الخميس 13 يونيو 2024

إبداعات الهلال.. «لارا رسامة الموت» قصة قصيرة لـ عبير نعيم أحمد

عبير نعيم أحمد

ثقافة16-5-2024 | 18:58

دار الهلال

تنشر" بوابة دار الهلال"، ضمن باب "إبداعات" قصة قصيرة بعنوان "لارا.. رسامة الموت" للكاتبة عبير نعيم أحمد، وذلك إيمانا من المؤسسة بقيمة الأدب والثقافة ولدعم المواهب الأدبية الشابة وفتح نافذة حرة أمامهم لنشر إبداعاتهم.

قصة لارا.. رسامة الموت

شعرت بوحدة قاتلة بعد مرض زوجي وقضاء معظم عمره مستغرقًا في النوم بعد إصابته بالزهايمر، مهنتي كطبببة نفسية لم تنقذ زوجي من تدهور حالته  النفسية، سنوات طويلة مرت  وأنا أعاني معه  مرضه اللعين، فكم كان زوجا متفانيا في حبه لي رغم عدم إنجابي له،  لكنه ترك لي طفلا جميلًا  قمنا بتبنيه معا، أدخل على حياتنا البهجة.

لم أجد ما أحدثه غير الجدران والذكريات الخرساء، ثم  اكمتلت وحدتي  بعد موته حتى ثروته الكبيرة التي تركها لي، لم تستطيع إسعادي!.. نظرت حولي بحسرة على لوحاتي المعلقة على كل حوائط المنزل، وفي كل لوحة  قصة  لا يعرفها غيري، كل لوحاتي كان أبطالها  أطفال، كم  أحب  رسم  الطفولة البريئة  التي تطل من عيونهم في لوحاتي الزيتية وعيونهم السوداء اللامعة۔

شعرت بندم لأني توقفت عن ممارسة الهواية التي كانت تجلب لي السعادة والشهرة، فقررت من اليوم أن أعود لممارسة الرسم  حتى لا أشعر بالفراغ الذي تركه موت زوجي وعقدة العقم التي لازمتنى، نظرت نظرة خاطفة على  ورقة التقويم على الحائط،  الأحداث  أنستني مناسبة سعيدة  فغدا عيد ميلاد «ساري» السابع، سأبدأ غدا في تحضير الحلوى وتزيين المنزل، وإحضار كل أصدقائه  لحضور حفل  عيد الميلاد.

أعددت قائمة بأسماء كل أصدقائه  وقمت بالاتصال بهم  لدعوتهم للحضور غدا، دقت الساعة الثامنة مساء وامتلأ المنزل بصخب  الأغاني وصوت مرح الصغار وعلب الهدايا المبعثرة  في كل أركان الصالة، نظرت إلى وجه ساري تمنيت لو كان ابنى الفعلي وليس بالتبني۔

افتقدت زوجي الحبيب في هذا اليوم، استرجعت ذاكرتي عيد ميلاد طفلنا العام الماضي والسعادة تعم المنزل والبالونات تتطاير في كل مكان تذكرت هدية زوجي الثمينة له، لكن تداخلت لحظة خاطفة بين الذكريات وجه صديقه المقرب سامح كم كان طفلًا وديعًا ولطيفًا، لم أعرف كيف جرؤت على خنقه بعد انتهاء الحفلة وانصراف المدعوين من الحفلة، كيف؟  كيف فعلت ذلك؟ كيف تحملت  أن أرى أمه صديقتي تتألم أمامي سنوات؟

لكن إلحاح الفكرة أقوى من صوت إنسانيتي، فلوحتي التي رسمتها له بعد خنقه كانت طبيعية إلى حد الإبهار ولن أنسى حصولها على جائزة كبرى جعلت مني رسامة مشهورة يتحدث عنها العالم۔

جنون الشهرة جعلني لا أفكر في الضحايا، لكني كنت أتألم من الداخل أتمزق، عندما أرى طفلا أقوم بخنقه لكن سرعان ما يتبدد هذا الألم  بعد حصول لوحتي على جائزة كبرى! .

لم أنس وجوه الأطفال الستة فث كل عيد ميلاد مضى من عمر ساري كان يسقط عمر صديق له  فكانت المناسبة الملائمة للحصول على طفل في المنزل بدون عناء، في كل مرة  أغير طريقة القتل حتى تخرج لوحاتي مختلفة مبهرة، فأنا مغرمة بالرسم الواقعي مهما كلفني الأمر فكنت ملقبة برسامة الموت.

 جاء موعد إطفاء شمعة سامر السابعة التف كل الأطفال حول كعكة عيد ميلاده وانحنوا جميعا لإطفاء الشمعة السابعة، وجدت الفرصة مواتية أن آخذ سيزار بعيدا عن  الأعين في حجرة آخر الممر، وكتمت أنفاسه وقمت بتوثيقه بعد خنقه، ووضعته على مقعد فخم في الحجرة ثم أشعلت شمعة حمراء بجانبه حتى تخرج اللوحة مبهرة، وبعد انصراف كل الأطفال دخلت حجرتى ورسمت سيزار وهو في حالة سبات تام، استغرقت رسم اللوحة يومين  كنت أغلق الحجرة جيدا حتى لا يرانى ساري فهذه الحجرة هي المرسم الخاص بي، وبعد الانتهاء  من رسم اللوحة تقوم الخادمة  بالتخلص من الجثة بطريقتها في نظير مبلغ كبير.

 جرس الهاتف لا يتوقف منذ الصباح، لابد من الاتصال بهذا الرقم، إنه محامي العائلة يطلب مقابلتي مساء، حددت له موعدا وبالفعل وصل في نفس الموعد المحدد، كان مترددا في الحديث لكني طلبت منه أن يخبرني سبب زيارته، شعرت أنه استجمع شجاعته وقال بجملة واحدة  متوالية، السيد القاضي ميزار كتب في وصيته تنازلا عن كل ما يملك لابنه الشرعي سارى، طلبت من المفاجأة أن يعيد ما قاله!.. فأعاد نفس الجملة مرة واحدة بكل شجاعة هذه المرة، لم أصدق ما قاله! .

دقائق  وقام بفتح حقيبة جلدية بها ورق وأعطاني الورق أقرأ ما فيه، نعم هذا خط يده وهذه وصيته، وهذا تنازل عن كل ممتلكاته لساري، تجمد جسدي مكانه حتى لم أشعر بانصراف المحامي، اندفعت ناحية غرفة ساري وجدته مستغرقا في النوم، اقتربت من سريره  وضعت يدي على شعره الجميل الناعم  فهذا  الطفل سيكون صاحب كل شيء هنا، وأنا سأطرد عندما يكبر! .

قمت بتقبيله كم هو طفل جميل وهو نائم، وسيكون أكثر جمالا وتأثيرا عندما يكون ميتا في  لوحتي، قمت بخنقه سريعا قبل أن يشعر بي وأحضرت الفرشاة والألوان، وبعد ساعات خرجت اللوحة رائعة، قبلته ثانية قبلة الوداع، واقتربت من أذنه أرجو يا صغيري أن تبلغ سلامي إلى ميزار أبيك الخائن الذي عرفت مؤخرا أنك ابنه الحقيقي الشرعي  من زوجة أخرى  وبلغه كم أفتقده، جثته الباردة جعلتني أشفق عليه من المبيت هنا مجددا، طلبت من الخادمة أن تفعل اللازم، وتخلصني منه فورًا، مرت شهور كنت أقضي معظم الوقت في المرسم الخاص بي لأضع اللمسات  الأخيرة  في لوحاتي، لاقتراب موعد معرض كبير  تتحدث عنه الصحف في كل مكان، المنزل أصبح موحشًا جدا من غير حبيبى ساري الصغير، لكن ما عليّ سوى البكاء على فراقه، ولو حتى ستهون على فراقه، لم أقاوم تعب طوال اليوم  مددت جسمي على سرير حجرتي سرقت غفوة  دقائق، لكن صوت صراخ  خيم على المكان فجأة، قمت بسرعة لأرى من أين يأتي هذا الصوت، وجدته يخرج من المرسم، كانت  تشبه ضوضاء أطفال يكسرون أبواب المرسم، لكن تشككت في  أذني، فذهبت لأتأكد، فتحت باب المرسم وجدت الصوت فعلا يخرج منه، هل لص حاول أن يسرق لوحاتي؟

لكن وجدت مفاجأة أخرست لساني عن النطق الأطفال كلهم يصرخون، يطلقون صراخا مدويا هز كيانى، سددت أذني  من شدة دوي الصوت، لكني استجمعت شجاعتي، لن تستطيعوا  الانتقام  مني، فأنتم  ألوان زيتية لا أكثر،  أخذ الصراخ يشتد، يغطي على صوتي، اللوحات أمامي تتمزق  ويخرج منها كل الأطفال، أخذوا يطاردونني في كل  أنحاء المنزل،  هربت بسرعة منهم، وقفت  في مواجهة صورة زوجي ميزار، توقفت أمامها، أرجوك يا ميزار لا تدعهم ينتقمون مني، أنت قاض ولن تتركهم يفعلون بي كذلك.

أرجوك أرجوك، لكنه كان صامتا بنظراته الصارمة، عرفت أنه لن يخالف مهنته  لأجلي لأول مرة وسيقوم بالإبلاغ عني  ويطالب بإعدامي، أمسكت  بتمثال نحاسي وأخذت أحطم صورة ميزار على الحائط حتى سقطت على  الأرض، ولم يبق منها  إلا جزء مجهول معلق على الحائط، نظرت ورائي وجدت  الأطفال  يلاحقونني، لم أجد مكانا أهرب منهم غير الفرار ناحية الشرفة، أستغيث بالجيران، أطلقت صرخات قطعت أحبالي الصوتية، ماهذا الصوت؟.

اقتربت ناحية الشرفة لأرى ماذا يحدث في الشرفة المقابلة، إنه الصوت  المعتاد  من شرفة  السيدة  لارا زوجة  القاضي ميزار، التى قتلت  العام  الماضي  في  منزلها، أغلقت الشرفة وتوجهت إلى المطبخ لإعداد الطعام فعمل الخادمة شاق للغاية۔