الأربعاء 23 اكتوبر 2024

التنصيب الخامس.. رسائل بوتين للغرب في الولاية الجديدة

د. نبيل رشوان

عرب وعالم11-5-2024 | 13:20

د. نبيل رشوان

يوم تنصيب الرئيس الروسي ثابت منذ عام 2000 عندما تولى الرئيس بوتين السلطة لأول مرة لم يتغير 7 مايو، لائحة عملية تنصيب الرئيس تم إعدادها في عهد الرئيس السابق بوريس يلتسين وظلت واستمرت حتى يومنا هذا، وهذا يعتبر التنصيب الخامس للرئيس بوتين الذي اكتسح الانتخابات الرئاسية بنسبة أكثر قليلًا من 87%.

فوق المنصة التي سيقسم من فوقها الرئيس بوتين استقبله رئيس المحكمة الدستورية فاليري زوركين ورئيسة مجلس الفيدرالية فالينتينا ماتفيينكو ورئيس مجلس الدوما فياتشسلاف فولودين، بعد ذلك وقف الرئيس وقرأ القسم الملحق بنسخة من الدستور الروسي واضعًا يده عليها.

ومن نفس المكان ألقى الرئيس بوتين كلمة موجهة لمواطنيه، بعد انتهاء خطاب الرئيس عزفت الموسيقى مقطوعة وطنية شهيرة، ومن الشاطئ المواجه للكرملين أطلقت المدفعية 30 طلقة احتفاءً بالرئيس الجديد ـ القديم. بعد التنصيب استعرض الرئيس بوتين الكتيبة الرئاسية في الميدان المجمع في الكرملين، بعد ذلك حضر صلاة قادها بطريرك روسيا كيريل، الذي بارك الرئيس وتمنى له التوفيق والنصر.

هذا كان حول الخطوات التي عادة ما تحدث عند تنصيب رئيس روسيا والتي لم تتغير على مدى 25 عامًا تقريبًا، لكن ما يعنينا نحن هو حديث الرئيس بوتين الذي استهل به رئاسته الخامسة في ظروف العملية العسكرية التي تخوضها روسيا في أوكرانيا والعلاقات المتدهورة للغاية مع الغرب والتي ربما لم تشهد مثل هكذا تدهور حتى في فترة الحرب الباردة.

وبعد أن أدى الرئيس القسم الدستوري على أن "يحترم ويحافظ على حقوق وحريات الإنسان والمواطن وحماية الدستور والسيادة والأمن وأن يخدم الشعب". بمجرد انتهاء الرئيس من أداء القسم أعلن رئيس المحمكة الدستورية أن الرئيس بوتين بذلك بدأ العمل كرئيس لروسيا الاتحادية لمدة 6 سنوات قادمة. في بدية حديثه شكر الرئيس بوتين مواطني روسيا في كل المناطق، بما في ذلك مواطني روسيا القاطنين في المناطق التي أطلق عليها "روسيا التاريخية" والتي تسيطر عليها القوات الروسية حالياً في أوكرانيا (حوالي 20% من مساحة أوكرانيا في الجنوب والشرق بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم) ووصفهم بأنهم أصروا على حقهم في أن يكونوا مع روسيا، كما وجه التحية للمقاتلين الذين يشاركون في العملية العسكرية في أوكرانيا قائلاً "أود أن أنحني احتراماً أمام أبطالنا المشاركين في العملية العسكرية".

واستمر بوتين في الحديث عن الوضع الداخلي ودعى للمحافظة على "الموروث الشعبي المحافظ والقيم والتقاليد الروسية"، وأشار إلى أن سير الانتخابات التي جرت في شهر مارس الماضي أكدت على صحة المسار الذي تسير فيه البلاد.

تحدث الرئيس بوتين عن أسلاف الجيل الحالي وقال إنه بفضل إنجازاتهم أصبحت روسيا قوة عظمى واعتبر أن أسلاف الروس الحاليين أرتقوا بروسيا إلى مستويات غير مسبوقة، ودعى الرئيس الشعب إلى التمسك بالقيم وقال نحن مسئولون عن ذلك أمام تاريخنا الممتد لآلاف السنين وأمام أسلافنا.

الرئيس بوتين دعي لأن يكون المخلصون للوطن في الطليعة "سواء في إدارة الدولة أو الاقتصاد وفي كافة المجالات". وأعرب الرئيس الروسي عن ثقته في أن مصير روسيا يحدده شعبها باستقلالية.

ولعل ما يعنينا في ولاية الرئيس الروسي الجديدة هي علاقات بلاده بالعالم الخارجي، وانطلق في هذا أولًا بالأقرب عندما أشار إلى أن موسكو مستمرة في التكامل مع دول أوراسيا ذات السيادة من أجل خلق نظام عالمي متعدد الأقطاب، وفي نفس الوقت أكد على أن روسيا لا ترفض الحوار مع دول الغرب ومستعدة للحوار فيما يتعلق بقضايا الأمن والاستقرار الاستراتيجي، لكن الرئيس بوتين وضع هنا شرط أساسي وهو أن الحوار يتم على أساس المساواة "بدون تعالي أو غطرسة". تحدث الرئيس عن الوضع الداخلي واعتبر أن الهزات الداخلية وعدم الاستقرار ستؤدي إلى كوارث ولهذا فإنه يجب أن تكون المنظومة السياسية لروسيا مستقرة ومتينة.

ومن هذا المنطلق أكد الرئيس على ضرورة أن تكون وسائل التنمية في البلاد مؤمنة لعشرات السنين، وتحدث بشكل استراتيجي عن مستقبل تطور البلاد عندما قال "يجب تربية أجيال جديدة شابة تكون قادرة على دعم قدرات البلاد"، واختتم الرئيس بوتين كلمته بالحديث عن النصر الحتمي مؤكداً "معاً سننتصر".

ومن المفترض أن يقدم رئيس الوزراء استقالته للرئيس عقب حفل التنصيب، ليرى كرئيس جديد لفترة جديدة ما يراه من حيث تقييم عمل الحكومة في الفترة القادمة، وقد أشارت الأنباء إلى أن الرئيس اقترح رئيس الوزراء الحالي ميخائيل ميشوستين من جديد على البرلمان، وحتى الآن لم ترد أي أنباء تغيرات جدية في الحكومة، بعد أن تواترت أنباء عن احتمال إقالة وزير الدفاع سيرجي شويجو على خلفية القبض على أحد نوابه (تيمور إيفانوف) بتهم فساد، لكن حتى هذا لم يتحقق، على ما يبدو وجد الرئيس أن عملية التغيير في الوقت الحالي وأثناء العملية العسكرية غير محبذة.

لكن المؤكد أن البرلمان سيوافق على استمرار رئيس الوزراء في منصبه، فالمعترض الوحيد عليه هو الحزب الشيوعي وقد يمتنع عن التصويت فقط وهو ليس لديه أغلبية لإعاقة عملية استمرار رئيس الوزراء الحالي في منصبه.

ولم تمر 72 ساعة حتى كان الرئيس بوتين يحتفي بعيد النصر على الفاشية عام 1945، ورغم أن العرض العسكري الذي أقيم، وفق مراقبون، لم تكن استعراضية وعلى نفس المستوى السابق وهو ما برره البعض بحالة العملية العسكرية في أوكرانيا وحتى لا يضغط الرئيس على رجال القوات المسلحة، غير أنه ورغم ظروف الطقس الغير مواتية والتي تحدث عنها المتابعون للعرض عن أنه احتمال إلغاء العرض الجوي إلا أن القوات الجوية الروسية قامت به بشكل أبهر الجميع.

في خطابه في الميدان الأحمر وجه الرئيس بوتين ثلاث رسائل هامة إلى العالم، ولما كان لكل مقام مقال تحدث الرئيس بوتين فهاجم الغرب عندما قال إنهم الآن يحاولون تزييف الحقائق عن الحرب العالمية الثانية، وهم منزعجون من الحقيقة، لأنهم على حد قوله بنوا سياستهم الاستعمارية على الزيف والكذب، فهم يزيلون تماثيل تخلد من قاتلوا في الحقيقة الفاشية، ويضعون مكانها تماثيل للخونة ومن ساعدوا هتلر ويمحون ذكريات البطولة والشكر للجنود المحررين ويتجاهلون التضحية العظيمة التي قاموا بها من أجل الحياة.

الرسالة الأولى التي وجهها الرئيس بوتين لمواطنيه والعالم من فوق منصة الاحتفال بعيد النصر، أن روسيا ستفعل ما في وسعها حتى تتجنب "صدام كوني" لكنها في نفس الوقت لن تسمح بأن تكون مهددة، قائلاً إن قوة بلاده الاستراتيجية في قمة لياقتها واستعدادها وهو ما اعتبره الغرب تهديد مبطن باستخدام السلاح النووي.

أما الرسالة الثانية التي توجه بها الرئيس الروسي للعالم وكانت موجهه على وجه الخصوص لحلف الناتو والدول التي وصفها بالغير صديقة لروسيا، فأكد بقوة "نحن نرفض إدعاءات أي دولة أو حلف بتهميشنا" "روسيا سوف تفعل كل شئ لكي لا تسمح بالصدام".

أما الرسالة الثالثة فكانت تتعلق بالعملية العسكرية في أوكرانيا والمشاركين فيها فأكد الرئيس بوتين إن روسيا تمر الآن بفترة صعبة ومعقدة، ومصيرها يعتمد على كل واحد منا. كل هؤلاء الذين على خط المواجهة في المنطقة التي تجري فيها العملية العسكرية ـ إنهم أبطالنا ـ وأكد الرئيس بوتين للأبطال الذين يقاتلون قائلًا: "روسيا كلها معكم، وتثق فيكم، المحاربون القدماء من الحروب السابقة أيضًا قلقون عليكم".

لا شك وعلى عكس ما كان يتوقع الكثيرون كان خطابًا الرئيس بوتين متزنان ودون مزايدة ودعي إلى الحوار وهو الرجل الذي يتمتع بشعبية طاغية في روسيا اليوم رغم التشكيك الغربي في نتائج الانتخابات بل أن البرلمان الأوروبي لا يغترف بشرعية الرئيس الروسي، ولولا أن قراره غير ملزم لوضع دول الاتحاد في مأزق سياسي، بينما الولايات المتحدة ورغم تحفظاتها على العملية الانتخابية إلا أنها أقرت بأن رئيس بوسيا هو فلادينير بوتين وأنها مستعدة للعمل معه لأن هذا هو اختيار الشعب الروسي.

السجال قائم ومن المقرر أن يزور الرئيس بوتين بكين حيث الحليف الأقرب، خاصة بعد زيارة الزعيم الصيني لبعض الدول الأوروبية وسيتضح مدى تأثير الأوروبيين على موقف الصين، المتوازن حتى الآن.