الجمعة 7 يونيو 2024

الملك لير.. رحلة عبر صفات النفس البشرية في مسرحية شكسبير الخالدة

الكاتب المسرحي شكسبير

ثقافة17-5-2024 | 09:51

إسلام علي

تميزت مسرحيات شكسبير، بعمقها النفسي وتعقيد شخصياتها، وهذا ما يجعلها مادة دراسية هامة في علم النفس الأدبي، فكان شكسبير بارعا في تصوير الصراعات الداخلية للشخصيات، مثل الصراع بين الرغبات الشخصية والواجب الأخلاقي، أو بين الحب والكراهية. مواضيع نفسية عميقة مثل الجنون، الطموح، الغيرة، الخيانة، والهوية.

يتناول إحدى مسرحيات شكسبير الخالدة " الملك لير"، موضوع الخيانة ونتائج الاعتماد على الصفات الخارجية بدلا من الصفات الداخلية، وتدور القصة الرئيسية، في المسرحية،  حول قرار الملك لير، بتقسيم مملكته بين بناته الثلاث وتنازله عن العرش، وكانت الموضوعات الرئيسية في هذه المسرحية عن الحب والوفاء، فيختبر لير بناته  ليرى من منهن تحبه أكثر، ويعطي الحكم في الأخير لأكبرهن رغانا وجونريل اللتين تظهران حبهما الكاذب، بينما أهمل الملك لير، كورديليا ابنته الأصغر التي تحبه بصدق.

وتتصاعد الأحداث في هذه المسرحية، إذ تتآمر غونريل وريغان مع زوجيهما للسيطرة على مملكة لير وإسقاطه من العرش، فبعد أن يتنازل لير عن العرش، تتخلى عنه بناته رغانا وجونريل وتسيئان معاملته، ما يدفعه إلى الغضب، فيصاب لير بالجنون جراء معاناته من الظلم والنكران من قبل بناته، ويتحول إلى شخصية متطرفة العواطف، ويصبح لير مشردا ووحيدا، ويتعرض للخيانة والإهانة من قبل بناته.

يلتقي لير بـ "فول" مهرجه، الذي يقدم له الرفقة والدعم في محنته، بينما على الجانب الآخر، تقتل كورديليا على يد زوج أختها إدموند، وبعد فوات الآوان، يدرك لير خطأه في طرد كورديليا، ويموت حزنا على وفاتها، في النهاية، ينتصر الخير على الشر، حيث يقتل غونريل وريغان وإدموند، ويصبح إيدغار، الابن الشرعي الأصغر للملك لير، ملكا.

التحليل النفسي لشخصيات المسرحية

أثبت شكسبير قدرته الفائقة على دراسة صفات النفس البشرية وتحويلها إلى أعمال مسرحية غنية تستخدم في التحليلات النفسية ودراسة الجوانب السيكولوجية العميقة للبشر، فكان يسعى من خلال مسرحياته إلى إيصال نتائج دراساته النفسية للإنسان، مما أضاف عمقا وتحليلا نفسيا مميزا لشخصياته.

فتجسد شخصية الملك لير، التسلط والغرور، الذي يبحث عن الحب والتأكيد على ذاته من خلال مديح بناته له، من الجانب الظاهري فقط،  لكن عندما يواجه خيانة بناته الأثنين، يمر بانهيار نفسي عميق، ويصاب بالجنون، يظهر لنا شكسبير كيف يمكن للغرور والكبرياء أن يؤديا إلى نتائج كارثية.

وعلى الجانب الآخر، كان غورنيل وريغان، تجسدان قمة الخيانة، فمن أجل السلطة والثروة، لا تترددان في التآمر على والدهما وطرده من مملكته، ظهر لنا شكسبير كيف يمكن للجشع والطموح أن يفسد الإنسان ويحوله إلى وحش، وأما كورديليا فتجسد شخصية الأبنة الصالحة والمخلصة، التي تفضل قول الحقيقة على إرضاء والدها، على الرغم من طردها من قبل لير، إلا أنها تظل وفية له حتى وفاتها، وهنا تظهر قمة الوفاء في العلاقات الإنسانية.

ويجسد إيدغار شخصية الابن الشرعي الأصغر، الذي يظهر صفات النبل والشجاعة والذكاء يخفي إيدغار هويته ويهرب من القصر خوفا على حياته، ثم يعود لاحقا ليحقق العدالة، وهنا يوضح لنا شكسبير قدرة الإنسان على التكيف والمثابرة في مواجهة الشدائد.

قدمت المسرحية نظرة ثاقبة على الطبيعة البشرية، وتظهر كيف يمكن للبشر أن يكونوا طيبين وشريرين في نفس الوقت.