وقّعت الروائية التونسية أميرة غنيم روايتها "تراب سخُون" الصادرة حديثًا عن دار مسكيلياني في مكتبة تنمية بالقاهرة بعد لقاء أدارته معها الروائية نورا ناجي.
وقالت أميرة غنيم في تصريح لبوابة "دار الهلال" خلال حفل التوقيع الأول لروايتها: "هي رواية عن الحب، عن الغدر، عن الشيخوخة، عن العلاقة التي تقوم بين المرأة والرجل حين يكون هدفهما المشترك هو الحفاظ على العرش، قصة حب فوق العرش لا تشبه قصص الحب التي تحدث في بيوتنا العادية، ويكمن الجانب الغرائبي داخلها في التمازج بين الأساليب داخلها، فتتناول جانبًا تاريخيًا مرتبطًا بشخصية الماجدة وسيلة بن عمار الزوجة الثانية للزعيم بورقيبة، وفي ذات الوقت هناك جانب عجائبي يرتبط بشيء تحمله وسيلة بورقيبة في قفتها من مقر سُكناها في تونس العاصمة إلى المقر الذي نفي فيه الزعيم في دار الوالي بالمنستير، هذا الجانب العجائبي هو الذي يرتبط قليلًا بنوعية العنوان، ويمكن أن يكون به جانب من سخونة التراب من جهة ولكنها أيضًا رواية تتحدث عن الرماد الذي يبقى ساخنًا تحت الجمر بعد أن ينطفئ".
وحول عنوان الرواية أضافت: "تراب سخون هي عبارة تطلق في تونس لها صلة بالروحانيات مرتبطة بتراب تونس يقال أن تونس ترابها سخون باعتبار انها محروسة من أوليائها الصالحين، وهو أمر له دلالات أخرى مرتبطة بقصة الحب التي جمعت وسيلة بن عمار والزعيم بورقيبة هذه القصة التي ماتت بطلاقها منه ولكن يبدو أنه بقي تحت رمادها تراب سخون".
ومن ناحية الأسباب وراء اختيارها لتناول شخصية وسيلة بن عمار، وحقيقة ما إذا كان القصد من هذا التناول توجيه القارئ لشيء بعينه داخل الرواية قالت: "وجهة النظر للروائي هو أن يقدم قصة تشد القراء ولا يقدم بالضرورة الحقيقة، وليست نيتي أن أقدم حقيقة ما كان يقع في قرطاج حينما كانت وسيلة زوجة الزعيم بورقيبة، فالقصة يقرأها القارئ ويستنج منها حقيقة العلاقة التي كانت تجمع بينهما، ولم أتعمد أن أظهرها في صورة معينة أو أن أظهر الزعيم بورقيبة في صورة معينة، وما نشأ لهما من صور في النص هو وليد ما سيأوله أو سيراه القارئ، لذا لا أجازف دائمًا بتوجيه القراء إلى الطريقة التي يقرأون بها النص".
وأضافت: "أخذت شخصية مهمة في التاريخ التونسي وهي السيدة الأولى في تونس، ولأنها الزوجة الثانية لأول رئيس جمهورية وكان لها أثر حقيقي في السياسة التي عرفتها تونس قبل سقوط نظام بورقيبة لا سيما في السنوات الأخيرة، وهي شخصية كثر حولها الحديث وفي الغالب صورتها في المخيال سلبية، على أساس أنها كانت اليد الخفية التي تحرك دواليب السلطة، وتتحكم في الرئيس بفترة شيخوخته، وحاولت أن أسلط النظر على الجانب الإنساني في العلاقة بين بورقيبة ووسيلة، هذه المرأة العجيبة التي كتبت عنها لدهشة انتابتني وأنا اقرأ سيرتها، فهي امرأة خرجت من مقاعد دراسة مبكرًا جدًا، وتقريبًا لم تتحصل من الدراسة إلا على سنتين ثم أصيبت بمرض في صدرها وانقطعت عن التعليم، تخيل امرأة منقطعة عن التعليم في سن مبكرة تجلس مع كبار الرؤساء والملوك في العالم ويحبون جلساتها، وقادرة على أن تتناقش معهم في كل المواضيع وكان لها رأيها المسموع عند الرئيس بورقيبة وتتدخل حقًا في توجيه خياراته في أشياء عديدة، الرواية تسلط الضوء على بعض من هذه الأشياء".
وكشفت غنيم أن الرواية فاتحة لاستكمال مشروعها السردي في تخييل التاريخ، تتحدث من خلالها وسيلة بورقيبة بلسانها مع أصوات روائية أخرى تتداخل معها في النص، ليشهد المشروع رواية أخرى قادمة عن الزعيم بورقيبة تصدر بعد عام وفق غنيم.
وأكدت الروائية التونسية أميرة غنيم خلال نقاشها لـ "تراب سخون" بمكتبة تنمية أن الرواية رحلة خيالية لا يتحدث عنها التاريخ ولن تحدث قط، ولكن لا شيء يمنع أن تكون حدثت أيضًا، فمن وجهة نظر غنيم ما لا يكتبه التاريخ لا يعني أنه غير موجود، هذه الرحلة تقوم بها وسيلة بورقيبة من مقر إقامتها في العاصمة التونسية إلى بورقيبة الزعيم المريض المنفي بقهر السلطة الحاكمة بعد إخراجه بالقوة عقب انقلاب 7 نوفمبر 1987، وتقطعها متنكرة، لأنها تحت رقابة بولسية تمنعها بقوة القهر البوليسي من اللقاء بطليقها، وتسرد الرواية مراحل الرحلة، وفي نفس الوقت هي تقوم برحلة في ذاكرتها أيضًا مع هذا الرجل، ماذا عاشت معه وكيف كانت في قصره، فهي في أعين الناس السيدة الأولى المرفوعة على الأكتاف وعلى رأس الزعيم لكن في حياتها الشخصية كيف كانت تعيش في القصر، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على تدخل وسيلة في السياسة التونسية أيضًا من وجهة نظر تخييلية مع الارتكان إلى الوثائق والدخول في التفاصيل وفق غنيم.
كما ترى غنيم أن الفرق بين أن تكتب التاريخ وأن تكتب الرواية ليس كبيرًا، تقول: "التاريخ رواية ما لحقيقة ما من وجهة نظر ما، وليس الحقيقة المطلقة، وهو ما يُكتب في لحظة زمنية ما ويُصور على أنه الحقيقة، والرواية تقدم أيضًا سردية مغايرة ولكنها لا تدّعي أنها تقدم الحقيقة، وتعترف أنها تقدم لك خيالًا، وضمن هذا الخيال أنت مطالب بشيء من الاتساق، فعندما أتحدث عن وسيلة بورقيبة في زمن معين يجب أن أكون متسقة مع العناصر المكونة لهذا الزمان، ومن هذه الجهة ألتزم بالتاريخ، ولكّن العلاقات الداخلية بين الشخصيات هي علاقات مخيّلة".
وحول دواعي سردها تخييل التاريخ أوضحت غنيم: "لماذا نخيّل التاريخ؟ لأنه مشروع سردي يندرج في إطار إطالة عمر الرموز التاريخية في قلوب الأجيال القادمة، وأعتقد أن الذي يقرأ كتاب عن بورقيبة سيتذكر منه أشياء بسيطة ولن يقرأه إلا إذا كان مدرجًا في المناهج الدراسية، أما في غير ذلك فيصعب أن نجد الشغف الكافي والفضول المعرفي الكافي حتى يتجه الآن شاب في عمر أولادي لقراءة تاريخ بورقيبة، أما الرواية فجمهورها أوسع ويقرأها الجميع، وأعتقد أن التنزيل للرموز من عليائها وتسييرها بين الناس وإظهار هذه الجوانب البشرية فيها بتناقضاتها الداخلية، وبكل ما يجعلها تشبه بقية الناس من شأنه أن يخلق نوعًا من أنواع التعاطف والانفعال بينها وبين القراء".
و"تراب سخون" هي الرواية الثالثة في مسيرة إبداع الروائية، وصدر لها من قبل روايتان "الملف الأصفر" التي حاز مخطوطها على جائزة راشد بن حمد الشرقي للإبداع 2020 وصدرت في 2022، و"نازلة دار الأكابر" الصادرة في 2019 والتي جاءت ضمن القائمة القصيرة للبوكر 2020 ثم ترجمت إلى الإيطالية في 2022، ولها قصة قصيرة بعنوان "فخامتها سي عبد الستار" صدرت في 2023 ضمن مجموعة قصصية تشارك في كتابتها نخبة من كتّاب الرواية والقصة بتونس.
ويرتكز المشروع الثقافي الروائي لأميرة غنيم على الذاكرة الجمعية التونسية وحفظها من التلاشي.