تزخر مصر بالكنوز التاريخية والآثار الفريدة التي تستقطب السائحين من شتى بقاع الأرض لرؤيتها والتأمل في تاريخها العريق، والتمتع بعمارتها المتميزة، ومن بين معالمها البارزة، يقع وادي النطرون الذي يحتضن بين رماله الذهبية أربعة أديرة للرهبنة القبطية، وهي دير البراموس ودير الأنبا بيشوي ودير الأنبا مقار ودير السريان، وتعتبر المائدة الأثرية في وادي النطرون أحد أشهر الآثار الكنسية التي تروي سيرة أزمنة مضت.
تعد المائدة الأثرية واحدةً من أبرز الآثار داخل أديرة وادي النطرون، حيث كانت في السابق متصلة بكنيسة الشهيد القديس أبسخيرون من جانبها الأيمن وكان حجمها كبيرًا يفوق حجمها الحالي، ويتم العبور للمائدة عبر ممر يقع غرب الكنيسة الأثرية من الناحية الجنوبية.
يرجع تاريخ المائدة الأثرية إلى القرن التاسع الميلادي، وهي عبارة عن صالة مستطيلة الشكل مصنوعة من الحجر يصل طولها إلى 14 مترًا وعرضها تقريبًا إلى 4 أمتار، وبالرغم من تهدمها، فقد قام الرهبان بإعادة بنائها في القرنين الحادي عشر والثاني عشر مستندين إلى التقاليد الرهبانية القديمة، مما جعلها ترمز لامتداد وليمة "الأغابي" المعتادة منذ العصر الرسولي.
تتكون المائدة من ثلاثة أقسام، يفصل كل منها بروز بسيط بمسافة 15 سم عن الآخر، حيث كان يتخذ الرهبان من الشرق إلى الغرب أماكنهم على المائدة بحسب ترتيبهم من الشيوخ والمتوسطين في الرهبنة إلى حديثي العهد، وكانت حوائط المائدة قديمًا مزدانة بزخارف الفريسكو التي اختفت معالمها اليوم.
وبالناحية الشرقية للمائدة الأثرية، توجد منجلية مصممة من الحجر الأبيض على هيئة "حرف Y"، حيث كان رئيس الدير يتلو بعض النصوص من كتاب الرهبنة الشهير "بستان الرهبان" وذلك خلال تناول الرهبان للطعام.
جدير بالذكر إلى أنه في الماضي، كان الرهبان في برية شيهيت يعيشون حياة انفرادية في قلاياهم يتناولون طعامهم ويشربون ويصلون وينامون بمفردهم طيلة الأسبوع، وكانت المائدة المشتركة مخصصة ليوم الأحد والمناسبات الخاصة فقط.