الإثنين 29 ابريل 2024

اليهود فى دولة المدينة (4) الجزاء العادل

صورة أرشيفية

8-4-2024 | 17:43

بقلـم: د. محمود الصاوى
ظهر لنا عزيزى القارئ مما سبق فى المقالات السابقة أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطى اليهود الأمان وعاشوا تحت ظلال الإسلام مواطنين آمنين فى الدولة الإسلامية، لهم حياتهم الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وممارسة شعائرهم الدينية، لكنهم بدل أن يقدموا واجب الطاعة والولاء للوطن الذى يتمتعون فيه بكل هذه الحقوق، غلبت عليهم طباع الغدر والخيانة، بل حاولوا اغتيال رئيس الدولة التى وفرت لهم كل هذه الحماية، وكفلت لهم كل هذه الحقوق وتآمروا على الدولة وتخابروا مع أعدائها ومدوهم بأسرار الدولة وأصبحوا خنجرا مسموما فى خاصرة الوطن. ولو حاولنا تقديم لائحة الاتهام أو الجرائم الكبيرة والخطيرة التى ارتكبها اليهود فى المدينة المنورة بحق سيد الوجود سيدنا ومولانا محمد وصحابته وفى حق الوطن الذى أسبغ عليهم الحماية والرعاية والأمان ونص دستوره على حقوقهم وواجباتهم لأعجزنا ذلك وضاق بنا المقام، لكن نشير بعض الإشارات المهمة فى نقاط محددة؛ لتتضح لك معالم الصورة عزيزى القارئ. أولا: محاولات اليهود المتكررة مع سبق الإصرار والترصد لاغتيال قائد الأمة ونبيها العظيم سيدنا ومولانا محمد ليست مرة ولا مرتين بل ثلاث مرات وهذا ليس جديدا عليهم فقد سجل القرآن الكريم ديدن اليهود فى قتل أنبيائهم بغير حق فى مثل قوله تعالى (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى َأنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ)، وفى مثل قوله تعالى (ذَلكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ۚ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ)، وفى قوله تعالى (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، ولذلك فقد تكررت محاولاتهم الخسيسة فى قتل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عدة مرات. الأولى فى صغره كما روى بن سعد فى الطبقات بالسنة أن أمّ النبى سيدتنا آمنة لما دفعت برسول الله صلى الله عليه وسلم السيدة حليمة السعدية التى أرضعته قالت لها: احفظى ابنى وأخبرتها بما رأت.. فلما مرت حليمة باليهود فقالت: ألا تحدثونى عن ابنى هذا فإنى حملته كذا وكذا ووضعته كذا وكذا ورأيت كذا كما وصفته أمه فقال بعضهم لبعض اقتلوه فقالوا أيتيم هو فقالت لا، هذا أبوه وأنا أمه، فقالوا لو كان يتيما لقتلناه، قال فذهبت حليمة، وقالت: كدت أخرب أمانتى. والثانية حاولوا قتله صلى الله عليه وسلم بعد بدر، فأرسل له بنو النضير أن اخرج إلينا فى ثلاثين من أصحابك ولنخرج فى ثلاثين حبرا حتى نلتقى فى مكان كذا وكذا نصف بيننا وبينك، فيسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك آمنا كلنا، ثم قالوا كيف نفهم ونحن ستون رجلا؟ اخرج فى ثلاثة من أصحابك ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا فليسمعوا منك، فاشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله، فأرسلت امرأة ناصحة من بنى النضير إلى ابن أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجع، فلما كان الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم وتم إجلاء يهود بنى النضير، وذكر ابن إسحاق سببا آخر لإجلاء بنى النضير وهو: أنه صلى الله عليه وسلم ذهب لبنى النضير ليستعين بهم على دفع دية رجلين معاهدين قتلهما خطأ عمرو بن أمية الضمري، فجلس صلى الله عليه وسلم إلى جدار بنى النضير فهموا بإلقاء حجر عليه وقتله فأخبره الوحى بذلك فانصرف عنهم مسرعا إلى المدينة ثم أمر بحصارهم، وكانت هذه هى المحاولة الثالثة. أما المحاولة الرابعة لقتل اليهود لسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم فى حادثة السم بعد فتح خيبر، حين قرروا أن يدسوا السم فى طعام النبى صلى الله عليه وسلم فعمدت امرأة من أشقى اليهود إلى شاة فذبحتها وطبختها وأشربتها السم حتى نقع فيها، ثم سألت أى اللحم أحب إلى محمد؟ قالوا: الذراع، فعمدت إلى الذراع فأشبعتها سما ثم دعت النبى صلى الله عليه وسلم إلى هذه الوليمة، وقدمت الساعة بين يديه وأصحابه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع الشاة ورفعها ثم مضغ مضغة لم يستسغها فنطقت حينها الذراع بأمر الله، تكلمت الذراع وهى بين فكى النبى صلى الله عليه وسلم خوفا عليه لتخبره بأنها مسمومة فيرمى النبى الذراع ويأمر أصحابه برفع أيديهم عن الشاة، وكان أحد أصحابه قد نهس منها نهسة ولم يستسغها لكن كره أن يلفظها من فيه خشية أن ينغص على النبى طعامه ويسرى السم ويأخذ طريقه، فما قام بشر بن البراء من مكانه حتى تغير لونه وماطله الوجع ثم توفى بعد ذلك من أثره، روى البخارى عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك! فقال: ما كان الله ليسلطك على ذلك – أو قال : علي – فقالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا . فما زلت أعرفها في لهوات رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم واسم هذه المرأة زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم أحد زعماء اليهود، وكان النبى صلى الله يقول فى مرضه الذى مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذى أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من ذلك السم (والأبهر: عرق مستبطن بالظهر مرتبط بالقلب إذا انقطع مات صاحبه). ثانيا: العمل كطابور خامس داخل المدينة المنورة وارتكاب جريمة الخيانة العظمى؛ حيث قام اليهود فى المدينة بالعمل على حشد أعداد كبيرة من القبائل العربية فيما يسمى بغزوة الأحزاب، وقاموا بتمويل تلك الحشود بل إن بنى قريظة اتفقت مع الأحزاب على دخول المدينة عن طريق بنى قريظة إلا أن تلك الخطة فشلت، وعندما أرسل الرسول إليهم لكى يعرف حقيقة نواياهم - والمدينة محاصرة بجيوش الأحزاب - قالوا لوفد المسلمين إليهم: إنه لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، وأخذوا يسبون رسول الله ويتوعدون المسلمين، وكذلك قامت بنو قريظة بأعمال الحرب المباشرة بمحاولة دخول أحد الحصون التى كانت نساء المسلمين يجتمعن فيها بعد خروج الرجال للمواجهة مع الأحزاب، ويسمى حصن فارع بمحاولة ضرب المسلمين فى نسائهم من الخلف، ولولا شجاعة سيدتنا صفية بنت عبد المطلب التى قتلت أحد اليهود الذى حاول تسلق الحصن.