الأحد 12 مايو 2024

إبداعات الهلال| «مكعبات الثلج».. قصة قصيرة للأطفال

صابرين عاشور

ثقافة28-4-2024 | 13:25

دار الهلال

تنشر بوابة دار الهلال، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة للأطفال بعنوان "مكعبات الثلج" للكاتبة صابرين عاشور، وذلك إيمانا من مؤسسة الهلال العريقة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

قصة «مكعبات الثلج»

أكياس ممتلئة بالطعام المجمّد من الخضراوات، واللحوم مختلفة الأصناف، موضوعة فوق بعضها البعض، وفي الزواية الكثير من المكعبات الثلجية تتحرك ببطء، وتقول في ضجر:  اليوم شديد البرودة، لقد مللت من جلوسي في جهاز التبريد؛ أريد الخروج من هنا؛ أختنق من صلابتي وتكدسي بينكم؛ أحب أن أرى العالم الخارجي؛ لقد سئمت من كوني هنا مجرد مكعبات ثلجية أمكث في مكاني دون حراك، وقليلا لو استخدمني أحد سكان هذا المنزل.

 تنظر للضوء القادم من الباب الموارب بعض الشيء وتضيف:  أتساءلُ لماذا لم أكن مثل قطرات المياه هناك أو ألهو بين الأطفال في الحديقة أو أترنح بين الأطباق والأواني هناك كما أشاء، أو أتدفق مثل تلك المياه من الصنبور، فهي تتحرك وتنساب في سلاسة.. خلافي؟!  طفل صغير يهرول مسرعًا ناحية المبرد، يجلب كأس "الآيس كريم" الخاص به، يلتقطه في عجلة، ويترك الباب مفتوحًا على مصرعيه؛ لمحت المكعبات الثلجية الضوء القادم من الخارج؛ فخرجت متسللة، تنظر حولها في ذهول وسعادة، تقفز وتتنقل من مكان إلى آخر، تنتشي بالحرية التي أصبحت تنعم بها، تختبئ بين الأطباق، ثم تتسلل وتقفز قفزة طويلة؛ فتسقط في إحدى الأواني الكبرى، وحينها.. رأت يدًا ضخمة تضع الكثير من المياه فوقها، ووضعتها فوق جهاز ما، ثم سمعت صوتًا يقول:  أمي، لقد أشعلت النار على المياه،  شعرت بالحرارة تتدفق حولها؛ فخرجت فَزِعة تبكي وتلملم بعض قطراتها التي تساقطت منها إثر الحرارة قائلة:  حمدًا لله؛ كنت سأذوب في ثوانٍ؛ إنه ليس أمرًا رائعًا المكوث في حجرة الطعام تلك؛ أرى أن أخرج إلى الحديقة.

ـ 2 ـ

تتساقط قطرات المياه منها؛ فالشمس اليوم شديدة الحرارة، تسير ببطء، تختبئ بين الأزهار، تخشى أن تذوب وتقول في نفسها لائمة:  المبرد كان ملائمًا لي؛ ليتني لم أتركه، ثم تُكمل:  لا، أنا لا أريد العودة إلى تلك المساحة الصغيرة التي وضعوني بها والجميع حولي روائحهم تخنقني، وبينما هي جالسة تستريح في الظل؛ جاءت إليها قطة صغيرة، تحاول أن تلعب بها، فقامت تصرخ حتى تبتعد عنها، وكلما ابتعدت هرولت القطة الصغيرة نحوها حتى رآها الآخرون، وأتوا خلفها ينظرون إلى تلك القطع الصغيرة السائرة أمامهم، تختبئ خلف الزهور، تنظر حولها بخوف، وتفزع حينما ترى حجمها الذي أصبح ضئيلًا من كثرة ذوبانها؛ فبكت، وبينما تتساقط قطراتها من الذوبان وتختلط بدموعها سمعت أحدهم يقول:  على الصغير أن يساعد الكبير، هل لك أن تحمل تلك الأكواب إلى الداخل وتأتي لنا ببعض الماء المثلج؟!

تراقبه وهو يستمع إلى والديه، وقبل أن يأتي ويحمل الأكواب للداخل.. تسللت المكعبات الثلجية لتختبئ بين الأكواب، راح الصغير يحملها بين يديه وهي تراقب الطريق لتعلو البسمة فوق ثغرها حينما رأته يقترب من المطبخ، دلف داخله ووضع ما بيديه علي الطاولة، ثم أخذ بعض الزجاجات المليئة بالمياه الباردة وخرج مسرعًا إلى والديه في الحديقة، تلتف حول الأكواب في إعياء شديد، لقد أصبحت ضئيلة الحجم، شاحبة، ومجرد دقائق وتختفي، تنظر إلي المبرد بحزن، وأصدقاؤها يحاولون النزول إليها لمساعدتها، ولكن حالتها أمامهم جعلتهم يرجعون؛ خوفًا من الذوبان.

تسمع أصواتهم يشجعونها للعودة قبل أن تختفي، ولكن دون جدوى وقبل أن تغلق عينيها، يأتي الصغير مسرعا من الخارج ينظر إلى المُبرد قائلا بتوتر:  يا إلهي لقد تركت الباب مفتوحًا علي مصرعيه، لو رأتني أمي لوَبَّختني على تقصيري!  وقبل أن يغلقه تذكر قولها أن عليه أن يملأ الزجاجات الفارغة ويضعها به؛ فاتجه مسرعًا ناحية الصنبور يلفه ويملأ جميع الزجاجات ويرصها بعناية في ثلاجتهم الضخمة، ثم يلقي نظرة ناحية "الفريزر" وجد عُلب الثلج فارغة؛ فأخدها يملؤها، وقبل أن ينتهي وجد مكعبًا صغيرًا بجوار الزجاجات؛ فأخده ووضعه في العلبة، وأعادها إلى مكانها المعهود.

الجميع يلتف حولها، ونظرات الحزن ترتسم فوق وجوههم، للتو فُقدت صديقتهم، المكعبات الثلجية يقفون بحسرة يعاتبونها علي التسرع والاعتراض على ما كتب لها؛ لو أنها اقتنعت بما قسم الله لها.. ما حدث لها كل ذلك، كانت تتذمر من صلابتها، وحينما ذابت علمت أن الصلابة كانت مصدر قوتها، يعم الصمت المكان، ثم بصوت متلعثم يجدونها تقول لهم:  أنتم محقون، ليتني رضيت بما قسم الله لي، ولم أنظر لأوضاع غيري.

Dr.Radwa
Egypt Air