الأحد 6 اكتوبر 2024

رؤية نقدية لتمثلات الثقافة الموسيقية فى عهد الجمهورية الجديدة

مقالات1-5-2024 | 15:59

مما هو معروف أنّه لا توجد حضارة أو تاريخ بدون موسيقى لأنَّ الموسيقى ظلت وستظل المرآة التى تعكس على مر السنين، تاريخ الحضارات الإنسانية في شتى بقاع العالم. إن موسيقى الشعوب هي عنوانها، على حد قول الحكيم الصيني (كونفشيوس) الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد حين يقول: ( إذا أردت أن تتعرف في بلد إلى نوع إرادته ومبلغ حظه من المدنية فاستمع إلى موسيقاه)، فالموسيقى أصدق لغة تستطيع الشعوب على اختلاف ألسنتها وألوانها أن تتخاطب بها دون أى تكلف.

تتناول هذه الدراسة " العلاقة بين التثقيف الموسيقي والمجتمع"، بتناول أهم مظاهر الممارسات الموسيقية، بجانب النظر في بعض المؤثرات التاريخية التي لعبت دوراً في توجيه مسار الحركة الفنية وأثر ذلك فى تشكيل وجدان الفرد داخل المجتمع.

إن التثقيف الموسيقي يتفاعل ويتداخل مع مجالات الثقافة الآخرى في كثير من جوانبها وعناصرها، وبرغم ذلك فهو يحتفظ بميزات وعناصر وعوامل تجعله متفرداً على كافة المستويات، إذا كان ذلك فيما يتعلق بالنشاط الفني التخصصي ، أو على المستوى الإجتماعي ويوضح ذلك نيقولاى برديائف فى كتابه (العزلة والمجتمع) حين يقول:

"إن الإنسان يتلقى مؤثرات من بيئته المادية والإجتماعية، كما يتأثر بتجارب التاريخ البشرى، ولكنه فى الاستجابة لهذه المؤثرات جميعها حر فى جوهره وكائن فعال خالق، وحتى فى المستويات الهابطة للوعى الإنسانى لا يتأثر الإنسان تأثرا آليا إلا فى الأفعال المنعكسة، ولكن الإنسان لا يقدر إلا بالمستويات العالية لوعيه، وبما فى استطاعته أن يبلغه ويحققه ".

 لقد وعي الإنسان أهمية التثقيف في تكوين ذلك الوعي فأسس وجوده عبر السنين من خلال التراكم النوعي والكمي للفعل الثقافي والإنساني، فما تركته الثقافات القديمة كالمصرية والفارسية والإغريقية يُعدّ صورة واضحة لذلك الفعل التثقيفي عبر مراحله وعصوره, ويضيف فى هذا حسين مؤنس فى كتابه ( الحضارة ) حين يقول:

  "إن الثقافة هى ثمرة كل نشاط إنساني محلي نابع عن البيئة ومعبر عنهـا أو مواصل لتقاليدها فى هذا الميدان أو ذاك، فالشعر الإنجليزي والموسيقى كلها ظاهرة ثقافية، لأنها تعبر عن الطبيعة الإنجليزية وطبيعة منشئيها، وكذلك الحال بالنسبة للأدب العربي والموسيقى العربية وتراثها الأدبي فى جملته واحد وهو تراث الشعر العربي كله، إلا أن الشـاعر العراقي مثلاً، إذا كان صادقاً فى إحساسـه وتعبيره يعبر بطريقة عراقية وألفاظ العربية التى يستعملها لها مذاق عراقي، وموسيقى هذه البلاد كلها موسيقى عربية، ولكن الفرق بعيد بين الموسيقى العربية والمغربية وكذلك الحال فى التصوير".

  ولا يزال التثقيف المحرك الأساسي للفعل الإنساني، فمقياس تحضر الأمم  ورقيها مرتبط بتقدمها الثقافي بكل دلالات اللفظ  ومحتوياته، وهذا ما تشهد به المدنية المعاصرة فالأمم المتقدمة فى عالمنا هي التي استطاعت أن تأخذ بتلابيب الثقافة فى كافة جوانبها الإنسانية والعلمية وأن تحول وعيها الثقافي إلى فعل عام تتقدم به على غيرها، على الرغم من الخلل الذى يغلف بعض جوانب ثقافتها.

دشهدت مصر في السنوات الأخيرة تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية هائلة، كان لها تأثير عميق على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الثقافة الموسيقية. ظهر مصطلح "الجمهورية الجديدة" لوصف هذه التحولات، وارتبط بالعديد من التطلعات والآمال، بما في ذلك إحداث نهضة ثقافية شاملة.

 

وتهدف هذه الرؤية النقدية إلى دراسة العلاقة بين الثقافة الموسيقية والجمهورية الجديدة، وذلك من خلال:

  • تحديد مفهوم الثقافة الموسيقية.
  • تحليل ملامح الجمهورية الجديدة.
  • دراسة تفاعل الثقافة الموسيقية مع الجمهورية الجديدة.
  •  تأثير الجمهورية الجديدة على الثقافة الموسيقية.

 

أولاً: مفهوم الثقافة الموسيقية:

تُعرّف الثقافة الموسيقية بأنها مجموعة من الممارسات والمعتقدات والقيم والأعراف التي تتعلق بالموسيقى. تشمل هذه الممارسات:

الإنتاج الموسيقي: تأليف الموسيقى، وتنفيذها، وتسجيلها، ونشرها.

الأداء الموسيقي: العزف على الآلات الموسيقية، والغناء، والرقص.

استهلاك الموسيقى: الاستماع إلى الموسيقى، وشراء التسجيلات الموسيقية، وحضور العروض الموسيقية.

التعليم الموسيقي: تعليم الموسيقى للآخرين، وتعلم الموسيقى.

   تُعدّ الثقافة الموسيقية جزءًا هامًا من الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات. فهي تُعبّر عن المشاعر والأفكار والتجارب، وتُساهم في بناء الروابط الاجتماعية وتعزيز التضامن.

 

ثانياً: ملامح الجمهورية الجديدة:

   تُشير "الجمهورية الجديدة" إلى مجموعة من التطلعات والرؤى التي تهدف إلى بناء مصر أكثر قوة واستقرارًا وازدهارًا. وتشمل هذه التطلعات:

التنمية الاقتصادية: تحقيق نمو اقتصادي مستدام وخلق فرص عمل جديدة.

التحسين الاجتماعي: تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير خدمات أفضل في مجالات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية.

الإصلاح السياسي: تعزيز سيادة القانون ومشاركة المواطنين في صنع القرار.

التحديث الثقافي: إحياء التراث الثقافي المصري وتطويره وتشجيع الإبداع والابتكار.

 

ثالثاً: تفاعل الثقافة الموسيقية مع الجمهورية الجديدة:

 تتفاعل الثقافة الموسيقية مع الجمهورية الجديدة على عدة مستويات:

  الموسيقى كأداة للتعبير: تُستخدم الموسيقى للتعبير عن مشاعر الناس وآرائهم حول التطورات السياسية والاجتماعية في مصر. على سبيل المثال، ظهرت العديد من الأغاني التي تدعم التغيير والإصلاح في ظل الجمهورية الجديدة.

الموسيقى كوسيلة للترفيه: تلعب الموسيقى دورًا هامًا في الترفيه عن الناس وتخفيف التوتر والقلق. وتُساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي وخلق جو من البهجة والفرح.

الموسيقى كأداة للتغيير: يمكن استخدام الموسيقى لزيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية والسياسية وإحداث التغيير الإيجابي. على سبيل المثال، تُستخدم الموسيقى للتوعية بمخاطر الإرهاب والتطرف وتعزيز قيم التسامح والاحترام.

رابعاً: تأثير الجمهورية الجديدة على الثقافة الموسيقية:

يُتوقع أن يكون للجمهورية الجديدة تأثير إيجابي على الثقافة الموسيقية في مصر، وذلك من خلال:

  • دعم الإبداع الموسيقي: توفير الدعم المادي والمعنوي للموسيقيين المصريين لخلق المزيد من الأعمال الموسيقية المبتكرة.
  • تعزيز التنوع الموسيقي: تشجيع مختلف أنواع الموسيقى، بما في ذلك الموسيقى الشعبية والموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الحديثة.
  • نشر الموسيقى المصرية: العمل على نشر الموسيقى المصرية على الصعيدين المحلي والدولي.

 

التثقيف الموسيقي وتنشيط المجتمع في الجمهورية الجديدة

أهمية التثقيف الموسيقي:

  "الموسيقى لغة عالمية تتجاوز الحدود واللغات، وهي أداة قوية للتواصل والتعبير عن المشاعر والأفكار؛  إنّ التثقيف الموسيقي ضروري لتنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الأفراد، وتعزيز شعورهم بالانتماء والمجتمع"،  د. محمد أبو النصر: "الاتجاهات الحديثة في رعاية وتأهيل متحدي الإعاقة: من منظور اجتماعي")

  "تلعب الموسيقى دورًا هامًا في تنمية المهارات الحركية واللغوية لدى الأطفال، كما أنها تُساعد على تحسين التركيز والذاكرة. إنّ تعليم الموسيقى للأطفال يُساهم في بناء شخصياتهم وتنمية مواهبهم وقدراتهم."، (د.منى خليل، "دور الموسيقى في تنمية مهارات الأطفال").

 

دور التثقيف الموسيقي في تنشيط المجتمع:

  "يمكن للموسيقى أن تُساهم في توحيد المجتمع وخلق شعور بالانتماء المشترك. تُنظم الفعاليات الموسيقية المختلفة، مثل الحفلات الموسيقية والمهرجانات، فرصة للأفراد للتفاعل مع بعضهم البعض ومشاركة اهتماماتهم. كما تُساعد الموسيقى على كسر الحواجز الاجتماعية وخلق بيئة من التسامح والاحترام المتبادل"، (د. أحمد عاطف: "الموسيقى والتغيير الاجتماعي: دراسة في سياق المجتمع المصري").

  "تُستخدم الموسيقى في العديد من البرامج المجتمعية الهادفة إلى تعزيز الصحة النفسية والمجتمعية. تُساعد الموسيقى على تحسين الحالة المزاجية وخفض مستويات التوتر والقلق. كما تُستخدم في علاج بعض الأمراض النفسية، مثل الاكتئاب واضطرابات القلق"، (د. هبة عبد الرحمن: "الموسيقى والعلاج النفسي: دراسة علمية").

مبادرات التثقيف الموسيقي في الجمهورية الجديدة:

  "تُولي الدولة المصرية اهتمامًا كبيرًا بالتثقيف الموسيقي في إطار خطط التنمية الشاملة للجمهورية الجديدة. تمّ إنشاء العديد من المعاهد الموسيقية ومدارس الفنون في مختلف أنحاء البلاد. كما تُنظم وزارة الثقافة العديد من الفعاليات الموسيقية المختلفة بهدف نشر الوعي الموسيقي وتعزيز التذوق الفني لدى الجمهور." (جريدة الأهرام، "مصر تُطلق استراتيجية وطنية للتثقيف الموسيقي في إطار الجمهورية الجديدة"، 2022)

"تُشارك العديد من المنظمات غير الحكومية في جهود التثقيف الموسيقي في مصر. تُقدم هذه المنظمات برامج تعليمية موسيقية للأطفال والشباب في المناطق المحرومة. كما تُساهم في نشر الموسيقى المصرية الأصيلة وتعزيز الهوية الوطنية." (موقع "مصر الخير"، "دور المنظمات غير الحكومية في التثقيف الموسيقي في مصر")

 

خاتمة:

  يُعدّ التثقيف الموسيقي ركيزة أساسية لتنمية المجتمع وتنشيطه. تُساهم الموسيقى في تنمية مهارات الأفراد وتعزيز شعورهم بالانتماء والمجتمع. تُبذل الدولة المصرية جهودًا كبيرة لنشر الوعي الموسيقي وتعزيز التذوق الفني لدى الجمهور. كما تُشارك العديد من المنظمات غير الحكومية في هذه الجهود.

  شهدت مصر في السنوات الأخيرة تغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية هائلة، كان لها تأثير عميق على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الثقافة الموسيقية. ظهرت "الجمهورية الجديدة" كرؤية جديدة لمستقبل مصر، تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة وتحسين نوعية حياة المواطنين.

  تتمتع مصر بتنوع ثقافي موسيقي غني، حيث تضم العديد من الأنواع الموسيقية المختلفة، من الموسيقى العربية التقليدية إلى موسيقى البوب والموسيقى الإلكترونية. في ظل الجمهورية الجديدة، برزت بعض الاتجاهات الجديدة في المشهد الموسيقي، مثل:

ازدياد شعبية موسيقى الهيب هوب: شهدت موسيقى الهيب هوب انتشارًا واسعًا بين الشباب، خاصةً بعد نجاح بعض فناني الهيب هوب المصريين على المستوى المحلي والعربي.

 عودة الاهتمام بالموسيقى العربية الأصيلة: ازداد الاهتمام بالموسيقى العربية الأصيلة، خاصةً بين الجيل الجديد، وذلك من خلال إعادة تقديم بعض الأغاني الكلاسيكية بشكل عصري، أو من خلال ظهور فنانين جدد يقدمون موسيقى عربية أصيلة.

انتشار منصات الموسيقى الرقمية: ساهمت منصات الموسيقى الرقمية مثل "أنغامي" و "سبوتيفاي" فى نشر الموسيقى المصرية على نطاق واسع، وسهلت على الجمهور الوصول إلى مختلف أنواع الموسيقى.

الفرص:

   تقدم الجمهورية الجديدة العديد من الفرص لتعزيز الثقافة الموسيقية في مصر، منها:

دعم المواهب الشابة: توفير الدعم للمواهب الشابة من خلال برامج التدريب والتمويل، وإتاحة الفرصة لهم للظهور على المسارح والمهرجانات.

  تعزيز البنية التحتية للموسيقى: تطوير البنية التحتية للموسيقى، مثل إنشاء المزيد من الاستوديوهات الموسيقية وقاعات العزف، ودعم صناعة الموسيقى بشكل عام.

نشر الموسيقى المصرية عالميًا: العمل على نشر الموسيقى المصرية عالميًا من خلال المشاركة في المهرجانات الدولية وتنظيم جولات موسيقية خارجية.

 

التحديات:

على الرغم من الفرص المتاحة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجه الثقافة الموسيقية في مصر، منها:

نقص التمويل: يعاني قطاع الموسيقى من نقص التمويل، مما يحد من قدرات الفنانين والموسيقيين على الإنتاج والتطوير.

  قلة الوعي بأهمية الموسيقى: لا ينال قطاع الموسيقى الاهتمام الكافي من قبل بعض الجهات الرسمية والمجتمع بشكل عام، مما يُعيق تقدمه وتطوره.

الإيجابيات:

 على الرغم من التحديات، إلا أن هناك العديد من الإيجابيات التي يمكن أن تُساهم في تعزيز الثقافة الموسيقية في مصر، منها:

الاهتمام المتزايد بالموسيقى: ازداد الاهتمام بالموسيقى بين المصريين، خاصةً بين الشباب، وذلك من خلال حضور الحفلات الموسيقية ومتابعة الفنانين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

انتشار ثقافة التطوع في مجال الموسيقى: ظهرت العديد من المبادرات التطوعية التي تهدف إلى دعم المواهب الشابة ونشر الموسيقى بين مختلف فئات المجتمع.

تطور التكنولوجيا: أسهمت التكنولوجيا في تسهيل عملية إنتاج الموسيقى ونشرها، مما أتاح الفرصة للعديد من الفنانين والموسيقيين لإيصال أعمالهم إلى جمهور أوسع.