السبت 11 مايو 2024

ساحة لارتكاب الجرائم.. مخاطر الويب المظلم


محمد عزام

مقالات28-4-2024 | 10:11

محمد عزام

أثار الحادث البشع لمقتل مراهق شبرا الخيمة وعرض فيديو مقتله على الجانب المظلم من شبكة الانترنت، أو ما يطلق عليه "الويب المظلم" مخاوف العديد منا عن ماهية هذا العالم الرقمي المظلم واستخداماته ومخاطره.

ولكن في الأول نريد أن نعرف ما هو الويب المظلم. فالإنترنت يشبه الجبل الجليدي، ما نراه ونستخدمه يوميًا هو مجرد القمة، بينما تظل قسمًا ضخمًا ومغمورًا مخفيًا عن المستخدم العادي. هذا القسم المخفي، المعروف باسم الويب المظلم، هو جزء من الإنترنت غير مفهرس بواسطة محركات البحث التقليدية ولا يمكن الوصول إليه إلا من خلال متصفحات خاصة مثل TOR. إنه عالم غامض يتسم بالتخفي وانعدام الرقابة. وهذا العالم الجاذبية الأساسية له هي قدرته على إخفاء هويات وأنشطة المستخدمين.

وهذا العالم ظهر كحاجة إلى وجود قنوات اتصال آمنة داخل المجتمع الاستخباراتي، ولكنه أصبح منذ تسعينات القرن الماضي مرادفًا لمجموعة متنوعة من الأنشطة غير المشروعة، كونه يعمل على شبكة من المحتوى الرقمي غير المفهرس، مما يجعله ملاذًا آمناً للمستخدمين الذين يسعون إلى الخصوصية الكاملة أما لأغراض نبيلة أو خبيثة، والجانب الخبيث يمثل الغالبية العظمي من استخدام هذا العالم الخفي الغارق في الظلام.

وبينما يدافع الويب المظلم عن الخصوصية وكان أداة فعالة للمبلغين عن المخالفات والجرائم والصحفيين والنشطاء الذين يعيشون في البلدان التي تفرض قيودًا على استخدام الإنترنت مثل إيران والصين، من خلال الحفاظ على خصوصيتهم وتجنب الرقابة، لمشاركة معلومات حساسة أو للتعبير عن آرائهم دون الكشف عن هويتهم، فإنه يمثل أيضًا أرض خصبة للجريمة في صورتها الإلكترونية، فالسرية التي تحمي هوية المعارض السياسي تحمي أيضًا تاجر المخدرات وتاجر الأسلحة وتاجر الأعضاء البشرية، كما أنه مليء بالأسواق التي تقدم سلعًا غير قانونية، من المخدرات إلى البيانات المسروقة، ويقدر حجم الأعمال داخل الويب المظلم بحوالي 840 مليون دولار، وبزيادة سنوية تقدر في حدود 20%، ومن المرجح أن هذا العالم المظلم يزوره حوالي 2.5 مليون مستخدم يومياً من حول العالم.

وكون الويب المظلم هو مكان تجمع شائع للقراصنة والمجرمين الإلكترونيين، لذا يتعرض زواره لخطر البرامج الضارة وأحصنة طروادة وبرامج الفدية وغيرها من البرامج الخبيثة المصممة لاختراق أجهزتهم وإلحاق الضرر بها أو سرقة المعلومات الحساسة، وهذا يعني أن كل نقرة داخل هذا الجانب المظلم يمكن أن تؤدي إلى تهديد أمني سيبراني. كما أن واحدة من أخطر المخاطر على الويب المظلم هي عمليات الاحتيال المالية، حيث تتنكر مواقع التصيد الرقمي في شكل أعمال تجارية شرعية لسرقة المعلومات الشخصية والمالية، ويمكن للمستخدمين بسهولة التعثر في صفحات احتيال تقلد مواقع شرعية وحقيقية، مما يؤدي لسرقة بياناتهم.

وكذلك الويب المظلم ليس مجرد تهديد مادي في شكل سرقة بيانات حساسة أو تعرض لبرمجيات خبيثة؛ بل يمكن أن يكون أيضًا تهديدًا نفسيًا في منتهي الخطورة، حيث يمكن التعرض لمحتوى مسيء بمستويات تفوق قدرة تحمل الأشخاص الأسوياء، وغالبًا ما يكون له تأثير عميق على الصحة العقلية للأفراد.

لذا يجب على المحللين وضباط إنفاذ القانون الذين يراقبون الويب المظلم بغرض تتبع الأنشطة الإجرامية موازنة ضرورة عملهم مع العواقب المحتملة على الصحة العقلية. كما أنه أصبح يقدم المجرمون فيه منتجات زائفة يدعون أنها أدوية أو عقاقير، والتي غالبًا ما تحتوي على مواد خطرة أو مزيفة، تؤدي إلى نوع جديد من الإدمان المدمر.

فعمليات الاحتيال بالأدوية المزيفة على الويب المظلم هي مصدر قلق حقيقي، حيث تستغل الخصوصية التي توفرها المنصة لبيع تلك المواد المزيفة أو الخطيرة، حيث تقدم العديد من أسواق الويب المظلم نفسها على أنها مواقع تجارة إلكترونية احترافية، مكتملة بآراء العملاء وصور المنتجات، وغالبًا ما تدعي أنها تبيع الأدوية الرسمية أو العلامات التجارية الشهيرة، ولكن في الواقع، هذه المنتجات غالبًا ما تكون مزيفة، وعلى سبيل المثال، يتم بيع الحبوب التي تحتوي على الفنتانيل أو مواد ضارة أخرى على أنها مسكنات ألم شرعية، والفنتانيل هو مُسكن قوي صناعي يُخلط غالبًا في الحبوب المزيفة التي تُباع على الويب المظلم، وهو أقوى بكثير من الهيروين ويمكن أن يكون قاتلاً بجرعات صغيرة. ولقد أدى وجود الفنتانيل في هذه الأدوية المزيفة إلى زيادة كبيرة في حالات الوفاة بسبب الجرعات الزائدة، حيث غالبًا ما يكون المستخدمون غير مدركين للمحتويات الحقيقية للحبوب التي يشترونها.

وبالتالي فهناك معضلات تواجه وكالات إنفاذ القانون في التعامل مع الويب المظلم، لأن طبيعة الويب المظلم بهيكله اللامركزي واستخدام التشفير يجعل من الصعب تتبع الأنشطة غير القانونية، وبينما حققت الوكالات بعض النجاح في إنهاء عدد غير قليل من العمليات الإجرامية، حيث قامت وكالات إنفاذ القانون الدولية باستهداف أسواق المخدرات عبر الإنترنت على الويب المظلم، مما أدى إلى اعتقالات ومصادرات كبيرة.

ولقد أسفرت عمليات مثل Dark HunTor عن مصادرة ملايين الدولارات نقدًا وعملات مشفرة وأغلقت العديد من المتاجر الرقمية التي تباع عليها المخدرات غير القانونية والأدوية المزيفة. وعليه فأن الويب المظلم هو جزء معقد ومتعدد الجوانب من الإنترنت، يقدم خصوصية لا مثيل لها وأصبح أداة أساسية للعديد من الأشخاص الذين يسعون لتجنب الرقابة والمراقبة.

ومع ذلك، فإن الميزات نفسها التي تجعله حصنًا للحرية تجعله أيضًا بؤرة للنشاط الإجرامي المستحدث، وعلينا فهم المخاطر والتحديات المرتبطة به لأن ذلك هو الخطوة الأولى في التعامل بأمان في هذا الجزء الخطير من الإنترنت. وأخيراً فأن المعرفة والحذر هما مفتاح استخدامنا الآمن لهذا العالم الرقمي الذي أصبح امتداداً تلقائياً لعالمنا المادي.

Dr.Radwa
Egypt Air