الأربعاء 1 مايو 2024

مشعل الحرائق ورجل الإطفاء فى آن.. الرئيس الأمريكي يقع فى أفخاخ الشرق الأوسط

الرئيس الأمريكي

عرب وعالم18-4-2024 | 10:26

دار الهلال

رأت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، اليوم الخميس، أن الهجوم الإيرانى ضد إسرائيل ساهم فى المزيد من تعقيد المعادلة للرئيس الأمريكى جو بايدن.. فبعد أن منح إسرائيل مساندة غير مشروطة، نجده يطالبها الآن بعدم الرد على الهجوم الإيرانى؛ مبررا ذلك بعدم رغبة الولايات المتحدة فى تصعيد الموقف فى منطقة الشرق الأوسط.

 

بيد أن ـ كما يقول كاتب المقال أدريان جولم ـ خلال الهجوم الذى شنته حماس أو الحرب الانتقامية التى شنتها اسرائيل فى غزة ، فإن جو بايدن يجد نفسه مرة أخرى يعانى من عواقب سلوك الآخرين فاقدا القدرة ـأو الرغبةـ على التأثير على مجرى الأمور .. وفى مواجهة خصوم ـ من أوكرانيا إلى تايوان وكذلك فى منطقة البحر الأحمر ـ يختبرون القرار الأمريكى ، فإن الرغبة فى تفادى الأزمات لا تعنى بالضرورة الحيلولة دون وقوعها.

وأضاف "جولم" أن المساعدة العسكرية التى حصلت عليها اسرائيل من الولايات المتحدة وحلفائها عشية يوم 13 أبريل كانت مهمة.. فقد استطاع الدفاع الاسرائيلى المضاد للطائرات أن يحوّل دون وقوع خسائر بين صفوف المدنيين ومنع بداية صراع عام باعتراضه ما يقرب من أكثر من 300 مسيّرة وصاروخ إيرانى.

وقد حاول بايدن إقناع نتنياهو أن النجاح الدفاعى يعد نصرا فى حد ذاته والأفضل إبقاء الأمر عند هذا الحد وفيما بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلى التحدث عن تحالف فى مواجهة إيران، فقد أبلغه الرئيس الأمريكى أن واشنطن لن تشارك فى ضربات انتقامية ضد إيران.. وقد ذهبت الرسائل التى بعثت بها واشنطن فى اتجاه عودة سريع إلى الوضع السابق.

وقد أصبحت العملية الدفاعية هي الأسلوب المفضل لإدارة بايدن.. فالولايات المتحدة تحذر من أن التهديد بات وشيكا وتتصدى للضربات مع اقتراب نهاية الهجوم وتسعى إلى العودة للدبلوماسية فى أقرب وقت ممكن.. بيد أن نصرا دفاعيا ليس بالضرورة رادعا والتصعيد يمثل أحيانا آلية يصعب وقفها.. وعن طريق توجيه ضربات مباشرة إلى الأراضى الإسرائيلية، تجاوزت طهران عتبة جديدة تجعل من الرد الإسرائيلى أمرا حتميا والوضع الإقليمى أكثر تقلبا من أى وقت مضى.

وأعربت "لوفيجارو" عن اعتقادها بأن الهجوم الإيرانى ساهم فى إعادة زمام المبادرة إلى نتنياهو وتراجع ـ على الاقل بصورة مؤقتة ـ الضغوط المتزايدة داخليا وخارجيا خلال الأسابيع الأخيرة على رئيس الوزراء الإسرائيلى.. ففى اسرائيل، تواجه سياسة نتنياهو معارضة من جانب كبير من الرأى العام وذلك لعدم تمكنه ـ بصفة خاصة ـ من إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حماس، وفى الخارج، ساهمت المحصلة المروعة للضحايا المدنيين فى الحرب التى شنتها إسرائيل ضد حماس فى عزلة اسرائيل على الساحة الدولية.

يضاف إلى ما سبق، انتقادات الإدارة الأمريكية خاصة بعد وفاة موظفين من منظمة "وورلد سنترال كيتشن" الإنسانية الأمريكية الذين قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلى فى غزة بطريق الخطأ.. الأمر الذى حدا بالولايات المتحدة أن تتحدث عن احتمال أن تكون المساعدات العسكرية مشروطة.

واشار كاتب المقال إلى أن الهجوم الإيرانى جعل مسألة أمن إسرائيل مقدمة على الاعتبارات الإنسانية.. فنتنياهو ، الذى جعل منذ سنوات التهديد الإيرانى محور سياسته ، وجد نفسه مجددا فى موضع صانع القرار.. حيث صرّح أمس الأربعاء قائلا: "أريد أن أكون واضحا، سنأخذ قراراتنا الخاصة بنا بأنفسنا ، دولة اسرائيل ستفعل كل ماهو ضرورى للدفاع عن نفسها".

وقال بريان فينوكين، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية: "مرة أخرى، أصبحت إسرائيل هي المسيطرة. ويعود هذا إلى حد كبير إلى أن الولايات المتحدة رفضت استخدام نفوذها لكبح جماح الإسرائيليين، أو منعهم من التحرك أو الانخراط في سلوك متهور أو مزعزع للاستقرار.. لذلك اختارت الولايات المتحدة أن تضع نفسها تحت رحمة القرارات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية. ويسلط المحلل الضوء على تناقضات السياسة الأمريكية في صراع تكون الولايات المتحدة طرفًا فيه، بينما لا تملك سوى القليل من السيطرة على تقدمه.

ويرى المحلل أن الولايات المتحدة تلعب فى الشرق الأوسط دور مشعل الحرائق ورجل الإطفاء فى آن واحد، مشيراً إلى أنه منذ شهر أكتوبر الماضى ، تمنح واشنطن اسرائيل مساعدة عسكرية غير مشروطة لقيادة حملتها العسكرية الكارثية ضد فى غزة وفى الوقت نفسه تستنكر حجم الكارثة الإنسانية التى قتلت أكثر من 30 ألف شخص .

والآلية نفسها تعمل فى الأعمال العدائية الإقليمة الناجمة عن هذا الصراع : الهجمات ضد القوات الأمريكية فى العراق وفى سوريا ، الهجمات فى البحر الأحمر ، والتى تلتها حملة جوية أمريكية مستمرة ضد الحوثيين ، والان التصعيد الجديد مع الضربات الاسرائيلية ضد ا لقنصلية الإيرانية فى دمشق فى الأول من أبريل ثم الرد الانتقامى الايرانى والمساعدات الدفاعية الإسرائيلية خلال عطلة نهاية الاسبوع.. كل هذا جزء من سياسة تقوم، من ناحية، على تأجيج الصراع من خلال تسليم الأسلحة غير المشروطة، والآن تدخل عسكري مباشر. ومن ناحية أخرى، محاولة تخفيف التوترات وحماية إسرائيل من العواقب الرئيسية لتصرفاتها المتهورة.

وترى "لوفيجارو" أن هذه المساندة لا تتيح لواشنطن التأثير على مجريات الأحداث.. فالولايات المتحدة ـ المرتبطة سياسيا بإسرائيل ـ ترى أن ضعفها يتزايد مع وجود قواتها فى مناطق مختلفة فى المنطقة خاصة فى العراق وفى شمال شرق سوريا مما يكشف أكثر من مجرد حماية مصالح الولايات المتحدة.. وقد أجبر وفاة ثلاثة جنود أمريكيين ـ فى هجوم لمسيّرات تابعة لميليشيا إيرانية فى 28 يناير ـ بايدن على إصدار أمر بشن ضربات ضد حلفاء لإيران.. كما أن الهجمات المتكررة للحوثيين ضد التجارة البحرية فى مضيق باب المندب، دفع واشنطن إلى شن حملة ضد هذا التنظيم الموالى لإيران بعد أشهر من التحذيرات ولكن مع تفادى مهاجمة إيران.

كما أن غياب السياسة تجاه إيران أصبح أمرا أكثر وضوحا.. فبعد أن تخلى جو بايدن عن الأمل في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، الذي أبرمه سلفه، يسعى إلى احتواء أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار مع تجنب المواجهة. وعلى الرغم من الإعلان عن عقوبات جديدة ضد إيران، فإن الولايات المتحدة تتردد في تطبيق تلك المفروضة بالفعل على الصادرات شبه السرية من النفط الإيراني، وخاصة خوفا من استياء الصين، المشتري الرئيسي، ورؤية أسعار النفط ترتفع في السوق وسط حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية .

وفى اللغة غير المكتوبة لعلاقات القوة، فإن ليلة 13 أبريل تمثل عتبة جديدة فى تاريخ طويل من التوترات الإيرانية ـ الأمريكية إذ إن أول هجوم مباشر تشنة إيران ضد اسرائيل يمثل تطورا غير مسبوق ومثير للقلق بالنسبة للمستقبل.. كما أن أول استخدام استراتيجى للمسيرات الايرانية لم يكن حاسما فى مواجهة التكنولوجيا الغربية ولكنه أظهر قدرة الايرانيين على بلوغ الأراضى الإسرائيلية.. يضاف إلى ذلك، أنه أتاح اكتشاف أن توجيه ضربة مباشرة لإسرائيل ـ الأولى فى التاريخ ـ لن يقود بالضرورة إلى رد واسع النطاق من جانب الولايات المتحدة .

كما أن الهجوم، الذي تم شنه على الرغم من تحذيرات بايدن، يزيد من إضعاف الردع الأمريكى .. لا الخصم الإيرانى ـ الذى يتشارك مع روسيا والصين فى الرغبة فى تقويض النفوذ الامريكى ـ ولا الحليف الإسرائيلى الذى لم يعد يعتد بتصريحات بايدن .. وبدت دعواته للدبلوماسية وكأنها صيغ جوفاء إلى حد ما. وتدخله العسكري، عندما يحدث، يظل دفاعيا في الأساس .

واختتمت الصحيفة مقالها بالإشارة إلى أنه بخلاف منطقة الشرق الأوسط ـ التى لا تزال أصداء صدمة 7 أكتوبر 2023 تزعزع استقرار المنطقة ـ فإن خصوم الولايات المتحدة يختبرون عزمهم فى كل مكان.. ففى أوكرانيا ، يواصل بوتين حربه مستغلا الانقسامات الداخلية الأمريكية التى قادت الولايات المتحدة إلى تعليق مساعدتها العسكرية لأوكرانيا.. فيما تواصل الصين سباق التسلح مع استمرار تهديدها التزايد لتايوان، حيث تضاعف بحريتها من الحوادث فى المياه الإقليمية الفلبينية.. أما كوريا الشمالية، فتواصل تعزيز تسليحها التقليدى والنووى.. ويواصل الحوثيون شن عمليات القرصنة الحديث فيما لم يعد الحكم العسكرى فى النيجر أو قادة العصابات فى هاييتى يعتدون بالتحذيرات الأمريكية .

Dr.Randa
Dr.Radwa