تحل اليوم ذكرى ميلاد أحد أبزر شعراء القرن الـ 19 في أمريكا، الشاعر الذي جدد في الشعر وابتكر أساليب جديدة تخلت عن الشكل والتقاليد الجمالية الاعتيادية في زمنه، وتعتبر مجموعته الشعرية "أوراق العشب" من الأعمال الأدبية البارزة التي أثرت في المشهد الأدبي الأمريكي، إنه الشاعر الأمريكي والت ويتمان.
ولد والت ويتمان في 31 مايو عام 1819م لأبوين ينتميان إلى أصول إنجليزية وهولندية، ونشأ في بروكلين حيث تلقى هناك مرحلى تعليمه الأولى، ولكنه لم يكمل تعليمه وبدأ منذ صباه العمل في مطبعة، كانت قراءاته الواسعة تشمل الكثير من الأدباء والمفكرين، بدءًا من "الإنجيل" و"شكسبير" وصولاً إلى "دانتي" وغيرهم، مما أثر في أسلوبه الشعري ومضمونه بشكل لافت، خاصة في فترة نضجه.
استطاع ويتمان بفضل معرفته الواسعة نتيجة لاطلاعه المستمر أن يعمل في التدريس، واتجه بعدها للعمل بالصحافة وكتابة المقالات في لونج أيلاند، كما شغل دورًا فاعلاً في المشهد السياسي، حيث كان من رواد الديمقراطية الأمريكية.
برز نشاط وازدادت شهرته الأدبية والسياسية بعد عام 1841، حيث بدأت كتاباته تنشر في مجلات مختلفة سواء في بروكلين أو نيويورك، ومع ذلك كانت أعماله الأدبية في تلك الفترة تتميز بالتقليدية والضعف، وكانت قصصه الظاهرة في مجلة "الديموقراطية" سطحية ومبالغ فيها في العاطفة.
في عام 1846، أصبح ويتمان رئيسًا لمجلة "بروكلين إيجل" التي كانت تنتمي إلى الحزب الديموقراطي، حيث استمر في مهاجمة جميع أشكال التعصب والفاشية والديكتاتورية، مؤكدًا أن ازدهار الأمم يتوقف على تعزيز الديمقراطية.
أثناء عمله في سكرتارية المكتب الهندي بوزارة الداخلية الأمريكية، صدر له ديوان أوراق العشب فقام الوزير بطرده على أساس أنه عمل غير أخلاقي، لكن الكتاب والمثقفين لم يتحملوا هذه الإهانة التي لحقت بالشاعر الكبير، فكتب وليام أوكونور كتاب الشاعر الشيخ الصالح عام 1866، وفي عام 1867 أصدر جون باروز كتابه ملاحظات على والت ويتمان:الشاعر والإنسان.
ديوان "أوراق العشب"
أصدر والت ويتمان ديوانه الشهير "أوراق العشب" في طبعته الأولى عام 1855، أثناء خدمته في سكرتارية المكتب الهندي بوزارة الداخلية الأمريكية، ولكن الوزير رفضه بسبب ما اعتبره عملاً غير أخلاقيا، مما أدى إلى طرده من الوظيفة، وعلى الرعم من صدور الديوان إلا أن ويتمان ظل معظم حياته يكتب ويعيد ويراجع أوراق هذا الديوان حتى وفاته في 1892.
تعرض والت ويتمان للشلل في عام 1873، مما أثر ذلك على كتاباته، وغيرت من فكره إلى حد كبير، وشهد أسلوبه الواقعي تحولًا نحو الرمزية والتعبير الفني المركب، حيث بدأ يستخدم صور التلميح بدلاً من الوصف المباشر.
تبدلت فلسفته، حيث كان يعتبر الكون مادة واحدة، ولكن بعد الإصابة انتقل إلى المثالية الروحانية التي يغلب عليها لتصوف، كما تغيرت آراؤه السياسية، حيث انتقل من التأكيد على الحرية الفردية إلى دعم للقومية وحتى العالمية، وانخفض مستوى حماسه السابق تجاه الحرية الفردية لصالح دعم النظام الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع.
والت ويتمان يعد رائداً في الشعر الأمريكي، مثلما يعد مارك توين رائدا في الرواية الأمريكية، ويوجين أونيل رائدا في المسرح الأمريكي، ويُعتبر ويتمان من أهم وأبرز الشعراء الذين عبروا عن الديموقراطية الأمريكية، وكان أول شاعر أمريكي ينال إعجاب الأمريكيين والأوروبين على حد سواء، ولاقت قصائده اهتمامًا كبيرا من قبل علما النفس الذين اعتبروا أشعاره دراسة خصبة لمكونات النفس البشرية.