الخميس 13 يونيو 2024

تنبؤات في صراعات العالم الحديث.. «جحا» يلقى الضوء على الحل الوحيد لما يحدث في فلسطين

جحا

ثقافة16-5-2024 | 18:35

إسلام علي

تميزت حكايات جحا على عدم التركيز على الفكاهة فقط، بل كانت تشتمل على رسائل عميقة تتعلق بالصراعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية التي كانت تمثل جزءا لا يتجزأ من حياة الناس منذ مئات السنين، تميزت هذه القصص بتوجيه رسائل مخفية للقراء ذوي العقول الناضجة، حيث كانت تعبر عن واقع المجتمع وتنقل رؤى فلسفية عميقة.

وتمثل حكايات جحا نموذجا للأدب الشعبي الذي استخدم الفكاهة كوسيلة لنقل الحكمة والتوجيه، فعلى الرغم من طابعها الفكاهي والممتع، إلا أنها كانت تحمل رسائل مهمة تتعلق بالعدالة والتسامح والحكمة والتفكير النقدي،
في كثير من الأحيان، تحملت قصص جحا تحليلات عميقة للمشاكل الاجتماعية والسياسية التي كانت تعاني منها المجتمعات في ذلك الوقت، مما جعلها تصل إلى عقول الناس بطريقة ممتعة ومبتكرة، فبفضل ذكاء جحا وحسه الفطري، كانت قصصه تصل إلى القلوب والعقول، وتترك أثرا عميقا في التفكير والسلوك.

تحدث جحا في إحدى حكاياته عن الصراعات بين الناس على الأراضي والممتلكات، مشيرا إلى تنبؤات في السياسة الحديثة منذ مئات السنين، تتجلى هذه الحكايات في أحداث معاصرة مثل ما يحدث في فلسطين، وكذلك في الصراعات المتعددة في الشرق الأوسط. لا تقتصر هذه النزاعات على منطقتنا فقط، بل تمتد أيضًا إلى الصراعات بين القوى العظمى في العالم الحديث والقديم.

وتحكي القصة: انه في أحد الأيام، نشبت حرب بين قريتين متجاورتين بسبب نزاع على قطعة أرض صغيرة. احتدم القتال بين أهالي القريتين، ولم يعد أحد يفكر في العواقب الوخيمة التي ستنجم عن هذا الصراع.

كان جحا يراقب الأحداث بحزن واستياء. في إحدى الليالي، قرر أن يذهب إلى ساحة المعركة بين القريتين، وهو يركب حماره ويمسك بمصباح زيت صغير.

عندما وصل إلى الساحة، اندهش الجميع لرؤيته وسأله أحد المحاربين: "يا جحا، ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت المتأخر؟ ألا ترى أننا في خضم معركة شرسة؟".
أجاب جحا: "جئت لأبحث عن شيء مهم فقدته هنا."
سأله المحارب بدهشة: "وماذا فقدت يا جحا؟"
أجاب جحا وهو يرفع المصباح: "فقدت عقلي! جئت أبحث عنه بين هؤلاء الذين يحاربون من أجل قطعة أرض تافهة."
تعجب المحاربون وقالوا: "وكيف يمكن أن تجد عقلك هنا؟"
ضحك جحا وقال: "إنه السؤال الذي يجب عليكم أن تسألوه لأنفسكم. لماذا تحاربون وتقتلون من أجل شيء يمكنكم التفاوض عليه؟ كل هذا الدمار والخراب، من أجل ماذا؟ عندما تفقدون عقولكم وتنسون الحكمة، ستجدون أنفسكم في حروب لا نهاية لها."

 

تحليل الحكاية 
تحدث جحا في هذه الحكاية، عن مناظير أخرى لمعالجة الحروب والصراعات في العالم الحالي، إذ أن الصراعات في الأصل بسبب عدم استخدام العقل ونسيان الحكمة، في معالجة الأمور. 
عبر جحا، عندما آتى إلى المحاربين ليسألهم عن عقله، عن أن الصراعات الخارجية،  تعكس الاضطرابات الداخلية التي تتواجد في عقل الإنسان، فالصراع يظهر انه ظاهريا بسبب الأرض والممتلكات ولكنه في الحقيقة صراع عقول، تدنت في العالم المادي، ولم تعد ترى غير الماديات فانعكس ذلك على العالم الخارجي. 

وحث جحا في هذه القصة على أن العقل جوهر داخلي يجب اكتشافه وتنميته، جحا هنا يرمز إلى الإنسان العاقل الذي يدرك أن الصراعات الخارجية ما هي إلا انعكاس لفقدان البصيرة والحكمة الداخلية. 
وفي السياق ذاته، يدعو جحا عندما تحدث عن البحث عن عقله للمحاربين، إلى العودة إلى السلام الداخلي والعقلانية،  فالسلام الداخلي هو الأساس لتحقيق السلام الخارجي، فالحروب والصراعات الخارجية غالبا ما تنبع من القلق والتوتر الداخلي، ونستنتج مما سبق أن الصراعات الخارجية التي نراها في الشرق الأوسط والعالم وتحديدا في فلسطين ما هي إلا صراعات داخلية يجب معالجته بالبصيرة والحكمة وليس كما يدعي الناس انه يجب مواجهه السلاح بالسلاح والدم بالدم.
وعلى جانب آخر، يرمز النور الذي حمله جحا، إلى البصيرة الروحية والاستنارة، في التصوف، يعتبر النور رمزا للمعرفة الإلهية والحكمة، من خلال إحضار النور إلى ساحة المعركة، جحا يحاول إضاءة العقول المظلمة وإرشادها إلى طريق الحكمة والسلام، هذا يعكس التعاليم الروحية التي تسعى إلى نشر المعرفة والإضاءة الروحية في أماكن الجهل والظلام. 
ودعا جحا إلى التفكير في السبب الحقيقي للصراع والحروب فضلا عن البحث عن الطبيعة الحقيقية للأشياء، جحا يشجع المحاربين على تجاوز السطح والنظر إلى العمق، إلى الأسباب الجذرية التي دفعتهم إلى الصراع، حيث يحث الفرد على التفكير العميق في دوافعه وسلوكياته للوصول إلى الحقائق الروحية الأعمق.

وفي الأخير، نستنتج مما سبق أنه قد افلح من دعا إلى الهدنة وسعى إلى استخدام الدبلوماسية والسلام في النزاعات والحروب، وقد خاب من دعا إلى استخدام القوة في مواجهه القوة.