الأربعاء 15 مايو 2024

ثقافة الجمهورية الجديدة

مقالات1-5-2024 | 15:45

  • المواطنة لا تقبل بالتطرف الدينى الذى يخلق لنا وحوشا آدمية ويشيع التمييز فى المجتمع ويحول المواطنين إلى عبيد أو أناس مسلوبة الإرادة والعقل

 

الجمهورية الجديدة ليست مجرد طرقا جديدة أو كباري جديدة أو مدنا ذكية جديدة وإنما هى عنوان لدولة جديدة .. دولة ديمقراطية عصرية .. وهذه الدولة لا تقوم فقط على مقومات متينة، سياسية واقتصادية وعسكرية، وإنما تمثل المقومات الفكرية والثقافيةَ أساسا مهما لها أيضا .. فإن هذه الجمهورية الجديدة بعد كل ما واجهناه من تحديات وما خضناه من معارك وما قدمناه من تضحيات كما تضمن تعددية سياسية وسيادة للقانون وحرية للرأي والإبداع واقتصادا قويا وحياة كريمةَ لكل المصريين خاصةَ أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، فإنها تضمن أيضا وجود  منظومة للقيم الإيجابية تسود المجتمع تحوز الاحترام فيه وعلى هديها يمضى وتتشكل علاقات أبناءه بين بعضهم البعض ..

ودرةَ هذه المنظومة من  القيم الإيجابية هى قيمة المواطنة التى تساوى بين جميع المواطنين وإن اختلفوا فى الجنس واللون  أو الانتماء العرقي والاجتماعي والسياسي والجغرافي  والديني.. فنحن مثل كل المجتمعات متنوعين ومتعددين ومختلفين في تمور كثيرةَ .. فمن بيننا الرجال والنساء، ومن بيننا الفقراء والأغنياء، ومن بيننا أيضا الأصحاء وذوى القدرات الخاصة، ومن بيننا صاحب البشرة البيضاء وصاحب البشرةَ السمراء  .. ومن بيننا كذلك المسلم والمسيحي

 .. كما أننا فوق ذلك مختلفين سياسيا أيضا .. ومع ذلك فإننا يجمعنا وطن واحد وحتى نعيش معا يتعين أن نحترم اختلافاتنا وتنوعها والتعددية الموجودة بيننا، وهذا هو ما يوصف بالعيش المشترك .. ولن يتحقق ذلك إلا بالاحتكام للمواطنة والتي تعنى المساواة بيننا جميعا رغم. تنوعنا واختلافنا، وأن نحتكم جميعا للقانون فيما يتعلق بأفعالنا وتصرفاتنا ومواقفنا تجاه بَعضُنَا البعض. 

وقيم المواطنة ليست بدعة أو اختراعا جديدا ولكنها أهم مجموعة القيم الإيجابية التى تتسلح بها المجتمعات منذ قرون، وتحديدا منذ دولة أثينا القديمة التى كانت تعترف بان جميع سكانها مواطنين يتشاركون فى إدارة أمورها باستثناء النساء والعبيد .. وفيما بعد صارت المجتمعات تساوى بين كل أفرادها بعد التخلص من نظام العبودية  وبعد الاعتراف بحق النساء بالمساواة مع الرجال .. وبذلك صارت المواطنة أهم قيمةَ تقوم عليها المجتمعات السوية، التى لا تميز بين فئات المجتمع، سواء دينيا أو عربيا أو جنسا، والتي لا تعتبر الحكام آلهة  أو خلفاء للأنبياء والمحكومين رعايا، وهو ما ساد مجتمعات القرون الوسطى وكان طابعها الخاص، والجمهورية الجديدة بعد خوض حرب شرسة ضد الإرهاب لا تقبل بالطبع بأن يكون هناك طرف ديني خلق لنا وحوشا آدمية قتلت وفجرت ودمرت وهددت استقرار مجتمعنا وسعت لإخضاعه والسيطرة عليه وأخونته .. فالتطرف الديني يتناقض ويتعارض مع قيم المواطنة والمساواة بين المواطنين لأنه يسعى إلى تحويل المواطنين إلى مجموعة من العبيد لا يعرفون إلا السمع والطاعة فقط ولا حق لهم فى التشارك فى إدارة أمور بلادهم وإنما عليهم فقط تنفيذ الأوامر والتعليمات والالتزام بفتاوى الأمراء ومن احتكروا الحقيقة وحدهم.

المواطنة لا تقبل بالتطرف الديني الذى يخلق لنا وحوشا آدمية ويشيع التمييز فى المجتمع ويحول المواطنين إلى عبيد أو أناس مسلوبة الإرادة والعقل أمراءهم هم من يفكرون نيابة عنهم ويتخذون لهم القرارات ويصدرون لهم الأوامر والتعليمات وعليهم التنفيذ وإلا أدينوا بالكفر وحق عليهم القتل  ..ومجتمع المواطنة لا يمكن أن يقبل بذلك وهو الذي يعلى المساواة بين المواطنين رغم تعددهم وتنوعهم واختلافاتهم البيولوجية والاجتماعية والجغرافية والسياسية والاقتصادية.  

إذن ..

الجمهورية الجديدة كما تحتاج لمبان  جديدة واقتصاد جديد وانفتاح سياسي جديد فإنها تحتاج أيضا لثقافة جديدة تختلف عن ثقافة كان يروج لها البعض وتكرس التمييز بين المواطنين من خلال رفض الإقرار بالمساواة الذى تؤكده قيم المواطنة وإقصاء بعضهم .. والثقافة المطلوبة فى الجمهورية الجديدةَ هى ثقافة القيم الإيجابية التى تميز المجتمعات التى تحظى بالسلام الاجتماعي وإدارة خلافاتها بشكل ديمقراطي بالاحتكام لصندوق الانتخابات .. إنها ثقافة المواطنة والمساواة والعيش المشترك واحترام الآخر المختلف عنا دينيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا أيضا، وهذه مسؤولية المثقفين والكتاب والاُدباء والفنانين والإعلاميين والصحفيين  الذين  إذا انخرطوا واشتركوا  فى عزف سيمفونية ثقافية وفكريةَ وفنية وإعلامية  تروج لثقافة القيم الإيجابية سوف ننجح فى مواجهة كل التحديات المحيطة بِنَا .. وهنا تبرز أهمية دور كل مؤسسات الدولة المختلفة وليس وزارة الثقافة وحدها التى بالكاد تكفى ميزانيتها أجور ورواتب العاملين فيها. وبالطبع يتعين أن يكون من يروّجون لتلك الثقافة الجديدة يؤمنون ويقتنعون بها وبضرورتها لنا  وأهميتها لمجتمعنا، وبأنها أحد مقومات الجمهورية الجديدة التى تبنى دولة ديمقراطية عصرية جديدة.