الإثنين 29 ابريل 2024

«الضائع».. مقالة نادرة أرسلها جبران خليل جبران لـ دار الهلال

جبران خليل جبران

كنوزنا10-4-2024 | 12:56

بيمن خليل

في عالم الأدب والفلسفة، برز اسم لامع أضاء درب الإبداع بأفكاره الثاقبة وكلماته الساحرة، إنه جبران خليل جبران، ذلك الأديب الذي حمل على عاتقه رسالة تحرير العقول وإشعال شرارة الحرية في النفوس، بقلمه الرائع، رسم لوحات من الكلمات تخاطب الروح وتلهم القلب، وبريشته السحرية، أبدع تحفًا فنية تجسد جمال الطبيعة الإنسانية.

يعتبر جبران خليل جبران من أبرز الأدباء الذين تركوا بصمة عميقة في الثقافة الشرقية والعالمية على حد سواء، سعى بكل قوته من خلال كتاباته إلى هدم التقاليد والعادات التي تحط من قيمة الإنسان وتذله، واستطاع عبر فلسفته ولوحاته أن يجذب النفوس من عمق ظلمتها إلى نور الأدب وحرية الإنسان.

كان جبران حريصًا على مراسلة دار الهلال ببعض القصص والمقالات والنصوص الأخرى لنشرها في المجلة، وكان صديقًا مقربًا لإميل زيدان الابن الأكبر لجرجي زيدان مؤسس دار الهلال.

تحت عنوان "نثرات.. من رسائل لم تنشر لجبران خليل جبران"، استخرج إميل زيدان من مخطوطات جبران التي أرسلها له بين عامي 1919 و1922، وعاد لمطالعتها، فقال زيدان عنها: "لقد أثارت هذه المطالعات حزني على هذا الصديق الوفي الذي فقدته، فضلًا عن العبقري العظيم الذي خسره أبناء العربية جميعًا."

وأضاف زيدان: "لقد شعرت لدى مطالعة نصوص جبران التي أرسلها إليّ أنني مطالب بنشرها - أو بالأحرى نشر ما ليست له صفة خصوصية منها - على صفحات الهلال التي طالما اغتبطت بنفثاته، وهانذا أقدمها إلى القراء نثرات جليلة في موضوعات متنوعة تكشف عن روح ذلك الراحل الكريم ونزعات نفسه السامية."

وسنعيد لقراء بوابة دار الهلال نشر خطاب نادر أرسله جبران خليل جبران لإميل زيدان والذي قام زيدان بنشره في مجلة الهلال عام 1934م، ورد فيه بقلم جبران عن مقالة نادرة بعنوان «الضائع»:

سلام على روحك الطيبة وقلبك الكبير، وبعد فقد كان بقصدي أن أكتب إليك منذ عشرة أيام، ولكنني لم أشأ أن تذهب رسالتي غير مصحوبة بشيء للهلال، فتأخرت حتى تيسر إنشاء هذه المقالة - «الضائع» - وهى كما ستجدها، غريبة مبهمة في موضوع مبهم وغريب، فقد أحسست أثناء كتابتها كأنني أحاول صنع تمثال من الضباب.

بيد أنني أظن أن الكتابة في هذه المواضيع لمن الأمور المفيدة للناشئة الشرقية لأنها تنبه الميل إلى استفسار البعيد والخفي، وكنت في الشهر الغابر قد كتبت حكاية تحت عنوان «إرم ذات العماد» بقصد إرسالها إلى الهلال، ولكن لم يجتمع أعضاء الرابطة القلمية - وهي جمعية الأدباء في نيويورك ـ حتى اتفقوا بإجماع الأصوات على نشرها في عدد السائح الممتاز، والسائح كما تعلم هي جريدة الرابطة الرسمية لم أعلم، حتى ولم أحلم، أن الرقابة في سورية قد صارت حساسة إلى درجة لا تستطيع فيها السماح بدخول مقالة مثل «لكم لبنانكم ولي لبناني» إلى تلك البلاد المحبوبة التعسة، أنها والحق الحالة تبكي وتضحك في وقت واحد، وأني أشعر أن الذين انتزعوا تلك المقالة من أعداد الهلال قد مدحوني وانا لا أستحق المديح وأهانوا نفوسهم وهم لا يستحقون الاهانة، ولكن يعز علي أن تكون هذه المسألة المحزنة قد سببت لك انزعاجا والهلال العزيز ضررا أو شبه الضرر.

لقد سررت وتأثرت جداً لما تفضلت وأبلغتني إياه من لطف الأدباء وعطفهم علي وحسن نياتهم نحوي، غير أنني أشعر - وأنا لست من المتواضعين - بأنني ما زلت في أول العقبة وأن العشرين سنة التي صرفتها كاتبا ومصورا لم تكن سوى عهد استعداد ورغبة، فانا للآن لم أفعل شيئا يستحق البقاء أمام وجه الشمس، فكرْمتي لم تثمر غير الحصرم، وشبكتي ما برحت مغمورة بالماء، فهلّا طلبت يا أخي من اخواننا المحبين الغيورين أن يمهلوني قليلا لعلني أفعل شيئا خليقا بتكريمهم؟.. أنت تعلم أن في التكريم الذي يجيئ على غير استحقاق ما يملأ القلب ألما وكآبة ويغمر النفس بالحياء والخجل.

كنت قد تأهبت في الربيع الغابر للسفر إلى باريس فمصر فسورية ولكنني عدت فقيدت نفسي ببعض الأعمال التصويرية والأدبية التي تستلزم وجودي في هذه البلاد عامين أو ثمانية عشر شهرا على الأقل، ولولا هذه الأعمال والمعاهدات التي تربطني بها لكنت اليوم في القاهرة .

لقد تشعبت حياتي يا أخي حتى تشوشت، وتلك الحجارة الصغيرة التي نحتّها لأبني منها بيتا لأحلامي قد تآلفت وتحولت إلى سجن ضيق، ولكن لا بد من الرجوع إلى الشرقرفقد صرت مشتاقا إلى وطني وأبناء وطني.

Dr.Randa
Dr.Radwa