منذ ثورة المعلومات والاتصالات، التي بدأت في منتصف خمسينيات القرن الماضي، ومع تطور التقنيات الرقمية بشكل تصاعدي غير مسبوق على مدار العقد الماضي، أصبحت البشرية تعيش في عالم هجين، يختلط فيه الواقع المادي مع الواقع الافتراضي، بصورة يصعب على أغلبنا أن التفريق بينهما، كون كلاهما واقعا، الأول منه محسوس بصورة مادية، والثاني محسوس أيضاً، ولكن بصورة افتراضية.
لذا قمت بسؤال مساعدي الذكي الافتراضي المعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، الذي أصبحت لا استغنى عنه ليلاً نهاراً، كونه دوماً قادراً على الإجابة عن تساؤلاتي بمنتهي الجدية، وبمنتهي السرعة، وقبل أن يرتد لي طرفي، ما هو تعريفك للثقافة؟ فجاء رده أن الثقافة هي مفهوم معقد يشمل السلوك الاجتماعي والأعراف الموجودة في المجتمعات البشرية.
كما أن الثقافة تشمل جوانب متعددة مثل اللغة، والدين، والعادات الاجتماعية، والموسيقى، والفنون، وحتى فنون الطبخ ووصفات المأكولات، وغيرها الكثير. فغالبًا ما يتم النظر إلى الثقافة على أنها الأنماط المشتركة للسلوكيات والتفاعلات، والبنى المعرفية، والفهم الذي يتم تعلمه من خلال عملية التنشئة الاجتماعية، وهذه الأنماط المشتركة تحدد أعضاء مجموعة ثقافية معينة مع التمييز أيضًا بين أولئك الذين ينتمون إلى مجموعة أخرى. فمثلاً التحية في اليابان، يميل الناس للاحترام عن طريق الانحناء، بينما في مصر وأغلب بلدان المنطقة العربية، يقوم الناس بتقبيل الخدين كتحية، وفي الهند، العديد من الناس يتجنبون تناول اللحوم بسبب القيم الدينية، بينما في بلدان مثل الأرجنتين والبرازيل، اللحوم، وخاصة اللحوم المشوية، هي جزء مهم من الثقافة الغذائية.
وبالنسبة للغة، فدولة مثل الصين، هناك العديد من اللغات واللهجات المحلية مثل الكانتونية والماندرين، بينما في الدول الاسكندنافية مثل النرويج والسويد والدنمارك، فاللغة واحدة، بدون لغات محلية مختلفة، في كل دولة من تلك الدول.
كما تؤثر الثقافة على نوعية الملابس، ففي الدول الإسلامية المحافظة، ترتدي أغلب النساء غطاء الرأس، في حين في الدول الغربية، فالنساء لديهن الحرية الكاملة في اختيار ملابسهن. وكذلك تتمثل الثقافة في القيم المجتمعية، فغالبية دول آسيا وأفريقيا تكون الأسرة المستقرة هي ركيزة المجتمع، بينما في الثقافات الغربية الأكثر تحرراً، يكون هناك تركيز أكبر على مفاهيم استقلالية الفرد. نعم، هناك فروق ثقافية كبيرة في الموسيقى والفنون.
كما تعكس الثقافات المختلفة تقاليدها وقيمها وتجاربها من خلال الفن والموسيقى، فتختلف أنواع الموسيقى بشكل كبير بين الثقافات المختلفة، وعلى سبيل المثال، الموسيقى في شرق أوروبا تختلف عن موسيقى البلقان، والموسيقى الأفريقية لها إيقاع مختلف تماماً عن الموسيقي المصرية، والموسيقى في أمريكا الشمالية مثل الجاز لا تتماثل مع مثيلتها في أمريكا الجنوبية مثل التانجو والسامبا.
والفنون البصرية تعكس أيضًا الثقافات المختلفة، حيث يمكن أن تكون مستوحاة من القصص التراثية، أو الدين، أو البيئة الطبيعية، أو القضايا الاجتماعية الملحة. والرقص هو جزء آخر من الثقافة حيث يمكن أن تكون هناك فروقات كبيرة.
بعض الثقافات لديها رقصات تقليدية معينة تعكس تاريخها وقيمها. أما الأدب بما في ذلك الشعر والروايات والقصص القصيرة، يمكن أن يعكس الثقافة بطرق معقدة، حيث أن تلك الأعمال في أغلب الأحوال مستوحاة من القضايا الاجتماعية، والتاريخ، والدين، والتراث الشعبي، والفلسفة الثقافية. وبالقطع فأن هذه الأمثلة مجرد تعميم، وقد تختلف الثقافات بشكل كبير داخل البلد الواحد، وداخل المجتمعات المختلفة في نفس البلد أو نفس المنطقة الجغرافية، والفهم الحقيقي للثقافة بالشكل الأقرب للدقة، يأتي من التعرف على الناس على أرض الواقع وتفهم تجاربهم الشخصية والتعلم منها.
إن الثقافة جزء أساسي من قواعد المجتمعات البشرية وتلعب دورًا حاسمًا في تشكيل عالمنا وأسلوب حياتنا. كما أنه من المهم أن نلاحظ أن الثقافة تتأثر ببعضها البعض، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تداخلات ثقافية وتأثيرات متبادلة عابرة للزمان والمكان.
وهذا يعني أن الثقافات ليست ثابتة، بل هي ديناميكية، ويمكن أن تتغير مع مرور الوقت، تحت تأثير مجموعة متنوعة من العوامل بما في ذلك التكنولوجيا، والبيئة، والتواصل مع ثقافات أخرى. وهنا رأينا أنه من الضروري إلقاء الضوء على التطور التاريخي للثقافة، كما سيتم سرده بصورة سريعة خلال الجزء التالي.
التطور التاريخي للثقافة الثقافة، وهي تشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والعادات وأي قدرات أخرى وعادات اكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع، كانت جزءًا أصيلاً من المجتمعات البشرية، تاريخها قديم وبنفس عمر الإنسانية نفسها، وقد تطورت بشكل كبير على مر الزمن.
ويمكن تتبع بداية الثقافة إلى العصر الحجري، حيث بدأ البشر الأوائل في تطوير أدوات بسيطة، وكان أول محاولة من البشر من استغلال ما هو موجود في الطبيعة لخدمته، وتحسين جودة حياته، وهذا بالطبع وعلى قدر بساطتها، كانت أدوات تكنولوجية في صورتها البدائية، مقارنة بالوضع الحالي، ولكن أدت إلى نشوء المجتمعات في صورتها الأولية البسيطة، وكذلك ساهمت تلك الأدوات، المشاركة في التعبير الفني عن الحياة في تلك الحقبة، والعلاقة بين البشر والبيئة المحيطة به، متمثلة في الرسوم على جدران الكهوف، لتكون تلك الرسوم أول توثيق لثقافة تلك الحقبة البعيدة من الزمن، ولتشهد هذه الفترة بداية الثقافة البشرية، والتي تميزت باستخدام الأدوات التكنولوجية البدائية وتكوين مجتمعات صغيرة، تتضافر جهودها، لضمان البقاء على قيد الحياة.
وبمرور الزمن، ظهرت الحضارات القديمة، وعلى رأسها الحضارة المصرية القديمة، بالإضافة إلى الحضارات البابلية والصينية والإغريقية والرومانية، والتي أدت إلى تقدم ثقافي كبير، فعلى سبيل المثال، طور المصريون القدماء نظامًا للكتابة، وبنوا هياكل هندسية عملاقة في غاية الدقة مثل الأهرامات، وبرعوا في علوم الفلك والحساب والطب والمعمار، وكان لديهم نظام ديني متقدم، عرفته البشرية من خلال البرديات ومعابد المصريين الخالدة على ضفاف نهر النيل الخالد. وبالمثل، قدمت اليونان القديمة مساهمات كبيرة في الفلسفة والفنون والعلوم، وظهر لنا سقراط وأرسطو وأفلاطون مما أسس للثقافة الغربية.
كما شهدت العصور الوسطى بعد سيطرة الكنيسة وانتشار المسيحية في جميع أنحاء أوروبا، عصر النهضة، الذي أثر على كل جانب من جوانب الحياة والثقافة، حيث كان هناك اهتمام متجدد بالعلوم والاستكشاف والفنون. أنتجت هذه الفترة فنانين عظماء مثل ليوناردو دافينشي وميكل أنجلو، الذين ما زالت أعمالهم تلهم الكثير منا حتى اليوم، بالإضافة إلى المبتكر العظيم جوتنبرج، مخترع آلة الطباعة، والتي ساهمت في نقل المعارف البشرية من الصورة الشفوية في الحضارات القديمة إلى الصورة المطبوعة، لتأسس لعصر جديد تمكنت البشرية من الاستفادة من تراكم المعرفة البشرية، حيث قامت البشرية بطباعة ما يقارب من 100 مليون كتاب خلال قرن ونصف القرن من الزمان، مما مهد الطريق لظهور الثورة الصناعية الأولي في إنجلترا في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، وبالتالي بدأ الإنسان حقبة جديدة من الحياة على الكوكب، لا تقارن بما كان عليه الحال منذ ظهور الإنسان الأول على الأرض قبل ملايين السنين.
الثورات الصناعية والتحول الثقافي أدت الثورة الصناعية إلى تحول ثقافي كبير. فمع انتقال الناس من المناطق الريفية للعمل في المصانع في المدن، كان هناك تغيير كبير في نمط الحياة وهيكل الأسرة والأعراف والعادات الاجتماعية.
كما شهدت هذه الفترة أيضًا ظهور أيديولوجيات سياسية جديدة، شكلت المشهد الثقافي في ذلك الوقت، وعلى رأسها المحافظين، فبعد الثورة الفرنسية وظهور الرأسمالية الصناعية، ركز المحافظون على الحفاظ على النظام الاجتماعي التقليدي ومقاومة التغيير السريع، وكذلك الليبرالية، والتي ظهرت كأيديولوجية كرد فعل على الثورة الصناعية والتغييرات المرتبطة بها في المجتمع، مما دعا الليبراليون إلى الإصلاح السياسي، وترسيخ مفاهيم الحريات الفردية، والسياسات الاقتصادية التي تفضل الرأسمالية الحرة.
كما ظهرت الاشتراكية التي وُلدت من رحم الانقسام الأيديولوجي بين مجتمع الأوامر الذي حدث مع الثورة الفرنسية، ونمو الرأسمالية الصناعية، لتسعي إلى معالجة العواقب الاقتصادية للثورة الصناعية، خاصة فيما يتعلق بظروف عيش للعمال، وتطوير نظام أخلاقي جديد للمجتمع الحديث، هذا بالإضافة إلى تطور مفهوم الهوية الوطنية خلال هذه الفترة، مع الفكرة التي تقول إن الدولة يجب أن تتوافق مع هوية "الشعب"، وكان هذا غالبًا ما يرتبط بالحركة الرومانسية، التي كانت حركة فنية تؤكد على العاطفة والفردية.
وبالطبع مازالت هذه الأيديولوجيات تواصل تشكيل عالمنا المعاصر، مؤثرة في أنظمتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية حول العالم حتى تاريخه. ومع تقدم البشرية بوجود الثورة الصناعية الثانية التي بدأت في الولايات المتحدة أوائل القرن العشرين، والذي شهد بداية مفهوم الثقافة الحديثة، التي تأثرت بشكل كبير بالتقدم التكنولوجي.
وأدى اختراع الراديو والتلفزيون، كما شهدت هذه الحقبة أيضًا تغييرات اجتماعية وسياسية وثقافية كبيرة، مثل حركة الحقوق المدنية والديمقراطية. وفي وقت لاحق تم اختراع الحاسبات الشخصية، لتؤسس للثورة الصناعية الثالثة، ثورة المعلومات والاتصالات، في منتصف القرن الماضي، ومن ثم ظهور الإنترنت، الذي جعل أكثر من ثلثي البشرية، ولأول مرة على تواصل مستمر على مدار الساعة، بما أدي لانفجار معلوماتي، يقدر بحوالي 120 زيتا بايت من المعلومات، أي 120 ألف تريليون جيجا بايت، إلى انتشار الثقافة بشكل عالمي عابر للحدود والأزمان، مما أدى إلى انتشار الأفكار والاتجاهات الثقافية في جميع أنحاء العالم بلا عائق أو مانع، لنعيش في عالم هجين يدمج الواقع مع الخيال، العصر الرقمي! العصر الرقمي وإعادة تعريف وتشكيل الثقافة اليوم، نحن نعيش في العصر الرقمي، حيث تعيد التكنولوجيا الرقمية والإنترنت تشكيل الثقافة، كما أعادت تشكيل كل مناحي حياتنا.
شهدت بداية القرن الحادي والعشرين عصرًا لم يسبق له مثيل من التقدم التكنولوجي، مما يشير إلى بداية العصر الرقمي، الذي تميز بانتشار التكنولوجيا الرقمية بسرعة فاقت تصور الجميع، لتغير كل جانب من جوانب الحياة البشرية، من الطريقة التي نتواصل ونعمل بها إلى كيفية تعلمنا وتسليتنا، أعاد العصر الرقمي تعريف وجودنا.
قامت منصات وسائل التواصل الاجتماعي بتغيير الطريقة التي نتواصل بها ونشارك المحتوى الثقافي خلالها، مما أدى إلى ظهور ثقافة رقمية عالمية، تتميز بسرعتها واتصالها وقدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية. في صميم هذا التحول يكمن التأثير العميق للتكنولوجيا الرقمية على الثقافة. فالثقافة، بأوسع معنى لها، تشمل القيم والمعتقدات والعادات والممارسات المشتركة لمجموعة أو مجتمع.
إنها العدسة التي من خلالها نرى ونفسر العالم من حولنا. في العصر الرقمي، تم تشكيل هذه العدسة بشكل كبير وأكثر رحابة. حيث قدمت التكنولوجيا الرقمية إمكانية الوصول إلى المعلومات للجميع بدون استثناء، مما أدى إلى كسر الحواجز الجغرافية وتعزيز التواصل العالمي بين شعوب الأرض. أدى ذلك إلى ظهور أشكال جديدة من التعبير والاتصال، مما غير الطريقة التي نخلق ونستهلك ونشارك المحتوى الثقافي بها، من منصات الوسائط الاجتماعية وخدمات البث إلى الفن الرقمي والواقع الافتراضي، لذا قدمت التكنولوجيا الرقمية مشهدًا ثقافيًا موسعًا، وقدمت طرقًا جديدة للإبداع والابتكار.
ومع ذلك، فإن التقاطع بين الثقافة والتكنولوجيا الرقمية ليس بدون تحديات حقيقية. فقضايا الخصوصية، والفجوة الرقمية بين دول الشمال المتقدم ودول الجنوب الساعي للتنمية والحداثة، والحفاظ على التراث الثقافي في الفضاء الرقمي، هي بعض القضايا التي ظهرت خلال العصر الرقمي. علاوة على ذلك، ومع استمرار تطور الثقافة الرقمية، كانت هناك أسئلة مهمة حول الهوية، والأصالة، وقيمة التجربة البشرية في عالم رقمي مفتوح بلا ضوابط أو قيود.
وهذا يقودنا إلى أطروحة مهمة، وهي: طبيعة الثقافة في العصر الرقمي هي تفاعل معقد من الابتكار والتقليد، الفرصة والتحدي، الوحدة والتنوع. إنها كيان ديناميكي ومتطور يعكس تكيفنا الجماعي مع عالم يتم توسيطه بشكل متزايد بواسطة التكنولوجيا الرقمية. بينما نتجول في هذا المشهد الرقمي، من الأساسي أن نفهم ونتفاعل بنقد مع التحولات الثقافية التي يتسبب فيها.
في الأقسام التالية، سنغوص أعمق في خصائص الثقافة الرقمية، وتأثيرها على المجتمع، ومستقبل الثقافة في عالم رقمي. سنستكشف الفرص التي تقدمها، والتحديات التي تطرحها، والاستراتيجيات التي يمكننا توظيفها لضمان أن ثقافتنا الرقمية شاملة، وعادلة، وتعكس قيمنا البشرية المشتركة. العصر الرقمي وتأثيره على الثقافة بدأ العصر الرقمي بالشكل الموسع، وهو فترة تتميز بالتطور السريع وانتشار التكنولوجيا الرقمية، في نهاية القرن العشرين مع ظهور الإنترنت، ومنذ ذلك الحين تميز هذا العصر بظهور الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وقد غير بشكل أساسي الطريقة التي نعيش ونعمل ونتفاعل بها.
والعصر الرقمي يتميز بسرعته واتصاله، فيمكن الآن مشاركة المعلومات التي كانت تستغرق أيامًا أو حتى أسابيع لنشرها على مستوى العالم في لحظة. وقد أدى ذلك إلى مستوى غير مسبوق من الوصول إلى المعرفة وتحقيق دمقرطة المعلومات Democratization of Information التي أنهت مفهوم الهياكل والتسلسلات الهرمية التقليدية للأبد. ومع ذلك، العصر الرقمي ليس فقط معني بالتكنولوجيا، فإنه يتعلق أيضاً بالطرق التي يتم استخدام هذه التكنولوجيا بها والتأثير الذي يكون لها على ثقافتنا. فهنا مفهوم الثقافة، بأوسع معنى لها، لتتضمن القيم والمعتقدات والممارسات المشتركة للمجتمع.
إنها العدسة التي من خلالها نرى العالم ونفهم مكاننا فيه. كان تأثير التكنولوجيا الرقمية على الثقافة عميقًا.
من ناحية، أدى إلى تقارب الثقافات على مستوى العالم. فمن خلال الإنترنت، نتعرض لمجموعة متنوعة من التعبيرات الثقافية من جميع أنحاء العالم، وقد أدى ذلك إلى فهم وتقدير أكبر للثقافات المختلفة، وتعزيز الشعور بالمجتمع العالمي والترابط بين الشعوب. من ناحية أخرى، أدت التكنولوجيا الرقمية أيضًا إلى تجزئة الثقافة. فمع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والخوارزميات المخصصة لتوجيه المعلومات، أصبحنا نعيش بشكل متزايد في غرف ضيقة بإرادتنا، حيث نتعرض بشكل أساسي للآراء والأفكار التي تتوافق مع أفكارنا الخاصة، كأنها ترديد صدي لأفكارنا.
أدى ذلك إلى قطبية المجتمعات وتشتت السرد الثقافي المشترك. علاوة على ذلك، قامت التكنولوجيا الرقمية بتحويل الطريقة التي نخلق ونستهلك بها المحتوى الثقافي. من الموسيقى والأفلام إلى الفن والأدب، قامت التكنولوجيا الرقمية بدمقرطة العملية الإبداعية، مما يتيح لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت أن يصبح مبدعًا.
وقد أدى ذلك إلى انفجار الإبداع والابتكار، ولكنه أثار أيضًا أسئلة حول الأصالة وقيمة الإنتاج الثقافي في العصر الرقمي. بدون شك، كان للعصر الرقمي تأثير عميق على ثقافتنا، مما أدى إلى التقارب والتجزئة في آن واحد، والديمقراطية والقطبية في نفس الوقت. وبينما نواصل التنقل في هذا المشهد الرقمي، من الضروري أن نتفاعل بروية وتفكر مع هذه التحولات، لفهم الفرص التي تقدمها وكذلك التحديات التي تطرحها. فقط عندئذ يمكننا ضمان أن ثقافتنا الرقمية شاملة وعادلة وتعكس قيمنا البشرية المشتركة.
تطور الثقافة في العصر الرقمي كما ذكرنا من قبل فأن الثقافة هي نسيج معقد من المعتقدات والقيم والممارسات المشتركة، وكانت جانبًا محددًا للمجتمعات البشرية على مر التاريخ.
ومن التقاليد الشفوية للحضارات القديمة إلى الكلمة المطبوعة في عصر جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر، استمرت الثقافة في التطور ومتأثره بشكل لا يقبل اللبس بالتقدم التكنولوجي لكل عصر. في العصر ما قبل الرقمي، كانت الثقافة محلية إلى حد كبير، مُشكلة بواسطة الحدود الجغرافية والقرب الجسدي. كانت القطع الثقافية، سواء كانت على شكل فن أو أدب أو موسيقى، كيانات مادية بشكل أساسي، تم مشاركتها ونشرها من خلال التفاعلات المباشرة بين البشر. وقد تميزت هذه الثقافة التقليدية بملموسيتها ودوامها، وكانت وتيرة التغيير فيها بطيئة نسبيًا.
ومع ذلك، مع ظهور العصر الرقمي، خضع هذا المشهد الثقافي لتحول هائل. قامت الثورة الرقمية، التي تكونت بظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيات الرقمية الأخرى، بتحويل الطريقة التي نخلق ونشارك ونستهلك بها الثقافة. لذا تتميز الثقافة الرقمية بسيولتها وديناميكيتها، فإنها تتجاوز الحدود الجغرافية، مما يتيح تبادل عالمي للأفكار والتعبيرات الثقافية، من خلال المشاركة والاتاحة، تسمح لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت بأن يكون خالقًا للمحتوي أو منظمًا أو ناقدًا. كما أنها أصبح المحتوي زائلا ومتغيرا باستمرار، حيث ترتفع وتنخفض الاتجاهات الثقافية بوتيرة مذهلة. ففي هذا النظام البيئي المعقد قد تغيرت الطريقة التي نتفاعل ونتواصل بها ونتصور العالم من حولنا، لأنها أصبحت تتميز بسيولتها وديناميكيتها وتواجدها العالمي. في عصر ما قبل ثورة المعلومات، كان الفن كيانًا ماديًا، في شكل لوحات، نحت، موسيقي، أداء تمثيلي وغيرها.
أما اليوم، قد أعطت التكنولوجيا الرقمية مجالًا لأشكال جديدة من الفن، مثل الفن الرقمي، الطباعة ثلاثية الأبعاد، تركيبات الواقع الافتراضي، وحتى الرموز غير القابلة للتبديل (NFTs)، وهي كلها أمثلة دالة على كيفية تطور التعبير الفني.
كما يمكن للفنانين الآن الوصول إلى جمهورهم في أي بقعة على سطح الكوكب وعلى مدار الساعة، والتعاون في الوقت الفعلي مع الآخرين في جميع أنحاء العالم، وحتى السماح لجمهورهم بالتفاعل مع إبداعاتهم بطرق جديدة ومستحدثة. كما أصبحت الرموز التعبيرية، والصور المتحركة، والميمز لغة عالمية، تضيف طبقة بصرية غالبًا ما تكون مضحكة، إلى محادثاتنا الرقمية.
وكذا قام العصر الرقمي بتحويل الطريقة التي نتعلم بها. جعلت الدورات الدراسية عبر الإنترنت، وتطبيقات التعليم، والدورات الدراسية الشاملة المفتوحة عبر الإنترنت، التعليم متاحًا لأي شخص لديه اتصال بالإنترنت. لذا لم تعد المعرفة مقيدة بالفصول الدراسية الفعلية أو الكتب المدرسية، وأصبح الجهل، وليس التعلم والتعليم، هو الاختيار في عصر ما بعد جوجل. هذا بالإضافة إلى خضوع الطريقة التي نخلق ونوزع ونستهلك الموسيقى لتحول جذري، حيث يمكن للفنانين تأليف الموسيقى رقميًا، وتوزيعها على مستوى العالم في ثوانٍ، ويمكن للمستمعين الوصول إلى الملايين من الأغاني بمجرد لمسة من أصابعهم على شاشات هواتفهم الذكية. وكذلك أدى ظهور الكتب الإلكترونية، وبوابات الأخبار عبر الإنترنت، والمدونات، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلى تغيير عاداتنا في القراءة والكتابة، حيث يمكن لأي شخص أن يكون ناشرًا في العصر الرقمي، مما أدى إلى دمرقطة الكلمة المكتوبة، وتأسيس مفهوم صحافة المواطن. كما غيرت ثورة التجارة الإلكترونية ثقافة التسوق حول العالم، حيث يمكن للمستهلكين شراء أي شيء تقريبًا عبر الانترنت وتوصيله إلى عتبة دارهم.
هذه الأمثلة هي مجرد نماذج على كيفية تشكيل التكنولوجيا الرقمية للممارسات الثقافية. وكلما تطورت التكنولوجيا تطورت سبل استخدامنا لها، وبالتالي عاداتنا وثقافتنا هي أيضاَ ستكون عرضة للتطور والتغيير. وقد قادت عدة عوامل رئيسية هذا التطور من الثقافة التقليدية إلى الثقافة الرقمية. أولاً، أصبحت التكنولوجيا الرقمية في كل مكان وجزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. أصبحت التكنولوجيا، من الهواتف الذكية إلى أجهزة الحاسبات المحمولة واللوحية، وسيلتنا الأساسية للتواصل والتعبير. ثانيًا، قدم الإنترنت منصة لنشر الثقافة على مستوى العالم، وأسقط الحواجز الجغرافية، مما مكن لمستوى من التبادل الثقافي والتفاعل كان لا يمكن تصوره سابقًا. وتلعب منصات وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية دورًا رئيسيًا في تشكيل الثقافة الرقمية، حيث إنها تعمل كساحات عامة افتراضية، حيث يمكن للأشخاص العاديين الاتصال، ومشاركة الأفكار، والمشاركة في الحوار. وقد أدت هذه المنصات إلى ظهور أشكال جديدة من التعبير الثقافي وغيرت الطريقة التي نتواصل ونتفاعل بها.
كما أنها كانت أداة فعالة في قيادة التغيير الاجتماعي، وإعطاء صوت للمجتمعات المهمشة وإلقاء الضوء على الحركات الاجتماعية والأحداث العالمية من زوايا متعددة، لم تكن موجودة من قبل في عصر ما قبل العالم الرقمي. ومع ذلك، فإنها تطرح أيضًا تحديات، مثل انتشار المعلومات الخاطئة وخطر الاستقطاب، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى الكفاءة الرقمية والتفكير النقدي في العصر الرقمي. ثالثًا لقد بدلت وسائل التواصل الاجتماعي الطريقة التي نتفاعل بها مع الثقافة.
لقد أنشأت مساحات جديدة للمشاركة الثقافية والحوار، وأنهت مفهوم التواصل أحادي الاتجاه، وحولت مستهلكي المعلومات من السلبية إلى مشاركين نشطين.
فالتفاعلية هي إحدى الخصائص المهمة التي تحدد الثقافة الرقمية، فعلى عكس وسائل الإعلام التقليدية، التي تكون في الغالب ذات اتجاه واحد، فإن وسائل الإعلام الرقمية تتميز بالتفاعلية بشكل جوهري.
ولم يعد المستخدمون مستهلكين سلبيين للمحتوى؛ بل أصبحوا مشاركين نشطين، ومبدعين، ومنظمين. وقد أدى هذا التحول إلى ظهور المحتوى الذي ينشئه المستخدم User Generated Content، حيث ينشئ المستخدمون ويشاركون محتواهم الخاص، من المدونات والمراجعات إلى الفيديوهات والميمز.
أدى تحقيق الديمقراطية في إنشاء المحتوى إلى ظهور مناظر ثقافية أكثر تنوعًا وحيوية، وتعزيز الإبداع والابتكار، كما أن التواجد العالمي للثقافة الرقمية ساهم في أن تتجاوز الثقافة الحدود الجغرافية، مما جعل الإنترنت ساحة مشاركة واستهلاك التعبيرات الثقافية على مستوى العالم، مما أدى إلى تبادل واندماج أكبر للثقافات، كما جعل هذا التواجد العالمي الثقافة الرقمية متنوعة وشاملة بشكل لا يصدق، مما يتيح للأصوات والآراء المتعددة الوصول للجميع بدون عائق.
ومع ذلك، فإنه يثير أيضًا أسئلة حول التجانس الثقافي وهيمنة بعض الثقافات، مما يسلط الضوء على أهمية الحفاظ على التنوع الثقافي في العصر الرقمي. أخيرًا وليس أخراً، غيرت التكنولوجيا الرقمية أيضًا اقتصاديات الإنتاج الثقافي. مع الأدوات والمنصات الرقمية، أصبح إنشاء ومشاركة المحتوي أكبر وأسرع بصورة تفوق الخيال. في النهاية، الثقافة الرقمية هي كيان ديناميكي ومتطور، يتميز بتفاعليته وتواجده العالمي، والدور الرئيسي لوسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية واضح في هذا المضمار.
لذا علينا أن نواصل التنقل في المشهد الرقمي، مع ضرورة أن نتفاعل بعقلية نقدية مع هذا العالم المتغير، وفهم تأثيراته على مجتمعنا وشعورنا بالهوية، وسيظل يقدم العصر الرقمي فرصًا وتحديات، وعلينا أن نستغل إمكاناته بطريقة تثري ثقافتنا كأفراد ومجتمعات. تأثير الثقافة الرقمية على المجتمع لقد أثرت الثقافة الرقمية، التي وُلدت من الانتشار السريع للتكنولوجيا الرقمية، بشكل عميق على المجتمع. لقد غيرت الطريقة التي نتواصل بها، وجعلت الوصول إلى المعلومات متاح للكل، وأدت إلى ظهور أشكال جديدة من الأنشطة. وسيستكشف هذا الجزء هذه التغييرات وتأثيراتها على نسيجنا الاجتماعي.
التغييرات في الاتصال والعلاقات أحد أكثر التأثيرات الهامة للثقافة الرقمية هو تحول الاتصال والعلاقات. جعلت المنصات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والرسائل الفورية، ومؤتمرات الفيديو من الممكن الاتصال مع أي شخص، في أي مكان، في أي وقت. هذا لم يجعل الاتصال أكثر راحة فحسب، بل أيضًا أكثر تنوعًا، حيث أصبح بإمكاننا الآن التفاعل مع الأشخاص من ثقافات وأساليب حياة مختلفة.
ومع ذلك، أحدث هذا التحول أيضًا تحديات أثار انتشار الاتصال الرقمي مخاوف حول تآكل التفاعل الوجه لوجه والتأثير على صحتنا العقلية. علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي الطابع الدائم والعام للاتصال الرقمي إلى مشكلات مثل التنمر الإلكتروني والتحرش عبر الانترنت. كما أن ديمقراطية المعلومات أدت لديمقراطية الثقافة الرقمية أيضًا من خلال الوصول إلى المعلومات. وكذلك جعل الإنترنت من الممكن لأي شخص لديه اتصال الوصول إلى ثروة من المعرفة كانت متاحة سابقًا فقط لعدد قليل مختار من البشر.
وهذا جعل الابتكار أكثر وأصبح تمكين الأفراد أسهل، بما ساهم في تسيير الترقي الاجتماعي. ومع ذلك، أدى تحقيق الديمقراطية في المعلومات أيضًا إلى انتشار المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، مما يجعل الكفاءة الإعلامية أكثر أهمية. علاوة على ذلك، ما زالت مشكلات الفجوة الرقمية مستمرة، حيث لا يزال الوصول إلى التكولوجيا الرقمية كمتغير متكافئ بين مجموعات اجتماعية اقتصادية مختلفة على مستوي الدول.
كما أدت الثقافة الرقمية إلى ظهور النشاط الرقمي، وهو شكل جديد من الحركة الاجتماعية يستخدم التكنولوجيا الرقمية لإحداث التغيير الاجتماعي، من خلال العرائض عبر الإنترنت، وتحويل الهاشتاج إلى الهاكتيفيزم، والاحتجاجات الرقمية، بما جعل النشاط الرقمي أداة قوية للتعبير المباشر عما يدور في أذهان الناس، وسبيل مستحدث لتحقيق العدالة الاجتماعية.
وكما كان النشاط الرقمي أداة فعالة في إعطاء صوت للمجتمعات المهمشة وجذب الانتباه إلى القضايا الاجتماعية، ومع ذلك، يواجه أيضًا انتقادات لكونه سطحيًا أو يفتقر إلى تأثير حقيقي في العالم المادي، وهو ظاهرة تعرف بـ “النشاط النقري”.
تحديات وفرص الثقافة الرقمية أصبحت الثقافة الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. لقد غيرت الطريقة التي نتواصل بها ونعمل ونتعلم ونستمتع بأنفسنا. ومع ذلك، أحدثت هذه الثورة الرقمية العديد من التحديات والانتقادات. سيناقش هذا الجزء من المقال ثلاثة قضايا رئيسية: الفجوة الرقمية وعدم المساواة، ومخاوف الخصوصية والأمان، والأثر على الصحة العقلية. الفجوة الرقمية وعدم المساواة... تشير الفجوة الرقمية إلى الفجوة بين الأفراد الذين لديهم الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) وأولئك الذين لا يملكون ذلك.
غالبًا ما يكون هذا الفارق بسبب العوامل الاقتصادية الاجتماعية مثل الدخل والتعليم والموقع الجغرافي. كما تفاقم الفجوة الرقمية الفوارق القائمة بالفعل، حيث يتم ترك الأشخاص الذين ليس لديهم الوصول إلى التكنولوجيا في الخلف فيما يتعلق بالفرص التعليمية والاقتصادية. علاوة على ذلك، حتى بين أولئك الذين لديهم الوصول إلى التكنولوجيا، هناك فجوة كبيرة في الكفاءة الرقمية. فلقد أصبحت القدرة على التنقل في العالم الرقمي بفعالية مهمة بشكل متزايد في مجتمعنا اليوم، والأشخاص الذين يفتقرون إلى هذه المهارات هم في وضع غير مريح في جوانب مختلفة من الحياة، بما في ذلك فرص العمل والمشاركة الاجتماعية. مشكلات الخصوصية والأمان مع التزايد الرقمي لحياتنا...
أصبحت الخصوصية والأمان مشكلات رئيسية. فأنه يتم جمع معلوماتنا الشخصية، من عادات التصفح إلى تفاصيلنا المالية، وتخزينها وتحليلها باستمرار. غالبًا ما يتم جمع هذه البيانات دون موافقتنا الصريحة أو حتى معرفتنا. علاوة على ذلك، فإن خطر انتهاكات البيانات والهجمات الإلكترونية هو تهديد مستمر في العالم الرقمي، حيث يمكن أن تؤدي هذه الحوادث إلى تعرض المعلومات الشخصية الحساسة للخطر، مع عواقب مدمرة بشكل ما. ويكمن التحدي في العثور على توازن بين مستوي الرفاهية والسهولة التي تقدمها التكنولوجيا الرقمية والحاجة إلى حماية خصوصيتنا وأماننا. أما فيما يخص الأثر على الصحة العقلية، فالثقافة الرقمية كان لها أثر كبير على الصحة العقلية.
من ناحية، جعلت التكنولوجيا الرقمية موارد الصحة العقلية أكثر إمكانية للوصول إليها، حيث يمكن للأفراد الآن طلب المساعدة، والعثور على مجموعات الدعم، أو التعرف على قضايا الصحة العقلية من خلال خطوات بسيطة. من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي الاتصال الرقمي المستمر والضغط لكونه دائمًا “متصلاً” إلى الإجهاد والقلق. ومؤخراً تم ربط وسائل التواصل الاجتماعي، على وجه الخصوص، بمشاعر القصور، والاكتئاب، والوحدة. كما الحياة الرقمية يمكن أن تكون السبب في حدوث مرض الخوف من فوات الأشياء Fear of Missing Out (FOMO) وهو شعور بالمقارنة المستمرة مع الأخرين وبأن الأخرين هم أكثر سعادة وهناءً وحياتهم تبدو مثالية على ما يبدو، وهذا يسبب تأثيرًا سلبيًا على تقدير الذات للأفراد والصحة العقلية بشكل عام. لذا يتطلب معالجة هذه القضايا نهجًا متعدد الجوانب، يشمل التغييرات في السياسات، والتعليم، وتحول في المواقف المجتمعية تجاه التكنولوجيا الرقمية، بينما نواصل التنقل في العصر الرقمي، من الأساسي التأكد من أن الثقافة الرقمية تعمل على تمكين الأفراد بدلاً من تجنبهم، واستخدام التكنولوجيا بطريقة تحترم خصوصيتنا، وأماننا، والصحة العقلية، وخاصة في ظل التسارع التكنولوجي وظهور الكثير من التطبيقات القائمة على التقنيات الناشئة مثل الواقع الافتراضي والواقع المعزز والذكاء الاصطناعي والبلوكتشين، كون تلك التطبيقات ستعيد تعريف ممارساتنا الثقافية، حتى داخل العصر الرقمي. فمن المتوقع أن تكون التطبيقات المعتمدة على تقنيات الواقع الافتراضي (VR) ستحدث ثورة في الطريقة التي نعايش بها الثقافة.
من المتاحف الافتراضية والحفلات الموسيقية إلى الرواية، سيقدم الواقع الافتراضي بُعدًا جديدًا للتفاعل الثقافي، مما يجعله أكثر قابلية للوصول والتجربة. الذكاء الاصطناعي (AI) هو سيكون صاحب التأثير الأكبر في ثقافة القرن الواحد والعشرين، فسيتم استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء أشكال جديدة من الفنون والموسيقى، وتقديم طرق جديدة للتعبير الثقافي. كما يتم استخدامه أيضًا لتحليل وتوقع الاتجاهات الثقافية، مما يساعدنا على فهم الاختلافات الثقافية المعقدة. أما تقنية البلوكتشين، التقنية التي وراء العملات المشفرة، أيضا تترك بصمتها، حيث سيتم استخدامها لإنشاء أسواق فنية رقمية واسعة النطاق، مما يضمن تعويضًا عادلاً للفنانين الرقميين وتعزيز اقتصاد ثقافي أكثر عدالة.
والثقافة الرقمية بطبيعتها ستكون لديها القدرة الهائلة على معالجة القضايا العالمية، حيث يمكن للحملات على وسائل التواصل الاجتماعي أن ترفع الوعي حول التغير المناخي وحقوق الإنسان والقضايا الأخرى الملحة مثل السلام والأمن الدولي، كما يمكن للمنصات الرقمية أن تعزز الحوار بين الثقافات، وتعزيز الفهم والسلام، ويمكن أيضًا أن يتم دمقرطة الأدوات الرقمية واتاحتها للكل، بما يخلق موجة جديدة غير مسبوقة من الثقافة والابداع والابتكار في عصرنا الهجين، مع ضمان أن هذا الموجة تعكس قيمنا وتعود بالفائدة على جميع أعضاء المجتمع والبشرية كلها.
في الختام، فإن الثقافة، بمفهومها الواسع، هي شهادة على الإبداع البشري والقدرة على التكيف والرغبة الفطرية في التعبير عن أنفسنا وفهم أنفسنا. وبينما نواصل التقدم ومواجهة تحديات جديدة، ستستمر ثقافتنا في التطور، لتعكس قيمنا ومعتقداتنا وتجاربنا الثرية، وأن الادوات الرقمية المتاحة لدينا الآن والتي ستتاح في المستقبل من خلال التطبيقات الابتكارية المعتمدة على التقنيات البازغة، ستساعد على المزيد من الإلهام نحو مجتمع أكثر قدرة على إنتاج الثقافة في صورها الجديدة، لتظل مصر، كما كانت، منارة للفن والأدب والإبداع والابتكار بكافة صوره، وعلينا جمعياً التكاتف وتسخير كافة الإمكانات لخلق جيل جديد من المبدعين القادرين على التعامل مع أدوات العصر، لإنتاج المحتوي الثقافي الأنسب لأجيال ولدت ونشأت في بيئة رقمية خالصة.