الأربعاء 15 مايو 2024

مصر وتجفيف منابع التطرف العنيف


ماهر فرغلى

مقالات1-5-2024 | 13:09

ماهر فرغلي

 تتشكّل الاستراتيجية المصرية لمكافحة الإرهاب من عدة عناصر، الأول يتعلق بتفكيك الكيانات الإرهابية وإضعافها، وهذا يرتبط بالجهود الأمنية، التي تعمل على إضعاف الهيكل التنظيمي لها، وتفكّك البنية اللوجستية التي تعتمد عليها، وتوقف نشاطها وتضعف انتشارها.

والثاني يتمثل في الوقاية، وهي تلك البرامج التي تهتم بتنفيذ الوسائل التي تمنع المجتمع من قبول الأفكار المتطرفة، وتجفيف منابع الإرهاب، ومواجهة الفكر المتطرف، ومكافحة تمويل الإرهاب.. الخ.

والثالث وهو العلاجي، المعني بإعادة دمج العائدين، وعلاج المتطرفين والمفرج عنهم من قضايا إرهابية، وكل ذلك عبر وضع إجراءات وقائية فعّالة، لمجابهة المخاطر والتبعات الفعلية، عبر تطوير مشروع (آليات مكافحة التطرف العنيف)، وتجفيف منابعه الرئيسية، وتطوير مهارات التفكير والتحليل النقدي لجوانب المتطرفين وأفكارهم المختلفة بعيداً عن الطرق النمطية المعروفة.

أولا: تحديات تجفيف منابع التطرف والإرهاب واجه تجفيف منابع الإرهاب عدة تحديات في ضوء التحولات الفارقة والتطورات غير الاعتيادية التي استخدمتها كل التنظيمات الإرهابية.

 التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي: بدأ الإرهابيون العمل من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في عمليات التجنيد، والإعلام، وصناعة الأسلحة.. الخ، إضافة إلى التطور التكنولوجي الذي مكّنهم من تطوير قدراتهم في جميع النواحي، مثل صناعة الطائرات دون طيار (حدث ذلك في سوريا كمثال)، والذي فعله تنظيم داعش عبر استخدام (روبوتات الويب) لتكرار نشر محتواه المُتطرف آلاف المرات، وهو ما يحتاج لخطة مواجهة يمكن من خلالها التنبؤ بالأنشطة الإرهابية، وتحليل بيانات السلوك الإرهابي، والأنشطة المستقبلية المحتملة للإرهاب، وتحديد الأفراد المُعرضين للتطرف.. الخ.

السرديات الإرهابية عبر الإنترنت: يمتلك الإرهابيون مئات المواقع وعشرات الآلاف من الصفحات الشخصية والعامة، التي يقومون فيها بعمليات الترويج لمجموعة من الأفكار، تمكنهم من الاستقطاب والتجنيد لعناصر مستجدة، وهو ما يحتاج لتماثل ومقابلة أيدولوجية لتلك السرديات الفكرية والترويج، وتكنولوجياً تحتاج إلى مراكز مختصة يمكنها التعرف على سلوكيات معينة للأشخاص مثل السعي للبحث عن محتوى إرهابي ومُتطرف عبر الإنترنت بشكل متواصل، والكشف المبكر عنه.

توغل الخطاب المتطرف:

بسبب سنوات من نشر السلفية والقطبية يتوغل خطاب متطرف داخل المجتمع، الذي أصبحت مرجعية قطاعات كبيرة فيه لعناصر وشخصيات وكتب ومواقع إنترنت.. الخ متطرفة، على سبيل المثال، حين التوجه بفتوى عبر الإنترنت، أو سؤال ديني، ستكون نتيجة البحث الأولى، هي مواقع مثل (رسالة الإسلام).. الخ، وليس موقع دار الإفتاء، أو مؤسسة الأزهر، إضافة إلى وجود هذا الخطاب في قلب المتصدرين للدعوة الإسلامية، وفي الكثير من المؤلفات الدينية، والبرامج القصيرة، والمناهج التعليمية، ومكاتب التنمية البشرية.. الخ.

الشراكة‬ مع‭ ‬المواطنين والمجتمع‭ ‬المدني:‭ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬ يمثل ابتعاد المواطنين وعدم اهتمامهم بمكافحة الإرهاب تحدياً كبيرا، بل وأيضاً منظمات المجتمع المدني، التي لا تضع في أولوياتها أي اهتمام بخطط الإرهاب.

 القدرة على تلاشي الضربات الأمنية: بسبب تطور العمل التنظيمي، أو العمل تحت لافتات سرية، أو الاعتماد على عناصر لا توجد لها ملفات أمنية، وكذا الاعتماد على عناصر عائدة من مناطق التوتر، وعلى جيل أكثر تطوراً، وأيضاً اعتماد التنظيمات الإرهابية على مفهوم (الذئاب والخلايا المنفردة) التي تعمل وفق هدف مشترك وعقيدة قتالية واحدة، مع ظروف اجتماعية وسياسية وجغرافية تمكن الإرهابيين من التخفي، فإن التحدي لمكافحة الإرهاب يزداد صعوبة.

شبكات التمويل صعبة الرقابة: حدث تطور في عمليات التمويل، فلم تعد تقتصر على اشتراكات الأعضاء، بل تعتمد على (الضرائب في أماكن التمكين – فرض الإتاوات – صناديق الهبات – أموال المناجم – أموال تبادل الرهائن – أموال من بعض الدول الإقليمية)، ويضاف إلى تنوع التمويل شبكات نقل الأموال، مثل (شركات الأوف شور، وبعض البنوك في دول مثل جمهوريات الموز مثل بنما وجزر البهاما أمريكا اللاتينية مثل أوروجواي.. الخ)، ونقل الأموال عبر الشركات التي أسستها بعض التنظيمات، وأيضا عبر العملات الرقمية، وليس هذا فحسب، بل الحصول على التمويل عبر جهات غير معلومة في الإنترنت المظلم.. الخ، وهذا كله يمثل تحديات كبيرة.

الخلل في مفهوم المكافحة: إذ تعتمد بعض الدول على المسار الأمني فقط، ومن خلال هذا المفهوم تعتمد أحياناً على ما يسمى (الاحتواء)، أو (التوازن بين تنظيم وآخر)، واختلاف الرؤى بشأن أهمية المناصحة الفكرية، أو عمليات "الاستجواب الفكري" للسجناء، بل وعدم القيام به مطلقاً، وعدم الاهتمام بأسر المحكوم عليهم، مما يتسبب في بروز جيل إرهابي جديد.

 تطور الفكر الاستراتيجي للإرهابيين:

لقد انتقلت التنظيمات من مفهوم القتال المحلي داخل الدول، إلى مفهوم القتال التضامني مع المستضعفين في أفغانستان والبوسنة والشيشان.. الخ، إلى مفهوم التمكن من الأرض وإقامة إمارة أو دولة إرهابية، والسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي وتوظيف مواردها، في خط متواز مع التطور النوعي اللافت في الأسلحة والمعدات والموارد البشرية متعددة العرقيات، واستفادة بعض الدول من مفهوم (التوحّش) أي الفوضى الخلاقة التي تسببت فيها هذه الدولة الإرهابية واستخدامها في تمرير مصالحها الخاصة، مما تسبب في حالة مرضية لأغلب التنظيمات، خاصة مع نجاح حركة طالبان من العودة لحكم كابول بالقوة، ما دفع التنظيمات خاصة في إفريقيا إلى محاولة تكرار التجربة، مثل حركة شباب الإسلام بالصومال، التي تسيطر عمليا على حوالي 40% من أراضي الدولة، بل وحدث تطور آخر يتعلق بما يسمى (الجهاد البحري) للسيطرة على الموانئ، ومناجم الذهب والمعادن في إفريقيا، وهذا يمثل تحدياً ضخماً لمكافحة الإرهاب.

 تحدي الإعلام الجديد: حدث تطور غير طبيعي في وسائل الإعلام، ولم تعتد مقتصرة على التلفزيون أو الصحيفة فقط، بل أصبح للفرد أو للتنظيم القدرة على صناعة إعلام له تأثير بنفسه، وامتلكت التنظيمات كوادر خطيرة في إدارة هذه العملية بكفاءة، وأصبح إعلام التنظيمات له سمات مميزة من أبرزها: التفاعلية، التنوع، القدرة على التحريك للمواطنين، تجاوز الحدود الثقافية، تجاوز وحدتي المكان والزمان، الاستغراق في عملية الاتصال.

 استمرار وجود مناطق التوتر:

ولا تزال هناك العديد من مناطق التوتر، التي تجذب العديد من الإرهابيين في آسيا وإفريقيا، مثل سوريا وليبيا، وكذا مناطق الحروب، وآخرها السودان، التي تؤثر على الأمن، ويؤدي وجود هذه المناطق إلى مشكلة سياسية، وأخرى تتعلق بحدودها مع بعض الدول، مما يتسبب في تسهيل نقل الأسلحة والإرهابيين، بل ونقل الميليشيات إليها، مما يتسبب في تحدٍ كبير لمكافحة وتجفيف منابع التطرف.

 اختراق المجال الثقافي:

إذ يستهدف الإرهاب الأعمال الفنية والثقافية، ويخلق نخبة متطرفة داخل المجتمع، وهذا كله يفرض تحدياً كبيراً يضاف إلى التحديات السابقة للعمل وبذل الجهد من أجل وضع خطط قصيرة وطويلة الأمد للمجابهة والمواجهة والمكافحة وتجفيف المنابع. ثانياً: كيف واجهت مصر التحديات وجففت المنابع؟ كان الهدف الاستراتيجي لمصر من عام 2014 هو معالجتها لدوافع التطرّف العنيف، وبناء مناعة حيال التصريحات والدعايات الترويجية التي تثير الأحقاد وتشرّع استخدام العنف، والتأهيل الفكري للدعاة، ومعرفة الخارطة الأيديولوجية للإرهابيين، وتطوير المؤسسات الدينية والثقافية، وكان ذلك كله عبر خطوات عدة، أهمها:

 معرفة الفئات المستهدفة بالتطرف وحمايتها: إن مكافحة التطرف لا تستهدف أفرادًا كما في مكافحة الإرهاب؛ بل تستهدف مجتمعاً بالحيلولة بين شبابه وبين تبني أفكار متطرفة، أو أن يكونوا هدفًا لمحاولات إرهابيين تجنيدهم، ويكون هذا من خلال استهداف كل المجتمع في برامج مكافحة التطرف، عبر مجموعة سياسات وتدابير بما في ذلك إصلاح التعليم والتدريب المهني والخطاب الديني وبرامج الإعلام والإصلاح السياسي والاقتصادي، يشترك في تصميمها وتنفيذها وتقييمها كافة الأطراف، وفي كل المجالات الثقافية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية.

هناك عدة فئات مستهدفة من مكافحة التطرف، الفئة الأولى: أعضاء جماعة إرهابية يفكرون في مغادرتها، وحثهم على اتخاذ قرار فك ارتباطهم بها، وتسهيل تنفيذ قرارهم بدعم نوعية الحياة التي تتبع هذا التنفيذ، ومساندتهم عند التعامل مع تهديدات مغادرة الجماعة، والفئة الثانية:

الذين غادروا – طواعيةً أو رغماً عنهم – جماعة متطرفة بهدف تقليل احتمال معاودة الانضمام لها، ويتم لمن غادروا طوعاً بتقديمٍ مكثفٍ لمعلومات قانونية عن مكافحة الإرهاب كوسيلة لزيادة الوعي لديهم بالأمن القومي؛ وكشف آليات كالتمييز بينهم وفق دوافع – يتباين معدل الانتكاس باختلافها - التحاقهم السابق بجماعة متطرفة.

 الاكتشاف المبكر للكراهية والتطرف: لقد أجرت الدولة دراسات كثيرة حول معرفة الجذور التي تؤدّي إلى العنف والتطرف، والظروف المواتية التي يمكن أن تصنع التطرف، وما هي الخلفيات الفردية للعناصر المتطرفة؟ وهل لدى المتطرف تماثل مع المظالم الجماعية؟ وهل لديه تظلّمات مجتمعية؟ كما هل تعرضت الشخصية المتطرفة لتشويه وإساءة في استخدام المعتقدات والأيديولوجيات السياسية؟ وهل يشعر المتطرف بانعدام الفرص الاجتماعية والاقتصادية؟

 تطوير التعليم لمجابهة التطرف: وعبر المحور التعليمي كانت الدولة تركز جهودها لتجفيف منابع التطرف، إذ تلعب المؤسسات التعليمية دورًا رئيسيًا في هذا الصدد، لذا فقد وضعت رؤية طموحة في هذا الصدد ضمن رؤيتها للتنمية المستدامة 2030، هادفة إلى أن يكون التعليم بجودة عالية، ومتاحا للجميع دون تمييز في إطار نظام مؤسسي كفء وعادل يساهم في بناء شخصية متكاملة لمواطن معتز بذاته ومستنير ومبدع، وذلك عبر إعادة هيكلة وصياغة نظام التعليم قبل الجامعي بهدف تحقيق الأهداف المرجوة وضمان تكامل السياسات والقرارات والقوانين والتشريعات المنظمة للتعليم وجميع الجوانب المرتبطة به، وتحسين القدرة التنافسية للمنظومة التعليمية وتعزيز التعلم مدى الحياة، ومحو الأمية الهجائية والرقمية وخفض معدل التسرب من التعليم الأساسي، والارتقاء بالتعليم الفني (ما قبل الجامعي) وإتاحة التعليم لكل طفل في مصر، وإدماج مفاهيم ومصطلحات تعمل على مكافحة الإرهاب والتطرف في المناهج التعليمية المختلفة، وكذا تنقيح وتحديث المقررات الدراسية بحيث تشمل النماذج المصرية المشرفة في العصر الحالي والماضي والتي تعزز من روح التسامح والاجتهاد والعمل ونبذ العنف والكراهية، وتنظم مسابقات داخل المدارس في الكتابة ومنافسات فنية حول خطورة وتأثير التطرف والإرهاب على حياة الإنسان واستقرار الوطن، وإقرار نُظم لمراقبة الحالة التعليمية في الفصول للتصدي لأي أحاديث خارجة من شأنها تُعظم العُنف وتتصدى للميل إلى التطرف والعنصرية وكراهية الآخر.

وفي التعليم الجامعي تشكيل مؤسسات بحث علمي ذات أهداف مُحددة وواضحة وثابتة، من أجل بناء مُخرج تعليمي قادر على التفكير النقدي والإبداع والابتكار، وخلق مجتمع واعٍ لقيمة البحث العلمي والإبداع والابتكار في تقدمه واستدامته وقادر على إنتاجها واستخدامه، وإنجاز الدراسات والبحوث والتحليلات حول الإرهاب.

 دعم المؤسسات الدينية: خلال العشر سنوات الأخير كانت مصر سبّاقة لدعم المؤسسة الدينية بكل تفرعاتها لتجفيف منابع التطرف، عبر حزمة من المبادرات والمشروعات العلمية التي استهدفت تجديد الخطاب الديني وتفكيك الأفكار المُتطرفة وتفنيدها، وإنجاز برامج التأهيل والتدريب للمفتين والعلماء، والتأكيد على قيم المواطنة والتسامح والحوار ومكافحة التحريض على العنف والتمييز. وقدمت الدولة رؤيتها حول تجديد الخطاب الديني، وإطلاق حزمة من المبادرات والمشروعات العلمية التي استهدفت تفكيك الواقع الثقافي وتغلغل الافكار المتطرفة وتفنيدها، مع الدعوة لمعالجة القضايا المعاصرة في ضوء فهم سديد للنصوص الشرعية والمحافظة على الثوابت الدينية التي لا يمكن تجاوزها، والحفاظ على الفتوى الرشيدة والعلم الرشيد وتصحيح المسار وتصحيح المفاهيم المغلوطة، والتوسع في تفكيك البُنية المفاهيمية للتنظيمات وتعزيز الخطاب الديني الوسطي في وسائل الإعلام، لما له من تأثير في المجتمعات لمواجهة خطاب الجماعة التحريضي، وتكثيف إعداد الخطابات البديلة البناءة القائمة على الحجج الدينية من قِبل علماء دين ذوي مصداقية واحترام، ومواصلة العمل على مراجعة كافة المقررات الدراسية الدينية؛ لتنقيتها مـن أية موضوعات تقف حائلًا أمام تعزيز التسامح، وفي نبذ العنـف والتطرف، وإدراج الموضوعات التي تسهم في ترسيخ قيم الحوار والاختلاف والعيش المشترك مـع محاربة الكراهيـة والتعصب بشتى صورهم، وتنفيذ المزيد من المبادرات الوطنية المعنية بنشر ثقافة حقوق الإنسان، وترسيخ قيم المواطنة، وبيان القواسم المشتركة بين الأديان السماوية، وخلق وعي مجتمعي باحترام الحريات الدينية، ونبذ التعصب والأفكار المتطرفة، وكذلك التوسع في عقد بروتوكولات تعاون مشتركة مع أجهزة الدولة وكافة قطاعتها الثقافية والرياضية والإعلامية والخدمية، لتوعيتهم وتحصينهم من الفكر المتطرف، وتبني سياسات عامة تُخاطب السياق الاجتماعي والاقتصادي المُتأثر بالفكر الإرهابي للجماعات والتنظيمات لاسيما جماعة الإخوان الإرهابية.

تطوير المحور التشريعي: نتيجة لتعدد السياقات والأشكال وتعريفات التطرف العنيف، حدد قانون مكافحة الإرهاب المصري رقم 94 لسنة 2015 وتعديلاته في القانون رقم 15 لسنة 2020، والقانون رقم 8 لسنة 2015 تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين في القانون رقم 14 لسنة 2020، ووضع تعريفًا شاملًا للإرهاب وكياناته وعناصره.

وتجنبت الدولة المصرية الصياغات الفضفاضة في تشريعاتها فيما يخص مكافحة الإرهاب بما تفتقر إليه من دقة ووضوح، حيث جاءت تعريفاتها بأن الجماعة الإرهابية، هي كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل أو غيرها أو كيان تثبت له هذه الصفة، أياً كان شكلها القانوني أو الواقعي سواء كانت داخل البلاد أو خارجها، وأياً كان جنسيتها أو جنسية من ينتسب إليها، تهدف إلى ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الإرهاب أو كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدمها لتحقيق أو تنفيذ أغراضها الإجرامية، كما أن الإرهابي، هو كل شخص طبيعي يرتكب أو يشرع في ارتكاب أو يحرض أو يهدد أو يخطط في الداخل أو الخارج لجريمة إرهابية بأية وسيلة كانت، ولو بشكل منفرد، أو يساهم في هذه الجريمة في إطار مشروع إجرامي مشترك، أو تولى قيادة أو زعامة أو إدارة أو إنشاء أو تأسيس أو اشترك في عضوية أي من الكيانات الإرهابية المنصوص عليها في المادة رقم (1) من قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 8 لسنة 2015 في شأن تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين أو يقوم بتمويلها، أو يساهم في نشاطها مع علمه بذلك. كما أصدرت الدولة القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مُكافحة جرائم التقنية المعلوماتية والذي جاء ليُشدد الحصار على الجرائم الإرهابية من خلال تجريم أي فعل اختراق أو اعتداء على الأنظمة المعلوماتية للدولة أو أي فعل آخر باستخدام الوسائل المعلوماتية من أجل تسهيل ارتكاب جرائم إرهابية.

وفي إطار ملاحقة التمويل العملياتي للإرهابيين فقد، أصدرت مصر مبكرًا، القانون رقم 80 لسنة 2002 بشأن مكافحة غسل الأموال والمُعدل بالقرار بقانون رقم 36 لسنة 2014، والذي جاء ليُواكب التطورات السريعة في مجال تمويل العمليات الإرهابية وقطع الطريق أمام وصول الأموال إليهم، وقد أسست مصر "وحدة مُكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية" بموجب هذا القانون. (4) معالجة الظروف المجتمعية:

لتحصين المُجتمع وتجفيف منابع التطرف والإرهاب كانت مصر سبّاقة في مُعالجة الظروف المجتمعية التي أدت إليه من أجل قطع الطريق أمام الجماعات الإرهابية التي تستغل هذه الظروف للترويج لفكرها المتطرف، واتخذت خطوات جادة وسباقة للتصدي للأفكار الهدامة التي يصدرها المتطرفون، و"فوضى الفتوى" المُنتشرة؛ للوقوف أمام محاولات الاستقطاب الفكري. وتعمل الدولة في هذا الصدد لتوفير مناخ تنموي للنهوض بالمجتمع، ومكافحة الفساد، وتوفير الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان، وتحقيق التنمية المستدامة، عبر القضاء على الفقر بجميع أشكاله، وضمان التعليم الجيد المُنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة، وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات، والتشجيع الثقافي والإعلامي والفني على إقامة مجتمعات مسالمة لا يُهمَّش فيها أحد، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات. وفي سياق التنمية المجتمعية اتخذت الدولة المصرية خطوات جادة، مثل (حياة كريمة)، وتحسين الأوضاع الاجتماعية للمواطنين في مجالات الصحة والتعليم وتمكين المرأة والشباب، فضلاً عن الاهتمام بنشر الوعي والفكر الصحيح بقضايا التنمية والتصدي للشائعات التي تُروج لها الجماعات الإرهابية المُضللة، انطلاقًا من رؤيتها نحو "التنمية المستدامة: مصر 2030".

كما قامت الدولة بتنفيذ خطط طموحة للقضاء على العشوائيات غير الآمنة من خلال إنشاء آلاف الوحدات السكنية، وسعت لتهيئة البنية الأساسية وتحسين جودتها مع بالشراكة مع القطاع الخاص، وتكثيف العمل على مشروعات الشبكة القومية للطرق، ومشروعات قطاع الطاقة، وإنشاء المدن الجديدة وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، واتخاذ خطوات جادة نحو التحول الرقمي. وسلكت الدولة تسلك عدة مسارات للقضاء على الفساد إيمانًا بأن ذلك عُنصر أساسي يُحقق التنمية ويقطع الطريق أمام الظروف المؤدية إلى الإرهاب ومكافحته، وقد أطلقت استراتيجيتها الوطنية الأولى لمكافحة الفساد عام 2014/ 2018، والثانية عام 2019-2022، والتي ارتكزت على: الارتقاء بمستوى أداء الجهاز الحكومي وتحسين الخدمات الجماهيرية. إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة في كافة عناصر المنظومة الإدارية. تفعيل مدونة السلوك الوظيفي للعاملين بالجهاز الإداري للدولة وتطويرها. سن وتحديث التشريعات الداعمة لمكافحة الفساد.

تطوير الإجراءات القضائية لتحقيق العدالة الناجزة. ضمانات حقوق الإنسان، بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1485 لسنة 2011، لتوفير كافة أنواع الدعم والمُساندة والرعاية لأسر الشهداء والمصابين، ويشمل ذلك الخدمات الصحية والعلاجية المجانية وخدمات الإسكان والتعليم المجاني والإعفاء من تكلفة النقل وإتاحة بطاقات التموين الشهرية وتوفير الرحلات السياحية وإقامة الندوات لشباب ضحايا الإرهاب لحمايتهم من الفِكر المُتطرف، بالإضافة إلى خدمات التأهيل النفسي لأسر الشهداء وأطفالهم، والتصدي للموروثات الثقافية الخاطئة التي تتعارض مع قيم ومبادئ الدولة، والتثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان، عبر إدماج مكون حقوق الإنسان في مراحل التعليم المختلفة، وتدريب أعضاء هيئة الشرطة، وتدريب أعضاء الجهات والهيئات القضائية، وتعزيز برامج - تدريب العاملين بالجهاز الإداري للدولة وتثقيفهم في مجال حقوق الإنسان. (5) التجفيف وملاحقة العناصر الإرهابية:

وقد نجحت أجهزة الدولة الأمنية خلال السنوات الخمس الأخيرة، في رصد وتتبع واستهداف العناصر الإرهابية وكشف هياكلها ومخططاتها وانتشارها الجغرافي. وعلى مستوى الشرطة فقد تمكنت من القضاء على الهياكل العنقودية للإرهابيين وعلى رأسهم حركة حسم، وأجناد مصر، والعقاب الثوري، وغيرهم، وحققت القوات المسلحة نجاحات كبيرة عبر "العملية الشاملة" في دحر وتدمير بؤر جماعة "أنصار بيت المقدس" الإرهابية. وارتكزت الاستراتيجية الأمنية طوال الفترة الماضية، على عدة مستويات هي: المواجهة، والوقاية من الإرهاب، والتعاون الأمني دوليًا، وذلك عبر:

تقويض قدرات التنظيمات الإرهابية من خلال استهدافها في الإطار القانوني لإجهاض مخططاتها العدائية، وكشف غموض وملابسات ارتكاب الحوادث الإرهابية بتتبع العناصر الإرهابية الهاربة ومُداهمة أوكار ومخازن الأسلحة وتصنيع المُتفجرات، ومُكافحة التهديدات المُرتبطة بظاهرة المُقاتلين الإرهابيين الأجانب من خلال إحكام الرقابة على المنافذ الشرعية واكتشاف أية مُحاولات لدخول العناصر الإرهابية للبلاد، واتخاذ الإجراءات (الرقابية – القانونية) لمُكافحة الحيازة غير المشروعة للأسلحة النارية والذخائر والمفرقعات، ومُكافحة جرائم غسل الأموال والجريمة المُنظمة، لارتباطها بصورة مُباشرة بعمليات تمويل الإرهاب، وذلك بالتنسيق مع أجهزة الدولة المعنية، ومُتابعة الصفحات التحريضية ومواقع الجماعات الإرهابية على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) لتحديد القائمين على إدارتها لتقديمهم للنيابة العامة وفقاً للقانون.

 بناء منظومة ثقافية وفنية:

وعملت الدولة المصرية خلال السنوات الماضية على بناء منظومة قيم ثقافية وفنية إيجابية في المجتمع؛ تحترم التنوع والاختلاف وتمكين الإنسان المصري من الوصول إلى وسائل اكتساب المعرفة، وفتح الآفاق أمامه للتفاعل مع معطيات عالمه المعاصر، وإدراك تاريخه وتراثه الحضاري المصري، وإكسابه القدرة على الاختيار الحر.

ووضعت رؤية مصر 2030، خطة لبناء توافق مجتمعي حول منظومة القيم المحورية الإيجابية في المجتمع المصري، لما لها أهمية كبيرة في مكافحة الظروف المؤدية للتطرف والنهوض بالمجتمع، وذلك من خلال:

تنظيم حوار وطني شامل حول قيم الديمقراطية والمواطنة والعدل والتسامح واحترام الاختلاف، واحترام حرية التعبير والاعتقاد بالإضافة إلى قيم احترام العلم والتفكير النقدي والمسؤولية الاجتماعية، وإنشاء منظومة ثقافية قومية تعمل بمقتضى القيم الإيجابية المحورية ويجري العمل بها في الوزارات والهيئات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالشأن الثقافي العام، وتفعيل منظومة القيم الإيجابية في الخطاب الديني التي تؤكد على احترام التنوع والاختلاف وتقوم على الدين الوسطي والإيجابيات.

كما أتاحت الدولة الخدمات الثقافة والفنية لكافة فئات المجتمع دون تمييز، وذلك عبر رفع نسب السكان المستفيدين من الخدمات الثقافية في المناطق العشوائية والريفية والحدودية، وإدراج المشاركة في الأنشطة الثقافية والفنية ضمن محفزات تخفيف العقوبة على المسجونين، وزيادة إصدارات الكتب المنشورة وزيادة عدد النسخ في كل طبعة وتزايد نسب التوزيع لتصل إلى المعدلات العالمية، وكذلك زيادة عدد المكتبات العامة ونوادي المعلومات بالمدن والقرى والأحياء بحيث يتوافر بحلول عام 2030 مكتبة عامة ونادي معلومات واحد على الأقل بكل قرية مصرية وكل حي في المدن المصرية.

وأصدرت الدولة قانون حرية تداول المعلومات والعمل بمقتضاه، وزادت من حجم النشر الرقمي من الكتب والفعاليات الثقافية والفنية.

وقد أثبتت الأعمال الفنية التي أنتجتها الدولة المصرية على مدار السنوات الأخيرة، فعاليتها في رفع تثقيف المواطنين وتوعيتهم من الكيانات الإرهابية التي سعت لتشويه الحقائق ونشر المعلومات المغلوطة حول الوطن، ولعل مسلسل "الاختيار"، و"الحشاشين" مثالًا واضحًا ومهمًا في هذا. وتستهدف الدولة ثقافياً تحقيق عدد من الأهداف المهمة، منها: تسليط الضوء على الضرر الذي تسبب فيه الإرهاب والتطرف. التوعية بمخاطر الإرهاب على حقوق المواطن وحياته. زيادة عُزلة الإرهابيين والمتطرفين ما يقلل من فرص برامجهم للتجنيد والاستقطاب. وضع حد لدعم الجمهور وتسامحه مع المعتقدات المتطرفة. تعزيز التعاون بين الدولة والجمهور وزيادة ثقة الفرد في مؤسساته.

دعم الإعلام وتثقيف المجتمع: وقد عملت الدولة عبر وسائل الإعلام على نشر الوعي والتصدي للأفكار الهدامة باعتبارها شريك أساسي في مكافحة التطرف، والعمل على تفعيل ميثاق شرف إعلامي مُلزم لجميع القنوات والمؤسسات الإعلامية بنبذ التطرف والإرهاب وإرساء خطاب يتماشى مع توجهات الدولة نحو التنمية، ودعوة وسائل الإعلام إلى المشاركة والتفكير في آليات وإمكانيات الوقاية من التطرف العنيف، ومراقبة حسابات وصفحات الكيانات المتطرفة على سائل التواصل الاجتماعي لرصد أنشطتهم.

وفي هذا الصدد قدمت الدولة ومثقفوها ورموز الإعلام فيها جهوداً كبيرة في رصد الخطاب الإعلامي المُغالط للتنظيمات بشكل دوري بأنماطه "التشكيكي-التحريضي"، وفنّدت أكاذيب وادعاءات الخطاب "الإعلامي -الديني" للجماعات الهادم لمفاهيم الدولة والمروج لمقولات الحاكمية ورفض الآخر.. وغيرها. كما واجهت "خطاب المظلومية" الذي تستخدمه الكيانات الإرهابية لمنع التعاطف معهم، عبر نشر الحقائق عن الجماعة ومخططاتها الإرهابية بصورة مستمرة، وتعزيز الثقة في الحكومة ومعالجة الاستقطاب الشديد، الذي تغذيه أزمة المعلومات المضللة والمعلومات المضللة التي يتم توجيهها غالبًا عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يمكن أن تمزق المواطنين وتؤدي بالبعض إلى العنف، والعمل على بناء سُبل المكافحة التقنية والسيبرانية للإرهاب، وبناء نموذج قياسي لخوارزميات التطرف التي تستخدم للترويج للفتاوى التكفيرية والآراء، وتقديم خريطة تفصيلية لمواجهة خطابات التجنيد والتعبئة ونشر الشائعات. ويمكن القول في النهاية، إن الدولة المصرية لعبت دوراً مهما وحيوياً في العمل على تقليل أعداد المتجهين للتطرف، وزيادة أعداد العائدين منه، وضمان أن العودة من التطرف لا يتبعها انتكاسة فكرية، وفي سبيل ذلك تبنت وطورت استراتيجيات وطنية جففت بها منابع التطرف تمويلياً وثقافياً وأمنياً وإعلامياً ودينياً وتشريعياً ضمنت به عدم انزلاق الأفراد والجماعات نحو متواليات العنف والتطرف.