- المصريين الثقافية في الجمهورية الجديدة كبيرة وكثيرة وعميقة، ولا تقف عند ما تم إنجازه فأحلام المصريين تتخطى عنان السماء
- لن تنجح خطة العمل الثقافي للتفاعل مع المستقبل إلا إذا كان لدى وزارة الثقافة كوادر بشرية مؤهلة وعلى علم ومعرفة بمعطيات المستقبل والتطور المتسارع في مجالات الثقافة المختلفة
- لا شك أن ملف اكتشاف الموهوبين ثقافيا وتأهليهم ووضعهم على الطريق الصحيح يحتاج إلى كثير من العمل فمفكرينا القدامى يحتاجون إلى من يحمل الراية من بعدهم
- ملف الثقافة المصرية يحتاج إلى تعاون الوزارات التى تتداخل أنشطتها مع وزارة الثقافة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية الكبرى بما عليها من مسئولية مجتمعية
المتتبع لتطور وزارات الثقافة في العالم يجد أن كل الدول التى تبنت إنشاء هذا الكيان كانت تدرك أن الاهتمام بمناحي الثقافة المختلفة التى تلبي احتياجات المجتمع من المعرفة الناعمة وبخاصة من الفنون والآداب، لم تعد ترفا في ظل عالم أصبح أكثر اندفاعا وتطورا وفي حاجة متزايدة لإشباع الاحتياجات الروحية لكل أفراد المجتمع، وزاد الامر تعقيدا بوجود توجهات نحو غزو ثقافي تمارسه بطرق ناعمة قوى كبرى لتحقيق أهدافها في مناطق اعتبرتها مناطق نفوذ ومصالح، وزاد الأمر تشابكا واهتماما بتوسع دور الثقافة كوسيلة من وسائل الاقتصاد القومي ومع كل يوم يمر تتبدى أدور جديدة للثقافة كجامعة لمجموعة مهمة من الممارسات لتى يقوم بها أفراد المجتمع والتى تتسع وتكبر طبقا لما يمتلكه من مقومات ارتبطت ارتباطا كبيرا بتاريخ المجتمع وتطوره وما مر به من أحداث وما تبناه من قيم وما سار عليه من سياسات وما خطه لنفسه من مناهج قائمة على التفرد المرتبط بمقومات شخصيته، وما يمتلكه من عقول مبدعة متفردة.
وقد نجحت في ذلك شعوب لم تفقد البوصلة في إدارة ملف الثقافة بحرفية واستمرارية وأتت ثمار عملها وانعكس على المجتمع وقوة الدولة واستمرار تجربتها واتخاذها مثالا للاتباع، وهو ما مثل قيمة مضافة للدولة وصارت من القوى الكبري في العالم، وتأرجحت دول بين النجاح أحيانا والفشل أحيانا أخرى في إدارتها لهذا الملف وبدت شعوبها وكأنها في مرحلة الحركة في المكان لما يحدث حولها؛ فخطوة للإمام وأخرى للخلف والثمار المرجوة لم تتحقق جميعا ولم يتذوق مجتمعها ثمار نجاح الأدوار الثقافية كاملة، فصارت الدولة موصومة بالدولة النامية، وعلى الجانب الآخر فشلت شعوب في أن تدير ملف الثقافة بما يخدم أهدافها القومية والانتقال بمجتمعاتها إلى تحقيق أمالها وأحلامها في مجالات العمل الثقافي، ففقدت الكثير الذي كان أن يمكن أن يكون رافعة للدولة وتميزها عن غيرها فأصبحت بعيدة عن تحقيق تقدم أو تفرد أو تلبية لاحتياجات أفرادها لذا فهى عرضة لتغيرات وهزات وصراعات قد تأخذها بعيدا عن الاستقرار أو قد يؤدي الصراع إلى تغير يحملها على الارتقاء بالثقافة بمفهومها الواسع ونتائجها الحضارية.
ولم تكن مصر بعيدة عن فهم أهمية ودور وجود مؤسسات ثقافية مصرية فاعلة وبدا ذلك يكون واضحا في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين عندما أنشئت الجامعة الشعبية على يد أحمد أمين في عام 1945 التى سرعان ما تطورت في عهد ثورة 23 يوليو وصارت تعمل تحت اسم "الثقافة الجماهيرية"، التى قامت إلى جانب الوزارة الوليدة "وزارة الثقافة" بحراك ثقافي كبير منذ عام 1960 عرف باسم "القافلة الثقافية"، التى كانت تجوب القرى والنجوع والكفور قبل أن تجوب المدن، ونقلت إلى المصريين في كل مكان مختلف أنواع المعرفة والفنون مثل المسرح والسينما والكتب والإذاعة والموسيقي والباليه وغير ذلك ... وأرسلت البعثات من أبناء وزارة الثقافة إلى مختلف دول العالم لتلقي التدريب على العمل الثقافي في مجالاته المختلفة فخرجت كوادر ثقافية متميزة قادت العمل الثقافي بكل همة ونشاط، وهذه الكوادر هى التى حققت تميز مصر الثقافي خلال الفترة الماضية، من خلال مؤسسات توالى إنشاءها وتطويرها في السنوات الأخيرة.
إن النقلة النوعية والكبيرة التى قامت بها ثورة يوليو في مجال الثقافة مازالت آثارها باقية حتى يومنا هذا، ومازلنا نتفاخر بها ومازلنا في حاجة ماسة إلى أن نطورها ونضيف إليها ونتفاعل مع أدوات العصر لنبني جديدا عصريا لأجيال جديدة لديها احتياجات مختلفة عن احتياجات أجيال ثورة 23 يوليو.
ولعلنا لا نغالي إذا قلنا أنه قد حان الوقت للخروج من عباءة الماضي في ممارسة الأنشطة الثقافية فمازلنا أسري ما خططته مصر للثقافة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وما زلنا ندير القرن الواحد والعشرين بأفكار منتصف القرن العشرين وهو يعني أننا لن ندرك عصرنا ولن نخطو بالثقافة المصرية إلى آفاق بعيدة؛ فلم تحقق تقافة ثورة يوليو مجدها إلا عندما ابتعدت عن أفكار ما قبل عام 1952 واختطت لنفسها منهجا وطريقة اخذت بها الشعب المصري إلى آفاق بعيدة؛ إن ما كان يبهر المصريين في منتصف القرن العشرين لن يخلب لب المصريين في القرن الواحد والعشرين.
خطة عمل للمستقبل
انعكس ذلك الفعل الروتيني للثقافة على الحالة المصرية، ولم تعد تلك الثقافة التى تلبي احتياجات المصريين وشابها ما شابها، مثل كثير من مجالات الحياة المصرية المختلفة؛ فعبر الشعب المصري عن رفضه لذلك خلال يناير 2011، ثم ثار بشكل أكبر وأعمق في 30 يونيو و3 يوليو 2013 بعد أن حاولت الجماعات المتطرفة اختطاف مصر وتجريف شخصيتها وهويتها المتفردة خلال تلك الفترة ، فزاد الوعي بأهمية تطوير العمل الثقافي وتكريس الفهم بكل ما يكتنف الأمة المصرية من مخاطر تتغير وتتطور بتطور أطماع المتربصين على اختلاف تنوعهم وتوجهاتهم، كما أن الانطلاق نحو بناء مصر الحديثة من خلال الجمهورية الجديدة التى وضعت نصب أعينها استعادة مكانة مصر ووضعها في مكانها الصحيح بين الأمم القوية المعتزة بمبادئها وإنجازاتها وبقيمها ودورها الحضاري يحتاج وعيا وثقافة مختلفة أكثر تفاعلا وفهما بأدوات المستقبل ومرتكزة على أصول ثابتة تمتد جذورها إلى عصور نشأة الحضارة المصرية القديمة، لذا أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية مصر 2030 وكان محور بناء الإنسان المصري بأن الجمهورية الجديدة أهم محاورها ولم يسند هذه الملف الخطير لمؤسسات وزارة الثقافة المصرية وحدها بل ضمت إليها وزارات ومؤسسات مهمة مثل الشباب والرياضة والتربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي والأوقاف والسياحة والآثار والتضامن الاجتماعي والأزهر والكنيسة المصرية، ومؤسسات الإعلام المصري.
خلال عشر سنوات منذ 2014 وحتى 2024 سارت مصر بخطوات واثقة في ملف التمكين الثقافي للمصريين واستطاعت أن تنجز الكثير، فظهرت إلى النور مدن ثقافية عملاقة في العاصمة الإدارية والعلمين والمدن الجديدة وفي أقصى جنوب مصر وأوسطها وشمالها إلا أن أحلام المصريين الثقافية في الجمهورية الجديدة أكبر وأكثر وأعمق ولا تقف عند ما تم إنجازه فأحلام المصريين تتخطى عنان السماء لذا فمازال العمل الثقافي يحتاج إلى إنجازات وأعمال محسوسة وملموسة في كل مكان على أرض مصر بل وفي كل بقعة على الكرة الأرضية التى يجب أن تدرك أن هناك ثقافة جديدة وفكرا جديدا لجمهورية فتية جديدة قائمة على البناء والتطور والتسامح والتعاون وبناء الإنسان.
إن خطة العمل الثقافي للتفاعل مع المستقبل لن تنجح إلا إذا كان لدى وزارة الثقافة كوادر بشرية مؤهلة وعلى علم ومعرفة بمعطيات المستقبل والتطور المتسارع في مجالات الثقافة المختلفة وقادرة على قيادة قاطرة الثقافة، فالنهوض بالعامل البشري ركن أساسي بل وحجر الزاوية لتحقيق أهداف الثقافة المصرية وتطويره وتنمية شخصيته وإكسابه مهارات التعامل مع ثقافة المستقبل بكل أدواتها بشكل مستمر ودون انقطاع لابد وأن تكون هدفا رئيسا في استراتيجية وزارة الثقافة، فبدون عنصر بشري مؤهل لن نستطيع أن تخطيط وتنفيذ برامج ثقافية طموحة، ولنا أن نعلم أن مايقرب من 50 % من العاملين بوزارة الثقافة في السنوات السابقة خرجت إلى المعاش دون أن تحصل على دورة تدريبية واحدة في مجال عملها ووزارة الثقافة لديها ما يقرب من 35 ألف موظف يعملون بكل مؤسساتها وهو عدد كبير وبه سوء توزيع في المواقع الثقافية المختلفة. لذا فإن إعادة الهيكلة والتدريب المستمر وأؤكد على التدريب المستمر وإعادة التأهيل بجداول زمنية مخططة هي الأمل الوحيد لجعل وزارة الثقافة قاطرة فاعلة للعمل الثقافي داخل مصر وخارجها وهذا العدد يمكن أن يكون قوة مضافة إذا ما أحسن استغلاله وتوجيهه، وإطلالة على أعداد العاملين بوزارات الثقافة في بعض دول العالم نستطيع أن نحدد أين نقف، وزارة الثقافة في الصين أخبرني وزير الثقافة الصيني في زيارته لمصر في أغسطس 2015 أن وزارة الثقافة في بكين العاصمة بها 500 موظف وأن جميع العاملين في مجالات الثقافة في جميع أقاليم الصين يبلغ 10 آلآف موظف يخدمون ما يقرب من مليار و400 مليون نسمة وفي الأردن وعندما سألت وزيرة الثقافة الأردنية عام 2015 عن العاملين بوزارة الثقافة الأردنية أخبرتني بأنهم 250 موظفا يخدمون نحو أكثر من 11 مليون نسمة وفي العراق 16 ألف يخدمون أكثر من 50 مليون نسمة.
أما الهدف الثاني والمهم في التفاعل مع المستقبل فهو ضرورة وجود بنية تحتية ثقافية تتناسب مع احتياجات السكان ومع النشاط الذي يمارس فيها، فمازال لدي وزارة الثقافة الكثير من العمل في لإنشاء مواقع ثقافية جديدة وإداراتها حيث مازال أكثر من 50 % من قرى ونجوع وكفور مصر بدون مواقع ثقافية ثابتة يمارس أبناؤها فيها النشاط الثقافي الذي يضيف لهم ولمصر قوة وفاعلية، فوزارة الثقافية لا تتعدى مواقعها الثقافية 700 موقع على أكثر تقدير وهذا يعني أن موقعا ثقافيا لكل 150 ألف نسمة وهو أقل كثيرا مما هو مطلوب من وزارة الثقافة.
ومن المواقع الثقافية التى مازالت تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد ملف المتاحف الثقافية والفنية والقومية التى تديرها وزارة الثقافة ولا يليق أن عددها قليل جدا لا يصل إلى 40 متحفا لدولة تعدادها ما يقرب من 110 مليون نسمة كما أن بعضها مغلق وللمتاحف دورها فمصر لديها أجيال من الفنانين التشكيليين الذين احتلوا مواقع في الذاكرة العالمية للفنون التشكيلية منذ سنوات بعيدة وأعمالهم تزين المتاحف العالمية وتأثيرهم على تطور الفن التشكيلي بكل مجالاته واضح، ولاشك أن إعادة الاهتمام بهذا القطاع سوف يعيد لمصر الكثير من بريقها في هذا المجال، كما أن فتح الباب أمام شباب الفنانين واكتشاف مبدعين جدد يجدد الحياة الفنية المصرية ويضيف إليها المزيد من التواصل مع التطور المتسارع في مجال الفنون الذي خطا خطوات واسعة في مجال الفنون الرقمية.
ولا شك أن ملف اكتشاف الموهوبين ثقافيا وتأهليهم ووضعهم على الطريق الصحيح يحتاج إلى كثير من العمل فمفكرينا القدامى يحتاجون إلى من يحمل الراية من بعدهم، ولن يتأتى ذلك إلا بجهد كبير لتقديم أجيال جديدة من المبدعين في كل المجالات الثقافية ليتم التواصل الفكري بين أجيال الأمة، ونرى أدباء وفنانين عظاما جددا يتغنى بهم العالم، وأخطر ما في هذا الملف ديمومة الرعاية والعناية وفتح الباب أمام كل موهبة، فليس لدي وزارة الثقافة مهمة أجل وأعظم من ذلك.
لعل من أخطر ما يحتاج إلى عناية وجهد كبير ملف الصناعات الثقافية التى أصبحت أحد روافد الدخل القومي لكثير من الدول ولنا أن نعلم أن الصناعات الثقافية الفرنسية عام 2014 قدرت عوائدها بما يقارب 58 مليار يورو وهو يمثل ضعف عائدات قطاع الاتصالات الفرنسي وأكثر من عوائد صناعة السيارات الفرنسية بسبع مرات ووفرت الثقافة فرص عمل لنحو 850 ألف عامل وهو ما يستوعب الكثير من البطالة، وذلك بعد أن أنفقت عليه فرنسا 13 مليار يورو، أي أن العائد جاء أربع أضعاف ما انفق على الثقافة، وفي عام 2018 أعلنت منظمة اليونسكو، أن عوائد أنشطة الصناعات الإبداعية بلغت بنحو 2.250 تريليون دولار أي ما يعادل 3% من الناتج الإجمالي العالمي، ووفرت وظائف بنحو 29.5 مليون وظيفة في نفس العام، وقد وجهت الدول المتقدمة نسبة كبيرة من إنفاقها لتنمية مجالات القوى الناعمة وهو ما قدم عوائد كبيرة لها ففي الولايات المتحدة مثلت الصناعات الإبداعية والثقافية نحو 7.75% من الناتج المحلى الإجمالي ووفرت ما يقدر بنحو 5.9% من فرص العمل على المستوى القومي، وبلغ عائد صادراتها في نفس الوقت ما يزيد على 85 مليار دولار سنويًا. وفي بريطانيا بلغت عوائد الصناعات الإبداعية والثقافية 112 مليار جنيه إسترلينيا، ووفرت فرص عمل لنحو 1.3 مليون فرصة عمل. وفي أستراليا كانت عوائد الصناعات الإبداعية والثقافية نحو 25 مليار دولار، وكانت إيرادات الصناعات الثقافية الصينية عام 2022 نحو 2.29 تريليون دولار.
إن ما تمتلكه مصر من إرث حضاري ومبدعين مصريين يمثلان الرافد الرئيسي للصناعات الثقافية ولا شك أن وجود رؤية علمية وعملية واضحة وخطط تنفيذية مكتملة وتشجيع ودعم ورعاية بشكل مستمر لكل الطاقات التي تعمل في هذا المجال، في نطاق أكثر رحابة وأوسع مما استقر في أذهان البعض عن الصناعات الثقافية سوف تؤتي ثمارها وتعتلى مصر المكانة اللائقة بها إننا نحتاج إلى مؤسسة تضم نابغين ومبدعين بعيدا عن كل تعقيدات الروتين للنهوض بهذا القطاع المهم والحيوي، إن الصناعات الثقافية ليست هدفا لما لها من مردود اقتصادي فقط، بل إن آثارها على الشخصية والهوية المصرية أعمق وأكبر بكثير وعلى مدى زمني عريض، إن المؤشرات الثقافية الصادرة عن المنظمات الدولية تضع مصر في مكانة خاصة وتتنبأ لها بمستقبل واعد إن ما أحسنت إدارة ملف الصناعات الثقافية.
إن الحاجة لتشجيع الشباب المبدع في مجال العمل السينمائي على تأسيس شركات ناشئة في هذا المجال بكل تخصصاته يحتاج إلى دعم وزارة الثقافة، مؤسسات الدولة الأخرى في إطار من الشفافية والجدية لاستعادة دور مصر في صناعة السينما والتى تعتبر أحد أدوات التأثير المصري فضلا عنها أنها رافد من روافد الاقتصاد الثقافي وتستطيع وزارة الثقافة تبني استراتيجية فاعلة ومحكمة وداعمة لتنشيط هذا المجال الذي ولا شك سوف يدر عوائد كبيرة ويكون من أدوات خفض البطالة في هذا المجال بل ويفتح الباب على مصراعيه لبرامج تعليمية جامعية متميزة تخدم هذا المجال
إن هذا الأمر يجعلنا جميعا ننظر باهتمام وجدية نحو القيام بإزالة المعوقات المتراكمة والمرتبطة بشكل كبير بسوء إدارة ملف تراخيص تصوير الأفلام وتصاريح العمل في مجال الفنون السينمائية ولا يعقل أن بلدانا تقع في جوارنا تحصد مئات الملايين من الدولارات من تصوير الأعمال السينمائية على أراضيها وهي لا تملك إلا القليل مما تملكه مصر بسبب سوء إدارة ملف مهم في مجال الانتاج السينمائي.
لقد تحركات مصر سريعا في ملف التحول الرقمي ومن الغريب أن كثيرا من مؤسسات الثقافة تتحرك ببطء في هذا الملف ولا يدرك البعض أن العالم الرقمي انطلق منذ سنوات بعيدة وأن التخلف عن الركب ساعة يؤخر الثقافة المصرية عاما ويزيدها انعزالا عن العالم وعن الفئات التى تستهدفها بنشاطها فهذه الفئات 60 % منهم من فئات الشباب التى ارتبطت حياتهم بالوسائل الرقمية والتطور التكنولوجي والذي يجب أن تسبق الثقافة المصرية فيه بخطوات المتلقين حتى لا تفقدهم ويبحثون عن غيرها، ومن الغريب أن عددا ليس بالقليل من المواقع الإلكترونية للمؤسسات الثقافية إما معطلة أو بياناتها لم تحدث منذ زمن، ومما تحتاجه الثقافة المصرية وبشكل عاجل وجود خطة زمنية واضحة للاستخدام المتميز لوسائل التواصل الاجتماعي على اختلاف تنوعها لتكون منبرا ثقافيا مصريا مؤثرا ويدر عوائد مالية.
إن التأثير المصري في محيطنا الإقليمي والدولي بشكل واضح ومؤثر، لن يأتى إلا اذا كنا أكثر وعيا بما تعانيه المؤسسات الثقافية من خلل ونعمل على إصلاحه، وتتضافر الجهود لاستعادة السبق في هذا المجال فمصر غنية بكل الكفاءات التي تبني لدول أخرى مجاورة نهضتها الثقافية ولا شك أنه بقليل من التخطيط وكثير من العمل يمكن أن نحقق الكثير في هذا الملف.
وهناك الكثير من المجالات الثقافية التى تحتاج إلى المزيد من العناية للتفاعل مع المستقبل، داخل قاطرة الثقافة المصرية – وزارة الثقافة – تحتاج لمزيد من الجهد – يضيق المقام للحديث عنها – مثل: فض التشابك بين أنشطة مؤسسات الوزارة فأصبح كل منها يمارس نشاط الآخر ويترك مهمته الرئيسة، فمن هو مختص بالنشر في مجال التراث تركه واتجه لممارسة الفنون الشعبية ومن هو مختص بالتخطيط للثقافة اتجه لممارسة نشاط المسرح والنشر والفنون الشعبية ومن هو مختص بحفظ الذاكرة المسرحية اتجه لممارسة الموسيقى وغير ذلك الكثير، مما أصبح عبئا على قيام الوزارة بدورها، كما أن قضايا مثل الفنون الرقمية والكاريكاتير والنشر بمختلف أنواعه، والنهوض بالمسرح، والتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني وتنفيذ البرتوكولات الموقعة مع جهات داخلية وخارجية وغير ذلك يحتاج إلى تضافر الجهود من الجميع.
ملف الثقافة المصرية دون غيره يحتاج إلى تعاون مجموعة الوزارات التى تتداخل أنشطتها مع وزارة الثقافة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية الكبرى بما عليها من مسئولية مجتمعية وكل ذلك يحتاج إلى انسجام أكبر وتجرد أكثر وعمل أوفر وأفكار خلاقة واعدة تسبق أحلام وآمال الشعب المصري لنعوض ما ضاع من سنوات الإهمال ولتستعيد مصر سريعا ريادتها في هذا المجالات ولتشبع حاجات الشعب المصري من مجالات الثقافة، وتحقق تقدما كان المصري سباقا إليه دائما.