الأربعاء 15 مايو 2024

في الجمهورية الجديدة.. لا يزال نهر الثقافة يجري


أبو الحسن الجمّال

مقالات1-5-2024 | 16:06

أبو الحسن الجمّال

تمتلك مصر إرثاً ثقافياً وحضارياً يمتد بجذوره إلى آلاف السنين، وأسهمت مصر في خارطة الحضارات العالمية، بل هي التي بدأت المسيرة وعنها أخذت الحضارات الأخرى.. واستطاعت مصر أن تصهر في جنباتها كل الثقافات الوافدة وتسبكها بملامح مصرية خالصة.

وبالتزامن مع قيام الجمهورية الجديدة في مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وضع الثقافة في مكانها الذي يليق بمصر وخصص لها الكثير، وعمل في فترة وجيزة -هي قليلة جداً في عمر الأمم -المشروعات الثقافية الضخمة.. من إنشاء للمتاحف، وترميم للآثار المصرية في كل عصورها، وتنمية الموارد البشرية وصقلها بما تحتاجها من أدوات ثقافية، والاهتمام بالكتاب ولا تزال المطابع تهدر كل يوم وتقدم الجديد وكما أولت الدولة عناية بها ولا تزال تدعمه... إلى آخر هذه الجهود التي سنتحدث عن بعضها في مقالنا التالي..

تولى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية منذ عشر سنوات في فترة فارقة من عمر مصر.. كادت مصر أن تنهار الدولة وتهوى إلى واد سحيق من الخراب والدمار، وتدخل السيسي وأنقذ البلاد من هذا المنحى الأليم وأعاد الأمن والأمان إلى الشارع بعد سنوات عجاف من الفوضى.. لم يكتف بالمسكنات التي كان يتعاطاها سلفه من الرؤساء وخصوصاً في الثلاثين عاماً التي سبقت عصره، ولكنه تعامل مع الملفات بجدية وبصورة جذرية فلم يعرف للتردد سبيلاً وتحققت معجزات على أرض الواقع في فترة وجيزة رغم التحديات والأزمات التي تكبل مصر ويحيطها من كل الجهات.

   ووضع السيد الرئيس الثقافة على رأس الأولويات وخصوصاً وأن لها تاريخا حافلا بالعطاء الثقافي والحضاري منذ آلاف السنين فقد أثرت الحضارة المصرية في كل الحضارات بعد ذلك، وتمتلك مصر رصيداً ضخماً من القوة الناعمة وقدمت الآلاف في كافة أطياف الثقافة والمعرفة. ولكي يكون لدينا ثقافة حقيقية لابد أن نذكر طرح المفكر الكبير د. إلياس فرح لجملة من المواقف التي تحدد وجودنا الثقافي ومنها:

  1. المراجعة النقدية الشاملة للمكونات الثقافية الموروثة من مراحل الانحطاط السلبية.
  2. تخطي الانقطاع الحضاري، وتجديد الصلة بالتراب الحي للأمة، بالارتفاع إلى المستوى النضالي والمستوى الروحي الذي يحقق الانقلاب على الذات ويبعث الشخصية ويشق طريق التحول الشامل للحياة.
  3. تحديد الأهداف التاريخية للمرحلة القومية في ضوء التحليل الجدلي التاريخي للتناقضات الأساسية للمجتمع العربي وواقع العصر وثقافته وحضارته بالاستناد إلى التراث الحضاري والروحي للأمة.
  4. إنضاج الموروث الحضاري الانبعاثي الجديد للنهضة المعاصرة في ضوء التحديات التي يعاني منها العالم المعاصر والحاجة إلى التطوير الدائم للمعرفة وللذكاء والشعور الإنساني وللشعور الحسي على الصعيدين القومي والعالمي، بالروح وبالاتجاه المساعدين على جعل الإنسان والإنسانية أشد تلاحماً وأكثر انسجاماً مع قانون التفاعل الحضاري الذي يطلق قوى التقدم يكفل التطور الخلاق الأصيل لكل أمة، وتحقيق شخصيتها ورسالتها الإنسانية. (د. إلياس فرح: دور الثقافة في المجتمع العربي المعاصر، ص3). 

      بدأت أوركسترا الفعاليات الثقافية تهدر بالعزف.. الحماس يسربل الجميع والرئيس يتابع ويدعم ويذلل العقبات.. بدأت الجهود تؤتي ثمارها.. فعملت وزارة الثقافة على تفعيل استراتيجية الدولة المصرية لبناء الإنسان المصري وحرصها على إرساء مبدأ العدالة الثقافية في كافة أرجاء الدولة.

   وفي فترة من الفترات تعرضت الهوية المصرية لخطر الفكر المتطرف الذي اكتوى بناره الكثير من أبناء الشعب المصري وكان لابد من مواجهة هذا الفكر بكل المقدرات المتاحة لمؤسسات الدولة الثقافية، لذا عملت الدولة على استثمار مفردات القوى الناعمة للحفاظ على هويتنا الثقافية وصون مقدرات الوطن الحضارية.    

    وبما أن العصر الذي نحياه هو عصر البناء والتشييد على كل المستويات، فعملت وزارة الثقافة على إنشاء أكثر من 100 منشأة ثقافية في فترة وجيزة مثل مدينة الفنون والثقافة بالعاصمة الإدارية وهي مدينة فنون عالمية على أرض العاصمة الإدارية الجديدة. فقد أقيمت المدينة على مساحة ۱۲۷ فدانًا، وتضم عددًا من المسارح وقاعات العرض والمكتبات والمتاحف والمعارض الفنية، لكل أنواع الفنون التقليدية والمعاصرة، من موسيقى ورسم ونحت ومشغولات يدوية وغيرها. وتضم المدينة قاعة احتفالات كبرى تستوعب ۲٥۰۰ شخص مجهزة بأحدث التقنيات، والمسرح الصغير به قاعتان تستوعبان ۷٥۰ فردًا للعروض الخاصة، ومنها دار الوثائق بالفسطاط، كما أنشأت الكثير من المتاحف مثل المتحف المصري الكبير الذي سيفتتح في الأيام القادمة، وكذلك متحف الزعيم جمال عبد الناصر، وإعادة افتتاح دار الكتب المصرية بباب الخلق والتي تأثرت من الحادث الإرهابي الذي استهدف مديرية أمن القاهرة منذ عشر سنوات.

لم تنس الدولة أبناء المحافظات الحدودية وإرساءً لمبدأ العدالة الثقافية فعقدت الندوات والمؤتمرات في: مطروح، وجنوب سيناء، وشمال سيناء، والوادي الجديد، والبحر الأحمر، وأسوان، وكذلك المناطق العشوائية بعد أن تم القضاء على هذه البؤر وإنشاء وحدات سكنية آدمية تليق بالإنسان المصري في الجمهورية الجديدة فعملت وزارة الثقافية على دعم هذه المناطق ثقافياً.

  كما اعتنت الدولة بالشباب وبالطفل ونجحت الدولة في عهد الرئيس السيسي من إصدار قانون بجائزة الدولة للمبدع الصغير، لتكون الأولى من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، والتي تهدف إلى منح جوائز للمبدعين في مراحل النشء والشباب من سن 5 إلى 18 سنة في مجالات الثقافة والفنون والابتكارات العلمية، وحصل عليها 83 طفلًا وفتاة على مستوى الجمهورية، هذا إلى جانب تنظيم 166 ألف فعالية في هذا الإطار، منها التوسع في إنشاء مراكز تنمية المواهب في المحافظات حيث بلغ عددها 11 مركزًا في "القاهرة، الإسكندرية، دمنهور، الغربية، بورسعيد، أسوان، الأقصر، قنا، المنوفية والإسماعيلية"، واستفاد منها 4700 دارس، وجاري العمل على إضافة 8 مراكز أخرى في محافظات "البحر الأحمر، السويس، العريش، أسيوط، الفيوم، مرسى مطروح، المنصورة، جنوب سيناء، ليصل عدد المحافظات إلى 19 محافظة.

 تم افتتاح المدرسة التكنولوجية بأكاديمية الفنون، وإطلاق مشروع "ابدأ حلمك مسرح" في القاهرة والمحافظات، للتدريب على فنون المسرح، استفاد منه 1000 متدرب، وتم اعتماد خريجيها كفرق نوعية بالمواقع الثقافية بكل محافظة، ومشروع "ابدأ حلمك سينما" للتدريب على فنون السينما استفاد منها 350 متدربًا، ومنح أكثر من 2000 مبدع منح تفرغ لإنتاج أعمال فنية وإبداعية ، كما توسعت أكاديمية الفنون في فرع الأكاديمية بالإسكندرية، ليضم معهدي السينما والنقد الفني إلى جانب معاهد الفنون المسرحية والموسيقى العربية والكونسرفتوار، وجاري العمل على افتتاح فروع جديدة للأكاديمية في أسيوط، بالتعاون مع جامعة أسيوط، وفي المنصورة، بالتعاون مع جامعة المنصورة، وفي القاهرة بمدينة الشروق.

ونال الكتاب الكثير من دعم الدولة الكثير في الهيئات العديدة والتي تطبع الكتاب بأسعار رمزية وفي حلة قشيبة وإخراج مبهر، وقد رعت مصر المواهب وصغار الكتاب في هذه الهيئات مثل: الهيئة العامة لدار الكتب المصرية والوثائق القومية، وفي الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفي الهيئة العامة القصور الثقافة وفي المجلس الأعلى للثقافة حيث يتعرض النشر لكل صنوف المعرفة كما أولت اهتماما كبيراً بكتب التراث والكتب المترجمة في هذه الهيئات وخصوصاً المجلس القومي للترجمة، واهتمت الدولة بمعارض الكتاب في كل محافظات مصر وهناك معارض دائمة إضافة إلى العرس الثقافي السنوي الذي ينتظره الجميع في مصر والدول العربية وهو معرض القاهرة الدولي للكتاب ومنذ الدورة الخمسين لانعقاده انتقل إلى مركز مصر للمعارض والذي أقيم على أحدث النظم العالمية للعرض وذللت العقبات والصعوبات التي كانت في أرض المعارض بمدينة نصر. 

كما اهتمت الجمهورية الجديدة بملف الآثار وأنشأت المتحف المصري الكبير، كما ساهمت البعثات المصرية في التنقيب عن الآثار وتم اكتشاف العشرات من المقابر والأماكن الأثرية والتي ستزيل النقاب عن حقائق تاريخية مستقبلاً، كما تم ترميم وتجديد المساجد الأثرية الكبرى في القاهرة والمحافظة ومنها مسجد الظاهر بيبرس وقد عجزت الحكومات السابقة في ترميمه وصار مهملاً وفي حالة خراب تام على مدار أكثر من مائتي عام، وعاد إليه بهاؤه ورونقه وصار مشعل نور وحضارة، وقس على ذلك المساجد الأخرى مثل: الجامع الأزهر الشريف، ومسجد الإمام الحسين، والسيدة زينب، والحاكم بأمر الله وغيرها.. كما أنشأت المساجد الكبرى مثل: مسجد مصر الكبير، ومسجد الفتاح العليم، وفي مجال الآثار القبطية واليهودية تم ترميم وإنشاء العديد من الآثار لتعود واجهة حضارية لمصر ولتبرهن على جو التسامح والتعدد في الجمهورية الجديدة..  

 والحديث عن العطاء الثقافي خلال عشرة أعوام لا يكفيه هذا المقال المحدود ولكن نحتاج إلى مجلدات وإلى العديد من المؤرخين لكي يرصدوا هذه التجربة الثرية والتي حققت ما يشبه المعجزة. والأمل المعقود في السنوات المقبلة في تحقيق المزيد من العطاءات الثقافية على كل الأصعدة.. حتى تزيد جرعة الوعي التي هي المصل ضد الأخطار التي تهدد الأمم.