هل من حق الكوميديان البكاء، أم سيكون مملا، فهو لطالما أضحك الجميع فمن حقه بعض قطرات الدموع! أتمني أن لا أثقل على قلوب أحبتي وأصدقائي، فبطبعي لا أحب الشكوى ولكن في القلب رجفة وفي الروح غصة جعلتني أرغب في الحكي "فالفضفضة" باب من أبواب الارتياح، في حكايتي القصيرة كلمات حزينة ربما لم يعتادها أحدا مني من قبل عبارات ليس بغرض الاستعطاف أو الشفقة لأنني دائما أعتدت تحويل أوجاعي وألمي وربما مأساتي لكوميديا سوداء.
لماذا أكتب الآن؟ بالرغم من مرور سبعة أشهر على صدمة "أنت مريض سرطان" لأن الكثير من الأحباب ربما ما زالوا يهتمون بمعرفة أحوالي.
البداية كانت في شتاء نوفمبر ٢٠٢٣ وبصوت محمد هنيدي أمطار وعواصف وألم بالمعدة لا يحتمل، نغزات موحشة أجبرتني للذهاب مسرعا لأحد العيادات وبعد لحظات من وضع الطبيب سماعة الكشف سونار في الحال وهنا بدأت رحلة التحاليل والإشاعات والصبغة و"دوخيني يا ليمونه".
ومن السونار كانت الشكوك والخوف من الصدمة، أنت محتاج إشاعة مسح بيولوجي وربنا ما يكتبها على عدو ولا حبيب أدخلوني غرفة أشبه بأفلام الخيال العلمي، ثم يأتي بعدها جهاز الرنين الذي أتمني ألا يشاهده أحد ولا حتى في المنام رعب بمعنى الكلمة فهو أشبه باليالي الحنة التي تقام في الشوادر ولكن الفرق الوحيد أن الفرقة الموسيقية هنا تعزف داخل المخ ولا تتركه إلا والإذن تنزف، ومنه للصبغة وما أدراك ما الصبغة، وباستشارة طبيب أخر طالبني بالمنظار والذي لأبد من التحضير له قبل القيام به بثلاث أيام، يتم فيهم شراب غسول للمعدة مضاف لثلاثة لترات من الماء، و٣ لتر ماء آخرين علي ٢٥ كيس ملحي مع شربة خروع والمزيد والمزيد.
توقفت عقارب الساعة وبالتحديد في تمام الساعة الثامنة والنصف مساءً وبصراحة تامة وبدون مقدمات محمد أنت مريض سرطان ربما حدة صوته وصراحته وعدم محاولته تهوين الهلع بداخلي جعلتني أشعر وكأنه يعايرني، فهو لم يعرف للمشاعر طريق فهذا عمله ودائما ما يجد نفسه بذات الموقف مع مريض أخر، بعدها تلقيت الصدمة الأكبر في حياتي "أنت في حالة متأخرة جدا" ولأبد من دخول العمليات سريعا، رفضت التصديق فأنا الذي يخشى على نفسه حتى من نزلات البرد ولكن تم تأكيد الوضع من أكثر طبيب. الغريب في الأمر أنني لطالما كنت أتبع سبل الوقاية من هذا المرض اللعين فكنت من مدمني الشاي، أحتسي أكثر من عشر أكواب من الشاي يوميا في الكوب الزجاجي الخالي من الزخارف والرسومات فهذه متعتي خاصة وأنني قرأت من قبل أن مدمني الشاي الأحمر لم يصابا بالسرطان فالأبحاث أثبتت أن الشاي مضاد فعال للأكسدة.
بدأت المفاوضات مع أطباء الأورام والفصال في أسعار العمليات الباهظة، و بدأت الاستعدادات لرحلة العمليات، والتقيت بالطبيب محمد عصمت نائب رئيس الأورام في مستشفي السيد جلال وهو دكتور أكاديمي، خبرته النظرية دفعتني لاستشارته وبعد مفاوضات ومحاولات تمكن من إقناعي بإجراء العملية في مستشفي السيد جلال للاستفادة من التأمين وبالفعل ذهبت للمستشفي وأنا غير مقتنع، وفي أول وأخر يوم من دخولي للمستشفي تلقيت صدمتين كانت الأولى من إحدى تلاميذ الطبيب المعالج الذي لطالما حاول إقناعي بمحبته الشديدة وأنه سيقسو علي في العلاج للخروج بنتائج كبيرة، ولكن كان هذا الوجه غير حقيقيا فهو تسبب لي في ثقب في المعدة وفي مضاعفة الآلام.
والصدمة الثانية كانت دخولي عنبر علاجي مع أكثر من ثمانية مريض، ومع كل مريض اثنان من المرافقين فلك التخيل! حدث ولا حرج ٢٤ نفس في غرفة واحدة "وأنا وسطهم" جو أسري شديد الحرارة فالغرفة المكتظة ليس بها مراوح بعد، ولا أي سبيل من سبل التهوية، ووجدت مرضي مقيمين بذات الغرفة منذ أكثر من شهر قصص وحكايات لم تنتهي، شعرت وكأنني بقسم تعليمي يحتفظون فيه بحالات محددة للتجارب ولتحضير رسائل علمية، وربما لم أمانع إذا عرض على مبلغ كبير من المال حتى أتركها لوالدتي وللورثه فأنا ابن وحيد على خمس بنات تربطنا سمة مميزة وهي لدغة الراء.
ومنذ لقائي بنائب رئيس قسم الأورام لم أكن أسمع منه سوى كلمة واحدة "زي الفل".
أنا في تأخر ولسان حاله "زي الفل" لدرجة أن تلك الكلمة ارتبطت بذهني بالأخبار السيئة، وفي تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل جاء طبيب آخر أخبرني بأن طبيبي المعالج "عنده محاضرات" ولا يمكنه إجراء العملية ولا يعلم أحد من سيقوم بالعملية وعلي أن أقبل بالأمر الواقع وقبول الطبيب الذي لم اسمع اسمه ولم أعرفه إلا قبل ساعات من العملية أو الانتظار للأسبوع القادم، ومنحني ربع ساعة فقط للتفكير وأخذ القرار، وبالفعل اتخذت قراري بالهروب بالخراطيم والإشاعات، ولكنني صدمت بالأمن أين تذهب فكان الارتجال لحظي "خارج نفسي أكل ساندويتش فول" وكانت المفاجأة بأنه صدق على الأمر.
وبعد فترة تحدثت مع الطبيب ليخبرني باسم مستشفي خاص سوف أجري بها العملية، وبعد العديد من الاتصالات والرسائل وكأنني أقوم بمطاردته لم يجيب، وكان هذا سببا أساسيا في رفضي قيامه بالعملية، فأنا مريض مرعوب وهو لا يجيب على اتصالي! كل الإشارات والرسائل كانت تمنعني عن قيامه بالعملية وكأنها رسالة ربانية ولكنني لم أعي الأمر، ولأن كل شيء مقدر ومكتوب فقد قام بالعملية، وهنا بدأت رحلة عذابي لا تقدم.. لا مجال للنوم ومضاعفات خطيرة يوما تلو يوم، وثقب بالمعدة وتحويل مسار، ويأتي هو يوميا أو مساعده لمتابعة حالتي فيري أمعائي منتفخه ولا يوجد دماء بالأطراف، ومازال يردد "زي الفل" إلي أن جاء طبيب أخر في وقت متأخر من الليل وأخبر عائلتي بالصدمة الثالثة عنده تسمم في الدم!
نتيجة تسريب من الإثني عشر، فقد حدث خطأ طبي في العملية ولم يعالج منه، ولابد من استكشاف وبالفعل قمت بعملية أخري في نفس أسبوع العملية الأولى و تم تصحيح الخطأ الطبي.
إحقاقا للحق أصبحت أتشائم من كلمة "زي الفل" فبعد العملية الثانية وجسد متهالك تماما هو نفسه وبنفس نبرة الصوت "زي الفل" وأخبرني أن كل ما أحتاج إليه بعض حبوب الكيماوي الخفيفة فقط، ولكنني فوجئت أنني في احتياج لأقوى أنواع الكيماوي، وها أنا أنتظر نتيجة العلاج الذي أتمنى وأن تأتي بالخير من أجل والدتي وأخواتي وأحبابي، وعسايا إنني لم أسمعه مرة أخرى يردد زي الفل، لأنه اختفى بمجرد خروجي من المستشفي وبدون أسباب واضحة أصبح لا يجيب على أي استفسارات، ورفض إعطائي تقرير طبي بالحالة، كما تمنع عن منحي فاتورة بالمبلغ المادي الذي حصل عليه بالكاش ربما هربا من تدهور حالتي ومن الخطأ الطبي وربما وبصوت خافت تهربا من الضرائب ويارب يكون زي الفل.