل دءوب وجهد جبار، وكذلك إنفاق ضخم تحملته ميزانية الدولة، بما مثّل عبئًا على الإنفاق العام، وهذا ما لم ينتبه إليه الكثيرون من الذين يبحثون فى الأرقام فقط، دون النظر إلى الأبعاد الاجتماعية والإنسانية لعملية التنمية، يهمهم فقط النظر فى عجز أو فائض الميزان التجارى، ونسبة الديون والإنفاق العام، كم ارتفعت ولماذا؟! لكن حين تترجم هذه الأرقام إلى خدمات للمواطنين وآثار إيجابية فى جودة الحياة وتوسيع مظلة الخدمات، فلا يجب أن نندهش ولا نتوقف عند الأرقام المجردة. ما سبق هو بعض مما تحقق فى السنوات العشر السابقة، ونحن الآن فى بدايات مرحلة جديدة، لا يجب أن يتصور أحد أنها سوف تكون نسخة مكررة مما سبق أو أنها امتداد عادى لها، وكأننا لم نمر بعملية انتخابية، كما لا ينبغى لأحد أن يتصور أن المرحلة الجديدة سوف تمثل قطيعة مع ما سبقها كأننا نبدأ من الصفر، كل ما حققناه يجب أن نواصل البناء عليه، البنية الأساسية الضخمة التى أُقيمت عبر سنوات يجب أن يكون لها مردود واسع فى مجالات مثل الاستثمارات والسياحة وغيرهما. المرحلة الجديدة تفرض علينا عدة تحديات، أهمها ما يجرى فى فلسطين على حدودنا الشمالية الشرقية وكذلك فى السودان الشقيق على حدودنا الجنوبية، فى غزة هناك جهود دولية لوقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة وبناء دولة فلسطينية، لكن فى الحدود الجنوبية لا اهتمام دولى بالمرة، وكل الاحتمالات مفتوحة وكل النذر قائمة، وهذا يعنى أن علينا الاستعداد الدائم لمواجهة كافة الاحتمالات. من تجاربنا فى الصراع العربى الإسرائيلى أن كل جولة يعقبها نشاط لمجموعات إرهابية، تتشكل بزعم الثأر لفلسطين، وعلى القدس رايحين شهداء بالملايين، وينتهى الأمر إلى عصابات إرهابية داخل بلداننا، وهذا ما يجب أن نتحسب له أمنيا وسياسيا وفكريا، لقد حققنا انتصارا باهرا على الإرهابيين، لكن التنظيمات يتناسل بعضها من بعض كالشياطين، كما جرى فى موسكو الأسبوع قبل الماضى، رسالة واضحة للمجتمع، باختصار تبقى قضية مواجهة الإرهاب وحماية الحدود والدفاع عن السيادة الوطنية فرض عين، لأننا بإزاء مجموعات إرهابية قد تنشط وتتشكل من جديد، فضلا عن مشروع آخر لدى الحكومة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين إلى مصر. هذا الملف قد يستمر معنا فى المرحلة الجديدة، نثق أن أجهزة الدولة مستعدة وجاهزة، لكن من المهم الوعى العام بتلك المخاطر التى هى مجرد احتمال حتى الآن. بعيدا عن هذا الجانب، هناك عدة مهام علينا أن ننجزها حتى سنة 2030، بالطبع هناك خطط بدأ تنفيذها وسوف يتواصل العمل بها وسياسات قائمة تم إقرارها من قبل، مشروعات مهمة بدأت ولا بد من استكمالها، مثل مشروع المليون ونصف المليون فدان يضاف إلى الأرض الزراعية، وغير ذلك كثير. إلى جوار ذلك هناك أيضا عدة خطوات أهمها استكمال بناء الدولة المدنية المعاصرة، وهذا قد يحتاج إلى تدخل تشريعى من البرلمان وقرارات تنفيذية، فضلا عن الإرادة السياسية وهى متوفرة، لقد كانت ثورة 30 يونيو وخارطة الطريق يوم 3 يوليو 2013 كلها دفاعا عن مدنية الدولة المصرية، وعلينا أن نسير فى هذا الطريق إلى نهايته، وتلك مهمة شاقة، لن تتحقق إلا بتكامل العمل بين الشارع والبرلمان والسلطة التنفيذية، ومنذ عامين بدأنا الحوار الوطنى، وهو حالة من حالات الدولة المدنية، يجب أن نستمر فى هذا الطريق ونواصل، هناك استحقاقات دستورية يجب أن نلبيها مثل إنشاء مفوضية عدم التمييز، وهذه سوف تكون إضافة لجهد الدولة والمجتمع. وإذا كنا أتممنا البنية الأساسية، فإن لدينا واجبًا وطنيًا ملحًا، هو ضرورة زيادة الإنتاج الزراعى والصناعى، بما يمكننا من الحد من الاستيراد ويعظّم صادراتنا، عندها لن تكون هناك أزمات اقتصادية ولا أزمة عملة صعبة، لقد بذلت الدولة جهودا جبارة خلال الشهور الماضية لعبور الأزمة، لكن الحل النهائى هو زيادة معدلات الإنتاج صناعيا وزراعيا، لدينا ميزات نسبية كبيرة وتاريخ فى زراعات وصناعات عديدة، يجب تعظيم ذلك ومضاعفته. المرحلة الجديدة تبدأ من العاصمة الإدارية، التى يتم تدشينها رسميا باليمين الدستورية للرئيس، ولا بد أن يكون هناك الجديد والجدى، سياسيًا وفكريًا، دولة مدنية عصرية، سيادتها مصونة، وقوتها مقدرة، القوة الشاملة، اقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا وتنمويًا.