الثلاثاء 30 ابريل 2024

التحدى الأكبر مواجهة التطرف الفكرى والتضليل الإعلامى ضد الدولة

صورة أرشيفية

6-4-2024 | 23:02

بقلـم: د. عمرو عبدالمنعم
تعتبر ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب من أخطر الظواهر التى تواجه عالمنا فى الوقت الحاضر، وقد أصبح من المؤكد أن هذه الظاهرة ليست وليدة ظروف سياسية واحدة، وليست وليدة منطقة جغرافية محددة ولا دين معين أو ثقافة محددة، بل هى ظاهرة عالمية ذات طابع تاريخى ممتد، عرفتها الدول الصناعية الكبرى، والدول النامية. وقد نجحت مصر خلال السنوات الماضية فىالقضاء على البؤر الخطرة لجماعة الإخوان الإرهابية، كما نجحت أيضًا في تطهير سيناء من الجماعات الإرهابية. واستطاعت الدولة المصرية خلال العشر سنوات الماضية كبح جماح التنظيمات الإرهابية ومخططاتها العبثية مع تضحيات كبيرة تكبدتها الدولة، وهو ما أكده الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء حفل إفطار الأسرة المصرية 2022م، حين أكد أن «عدد الشهداء الذين سقطوا خلال المواجهة من 2013 وحتى 2022م بلغ 3277 شهيدًا، إضافة إلى 12 ألفًا و280 مصابًا». بالإضافة إلى تكلفة الإرهاب المادية خلال الثلاثة عقود الماضية، وهى بحسب مشروع أجرته وزارة التضامن بالتعاون مع المركز المصرى للفكر وللدراسات الاستراتيجية، وركز على إجمالى ما تحملته الدولة والقطاع الخاص كخسائر خلال الفترة 2001 - 2018 وقدرها نحو 208 مليارات دولار أمريكي، كما تقدر الدراسة التكلفة الاقتصادية المترتبة على العمليات الإرهابية بالنسبة للناتج المحلى بـ385 مليار جنيه فى الفترة من 2011-2016. كما عملت التنظيمات الإرهابية مجتمعة على استراتيجية «اختلاف الفكر ووحدة الهدف»، والتى كشفها وزير الداخلية اللواء محمود توفيق فى عيد الشرطة الماضى، وكشف مخططات التنظيم خلال الرصد الأمنى خلال العام الماضى، حيث نجحت جهود الدولة فى إجهاض 129 محاولة لتكوين بؤر إرهابية، وتم كشف الكيانات التى تقوم بتمويل التنظيم فى الداخل، والتى تُقدر قيمتها السوقية بــ3,6 مليار جنيه لتورطها فى تقديم الدعم المالى لتنظيم الإخوان الإرهابى. كما تكاملت جهود أجهزة وزارة الداخلية المعنية من خلال عدد من المؤسسات التنفيذية الوطنية الساهرة على أمن واستقرار الوطن، فتم كشف أكبر خطة وخلية للجماعة الإرهابية بقيادة محمود عزت القائم بأعمال الإخوان فى الداخل، مما أدى لانقسام الإرهابية إلى ثلاثة أفرع أو جبهات (جبهة لندن وجبهة إسطنبول وجبهة ثالثة يديرها مجموعة من الشباب) وانشطار عدد كبير من خلاياه النوعية، وتم شلّ أركان التنظيم فى الداخل. سيناء والعنف والدور الوطنى للقبائل نجحت الدولة فى إنهاء العنف فى سيناء بشكل كبير من خلال القضاء على جميع البؤر التنظيمية للجماعات الإرهابية وعمل استراتيجية تنموية شاملة فى سيناء، بالتعاون مع القبائل وقيادات المجتمع الأهلى، مما شكل قيدًا على حاضنات المجموعات الإرهابية الشاردة فى داخل الشيخ زويد ورفح المصرية. كما كان لدور القبائل السيناوية الوطنية الفضل فى تمييز صفوفهم وتقديم عدد كبير ممن تراجع عن العمل مع التنظيم، سواء بمبادرة شخصية، أو استغلالًا لباب التوبة والتراجع عن التنظيم الإرهابي، أو من خلال الضغوط القبلية، وهو ما أحدث فارقًا كبيرًا فى ظهور المعلومات الحقيقية عن التنظيم (هو ما سوف تسفر عنه السنوات القادمة من حقائق ومعلومات تثبت قدرات الدولة فى احتواء العنف بكل المجالات لا يسع المجال الآن لذكرها) وهو ما يعود إلى الأسباب التى دخل من أجلها التنظيم العضو التنظيمى المتطرف لتنظيم، وكذلك للعلاقات العائلية التى تربط غالبية عناصر التنظيم المحليين، ونلاحظ أن غالبية قتلى التنظيم فى الفترة من 2019 حتى 2022 هم من الأجانب أى ليسوا مصريين، أو على الأقل مصريون من خارج سيناء، بينما القتلى المحليون تراجعت أعدادهم، أو سلّموا أنفسهم لقوات الجيش مع اشتداد التضييق عليهم خلال العمليات العسكرية. وهذه الاستراتيجية تم وضعها بعد دراسة طريقة العصابات الإجرامية مثل حرب «البرغوث والكلب» وحرب «الغوريلا»، وهى المعروفة بأشكال الحرب غير النظامية التى تستخدم فيها مجموعات صغيرة من الإرهابيين تشبه العسكريين، والتى حدثت فى فيتنام وكوبا وشيلى، وهى أشكال متعددة تدربت عليها العناصر الإرهابية فى سوريا والعراق، وقبلهما أفغانستان، والمعروفة حديثًا بـ«حرب اللاعنف» والتى أنتجها «جين شارب» بعد ما يسمى بالربيع العربى، وحدث تلاقٍ بينها وبين نظرية «الفوضى الخلاقة» الأمريكية المعروفة بنظرية كونداليزا رايس أو الشرق الأوسط الجديد، وهى نفس نظرية تنظيم القاعدة «إدارة التوحش» لأبو مصعب السورى للقاعدة، وهى التخلص تماما من الحداثة وأى علاقة بالمستجدات العصرية والاحتفاظ فقط بالذهب والسلاح والمياه فقط، وكلها نظريات لها أدبيات على الأرض تطبق العنف وتديرها ميليشيات، وأحدثت فوضى مجتمعية، أطلقت عليها «ثورة الورد» فى جورجيا 2003، والثورة البرتقالية فى أوكرانيا عام 2004، والتى أحدثت الفوضى حتى الآن. و«ثورات اللاعنف» تعتمد على فكرة الاحتجاجات الشعبية ورصد الوضع المعيشى لدولة ما وتضخيمه على وسائل الإعلام، كل هذه الأمور لها أدبيات تنظيرية تدرس فى تجمعات افتراضية، ويدرب عليها العناصر المتطرفة والإرهابية من كل التنظيمات لأهداف تشويه الدول وإسقاطها، وإسقاط جيوشها، ففى نظرية «حروب العصابات» تأتى نظرية «الغوريلا والديناصور»، وهى الضربات والعمليات التى تهزم بها الجيوش العملاقة عن طريق العمليات الميليشيوية، وهو ما التفت لها القائد الشهيد أحمد المنسى تقبله الله وتصدى لها. ومن هنا يجب أن نقرأ المشهد الجديد فيما بعد الولاية الجديدة للرئيس عبدالفتاح السيسى. فقد فرضت العديد من التحولات التى شهدتها المنطقة العربية على التنظيمات الإرهابية، وبوجه خاص «القاعدة» و«داعش» العديد من التحديات، وأهمها الانشقاقات داخل بنيتها التنظيمية، ومع انتشار التنظيمين من جزيرة سولاويزى فى إندونيسيا شرقا وحتى الساحل الإفريقى غربا يتسع نطاق التأثير، وخاصة ما شهدته الساحة العالمية من حرب أوكرانيا مع روسيا والوضع الحرج فى منطقة الشرق الأوسط بسبب حرب غزة والتدخلات الغربية والأمريكية، مما أحدث انشطارات عددية للتنظيمات من التنظيمات التقليدية الكبيرة إلى عدد من التنظيمات والجماعات الصغيرة. موجات الإرهاب العاتية يبقى التحدى الأكبر للدولة المصرية خلال السنوات القادمة وهو التعامل مع مرحلة «ما بعد الإرهاب»، بعد أن عانينا من الموجات الثلاث للإرهاب عبر العشر سنوات الماضية، فقد مرت الدولة المصرية بثلاث موجات لمواجهة إرهاب الجماعات: المرحلة الأولى: العمليات الإرهابية المركزة على الجيش والشرطة والأماكن الحيوية خلال النصف الثانى من عام 2013 قامت الجماعة الإرهابية بتكوين عدد من التنظيمات الإرهابية (حركة حسم – لواء الثورة – أجناد مصر) بكوادر من شبابها برئاسة القيادى الإخوانى محمد كمال، وتنوعت عملياتها الإرهابية بين المسيرات المسلحة بمحيط المنشآت الحيوية وأقسام الشرطة، وزرع العبوات الناسفة واستهداف المنشآت والمرتكزات الأمنية واغتيال ضباط الجيش والشرطة، واستهداف أبراج ومحولات الكهرباء والكنائس، ومحاولة استهداف المرافق الحيوية، وتنوع النطاق المكانى لتلك العمليات بين وادى النيل وشمال سيناء. وجاء عام 2014 بارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية وبلغ عددها 222 عملية، كان أبرزها هجوم تنظيم أنصار بيت المقدس على كمين كرم القواديس بشمال سيناء، الذى أسفر عن استشهاد 30 جنديًا وإصابة 31 آخرين. ثم وجهت الجماعات الإرهابية هناك أنظارها إلى القطاع السياحى، وقامت بتفجير حافلة سياحية بواسطة فرد انتحارى فى مدينة طابا وأسفرت عن وفاة 4 بينهم سائق مصرى وإصابة 17 آخرين. وفى عام 2015 حدثت طفرة فى عدد العمليات الإرهابية فى مصر ووصل عددها إلى 594 عملية، كان من أبرزها هجوم 1 يوليو فى الشيخ زويد بشمال سيناء، والذى يعد ملحمة سطرها أبطال القوات المسلحة، سجلته الأعمال الدرامية المصرية «الاختيار» فى ثلاثة أجزاء، و«هجمة مرتدة»؛ إذ كان هو الهجوم الأكبر والأعنف على قوات الجيش منذ ظهور الإرهاب فى سيناء وحتى الآن، وأفشلت الخطة الأمنية المحكمة للمؤسسات المصرية ومهارة المقاتلين المصريين الهجوم، وهو ما وضع منهجيته الشهيد أحمد المنسى من مواجهة غير تقليدية لحروب العصابات الداعشية فى سيناء، الذى كان يهدف إلى السيطرة على المدينة وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة. المرحلة الثانية: تداعيات المرحلة الأولى والتصفيات لبؤر وخلايا الإرهاب وهو ما نستطيع أن نطلق علية كسر شوكة العمليات، فقد عملت الدولة المصرية من عام 2014 – 2020 على كسر حدة الموجة الإرهابية بكافة الطرق والوسائل، وعملت على تقوية الأجهزة الأمنية المستنزفة بالأساس من عام 2011 وإعادة صياغة استراتيجيات المواجهة لتتناسب مع حجم العمليات الإرهابية، وأدت تلك الجهود إلى تراجع تدريجى فى عدد العمليات الإرهابية؛ إذ انخفضت فى عام 2016 إلى 199 عملية، بينما لم تتجاوز 50 عملية إرهابية فى 2017، وفى هذا العام سعت الجماعات الإرهابية فى سيناء إلى محاولة تصدرها المشهد مرة أخرى على غرار الأعوام السابقة، وقامت بتنفيذ هجوم دموى على مسجد الروضة ببئر العبد، وأسفر عن استشهاد 305 من المواطنين الأبرياء، كان من بينهم أطفال، وإصابة 128 آخرين. وخلال عام 2018 حدثت 8 عمليات فقط، أما عام 2019 فلم تشهد مصر فيه سوى عمليتين إرهابيتين، وهما تفجير معهد الأورام الذى أدى إلى استشهاد 19 شخصًا وإصابة 30 آخرين، والتفجير الانتحارى الذى وقع بمنطقة الدرب الأحمر، وكان خلال مطاردة أمنية، ما أسفر عن استشهاد 3 من رجال الشرطة، بينهم المقدم رامى هلال بقطاع الأمن الوطنى. ومنذ عام 2020 انخفضت العمليات الإرهابية فى سيناء بشكل كبير، وتم إحباط الكثير منها، نتيجة للضربات الأمنية الاستباقية المتلاحقة التى تنفذها قوات إنفاذ القانون هناك، بعد أن كانت سيناء مسرحًا للعمليات الضخمة التى أوقعت عددًا كبيرًا من الشهداء والمصابين، بينما لم تشهد محافظات القاهرة والوادى والدلتا أية عمليات إرهابية، وهو ما يؤكد أن الجهود المكثفة التى بذلتها مصر خلال السنوات الماضية تؤتى ثمارها. المرحلة الثالثة: ما بعد الإرهاب وهى جنى ثمار توقف العمليات مرحلة ما بعد الإرهاب وهو ما نعيشه الآن بعد التخلص من الموجات الإرهابية العاتية السابقة، لكننا الآن نعيش فى أهم مرحلة وهى مرحلة ما بعد الإرهاب، لكنها مرحلة من أهم المراحل، وهى تهيئة المناخ العام للدولة المصرية للتصدى لأفكار الإرهاب وموجاته الفكرية وهى أهم مراحله وهو الاستعداد النشط لأى احتمالات لمفاجآت محتملة ونشطة تأتى من المراحل الثلاث الماضية، أو من خلال التحديات العالمية التى نعيشها فى الأجواء العالمية. ورغم الضغوط الأمنية والتبعات الاقتصادية التى واجهت مصر خلال هذه الفترات بعد إزاحة حكم الجماعة الإرهابية، تبنت الدولة مشروعات ومسارات اقتصادية هادفة وهى ما عُرفت بمنظومة التنمية «الاحتوائية» عبر إطلاق المشروعات التنموية الكبرى كـ «حياة كريمة» و«البرنامج القومى للتطوير الريف» و«برنامج تطوير العشوائيات»، وغيرها من المشروعات الكبرى، والتى تتوجه بالأساس إلى الشباب والفئات الفقيرة والمناطق الأكثر تهميشا، واهتمت وزارات مثل التضامن بمشروع أطلقت عليه «وعى»، والذى يهدف إلى تغيير السلوكيات الاجتماعية السلبية المعوقة للتنمية البشرية والاقتصادية. فلسفة المواجهة مع الإرهاب فى المرحلة القادمة ترتكز فلسفة مواجهة الإرهاب الفكرى للدولة المصرية على استراتيجية ترسيخ الهوية الوطنية، وإيجاد المشروع الوطنى المتكامل، نتيجة ما تشهده الدولة والمجتمع المصرى من تحولات وتطورات وتحديات تفرضها مقتضيات تفعيل مقومات هذه الهوية لدولة الوطنية، وكذلك ما يفرضه تحدى التطرف والعنيف من تداعيات كبيرة محتملة وغير متوقعة على تلك المقومات. لذا تحظى هذه الاستراتيجية بدعم سياسى من قِبل القيادة السياسية، حتى تتهيأ لها المقومات الكفيلة بتحقيق التعبئة والحشد المجتمعى والسياسى اللازمين للتعامل مع الاستراتيجية كإطار حاكم، كما أنها يجب أن تستند إلى تكامل السياسات والخطط والأدوات الهادفة لتعظيم قدرات وموارد المواجهة، لا سيما تلك المرتبطة بالقوة الناعمة المصرية بكل أشكالها سواء الفنية أو الثقافية أو الدينية، كمدخل لا مفر منه لمواجهة الفكر بالفكر، وكذلك القدرة على بناء مجموعة من الحضانات الداعمة لبناء الإنسان المصرى العصري، وإثراء الشخصية المصرية التى فقدت الكثير من سماتها المميزة. وأن ترتكز الأدوات على محاصرة وتجفيف البيئات الحاضنة للتطرف، وتحديد مواطنها الجغرافية والعوامل المنشطة والمحفزة فى تلك البيئات، لا سيما ثلاثية القضايا الحاكمة للفقر، والجهل، وتسييس الدين وتوظيفه، حيث تساهم تلك الثلاثية فى تغليب ثقافة الفقر والانعزال وعدم الارتباط بمؤسسات الدولة وتعميق الفجوة الوطنية بين نسيج المجتمع، ونمو عوامل تفكك المجتمع وتهميش بعض فئاته. نماذج المواجهة الناجحة للإرهاب لا شك أن التشدد والتطرف ومن ثم الإرهاب يتمتع بقوة دفع ذاتية تتمثل فى البنية الفكرية والأيديولوجية الدينية والمتحكمة فى قطاعات كبيرة من الشبكات الاجتماعية لهذه العناصر المتطرفة، والتى انتشرت فى السابق فى بعض المناطق الشعبية خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية، وتلعب عوامل الجذب دورًا تعبويًا كبيرًا فى تقديم خطاب فكرى مخالف لواقع وثقافة المجتمع المصرى. فالأفكار المتطرفة وإن غابت الآن عن الوجود نظرًا للمواجهة الأمنية، إلا أنها ستعود للظهور مستقبلًا بلافتات جديدة وأسماء مختلفة وشعارات أكثر بريقًا وجذبًا؛ نظرًا للظروف الدولية والواقع المحيط بمصر، لأننا باختصار شديد لم نواجه أفكار التطرف فى عقر دارها ومحاضنها الأساسية التى تتواجد تحت السطح، لذلك نحتاج إلى مشروع فكرى وطنى شامل متكامل الأركان والأبعاد يشارك فى تكوينه وإعداده نخبة فكرية وثقافية متعددة الثقافات والتصورات والرؤى. ومن هنا تحتاج مواجهة التطرف والتشدد بجانب المواجهة الأمنية الناجحة إلى هذا الطرح الفكرى المتكامل داخل بنية الخطاب الثقافى للمجتمع المصرى. فالثقافة هى الوعاء الذى تتشكل فيه الهوية والسلوك الإنسانى السليم فى المجتمعات المعاصرة، لذلك فهى تشكل المجال الواسع والرئيسى والحيوى فى مكافحة التطرف والتشدد الدينى ومن ثم الذى يفرز العنف بأشكاله الثلاثة (عنف الهواة - عنف المحترفين - عنف المتمرسين)، لذلك يجب أن تتشكل ثقافة مضادة تخترق الأجسام والعقول بديل لثقافة شعبية متأثرة بفقه البداوة وحواضن الغلو والتطرف التى سادت المرحلة الماضية. فمواجهة التطرف الدينى والثقافى والوطنى ينبغى أن تتصدر له المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية ومراكز البحوث العلمية، كوزارة الثقافة ودار الإفتاء المصرية، وإذا أخذنا فى الاعتبار أنواع الثقافات المختلفة التى يحصل أو يتلقاها الفرد سنجدها محصورة فى ثلاث ثقافات مختلفة، وهى الثقافة المفروضة والثقافة الاختيارية والثقافة شبة الاختيارية، فالمفروضة هى ثقافة المدارس والجامعات والكنائس والمساجد، والثقافة شبة الاختيارية هى الفضائيات والإذاعة والإنترنت، أما الثقافة الاختيارية فهى عبر شراء الكتب وحضور الندوات ودخول السينما والمسرح، لذلك يمكن طرح مشروع ثقافى وفكرى مشترك بين المؤسسات المعنية كافة بخطاب الجماهير والتعامل معهم. الدراسات الحديثة والمواجهة الشاملة تشير العديد من الدراسات العلمية والرسائل الأكاديمية والاستراتيجيات التى تم إعدادها وصياغتها من قِبل باحثين وبعض مراكز البحث والفكر فى مصر والعالم العربي، إلى تأكيد أهمية المطالبة بمواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب، وأن عملية مواجهة التطرف بكل أشكاله وأفكاره أمر ليس باليسير، وأنها عملية معقدة، تتطلب بناء وبلورة رؤية وطنية لطبيعة وشكل الدولة الحديثة، يتوافق عليها جموع المواطنين والقوى المجتمعية، وتتبناها مؤسسات الدولة. ويقول د. أيمن عبدالوهاب، نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، فى دراسة مهمة نُشرت مؤخرا بدورية «آفاق مستقبلية» العدد الرابع التابعة لرئاسة الوزراء ودعم اتخاذ القرار بعنوان «نحو رؤية متجددة لعزل الأفكار المتطرفة»، «وإذا كنا نعطى الأولوية لعملية بناء وطن ودولة وقبلهما بناء إنسان، فإن متطلبات هذه العملية تقتضى البدء بمواجهة كافة أفكار التطرف والتشدد الدينى والمذهبى، كما أنها تتطلب مواجهة مظاهر الاستقطاب المجتمعي، وتغيير أنماط العنف ودرجته لدى الشخصية المصرية التى كانت تتسم بدرجة أعلى من الانضباط المجتمعي، والتوافق القيمى والأخلاقي، كذلك تتطلب التصدى لمظاهر متنامية وخطيرة تواجه العديد من شرائح المجتمع، لا سيما الشباب، مثل: الإلحاد، وتراجع قيم الانتماء والولاء للوطن، وتشتت الهوية، والارتكان لأفكار العولمة، وغير ذلك من الأفكار والسلوكيات التى لا تساعد على البناء فى هذه اللحظة التى تشهد حالة سيولة سياسية واجتماعية، وضعف مؤسسات، وانفصامًا بين النخبة والجماعة السياسية من جانب وبين المجتمع من جانب آخر». المواجهة ووجوب التكامل المعرفى (اقتراحات وحلول) يجب استكمال مبادرة «وعي» وما بدأته وزارة التضامن فى محافظات الجمهورية، والذى كان يهدف لتغيير السلوكيات الاجتماعية السلبية المعوقة للتنمية البشرية والاقتصادية، وتكون تحت شعار «من أجل ثقافة مصرية أصيلة»، بحيث تكون رسالة التقاء بين الدولة والمجتمع فى مكافحة التشدد والتطرف، والتقاء بين الدولة والمجتمع فى مجال مكافحة الإرهاب تنمويًا وثقافيًا. وإنشاء الشبكة «الوطنية لمكافحة التشدد والتطرف والإرهاب» على سبيل المثال تحت مظلة مركز «سلام» لدراسات التطرف التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء العالمية، تجتمع تحت مظلتها نخبة فكرية حاكمة متجانسة غير نفعية أو مداعبة للثقافة والوعى المزيف من المهتمين بقضايا الإرهاب وعندهم رسالة تحت مظلة واحدة مؤسسية، ويكون من ضمن أهدافها المختارات البحثية التى سوف تنشر لمبادرة «وعى». وتسويق كتابات مختصرة منهجية وطنية صغيرة الحجم مكثفة العرض وفق دليل للمواجهة بحسب المصطلحات والقضايا المثارة زمنيًا ومكانيًا، سواء إلكترونيا أو ورقيًا بحسب المتاح، على أن تُجرى عليها نقاشات وندوات فكرية وحوارية. وتهدف سلسلة «مواجهة وصناعة الوعى» ومشروعها الفكرى المنهجى التربوى إلى صياغة رؤية وطنية جامعة موحدة فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية ذات الصلة بمكافحة التطرف والتشدد العنيف، بحيث تراعى نضالات الحركة الوطنية المصرية وتوافقاتها وإنجازاتها التاريخية ونماذجها المضيئة التى ضحت من أجل رفعة هذا الوطن، من خلال مرجعيتها الدينية والثقافية والمجتمعية، بجانب عرض الخبرات المصرية الفقهية ومشروعاتها الحضارية التجديدية، بحيث يبرز المركب الحضارى المصرى فى كل مشروع ثقافى ينشر فى هذه السلسلة. والتركيز على كتب الإصلاحيين والمجددين من المفكرين المصريين عبر العصور بجانب المشروعات الوطنية ذات الصلة بالقديم وعلاقته بالجديد، أمثال مشروعات محمد عبده ومحمود شلتوت والشيخ مصطفى المراغى والشيخ مصطفى عبد الرازق ورفاعة الطهطاوى وعلى مبارك وعباس محمود العقاد وطه حسين ومصطفى صادق الرافعى وأحمد حسن الزيات وجمال حمدان، بالإضافة إلى القمم فى تاريخ المسرح والسينما لنشر الثقافة المتنوعة والمتعددة. وإيجاد دراسة منهجية تكون بداية هذه السلسلة بعنوان «أطوار الفكر الدينى فى مصر الحديثة»، نتحدث فيها عن تاريخ أطوار التغيير والاجتهاد، ثم التحولات الفكرية، مرورًا بتاريخ التطرف الدينى والتكلفة التى تسبب فيها انتشار الغلو والتطرف على الدولة المصرية، مرورًا بواقع المواجهة الفكرية وأدوار المؤسسات البحثية فى ذلك، على سبيل المثال نموذج دار الإفتاء ومشروعها الفكرى والحضارى.