الأربعاء 19 يونيو 2024

حكاية جحا وحماره.. هل كان يتم إخفاء الحقائق في أبسط الأشياء؟

جحا وحماره

ثقافة8-5-2024 | 08:19

إسلام علي

لا تزال حكايات المللا نصر الدين، أو جحا، توقظ العقل من سباته وسط هذا العالم المادي المليء بالصعوبات والعقبات، ولتحقيق ذلك، جاءتهذه الحكايات في قالب كوميدي وبأسلوب يناسب الجميع، لضمان وصولها إلى مختلف الأعمار والطبقات في المجتمع.

 

وتمتاز قصة جحا، الذي كان يعمل مهرب بضائع للخارج، والتي تظهر لنا الصدمات التي يواجهها الإنسان العادي في حياته اليومية، والتيتجعل من الصعب عليه الوصول إلى حقائق الأمور، حتى وإن كانت تلك الحقائق واضحة أمام عينيه.

 

 

اعتاد المللا نصر الدين "جحا"، أن يسوق حماره عبر الحدود بصفة يومية، وهو يحمل غبيطاً محشوا بالتين على جانبيه.

ولما كان قد اعترف دون لف أو دوران بأنه يعمل بالتهريب خلال رحلة العودة إلى بيته فى حلكة الظلام كل ليلة، فلقد قبض عليه حرس الحدود وفتشوه المرة تلو المرة، وتمادوا ففتشوه ذاتيا ثم غريلوا التين وغطّسوه في الماء بل أخذوا يحرقونه من وقت لآخر، دون أن يعثروا معه على دليلواحد يدينه وفى نفس الوقت كان رخاؤه يزداد

يوما بعد يوم، وكان أن اعتزل العمل وذهب كي يعيش فى بلاد أخرى

 

وهنا قابله أحد مأموري الجمارك، بعد مرور عدة سنوات

وقال له:

بوسعك أن تقول لي الآن دون أن تخشى شيئًا، ماذا كنت تهرب حتى إننا

لم نستطع ضبطك متلبساً ولا مرة؟

فما كان من المللا نصر الدين إلا أن رد:

حميرا !

 

يمكن أن تحمل هذه القصة معان مختلفة تكشف لنا عن أسرار وحكم باطنية، فالتين الذي يظهر لضباط الجمارك، يمثل المعارف الإلهية التييحاول الإنسان المثقف أو المتفتح إيصالها للآخرين، أما عمليات التفتيش المتكررة التي يتعرض لها جحا على الطريق، فهي تشير إلى القوىالظاهرية التي تسعى لعرقلة تقدمه ومنعه من الوصول إلى أهدافه، تلك الأهداف التي تتمثل في النمو العقلي وفهم مجريات الحياة منمنظور صحيح.

 

وفي السياق نفسه، ترمز زيادة ثروة جحا إلى تراكم الثروة الروحية والمعارف التي وصل لها، أما اعتزاله لاحقا للعمل في التهريب، فيرمز إلىوصوله إلى حالة من النضج الفكري التي تتيح له الانسحاب من الحياة المادية وتجنب النظرة السطحية للأشياء.

 

 واجاب في نهاية القصة جحا على سؤال مأمور الجمارك بكلمة حمير،  يدل على ادراك السالك في طريق المعارف لحقيقة الامور التي اتضحانها سهلة وبسيطة وليست كما يتضح للعامة

 

توضح هذه القصة القصيرة لنا أن فهم الحقائق وكشف غموض بعض الأمور ليس بالصعوبة التي يعتقدها البعض من العامة أو غيرالمتعلمين، ولكن في الواقع، إن معرفة الحق من الباطل قد تكون أسهل مما يتصوره الناس، وذلك لأنهم يميلون إلى فحص الأمور وفق مااعتادوا عليه أو بما ألفوه، دون أن يسعوا لاستكشاف العمق أو التغيير في نظرتهم لها.