بقلم : عاطف بشاي
"هكذا تكون دائماً البداية"..
جاءت هذه الجملة على لسان صديقي عدو المرأة تعقيباً على حديثي معه حول فيلم "يوم للستات" الذي عرض في مهرجان جمعية الفيلم في دورتها الـ (43) الأخيرة .. ونال استحساناً من النقاد وجمهور المهرجان.. وشهدت الندوة التي أقيمت له جدلاً كبيراً .. سألته عما يقصد .. قال :
- اليوم يطالبن "بيوم للستات" يسبحن فيه في حمام السباحة الملحق بساحة شعبية في حي شعبي .. وغداً يطالبن بكل الأيام .. جرب أن تستجيب لزوجتك حينما تطلب منك أن تساعدها في بعض الشئون المنزلية .. مثل غسيل الأطباق مثلاً أو إرضاع طفلك من الببرونة.. سوف يصبح هذا "التطوع النبيل" عملاً يومياً تقوم به وتتحول تدريجياً إلى فصيل من الرجال يطلق عليه "الرجل ست البيت" الذي يقوم بمهام الخادمة والمربية والسائق والطباخ والسفرجي والسكرتير .. وسينتهي بك الحال إلى الانضمام إلى الأزواج المقهورين الذين يجلسون في المقاهي ينعون كرامتهم المهدرة .. وحقوقهم المسلوبة .. ويتسابقون حول أولوية لقب زوج ذليل أول .. أو زوج ذليل ثان.. لو تساهل السيد "أحمد عبد الجواد" مع زوجته "أمينة" لحولها إلى ديكتاتور و لو تشدد "علي بك شعراوي" زوج "هدى شعراوي" في منعها من الخروج إلى الشارع لما تمكنت من خلع النقاب وقيادة مظاهرة النساء الشهيرة في عام (1919) التي خلدها الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم" في قصيدة عصماء .. وكانت بداية انطلاق "هدى شعراوي" لتكون زعيمة نسائية صاحبة أهم جمعية نسائية تطالب بحقوق المرأة .. هكذا تكون دائماً البداية ..
قلت له : وأنت ضد المساواة تجاهر بعنصريتك وتسعد بها كما تسعد هي بك .. عموماً تلك قضية يمكننا أن نناقشها فيما بعد ..
أما ما أحب أن أطرحه عليك بعد مشاهدتي للفيلم .. أن سر حماسي له أنه من المرات القليلة لتلك الأفلام التي يطلق عليها "سينما المرأة" تطرح هموم ومشاكل المرأة في مجتمع ذكوري دون مباشرة أو تعسف أو إقحام أو مبالغة .. أو تزيد .. لقد استطاعت المؤلفة "هناء عطية" أن ترسم شخصيات الفيلم بأبعادهم النفسية والإجتماعية المختلفة في إطار إنساني جميل يؤثر تأثيراً عميقاً في العقل والوجدان .. ويثير مشاعر راقية من التعاطف الحميم بعيداً عن التحزب أو التعصب أو التناحر بين جنسين مختلفين .. جنس الرجال وجنس النساء فقد جرى العرف في أدب النساء أو سينما المرأة أن الروائية أو القاصة أو كاتبة السيناريو تبدأ عملها الفني بجملة افتراضية هي .. "كان هناك رجل نذل.. فعل كذا .. وكذا .. وكذا" .. لكن المؤلفة في فيلم "يوم للستات" نجحت في أن تقول لنا .. "كان هناك إنسان .. أو إنسانة" .. ولنأخذ مثالاً بشخصية البطلة التي جسدتها "إلهام شاهين" تلك الفتاة التي كانت تعمل موديلاً للفنانين ولطلبة أقسام التصوير والنحت بكليات الفنون الجميلة والتطبيقية في زمن ما قبل الاجتياح الوهابي للمجتمع .. حيث كانت الموديل تخلع كل ملابسها أمام الرسامين .. وكيف كان هذا المجتمع يضعها دائماً في مرتبة "الساقطات" مما جعل الشاب الذي جسد دوره "محمود حميدة" الذي يحبها يتراجع عن ارتباطه بها .. ويترك الحي الشعبي الذي يقطنان به .. ويختفي سنوات طويلة يعمل في دولة خليجية .. فلما عاد بعد أن ولى الشباب ولم يتزوج .. بينما بقيت هي الأخرى عانساً هزمتها الأيام والسنون توحداً في لقاء عاطفي بالغ العذوبة والعمق والمغزى .. فقد كان صراعهما هو صراع مع الزمن الضنين .. والتقاليد البالية .. والمسلمات الراسخة.. هزمها مجتمع متخلف وأنصفها حب حقيقي .. كانا ضحية زمن ضنين.. ولحقا العربة الأخيرة في قطار الحب ..