ـ التاريخ والماضي من ثوابت الهوية، فمن خلاله يعرف الإنسان ذاته، وشخصيته، لأن التاريخ هو الذي يحفظ كيان الأمة، وكما يقولون "أمة بلا تاريخ لا مستقبل لها"
ـ كانت مسرحية " الفرافير" لإدريس بمثابة بيان لتأصيل فكرة الهُوية، أكد فيه على ضرورة أن يكون لدينا مسرح مصرى ينطلق من تراثنا وثقافتنا تعبيرا عن لغتنا نحن
ـ طرح توفيق الحكيم رأيا يتفق فيه مع يوسف إدريس، حين تحدث عن الاتهامات التي يوجهها البعض لفننا الشعبي، الذى هو عنصر مهم من عناصر الهُوية
ـ كلما استطعنا تنمية عناصر هويتنا، ودعم القوة الناعمة فيها، استطعنا الاستمرار في بناء شخصيتنا ومجتمعنا، وهو ما يمثل مسئولية كبيرة يتولاها كل الكتاب والمفكرين والمبدعين
في مقال سابق تحدثت عن المقومات الثقافية وأهمية تفعيلها للنهوض بالمجتمع، مستندا إلى ما جاء في الدستور المصري الصادر عام 2014 وكان مُعبرا عن رغبة الشعب في الحفاظ على مكتسباته وتاريخه، والعمل على دعم هذه المكتسبات، بعد محاولات تيارات الإسلام السياسي النيل من هُوية المجتمع المصري، وزعزعة استقراره، ودفعه للسقوط في هاوية التطرف والعنف والإرهاب، وكأننا لا نملك تاريخا أو تراثا ثقافيا قادرا على حماية مجتمعنا، ولقد باءت محاولاتهم بالفشل، لأن فكرة الانتماء الموجودة في ثقافتنا والتي تعد عنصرا هاما ورئيسيا في هويتنا استطاعت مواجهة تلك المحاولات، بالثورة على هؤلاء الذين سعوا طوال سنوات طويلة إلى طمس معالم ثقافتنا القائمة على التسامح، وظنوا أنهم بوصولهم إلى السلطة سيستطيعون تحقيق أهدافهم البغيضة. ولكن الشعب استطاع بإرادته الحرة مواجهتهم وأعلن رفضه لهم في الثلاثين من يونيه عام 2013.
ولأن الهوية الثقافية المصرية بروافدها الحضارية المتنوعة، هي الملاذ الذي نستطيع به المواجهة، أكدت المادة ( 47) من الدستور على التزام الدولة بالحفاظ عليها.
والهوية بمعناها العام، تحدد -على حد تعبير د. رشاد الشامي عندما تحدث عنها – (الشعور العميق الوجودي الأساسي للإنسان ، والشعور العميق الخاص بانتمائه، ويمنح الانتماء الفرد غايته وأمل حياته: المسؤولية عن هوية الجماعة واستمرارية أنماط تراثها المختلفة، المادية والروحية، والأمل في أن جهوده الإبداعية والوجودية لن تذهب هباء بموته، بل ستغذي حياة الجماعة بعد وفاته، ومن يكون لديه الارتباط بهويته على هذا النحو، لا يتصرف وفقا لقانون المصادفة، لأن الفرد الذي يتصرف وفقا لهذا القانون يكون مفتقدا للهوية، ومفتقدا للانتماء ومحكوما عليه بأن يعيش حاضره فحسب، لفترة السنوات التي يحياها على الأرض وينغمس في هذه الحالة).
ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن اجتهادات كتاب المسرح ونقاده، لتأكيد فكرة الهُوية، في إبداعاتهم، وكتاباتهم، لأن المسرح فن جماهيري يستطيع التعبير عن الوجدان، ويستطيع مُعاركة القضايا السياسية والاجتماعية والإنسانية، التي بها يتكون الوعي لدي الناس، بأن تاريخهم وتراثهم الثقافي، هو جزء من شخصيتهم، وينبغي عليهم العمل على تنميته، لينقذهم من التفكك، وينبغي على الناس أن يضعوا أنفسهم كما ذكر " اريك اريكسون" عالم النفس الدنماركي - الألماني الشهير وصاحب نظرية " التطور الاجتماعي للإنسان "- في سياق تاريخي ، وفي مناخ اجتماعي من أجل الوصول إلى هوية للأنا، وأن هذه العملية تشتمل على فهم لمدى ملاءمة العلاقات القائمة بين المرء والآخرين. والمسرح - في اعتقادي - قادر على دعم هذا الفهم.
ومن ثوابت الهوية: التاريخ والماضي الذي من خلاله يعرف الإنسان ذاته، وشخصيته، لأن التاريخ هو الذي يحفظ كيان الأمة، وكما يقولون " أمة بلا تاريخ لا مستقبل لها ".ولا حاضر أيضا حين تجهل ماضيها.
المسرح ومحاولات تأكيد الهُوية
قضية تأكيد الهوية في المسرح المصري شغلت كل المسرحيين من جيل الستينيات، لأنهم آمنوا بفكر ثورة يوليو 1952 لأنها سعت لبناء مصر الجديدة ، لتطوي صفحات الماضي الذي تفشى فيه الظلم والقهر وسيطرة الإقطاع على مقدرات البلاد، فضلا عن وجود الاحتلال الإنجليزي، الذي سعى لطمس الهوية المصرية، بمحاولات تغيير طبيعة ثقافتها، وطرح النموذج الأوروبي ليكون في المُقدمة، واستسلام من بيدهم إدارة شؤون البلاد لهذا السلوك، دفع كل القوي والأحزاب الوطنية والمفكرين المستنيرين لرفضه ومقاومته.
ولأن المسرح من أهم أدوات القوة الناعمة، كانت الفرق المسرحية الأجنبية (الفرنسية - الإنجليزية) تقدم عروضها باللغتين، بينما تُقدم الفرق المصرية التي ظهرت في بدايات القرن الماضي عروضا اعتمدت على النصوص الأجنبية، بعد تعريبها أو تمصيرها أو ترجمتها، ولم تكن تعبر عن الواقع الاجتماعي والإنساني الخاص بالشخصية المصرية، نظرا لاختلاف الثقافة. مع التأكيد على أن هناك محاولات تمت من بعض الفنانين لمعاركة الواقع حفاظا على الهوية، ومنهم " زكي طليمات". ولأن ثورة يوليو كان أملها بناء مصر الجديدة – ظهر اهتمام جيل الستينيات - من كتاب المسرح- بتأكيد قضية الهوية، وتجلى هذا الاهتمام - على سبيل المثال – في المقدمة التي كتبها يوسف إدريس لمسرحيته " الفرافير" عام 1964 وكانت بمثابة بيان لتأصيل فكرة الهُوية، أكد فيه على ضرورة أن يكون لدينا مسرح مصرى ينطلق من تراثنا وثقافتنا، تعبيرا عن لغتنا نحن، حين تحدث عن السامر وفكرة التمسرح، وهذا البيان- بالمناقشات التي دارت حوله - يُعد بما احتواه من آراء دفاعا عن الهُوية المصرية، والحديث عن الخصائص المُميزة لها، من أجل العمل على تطويرها في فنوننا بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، وذكر أن هذا السعي ليس معناه القطيعة مع الفنون الأوربية ، ولذلك نراه يعجب لهؤلاء (المثقفين الذين يتحدثون باحترام يقترب من مرتبة التقديس عن السمفونية وبتهوفن وموزار ، حتى إذا جاءت سيرة فنوننا كادت تنتابهم حالة قيء حادة، وقالوا لك باشمئزاز: أين هذه العبقريات كلها من " موالنا" الخائب أو " على بلد المحبوب وديني"؟ هؤلاء المثقفون ليسوا مثقفين بالمرة، أو على الأقل لا يمكن أن يحتسبوا من مثقفي شعبنا، ممكن اعتبارهم مثقفين أوربيين أو متأوربين، لأن فن أي شعب كلغة أي شعب، لا يمكن أن يُقارن بفن أي شعب آخر، أو لغته، أو يُميز عليهما) .
وتجلى هذا الاهتمام - أيضا- في المقدمة التي كتبها ( توفيق الحكيم) لكتابه الهام (قالبنا المسرح )عام 1967 وفي المقدمة التي كتبها لمسرحيته التجريبية التي استلهمت من موروثنا الشعبي موضوعها ، ونراه يطرح رأيا يتفق فيه مع "يوسف إدريس " وبدون قصد، حين تحدث عن الاتهامات التي يوجهها البعض لفننا الشعبي - وهو عنصر من عناصر الهُوية - ( اتهمنا عرائس المولد الحلاوة ومخلوقاته العجيبة المختلفة، من طيور وحيوان وزهور ورسوم وأشكال وأوراق ملونة ومذهبة ومفضضة وقطع زجاج وصفيح، بأنها أعمال بدائية قبيحة ساذجة، وطالب بعضنا بما يسميه تطويرا إلى ذلك النوع من الكمال والجمال المحفوظ الممضوغ: جمال "الكارت بوستال " دون أن ندرك أنها بصورتها الشعبية إنما تكاد تُمثل أحدث مدارس الفن في أوربا قبل أن تظهر هذه المدارس بأجيال ) وبعدها ظهرت محاولات تأصيل الفكرة في كتابين هامين قدمهما د. على الراعي وهما (الكوميديا المرتجلة – فنون الكوميديا) وكل تلك المحاولات واجهت بعض المشاكل منها كما ذكر ( الفريد فرج ) أثناء حديثه عن شعبية المسرح المصري - وكان واحدا من الكتاب الذين تبنوا معالجة تلك القضية والسعي لتحقيقها إبداعيا في بعض النصوص التي قدمها - " أن تلك الشعبية التي سعى إليها مسرحنا المصري تقيدها وتحدها وتصدها طبيعة المناطق الجغرافية التي تحدد إقامة الإبداع المسرحي، ويعني بذلك ( أن معظم دور المسرح تتركز في وسط القاهرة والإسكندرية، وأسعار التذاكر تحدد جمهور المسرح المتمثل في دائرة مثقفي الطبقة الوسطي فضلا عن أن طقوس المسرح التقليدية، وطبيعة وسائل المُشاهدة المسرحية في بلادنا ماتزال من عوامل اغتراب مسرحنا في زحام الجماهير العريضة ) وهذا الذي ذكره ( الفريد فرج ) في مقال له عام 1980 تغير بعض الشيء، لأنه في إطار الاهتمام بتأكيد هوية المسرح وخصوصيته، أصبح رافد مسرح الثقافة الجماهيرية، مجالا لتقديم أعمال وتجارب تسعي لتحقيق هذا، فضلا عن وجود فرقة تابعة للبيت الفني للمسرح، وهي فرقة (المواجهة والتجوال) تتجول بعروض بعينها، وتلك العروض ذات طبيعة توعوية وتعليمية، تساعد الجماهير على فهم ثقافة مجتمعهم، وتذهب إليهم في القرى والنجوع البعيدة عن العاصمة، وهي خطوة لم تكن متحققة وقت أن تحدث الفريد فرج، عن العقبات التي تواجه المسرح حين يبتعد عن الناس. وفي عام 1995 نراه يؤكد من جديد – في مقال له على ضرورة تثبيت الهوية المسرحية المصرية التي كانت من الضرورات في ظن جيله كله.
ولا ننسى جهود المخرج المسرحي (عبد الرحمن الشافعي) في هذا المجال وإيمانه بأن " الحفاظ على تراث الشعب المصري هو أساس الهوية، التراث الفني والأدبي والثقافي بكل معانيه النفسية والفكرية والاجتماعية والسياسية، بل معانيه التاريخية والحضارية أفقيا بمعني المسح الجغرافي الشامل لهذا التراث، وطوليا بالبحث في تاريخ تكوين وجدان الأمة المصرية من خلال الإفرازات التراثية في الأدب والفن والحرف والثقافة " وأيضا كتابات "فاروق خورشيد" الذي انتقد سلوك أصحاب السلفية، وأصحاب الحداثة، عندما تضافرت جهودهما معا في إغفال الاعتراف بالموروث الشعبي العربي - الذي رآه من جذور المسرح المصري خاصة والعربي عامة – وساهموا بهذا في تأخير الاهتمام به ودراسته، ومعرفة جذوره في ضمير المبدع العربي المعاصر، وفي صلب الإنتاج الفني المُعاصر بألوانه المختلفة، وجاء هذا النقد الذي وجهه للمعادين لهذا الموروث دفاعا عن الهُوية، لأن الموروث الشعبي يُعد رافدا أساسيا من روافد فكرنا وثقافتنا، و"زكريا الحجاوي" الذي أطلق عبارة (مسودة الحضارة ) على محاولاته الناجحة بحثا عن الفنون الشعبية المُعبرة عن الهوية المصرية، والذي كان يرى (أنها ضاعت في زحام المدنية الحديثة، وناءت تحت وطأة فنون الغرائز المريضة الوافدة مع موجات الغزوات الاستعمارية على مصر ) وغيرهم الكثير .
وأتساءل : هل توقفت محاولات الكُتاب الذين جاءوا بعد هذا الجيل منذ السبعينيات حتي الآن ؟
أقول: لم تتوقف، لأن قضية الهوية مازالت مطروحة، ومازالت من الضرورات التي يحتضنها ويتبناها عدد غير قليل من الكتاب، بعضهم رحل عن حياتنا مؤخرا ومنهم ( يسري الجندي - رأفت الدويري - محمد الفيل - شوقي عبد الحكيم - أبو العلا السلاموني ) والأخير أدرك مبكرا - وتجلى هذا الإدراك في معظم أعماله المسرحية - أن الظواهر المسرحية والمفردات الشعبية في تراثنا العربي، هي المنبع الذي يؤكد على الهوية بطريقة تلقائية وعفوية) هذا بالإضافة إلى كتابات واجتهادات د.عادل العليمي ود.صالح سعد كمخرجين، والبعض الآخر مازال يمارس دوره، في الحفاظ على هُوية المسرح المصري، بوصفه أداة هامة من أدوات القوة الناعمة القادرة على حماية الثقافة المصرية، وحماية الأفراد أنفسهم من الاستلاب، والتغريب، الذي يسعى إليه من يتبنون ثقافة العولمة، وفكرة القرية الكونية، تلك التي هدفها الحقيقي القضاء على الهوية، والخصوصية. لأنها من الأمور التي تزعج من لا تاريخ لهم.
إشكالات الهوية القومية في الثقافة والتاريخ
حين نتحدث عن هُوية المسرح، فلأنها ترتبط بإشكالات الهوية القومية في الثقافة والتاريخ.
أولا: في الثقافة لأنها جزء أصيل منها، وينبغي السعي الدائم لتأصيلها ومواجهة كل محاولات طمسها، لصالح من يريدون ذلك وتلك هي الإشكالية الأولي.
ثانيا: في التاريخ لأننا ابتعدنا كثيرا عن تاريخنا، خاصة القديم منه، وهو المنطلق الحقيقي الذي لا ينبغي أن نُهمله، فمنذ فجر الضمير عرفت مصر عددا من الفنون منها الرقص والموسيقي والغناء والمسرح ، وكلها كانت " جزءًا أساسيا من الشعائر الدينية والاحتفالات الكبرى، فضلا عن وجود آلات موسيقية منها " المزمار - الطنبور - الطبول مختلفة الأشكال، وظهرت أيضا فنون الأدب، فهناك أدب الحكمة والقصة، وقصائد الحب، والرسائل، ولعلنا نتذكر رسائل المصري الفصيح خن- أنوب وهناك النصوص الجنائزية الموجودة في " كتاب الموتى" وكلها مصادر للقوة الناعمة التي تشكل جزءا هاما من هويتنا، تلك الهوية التي تجمع مجموعة من الصفات المميزة لثقافتنا الوطنية التي تقوم – كما ذكر د. طه حسين في كتابه الهام " مستقبل الثقافة في مصر " على وحدتنا الوطنية، وتتصل اتصالا عميقا بنفوسنا المصرية الحديثة ، كما تتصل اتصالا قويا عميقا بنفوسنا المصرية القديمة أيضا، تتصل بوجودنا المصري في حاضره وماضيه ومقدمة الدستور المصري الصادر عقب ثورة 30 يونيو 2014 يشير أيضا إلى ذلك بعبارات واضحة (في مطلع التاريخ، لاح فجر الضمير الإنساني وتجلى في قلوب أجدادنا العظام فاتحدت إرادتهم الخيرة، وأسســوا أول دولة مركزية ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة، وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة).
وتأكيدا لفكرة الهوية تلك، ظهرت أول مسرحية في التاريخ وهي مسرحية (انتصار حورس) التي اكتشفت عام 1935 ونقلها عن الهيروغليفية عالم المصريات الشهير هـ .و. فيرمان ونُشرت في كتاب صدر باللغة العربية عام 1972 بعد أن عُرضت المسرحية على خشبة مسرح قسم الدراما في كلية باد جيت بإنجلترا عام 1971.
ويحكي الدكتور "على الراعي" واقعة تقديمها في انجلترا قائلا: " في عام 1968 التحقت ابنة بروفيسور "فيرمان" بقسم الدراما في الكلية، وتصادف أن سألها رئيس القسم وهي في فصلها الدراسي الثاني، سؤالا عابرا عما إذا كان لدى أبيها مسرحية مصرية قديمة يُمكن عرضها على مسرح القسم، فكان جواب الفتاة: نعم، ومن ثم بدأت الاستعدادات لتمثيل وتقديم مسرحية " انتصار حورس" .
واستدعائي لهذه الواقعة : تأكيد على أن الهُوية المصرية لها بعد تاريخي القديم، والمسرحية تتناول جانبا من أسطورة حورس، وتسجل في مشاهدها النصر الأخير لإله الخير على إله الشر .
وإذا كان هذا النص قد نُقش على جدران معبد أدفو عام 88 ق . م – تقريبا- فقد سبقه تقديم أسطورة " أوزيريس" كطقس ديني داخل المعابد في القرن الرابع والعشرين ق.م في حين أن الدراما اليونانية يرجع تاريخها إلى سنة 490 ق. م - كما يذكر المؤرخون- حين عُرضت أول تراجيدية كتبها ومثلها "اسخيليوس " في أثينا.
وهذا التراث القديم ظل مؤثرا حتي الآن ، لأنه جزء من ثقافتنا، ومن هويتنا، وانعكس ذلك على معالجة الأسطورة، في عدد من النصوص المسرحية المصرية المعاصرة، التي تناولت - من خلالها - قضايا المجتمع المصري حتى يمكن القول معه - على حد تعبير د. أحمد شمس الدين الحجاجي ( بأن هذه المسرحيات تكاد تكشف عن صورة كاملة لحركة التطور الاجتماعي منذ بداية ظهور أول مسرحية تتخذ من الأسطورة موضوعا لها سنة 1933 وهي مسرحية (أهل الكهف) لتوفيق الحكيم، حتى ظهور مسرحية (أنت اللي قتلت الوحش ) سنة 1970 لعلي سالم، مرورا بمسرحيات كتبها فتحي رضوان و"على أحمد باكثير" ومحمد مهران السيد وأحمد سويلم وغيرها في المسرح الشعري.
الهُوية المصرية وماضينا القديم
من هنا يتضح أن الهوية المصرية ترتبط ارتباطا وثيقا بماضينا القديم قدم التاريخ نفسه، فأساطير المصريين على حد تعبير د.طه حسين ( تتنبأ بأن آلهتهم قد تجاوزوا الحدود المصرية، وذهبوا يحضرون الناس في أقطار الشرق، وتاريخ المصريين يتنبأ أيضا بأن ملوك مصر قد بسطوا سلطانهم على هذه الأقطار أحيانا، والتاريخ المصري القديم يحدثنا - أيضا - بأن مصر كانت في تلك العصور قوة أساسية من قوى التوازن السياسي والاقتصادي، لا بالقياس إلى هذه البلاد وحدها، بل بالقياس إلى بلاد أخرى كانت مهدا لهذه الحضارة الأوربية التي نريد أن نعرف ما يمكن أن يكون بينها وبيننا من صلة) ويضيف في جزء آخر من كتاب "مستقبل الثقافة في مصر " ( في مصر ثقافة مصرية إنسانية فيها شخصية مصر القديمة الهادئة، وفيها شخصية مصر الباقية الخالدة، وهي في الوقت نفسه إنسانية قادرة على أن تغزو قلوب الناس وعقولهم وتُخرجهم من الظلمة إلى النور ) .
وأتساءل أيمكن أن تكون ثقافة كمثل تلك الثقافة التي تمثل جزءا أصيلا من هويتنا، أيمكن لأي أحد أن يستطيع طمسها، أو النيل منها؟! لن يحدث هذا بالطبع، وكلما استطعنا تنمية عناصر هويتنا، ودعم القوة الناعمة فيها، استطعنا الاستمرار في بناء شخصيتنا ومجتمعنا، وتلك النقطة - تحديدا - تمثل هما كبيرا، ومسؤولية يتولاها كل الكتاب والمفكرين والمبدعين، وفي مقدمتهم كتاب المسرح .