الأربعاء 22 مايو 2024

الثقافه وتجلياتها في الجمهورية الجديدة


حسين نوح

مقالات1-5-2024 | 13:29

حسين نوح

تميزت مصر بثروة حقيقية هي تاريخ وفكر وثقافة وإبداع منذ مصر القديمة فجر التاريخ كان التوحيد  ونظم الدولة والعدل والثواب والعقاب والحق والخير والتصالح مع الجمال وذلك قبل الأديان  فالثقافة بدأت من مصر.  

قرأت خلال رحلة حياتي كثيراً من تعريفات للثقافة فأنا من جيل البحث في الكتب والمهموم بمن حولي أبحث في الفنون والثقافة والتاريخ حتى زحف  اللون الأبيض على رأسى.

طالعت  تعريفات للثقافة غربية وعربية، فهل هي نمط الحياة لمجتمع معين وتشمل المعتقدات  والمعارف  الأخلاقية والقيم والسلوك والعادات  والفنون وغيرها أو ما  قاله ( مكسيم جوركي) الكاتب الروسي ( الثقافة هي محصلة ما يبقى فينا بعد أن ننسى ما قرأناه).

بعد كثير مما قرأت أعتقد أن الثقافة هي الاستعداد التام للتحصيل والتعلم لإصابة الهدف وهو المعارف  لذلك كانت وزارة التعليم سابقاً اسمها وزارة المعارف العمومية  فالمثقف هو الحكيم العارف الواعي بما يدور حوله وما يعرف بالتاريخ. المدهش أنه يمكننا أن نحصى أكثر من مائة وستة وثلاثين تعريفاً  متداولاً للثقافة لفلاسفة ومؤرخين،  فالثقافة مرتبطة بكل مجتمع ومفاهيمه الخاصة لتجربته التاريخية  والاجتماعية.  

هنا أبدأ بالمثقف وقد أنعم الله على مصر الغالية بعراقة وتاريخ تمتد جذوره إلى آلاف السنين وقد قال البعض مصر جاءت وبعدها جاء التاريخ هل من الممكن أن تكون تلك الكلمات محملة بشفونية،  بعقلي أراها تلامس الصواب بل وتُصيب كبد الحقيقة.

 نعرف جميعًا أسماء رجال التنوير منذ تاريخ طويل ووقت أن كان البعض يعمل فقط علي تجليات الشعر والملاحم الصحراوية كانت مصر بها رفاعة الطهطاوي، محمد عبده وصولاً لطه حسين، سلامة موسى وزكي نجيب محمود وكثير من عظماء التفكير والثقافة والإبداع.  وهنا سؤال هل نجد للمثقفين وللثقافة مردود عند المواطن نرتضي به مع زخم ما يحدث الآن على شبكات "التباعد" الاجتماعي ونحن نتجه إلى الجمهورية الجديدة ونشاهد ما يحدث حولنا في العالم والإقليم؟

إن هناك حلقة مفقودة أنتجت حالة من شعور قد يصل لليقين أن بعض  المثقفين يعملون في دوائر خاصة ويتحدثون لبعضهم البعض ولا تواصل إعلامي  معهم إلا القليل من رجال الإعلام الحقائق وهناك لقاءات تسعدني واغتسل عقلاً بها  ولكن أريد المزيد رغم وجود بعض البرامج الثقافية وأخرى تستدعي كثيرًا من رجال التنوير والثقافة ولكن أراها  لا تكفي لبلد تجاوز تعداد سكانه ١١٠ ملايين نسمة ويزداد العدد كل عام بحوالي مليوني سنويآً وهو أمر أراه  جَلَل مع محاولات مشكورة من الحكومة ولكن نحتاج لوعي وتنمية عقلية عن طريق الثقافة وإعلام  واعٍ مدرك لخطورة الموقف واحتياجات الجمهورية الجديدة.

ولي إضافة  هل يُفهم  مما أقول إنني أطالب المثقفين والفنانين فقط بالانتقال للجماهير في مناطق تواجدهم -محافظتهم أو قراهم-، بالمنطق لا فالثقافة عبء منقول يؤثر المثقف في من يؤثرون بمعنى أن تصل أفكار المثقف إلى  شباب المتعلمين بالأقاليم وهم ينقلون تلك المعارف إلى القرى وعن طريق الثقافة الجماهيرية والنشاط الجامعي  والمدرسي وعلي سبيل المثال في المسرح مثلاً  أرى أن تؤخذ معظم الأعمال المسرحية التي تعرض في القاهرة وتسلم للمحافظات ليتم تنفيذها بنجوم ومخرجين ومواهب تلك المحافظات ولا نكتفي بإرسال بعض الأعمال بنجومها وتكاليف أعمالهم إليهم.

أنا شخصياً تم تكويني العقلي من خلال فترة الستينيات في محافظة البحيرة فقد كانت تفتح مكتبات المدارس طوال الإجازة السنوية وتمارس كل الهوايات الفنية من موسيقى وتمثيل في المدارس وكانت تقام مسابقات المدارس في كل الأنشطة بمراكز قصور الثقافة والمتفوق في نشاط  ما  وبتعليمات محافظ البحيرة آنذاك (وجيه أباظة) يُلحق بالفرق ولكل محافظة فريق تمثيل وفريق موسيقى ويأتي من مراكز قصور الثقافة بالأقاليم المجاورة و المتميزين من الهواة، وأتذكر أن(وجيه أباظة) هو من قدم محمد نوح إلى فرق التليفزيون في بداياته لقد خرج  كثير من مبدعى البحيرة و مثقفيها  وعلمائها مثل أحمد زويل ودكتور مصطفى الفقي، المشيرعبد الحليم  أبو غزالة، عبد الوهاب المسيري، أمين يوسف غراب، عمر بطيشة، خيري شلبي، محمود الجندي، عبد العزيز مخيون، منير الوسيمي وجميل برسوم، كانت معظم جلسات الشباب ثقافية للنقاش حول كتاب أو مسرحية أو فيلم هكذا كنا ومن هنا كان الانتماء والولاء.

أنت تعرف من معرفة ولها  مصادر وزوايا للرواة   فما تراه من الأمام يراه البعض من خلفيته يخرج عن ذلك كل ما يخرج من المعمل والقوانين العلمية التي اختبرت. المعرفة قابلة للنقاش ووجهات النظر وبعضها يعتمد أساسا على إعمال العقل الذي دعا إليه كل رجال التنوير في العالم وقال عنه المفكر (زكي نجيب محمود)  إن حلول الصدف  في الدراما إنما تساعد على عدم إعمال العقل.

   اعلم يا سيدي أن البعض لا يمتلك القدرة على ممارسة رياضة التفكير ويتعايش مع حالة خموله الفكري ويتصالح معها.  

  الثقافة والفنون والإعلام  والمثقفين هم القاطرة التي تأخذك إلى الوعي والتنمية والانتماء والمعرفة التي أراها من أهم مقومات الإبداع فحين تبدع فأنت تضيف وتجدد ومن هنا يأتي الابتكار في كل مناحي الحياة.  

لا أطالب في الجمهورية الجديدة  بالكثير فقد أصبح جلياً أننا أمام مجهودات شديدة القيمة وأهمها أن لدينا درع وسيف يحمي مقدرات شعب عريق  وندرك جميعاً ما حدث في البنية التحتية والكهرباء والتخلص من العشوائيات  والمواصلات مجهود يُدركه كل منصف لديه بصر وبصيرة ولكن أهم إنجاز حقيقي هو تنمية وعي وثقافة المواطن لتزداد معارفه ويتصالح مع الجمال  وكما قال المفكر زكي نجيب محمود (من يستطيع أن يفرق بين الجميل والقبيح هو بالحتمية يستطيع أن يفرق بين الخير والشر)   فقط افتحوا للمثقفين الحقيقيين  وللإعلام المهني  الحقيقي أخرجوا المثقفين إلى الإعلام والندوات والصالونات نريد أن نراهم في الجامعات والنوادي وقصور الثقافة أخرجوا أعمالهم من مسرح ودراما إلى الجماهير   ليعرف الناس ماذا يحدث في الجمهورية الجديدة،  ونقف جميعاً خلف مصر التي حفظها الله وتستحق منا الفهم والوعي والإخلاص.

 تلك اجتهادات قد تكون على صواب ولكني على يقين أنها من قلبي دون أدنى مواربة حفظ الله مصر التي تنطلق وتستحق.