يبقي الدكتور جمال حمدان المفكر الكبير وأحد أعلام الجغرافيا حيًا في الوجدان المصري، ذكراه عطرة وميراثه الذي تركه ينير الفكر العربي، وتعبيرًا عن هذا أطلق اسمه علي أحد المحاور التي افتتحها الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن عدد من المشروعات التنموية بجنوب الوادي.
يبقي صاحب شخصية مصر أحد الرموز التي يشار لها بالبنان، عبقري قلما يجود الزمان بمثله كان صاحب رؤية وفكر فريد، ويتميز بعقلية فذة شهد لها العدو قبل الصديق.
العلاقة بين حمدان ودار الهلال العريقة علاقة فريدة ومتميزة عبر الزمان، فهي الدار التي شرفت بطباعة مجلده الفريد "شخصية مصر.. عبقرية الزمان والمكان" ولا تزال هي صاحبة حقوق النشر لهذا السفر الهام الذي يعد أيقونة جغرافية فريدة توضح عبقرية مصر.
سبق الدكتور جمال حمدان عصره بسنوات طويلة، وأثبت لنا من خلال ما تركه من أعمال خالدة أن الزمن هو الحكم الوحيد على مشوار الكاتب، حيث استطاع جمال حمدان من خلال موسوعته الأشهر شخصية مصر، أن يكتب اسمه بين الكبار في الأوساط الأدبية والثقافية والسياسية، كان يرى أن الجغرافيا هي رؤية استراتيجية متكاملة عن التكوين الجغرافي، الحضاري، والبشر.
لم يلمع اسمه ويأخذ حقه في الشهرة إلا بعد وفاته، بعد تدبّر القراء في إرثًه الثقافي الكبير الذي احتضنته مؤسسة دار الهلال لتنشر له بعضًا من موسوعاته العلمية الثمينة.
ولد جمال حمدان في 4 فبراير 1928، كان ينتمي لأسرة ميسورة الحال، كان مجتهدًا في دراسته وكان من أوائل الثانوية العامة، التحق بكلية الآداب "جامعة فؤاد الأول"، جامعة القاهرة حاليًا، حقق تفوقًا كبيرًا في دراسة الجغرافية فكان الأول على دفعته طوال فتره دراسته، تخرج عام 1948، وعين معيدًّا بالكلية، استمر في دراسة الجغرافيا فكان يقدرها ويعمل على تدريسها.
التحق جمال حمدان لدراسة الجغرافيا في جامعة ريدنج بإنجلترا، حتى حصل على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا عام 1953، كانت الجغرافيا بالنسبة له البحث المتعمق وفهم طبيعة الموقع وقيمته الاستراتيجية، فكان يرى أن الجغرافيا هي الفلسفة، ثم قدم فلسفة الجغرافيا إلى الوطن العربي.
شعر حمدان دائمًا بعدم التقدير لعبقريته، وأن المجتمع غير قادر على استيعابها فكان يسبق عصره بمراحل وفق رؤية مستقبلية في الستينات بشأن تفكك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية وحدث ذلك بالفعل في تسعينات القرن الماضي.
كان لجمال حمدان الكثير من المؤلفات الأدبية المعروفة أشهرها موسوعة "شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان"، أنماط من البيئات، القاهرة، دراسة في جغرافيا المدن، القاهرة، المدينة العربية، بترول العرب، الاستعمار والتحرير في العالم العربي، اليهود أنثروبولوجيا، شخصية مصر، استراتيجية الاستعمار والتحرير، وغيرهم.
حصل جمال حمدان على العديد من الجوائز والتكريمات ومنهم: جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، سنة 1986، جائزة التقدم العلمي من الكويت، عام 1992، جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 1959، وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتاب شخصية مصر، ورحل جمال حمدان 17 أبريل 1993م.