السبت 27 يوليو 2024

القوة الناعمة للصين في مصر (5)

مقالات14-5-2024 | 14:36

نواصل في هذا المقال استعراض نتائج رسالة دكتوراه الباحثة هبة صادق عبده عبد المجيد الحلول المعنونة: "اتصالات القوة الناعمة الصينية في مصر ودورها في تعزيز قدرتها التنافسية"، والتي ناقشتها مؤخرًا بكلية الإعلام جامعة القاهرة.

عناصر القدرة التنافسية للدولة الصينية: انتهت الدراسة إلى أن عناصر القدرة التنافسية للصين كما حددها مؤشر التنافسية لسيمون أنهولت، وقد أوضحت النتائج اختلاف بين الصفحات الثلاث في أولوية كل عنصر من عناصر القدرة التنافسية، وجاءت النتائج كالتالي:

الثقافة والتاريخ:  جاء أول عنصر من عناصر القدرة التنافسية للصين وهو الثقافة والتاريخ، حيث جاء في المرتبة الأولى بنسبة (8.26%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (9.78%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (4.35%) للسفارة الصينية. وتشير هذه النتيجة - والتي تعتبرها الباحثة مقبولة- إلى أنه على الرغم من تأثير النمو الاقتصادي في الصين والنجاحات التي حققتها "دبلوماسية دفتر الشيكاتCheckbook diplomacy " فإن النظرة السائدة هي أن الثقافة هي المورد الأساسي للقدرة التنافسية للدولة، فكلنا لاحظنا سيطرة الثقافة الغربية على الجمهور العالمي وأفلام هوليود ودراما بليود.

وأخيرًا الثقافة والدراما التركية التي أصبح لها معجبون كثيرون بالمنطقة العربية، وتبذل الصين الكثير من الجهد الآن في الترويج لثقافتها وتاريخها، وقد شاركت بالعديد من الأفلام في مهرجان القاهرة السينمائي، كذلك يتم عرض العديد من الأعمال الدرامية الصينية على قنوات التليفزيون المصري، منها مسلسل "رومانسية الشعر الأبيض" الذي تم عرضه على القناة الفضائية المصرية الأولى.

ويمثل تاريخ الصين موردًا من موارد القوة الناعمة وتعزيز القدرة التنافسية للدولة، واستحوذ المركز الثقافي الصيني على النسبة الأكبر في المنشورات المتعلقة بالثقافة والتاريخ الصيني بنسبة، ويرجع ذلك لطبيعة المركز الثقافية، والدور الكبير الذي يلعبه في دعم العلاقات مع الجمهور المصري عن الطريق العديد من الفعاليات الثقافية والتاريخية والمسابقات.

الصادرات: وجاءت الصادرات في المرتبة الثانية من عناصر القدرة التنافسية للدولة، حيث جاءت نسبة مجلة الصين اليوم (57.9%)، والمركز الثقافي الصيني بنسبة (4.35%)، والسفارة الصينية بنسبة (6.52%)، وأوضحت النتائج السابقة اختلافات واضحة بين الصفحات الثلاثة بالنسبة للصادرات، حيث احتلت مجلة الصين اليوم النسبة الأكبر للمنشورات الاقتصادية، وترى الباحثة هذه النتيجة مقبولة، نظرًا للتغطية الإخبارية المستمرة والحالية التي تتميز بها المجلة كوسيلة من وسائل الاتصال الجماهيري، حيث إن الصين تعتبر ثاني أكبر اقتصاد عالمي، وتنافس على المركز الأول عالميًا، فمن المنطقي أن تصبح الصادرات من أهم عناصر القدرة التنافسية للصين.

نظام الحكم: وجاء نظام الحكم في المرتبة الثالثة من عناصر القدرة التنافسية للدولة، بنسبة (6.74%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (4.13%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (6.9%) للسفارة الصينية، وتقاربت النسبة بين مجلة الصين اليوم والسفارة الصينية، بينما ابتعد المركز الثقافي الصيني، وترجع الباحثة ذلك للطبيعة الدبلوماسية للسفارة الصينية، وارتباطها الوثيق بالسياسة الخارجية للدولة، وكذلك طبيعة التغطية الإخبارية للمجلة، والتي تهتم بنقل الفعاليات الدبلوماسية والسياسة الخارجية بشكل حالي وسريع، بينما المركز الثقافي الصيني له طبيعة ثقافية واجتماعية أكثر من السفارة الصينية ومجلة الصين اليوم.

السياحة: جاءت السياحة العنصر الرابع للقدرة التنافسية للصين، بنسبة (6.74%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (5.43%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (2.61%) للسفارة الصينية، وتقاربت نسبة السياحة كعنصر من عناصر القدرة التنافسية بين مجلة الصين اليوم والمركز الثقافي الصيني، بينما اختلف الاثنان مع نسبة السفارة الصينية، وأيضًا تعتبرها الباحثة نتيجة مقبولة بسبب الإعلانات السياحية التي تنشرها المجلة، والتسويق السياحي للصين الذي يقوم به المركز الثقافي الصيني، ومن هذه الفعاليات "أسبوع الصين السياحي" في يونيو 2021، بينما تميل الأحداث الخاصة في السفارة الصينية إلى الأحداث الدبلوماسية والسياسة الخارجية بشكل أكبر.

الاستثمار والهجرة: جاء الاستثمار والهجرة في المرتبة الخامسة من عناصر القدرة التنافسية للصين، بنسبة (5.43%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة 4.13% للمركز الثقافي الصيني، ونسبة 3.48% للسفارة الصينية.

 واحتلت مجلة الصين اليوم المرتبة الأولى نظرًا لطبيعتها الخبرية في تغطية الأخبار الخاصة بالاستثمار والهجرة، وتركيزها على الترويج للاستثمارات الصينية، وكون الصين بلد جاذبة للعمل والاستثمار نظرًا لطبيعة اقتصادها القوي.

الناس:  وجاء الناس كعنصر من عناصر القدرة التنافسية للصين في مصر في المرتبة السادسة والأخيرة، بنسبة (5.00) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (3.91%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (3.48%) السفارة الصينية، وقد تقاربت النسبة بين المركز الثقافي الصيني والسفارة الصينية، بينما اختلفت معهم مجلة الصين اليوم، بنسبة أكبر ويرجع ذلك لاستحواذ مجلة الصين على نسبة أكبر من المنشورات الخاصة بالحياة والناس في الصين.

وتتفق هذه النتيجة مع دراسة (وي تشن Wei Chen2021) التي أفادت أن الصورة الإيجابية التي نقلها المواطنون الصينيون وجمعيات المجتمع المدني كان لها دور كبير في دعم صورة الصين، وخلق لها ميزة تنافسية بين دول العالم أثناء أزمة كوفيد-19.

ويري الدكتور يحيي مختار خبير الشؤون الصينية أن هناك العديد من الأنشطة الاتصالية المستخدمة في برامج القوة الناعمة الصينية في مصر، والتي تعزز قدرتها التنافسية، منها على سبيل المثال لا الحصر: المركز الثقافي الصيني بالقاهرة، وأنشطته المتعددة المتمثلة في تعليم اللغة الصينية، وإقامة الفعاليات والأنشطة الثقافية الصينية، مثل عروض الأفلام السينمائية، والعروض السياحية الترويجية للتعريف بالصين وحضارتها، وأيضا إقامة مسابقات الخطابة والأغنية والمقال باللغة الصينية، والتدريب على رياضات القتال الصينية المعروفة وغيرها. وهناك أيضا معاهد وفصول كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية وثقافتها، وقد بلغ عددها الآن أكثر من ست فروع في مصر.

وبخلاف ذلك أيضًا هناك تعاون صيني مصري في مجالات الإعلام المقروء والمرئي، حيث تعرض بعض المسلسلات والأفلام الصينية على القنوات المصرية، وتنشر العديد من الصحف المصرية مقالات لكبار المسئولين الصينيين، كما أن هناك منصات إعلامية صينية باللغة العربية على مواقع التواصل الاجتماع. أضف إلى ذلك مشاريع ترجمة ونشر الكتب والمؤلفات الصينية إلى اللغة العربية، وهي مشاريع تدعهما الحكومة الصينية بشكل كامل. ويضيف أن أكثر أدوات القوة الناعمة تأثيرًا هو الأدب بشكل عام، "فالأدب هو مرآة الشعوب".

عناصر القوة الناعمة للدولة: وكشفت الدراسة عن موارد القوة الناعمة الصينية التي تم طرحها عبر منشورات المنظمات الثلاثة عينة الدراسة، وجاءت النتيجة كالتالي:

الاستجابة لكوفيد-19: جاء الاستجابة لكوفيد-19 كمورد من موارد القوة الناعمة الصينية بنسبة (7.70%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (1،22%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (7.30%) للسفارة الصينية.

وتشير النتائج السابقة إلى تقارب النسب بين مجلة الصين اليوم والسفارة الصينية بينما ابتعدت نسبة المركز الثقافي الصيني عنهم، وترى الباحثة هذه النتيجة مقبولة نظرًا لطبيعة المجلة في رصد الأحداث اليومية، خاصةً في ظل الظروف التي مر بها العالم جراء جائحة كوفيد-19، والدبلوماسية الصحية التي تنتهجها الصين، والتي يتعامل بها السفير الصيني في مصر، وقد أضاف المؤشر العالمي للقوة الناعمة بندًا جديدًا ضمن المؤشر، وهو الاستجابة لكوفيد-19، للتعرف على أفضل البلاد التي كان لديها القدرة على التعامل مع الأزمة وتجاوزها، وقد تأخرت الصين على المؤشر إلى المركز الثامن في 2021 بعد ما كانت في المركز الخامس 2020، وترى الباحثة أن السبب يرجع إلى الصورة السلبية التي نقلها الإعلام الغربي عن الصين بأنها أخفت معلومات عن الفيروس في بداية ظهوره في يوهان.

الأعمال والتجارة: وجاء في المرتبة الثانية كمورد من موارد القوة الناعمة الصينية الأعمال والتجارة، (بنسبة 8.92%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (1.22%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (6.06) للسفارة الصينية. وتشير النتائج إلى اختلاف الصفحات الثلاث فيما يتعلق بالأعمال والتجارة، حيث تفوقت مجلة الصين اليوم على صفحة المركز الثقافي الصيني وصفحة السفارة الصينية، ويرجع ذلك لطبيعة المجلة الإخبارية، وحرصها على نشر الأخبار، وخاصةً المتعلقة بالاقتصاد الصيني الذي يعتبر ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

الحوكمة: وجاءت الحوكمة كمورد من موارد القوة الناعمة في المرتبة الثالثة بنسبة (6.3%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (0.811%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (5.68%) للسفارة الصينية، وجاءت نسب مجلة الصين اليوم والسفارة متقاربة في هذا المورد من موارد القوة الناعمة، بينما ابتعدت نسبة المركز الثقافي الصيني.

التعليم والعلوم: جاء التعليم والعلوم كمورد من موارد القوة الناعمة في المرتبة الرابعة، بنسبة (5.07) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (3.85%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (3.04%) للسفارة الصينية، وتشير النتائج إلى تقارب نسبة المركز الثقافي الصيني والسفارة الصينية، بينما كانت نسبة مجلة الصين اليوم هي الأكبر، وهذا يرجع إلى تغطية صفحة المجلة اليومية لتطورات التعليم والعلوم في الصين، حيث يعتبر التعليم الجيد من أهم موارد القوة الناعمة الصينية، فهو يعتبر ناقلًا لقيم وثقافة الدولة، وله دور كبير في تعزيز قدرتها التنافسية.

 ويرى عماد الأزرق مدير مركز "التحرير" للدراسات الصينية أن التعاون التعليمي والإعلامي من أهم موارد القوة الناعمة الصينية في مصر، ففي مارس 2020 وقعت شركة هواوي مصر مع المعهد القومي لبحوث الاتصالات (NTI) التابع لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية مذكرة تفاهم لتأسيس أكاديمية هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو أول مركز تدريب وطني للتحول الوطني الرقمي في مصر، وقامت 12 جامعة مصرية بدمج المواد التدريبية الخاصة بأكاديميةHuawei ICT Network Academy في مناهجها الجامعية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واعتبارًا من نهاية 2020 تعاونت هواوي مع مؤسسات التعليم العالي المصرية لإنشاء أكاديمية هواوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر، وشارك أكثر من 5400 طالبًا جامعيًا مصريًا في التدريب، وحصل أكثر من 3000 منهم على شهادات مهنية، وشارك في مسابقة هواوي العالمية لمهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لعام 2020 أكثر من 23 ألف طالب وطالبة من الجامعات والكليات المحلية المصرية، وحصل عدد المسجلين على المرتبة الأولى في العالم، وفي نفس الوقت فاز الوفد المصري بالجائزة الكبري لـ"كلاود تراك".

العلاقات الدولية: جاءت العلاقات الدولية كمورد من موارد القوة الناعمة في المرتبة الخامسة، بنسبة (5.88%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (1.22%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (5.68%) للسفارة الصينية، وجاءت النسبة الأكبر لمجلة الصين اليوم، تلتها السفارة الصينية، ويرجع ذلك لطبيعة المجلة في تغطية الأحداث الدولية، كذلك طبيعة السفارة الصينية في العلاقات الدبلوماسية والسياسة الخارجية بين الدول، بينما يميل المركز الثقافي الصيني للطبيعة الثقافية أكثر.

الإعلام والاتصالات: جاءت وسائل الإعلام والاتصالات كمورد من موارد القوة الناعمة في المرتبة السادسة، بنسبة (4.7%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (2.83%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (3.65%) للسفارة الصينية، وتشير النتائج السابقة إلى الاختلاف بين الصفحات الثلاث فيما يتعلق بوسائل الإعلام والاتصالات، وقد حرصت الصين على استهداف المنطقة العربية بقنوات وإذاعات وصحف ومجلات باللغة العربية، وهذا يعكس حرصها على مخاطبة الجمهور العربي والمصري بصفة خاصة بلغته، وتعتبر وسائل الإعلام الصينية الموجهة باللغة العربية من الموارد المهمة للقوة الناعمة، حيث تعمل على نقل الثقافة والتقريب بين الشعوب العربية والصينية.

الثقافة والتراث: جاءت الثقافة والتراث كمورد من موارد القوة الناعمة في المرتبة السابعة، بنسبة (5.27%) لمجلة الصين اليوم، ونسبة (3.45%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (1.42%) للسفارة الصينية، وتشير النتائج إلى الاختلاف بين الصفحات الثلاث، وجاءت النسبة الأكبر لمجلة الصين اليوم لزيادة عدد منشوراتها عن صفحة المركز الثقافي الصيني والسفارة الصينية، تلاها في النسبة المركز الثقافي الصيني، ويرجع ذلك لطبيعته الثقافية، وجاءت السفارة الصينية في المرتبة الأخيرة.

• أسلوب الحياة: جاء أسلوب الحياة كمورد من موارد القوة الناعمة في المرتبة الثامنة، بنسبة(4.06%) بمجلة الصين اليوم، ونسبة (3.45%) للمركز الثقافي الصيني، ونسبة (2.03%) للسفارة الصينية، وتشير النتائج إلى الاختلاف بين الصفحات الثلاث، ويعتبر أسلوب الحياة والصورة التي ينقلها المواطن عن بلاده من موارد القوة الناعمة المهمة للدولة، ولاحظت الباحثة أثناء فترة التحليل العديد من المنشورات التي تشارك على صفحة المركز الثقافي الصيني ومجلة الصين اليوم على وجه الخصوص من "مؤثرين صينيين Influencers" ينقلون أسلوب الحياة بالصين والعادات والتقاليد الصينية والمطبخ الصيني والأزياء الصينية، والأعياد والاحتفالات الصينية.

 ويرى "شي يوون" أن "المركز الثقافي الصيني الآن يعتبر من أحد أهم موارد القوة الناعمة الصينية في مصر، ويعتبر قاعدة مهمة جدًا للتواصل مع الجمهور المصري، والتي لاقت ترحيبًا ودعمًا من قبل الشعب المصري، حيث يقدم العديد من الفعاليات عن الموسيقى، والسينما والمعارض، والعروض الفنية، ومكتبة المركز الثقافي الصيني، واكتشاف الصين".

ويضيف الدكتور ناصر عبد الفتاح أن "معاهد كونفوشيوس جزءٌ أساسي من جهود القوة الناعمة الصينية التعليمية في مصر، وتعتبر من أهم موارد القوة الناعمة، حيث بجانب تعلم اللغة الصينية يتم نقل القيم والأخلاق الكونفوشيوسية والطاوية". ونستكمل عرض نتائج هذه الدراسة المهمة الأسبوع القادم بإذن الله.